التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب: قراءة على ضوء قانون 2003 ومشروع قانون 2014


2015-05-06    |   

التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب: قراءة على ضوء قانون 2003 ومشروع قانون 2014

بعد عشر سنوات تقريباً على المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب رقم 03.03 عاد النقاش من جديد حول هذا القانون أمام البرلمان بمناسبة مشروع قدمته الحكومة لتعديل هذا القانون. ولا شك بأن الفرق شاسع بين مناقشة القانون لأول مرة قبل عشر سنوات من اليوم حيث كان المغرب على وقع صدمة أحداث 16 ماي 2003، ومناقشة المشروع الجديد في الوقت الراهن تزامناً مع التحولات الحقوقية التي عرفها المغرب بعد المصادقة على الدستور الجديد الذي اعتبر المنهجية الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان من بين ثوابت المملكة، فما هو السياق العام الوطني والدولي المؤطر لمشروع التعديل الجديد؟ ما هو الحجم الحقيقي للجريمة الإرهابية بالمغرب؟ وما هي مضامين المشروع الجديد، وإلى أي حد وفق في تحقيق الموازنة بين توفير الحماية الكاملة للمجتمع من الانفلاتات الإرهابية واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية؟قانون 2003 على وقع تفجيرات الدار البيضاء
عجلت التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، بالتصويت على القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[1]، وقد تضمن ثلاثة مواضيع بالغة الأهمية،يتعلق الموضوع الأول بتجريم الأفعال المعتبرة جرائم إرهابية والعقوبات المقررة لها، فتم وضع عقوبات رادعة تصل الى الإعدام في حالات عدة. ويلحظ أن قانون 2003 لم يعرف الجريمة الإرهابية بل اكتفى بتعداد الأفعال التي تعتبر كذلك كلما كانت لها علاقة عمدية بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف[2]، وتلك التي تكتسي هذه الصفة ولو جاءت خارج إطار أي مشروع فردي أو جماعي[3]. وهذا ما انتقدته لجان مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة مطالبة بتعريف الإرهاب عملاً بمبدأ شرعية العقوبات[4].ولم تسلم وجهة نظر المشرع المغربي من النقد في تحديده وتعدده للجرائم الإرهابية وذلك باعتبار الصعوبات التي تعترض تحديد المقصود بالمس بالنظام العام، وهي عبارة عامة ومطاطة وذات دلالات ومفاهيم واسعة. فكل الجرائم سواء أكانت عادية أو إرهابية أو سياسية تشكل خرقاً للنظام العام.فضلاً عن أنه حدد طبيعة هذه الجريمة في كونها لا ترتكب إلا بوسائل معينة (التخويف أو الترهيب أو العنف) وهي وسيلة يشوبها الغموض. إذ إن هذه العبارات المستعملة لا تعدو أن تكون سوى ترديد لمعانٍ متشابهة، فهي ذات دلالات ومفاهيم واحدة وقد اقتُبست من التشريع الفرنسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالتخويف أو الترهيب ليس إلا أثراً سيكولوجياً يصاحب الإرهاب ويتعلق بالضحية أكثر من تعلقه بالفاعل، ومن ثم سيكون علينا العودة مجدداً للبحث عن تعريف للمقصود بالإرهاب. كما أن استعمال التخويف أو الترهيب أو العنف ليس حكراً على الإرهابيين، فالمجرمون الآخرون أي غير الإرهابيين، قد يستعملون الأساليب ذاتها في أفعالهم الجرمية، ما يتيح تطبيق قانون الإرهاب عليهم.بالإضافة إلى ما تقدم، اشترط المشرع المغربي أن يهدف الفعل الإرهابي إلى المس الخطير بالنظام العام، وهذا يعني أن يصل الفعل إلى درجة من الخطورة والجسامة بالنظام العام، وأبقى أمر تقدير جسامة هذه الخطورة للقضاء في إطار سلطته التقديرية وحسب الملابسات الخاصة بكل نازلة.

وينظم الموضوع الثاني القواعد المسطرية للجريمة الإرهابية. ولعل أهم التعديلات في هذا المجال إسناد الاختصاص القضائي لمحكمة عادية واحدة وهي محكمة الاستئناف بالرباط، بمعنى أن اختصاصها يمتد على سائر التراب الوطني بغض النظر عن مكان اقتراف الجريمة الإرهابية أو مكان إلقاء القبض أو مكان إقامة المتهم. وإذ تم تبرير حصر الاختصاص بتسهيل سير القضايا التي تنظر فيها المحكمة ومراقبة إدارة القضاة وتعاملها مع هذه الجرائم التي تمثل ظاهرة خطيرة على أمن المواطن والمجتمع على حد سواء، وتوحيد الاجتهاد القضائي في هذا المجال، فإن هذه المبررات تبقى غير مقنعة ما دامت هذه المحكمة تخضع في الأخير لمحكمة النقض التي تؤمن مراقبة تطبيق القانون وتوحيد الاجتهاد القضائي. ومن جهة أخرى، من شأن الإبقاء على هذا الاستثناء في مخالفة قواعد الاختصاص الترابي فتح بعض منافذ محاولات التأثير غير المشروع على القضاة، لا سيما باستحضار الإشكاليات المتعلقة بطريقة تعيين قضاة هذه المحاكم وتوزيع القضايا في إطار الاختلالات التي تعرفها طريقة عمل الجمعيات العمومية بأغلب المحاكم. ثم، ثمة إشكالات عدة على صعيد حسن سير العدالة: فما هو الحل مثلاً إذا تبين أن الجريمة التي يتابع على أساسها المتهم لا تتصف بوصف “الجريمة الإرهابية”؟ هل تستمر محكمة الرباط[5]في نظر القضية أم يتعين عليها إصدار حكم بعدم الاختصاص، وما مصير المتهم ومآل الإجراءات والقرارات المتخذة خلال مختلف مراحل الدعوى العمومية؟

كما رُفعت مدة الحراسة النظرية إلى 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين، بحيث يمكن أن تصل إلى 12 يوماً. ولا يجيز القانون الاتصال بمحام إلا بعد مرور نصف هذه المدة، ما يزيد من خطر تعرض المشتبه فيهم الموضوعين رهن الحراسة النظرية لخطر التعذيب أو انتزاع الاعترافات بالقوة. وهذا ما انتقدته خاصة لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة[6].

كما أجاز القانون تفتيش المنازل أو معاينتها خارج الأوقات العادية بإذن من النيابة العامة أو قاضي التحقيق، وتخصص الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمهام البحث في قضايا الإرهاب؛ وتخصيص أحياء مستقلة داخل المؤسسات السجنية لإيواء المعتقلين في قضايا الإرهاب[7].

ويرتبط الموضوع الثالث بمعالجة المعلومات المالية ووقف تحركات الأموال المخصصة لتمويل الإرهاب. وقد أدى ذلك الى رفع نظام السرية المعمول به في البنوك في إطار الأبحاث الأمنية والقضائية؛ وإمكانية تجميد أو حجز الحسابات البنكية المشبوهة ومتابعة مرتكبي الجرائم المتعلقة بتمويل الإرهاب.

واقع الملاحقات بجرائم الإرهاب على أساس قانون 2003
ومن خلال الإحصائيات المسجلة ضمن هذا الباب، لوحظ أن سنة 2003 سجلت أعلى نسبة لعدد قضايا الإرهاب والتي بلغت 2364 قضية، بينما عرفت السنوات اللاحقة انخفاضاً في عدد مثل هذه القضايا لتعود وترتفع في سنوات معينة على ضوء توسع الحديث عن تحديات الإرهاب، وخصوصاً في المنطقة العربية.

وعليه، عرفت سنة 2005 تسجيل 27 قضية فقط، وسنة 2006 تم تسجيل 35 قضية، فيما ارتفع عدد هذه القضايا إلى 136 قضية سنة 2010، ليعود مجدداً إلى الانخفاض في سنة 2011 حيث بلغ عدد القضايا المسجلة على مستوى المحاكم 68 قضية، فيما تم تسجيل 31 قضية فقط سنة 2012، ليرتفع مرة أخرى هذا العدد سنة 2013 بتسجيل 64 قضية. بالمقابل، ومع عودة الحديث من جديد حول تطور الجريمة الإرهابية على أثر التغييرات التي عرفها المنتظم الدولي بسبب ظهور بؤر جديدة للتوتر تستقطب أعداداً متزايدة من المغاربة وتعيد تصديرهم في اتجاه بلدان أخرى أو بلدهم الأصلي، بهدف ارتكاب جرائم إرهابية، عادت قضايا الإرهاب المسجلة في المغرب الى الارتفاع، فسجل في 2014 ما مجموعه 147 قضية، بزيادة قدرها 130% عن السنة السابقة[8]. ويلاحظ أن عدد الأشخاص الذين قُدّموا أمام النيابة العامة بتهم الإرهاب بلغ 323 شخصاً مقابل 138 فقط خلال عام 2013.

وقد أظهرت الأبحاث والتحريات الأمنية والقضائية أن أغلب المتابعين في قضايا الإرهاب لهم ارتباطات مع تنظيمات إرهابية دولية، سواء مباشرة أو غير مباشرة عن طريق تقاسم الايديولوجية الإرهابية، إضافة إلى نشاط بعض المغاربة ضمن جماعات إرهابية خارج أرض الوطن.

مشروع تعديل قانون 2003: أي توجهات؟ وأي اعتراضات؟
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة المغربية عن نيتها تعزيز جهودها وتطوير مقارباتها في مجال مكافحة الإرهاب. فلم تقتصر مقاربتها على الجانب العقابي والأمني (وهذا ما سنعود اليه) بل شملت حسبما أُعلن عنه أيضاً اعتماد استراتيجية دينية روحية تروم نشر قيم إسلام متسامح يقوم على الاعتدال والوسطية، وتحقيق التنمية السوسيو اقتصادية التي تضع الفرد في صلب انشغالاتها. أما الجانب العقابي، فقد تمثل في وضع مشروع قانون 84.14 أحالته الحكومة على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب لمناقشته. فعلامَ نص هذا المشروع؟ وما هي أبرز النقاشات التي تولدت عنه؟

أي تعديلات بخصوص جرائم الإرهاب؟
يتضمن مشروع القانون 84.14 إضافة فصل جديد[9] إلى مجموعة القانون الجنائي يروم إدراج مجموعة من الأفعال ذات الصلة بمعسكرات التدريب ببؤر التوتر الإرهابية بوصفها جنايات معاقباً عليها بالسجن حتى خمس عشرة سنة مع تخصيص الشخص المعنوي بعقوبات تتلاءم وطبيعته القانونية. وعليه، وفي حال إقرار هذا المشروع، يصبح جرماً الالتحاق أو محاولة الالتحاق فردياً أو جماعياً في إطار منظم أو غير منظم بكيانـات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية أياً كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها. كما يصبح جرماً تلقي تدريبات أو تكوينات، كيفما كان شكلها أو نوعها أو مدتها داخل أراضي المملكة المغربية وخارجها أو محاولة ذلك، بقصد ارتكاب أحد الأفعال الإرهابية داخل المملكة أو خارجها، أو أيضاً تجنيد أو تدريب أو دفع شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية داخل أراضي المملكة المغربية أو خارجها، أو محاولة ذلك.

كما يقترح المشروع المذكور تتميم مقتضيات الفصل 2-218 من مجموعة القانون الجنائي، من خلال إضافة فقرة ثانية تجرّم القيام بأي فعل من أفعال الدعاية أو الإشادة أو الترويج لفائدة الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية، بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، وتخصيصها بالعقوبات المقررة لفعل الإشادة بالجريمة الإرهابية.

كما اقترح المشروع تخفيض العقوبة المقررة لفعل التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية المنصوص عليها في الفصل 218.5 من مجموعة القانون الجنائي، إلى السجن المؤقت من خمس إلى خمس عشرة سنة وغرامة تتراوح بين 50.000 و500.000 درهم بدلاً من العقوبة المقررة للجريمة الإرهابية الأصلية، والتي قد تصل إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد أو ثلاثين سنة حسب الأحوال المنصوص عليها في الفصل 218.7 من القانون نفسه، زيادة على تمكين القضاء من استعمال سلطته التقديرية في تفريد العقاب حسب الحالات وما قد ينتج من التحريض من مفعول.

أي تعديلات على قانون المسطرة الجنائية؟
في هذا المجال، وبهدف تجاوز الصعوبات المرتبطة بتطبيق القواعد العامة بشأن الاختصاص القضائي المتعلق ببعض الجرائم المرتكبة خارج التراب الوطني المغربي[10]، تمت إضافة مادة جديدة[11]تجيز متابعة ومحاكمة كل شخص مغربي، سواء كان داخل التراب الوطني أو خارجه، أو أجنبي فوق التراب الوطني لارتكابه جريمة إرهابية خارج المملكة المغربية بغض النظر عن أي مقتضى قانوني آخر.

تعليقات المجلس الوطني لحقوق الإنسان
رد الفعل الأول لجهات المعارضة عند إحالة مشروع القانون على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، تمثل في طلب إحالته على المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وهذا ما تم في 15 دجنبر 2014.

وبتاريخ 23 دجنبر 2014، توصلت اللجنة برأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ومن أبرز الاقتراحات الواردة فيه، أن يضم مشروع القانون مقتضى يعرّف بوضوح هدف الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية بـ”إشاعة حالة من الرعب، وتخويف السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به”.

وبهدف تفادي كل تقييد غير ضروري لحرية التنقل المضمونة بموجب الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اقترح المجلس أن يُدرَج في مشروع القانون مقتضى يعرف التدريب من أجل الإرهاب بوصفه “إعطاء تدريبات لصنع أو استعمال المتفجرات، أو الأسلحة النارية أو أسلحة أخرى أو مواد سامة وخطيرة، أو تقنيات خاصة بهدف ارتكاب جريمة إرهابية أو المساهمة في ارتكابها، مع العلم أن التكوين أو التدريب المقدم يتوخى استعماله في تحقيق هذا الهدف”.

واقترح المجلس أيضاً أن يتضمن مشروع القانون مقتضى يكرّس اعتبار تجنيد واستخدام الأطفال من طرف المجموعات الإرهابية بمثابة ظرف تشديد.

كما دعا إلى عدم توسيع مدى جريمة الإشادة بالإرهاب من خلال إضافة مرادفات جديدة من قبيل “الدعاية” و”الترويج”، مقترحاً في هذا الإطار استبدال عبارة “الإشادة” بعبارة أكثر دقة تتمثل في التحريض العمومي لارتكاب جريمة إرهابية. واعتبر المجلس أن من المستحسن استلهام مقتضيات المادة 5 من اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من الإرهاب والتي تعرّف “التحريض العمومي للقيام بجريمة إرهابية” بوصفه “نشراً لرسالة أو وضعها رهن إشارة العموم بأي شكل آخر، بنيّة الحث على القيام بجريمة إرهابية، عندما يكون هذا السلوك، الذي ينادي مباشرة أو غير مباشرة للقيام بجرائم إرهابية، يخلق خطر إمكانية ارتكاب جريمة أو عدة جرائم إرهابية”.

كما اقترح أيضاً استبدال عبارات “الدعاية”، “الإشادة” و”الترويج” المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 218-2 بمقتضى يجرّم استعمال الوسائل المنصوص عليها في هذه الفقرة من أجل التحريض العمومي على الالتحاق بالمجموعات الإرهابية. واستبدال عبارة “إقناع الغير” والإبقاء على العبارتين الأكثر وضوحاً من الناحية المعيارية وهما الدفع والتحريض بالإضافة إلى التغرير إذا كان الأمر يتعلق بالقاصرين.

مطالب تعديلية موحدة للمعارضة
تقدمت المعارضة بتعديلات مشتركة بشأن مشروع القانون، وطالبت من خلالها بـ”اعتبار تجنيد واستخدام الأطفال والقاصرين من طرف المجموعات الإرهابية” بمثابة “ظرف تشديد العقوبات إلى الضعف” في حق من يجند هذه الفئة العمرية، بالتنظيمات أو الجماعات الإرهابية داخل المغرب أو خارجه.

واقترحت إضافة عدد من الفقرات إلى مواد هذا المشروع القانون، من قبيل التنصيص على تشديد العقوبات في حق مرتكبي الأفعال الإرهابية، ممن يمتلكون سلطة روحية أو تربوية أو إدارية. كما طالبت بحذف عبارة “ولو كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها” والمشار إليها في المادة الأولى، الفصل 1-1-218 (الفقرة الأولى)، بالنظر إلى “أنه لا معنى للتجريم إذا لم يكن للفعل المجرم أدنى ضرر على المملكة وعلى مصالحها”.

وقد امتنعت فرق المعارضة بمجلس النواب داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، عن التصويت على مشروع القانون الجديد.

خاتمة
مشروع تعديل قانون مكافحة الإرهاب الموضوع اليوم قيد المناقشة أمام الغرفة الثانية يعيد من جديد طرح المعادلة الصعبة بين كيفية حماية أمن المجتمع والمواطنين وتحقيق الحماية الكاملة لحقوق الإنسان. وثمّة إشكاليات قوية تُطرح حول الضمانات الحقيقية الكفيلة بعدم تكرار الانتهاكات السابقة التي واكبت تطبيق قانون 2003 والتي تم الاعتراف بها رسمياً على أنها تجاوزات فردية، لا سيما أمام غياب أي مساءلة قانونية لمن انتهك حقوق الإنسان في تطبيق القانون المذكور.

فيجب ألا تتوقف مكافحة الإرهاب على حدود الهواجس الأمنية والزجر القانوني بل تحتاج الى مقاربة شمولية يتداخل فيها ما هو قانوني بما هو اجتماعي اقتصادي وثقافي تربوي وفكري، فالإرهاب ليس مفهوماً قانونياً قاراً بل هو مفهوم ايديولوجي يطرح إشكالاً عميقاً بخصوص رسم الحدود الفاصلة بين ما هو من صميم المرجعيات الدينية وما هو من صميم المرجعيات السياسية والقانونية من أجل مقاربة المفهوم المتحرك والمتطور للإرهاب.

مشروع القانون الجديد غلب كفة الزجر على آليات التكفل بالضحايا أو إعادة إدماج المتورطين في الأفعال الإرهابية، ومشروع القانون الجديد يُضاف الى مجموعة من المقتضيات الاستثنائية التي تضمنها مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية (الإجراءات الجنائية)، والتي قد تحد من قرينة البراءة ومن ضمانات المتهمين خلال مرحلة البحث التمهيدي (إمكانية الاختراق، إمكانية التقاط المكالمات..).

كما لم يجب المشروع الجديد على ملاحظات اللجان الدولية بخصوص مدة الحراسة النظرية وكذا ضمانات المشتبه فيهم خلال مرحلة البحث التمهيدي بخصوص الحق في الاتصال بمحام.

وأخيرا يمكن القول إن مشروع إصلاح قانون مكافحة الإرهاب في المغرب يبقى مشروع إصلاح يحتاج حقيقة لمزيد من الإصلاح.

* قاض وعضو جمعة نادي قضاة المغرب

نشر في العدد واحد من مجلة المفكرة القانونية في تونس

 


[1]– القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الارهاب، صدر أمر بتنفيذه بظهير 1.03.140، بتاريخ 28 ماي 2003.
[2]– الفصل 8-218 من قانون مكافحة الإرهاب.
[3]الفصول4-218 و5-218 و8-218 من قانون مكافحة الإرهاب.
[4]– أنظر لمزيد من التفاصيل الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب بخصوص تقرير المملكة المغربية، الدورة 47 للأمم المتحدة، نونبر 2011.
[5]– يقصد بها ملحقة سلا التابعة لمحكمة الاستئناف بالرباط التي تختص بالبت في الجرائم الارهابية.
[6]-أنظر الهامش رقم 4.
[7]– عبد الحق سرمك: الظاهرة الارهابية وجهود المغرب لمكافحتها، مجلة الشؤون الجنائية ، العدد الأول، دجنبر 2011، ص 105.
[8]ان الأرقام الرسمية تؤكد تسجيل أزيد من 120 قضية مرتبطة بقضايا مكافحة الإرهاب، خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2014.
نفس الأرقام تؤكد من جهة أخرى وجود أزيد من 1212 مغربيا في بؤر التوتر، وقد يرتفع هذا العدد ليصل إلى أزيد من 2000 شخص آخر من العناصر ذات الأصول المغربية التي لها جنسية أوروبية أو أميركية،
وهناك أزيد من 147 شخصا من المتطوعين عادوا إلى المغرب؛
وقد تم ضبط 06 مغاربة آخرين على الحدود وهم يحاولون مغادرة التراب الوطني.
[9]-يتعلق الأمر بالفصل (218.1.1)
[10]أنظر المواد من 707 إلى 712 من ق.م.ج
[11]  يتعلق الأمر بمشروع المادة 711.1.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، المغرب ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني