الإعلام يفتح الهواء مجدداً لمتهم بقتل زوجته


2019-03-01    |   

الإعلام يفتح الهواء مجدداً لمتهم بقتل زوجته

في 19 أيار 2015، استفاق اللبنانيون على خبر مقتل سارة الأمين على يد زوجها علي الزين في منزلهما في دوحة عرمون. أفرغ الزين 17 رصاصة من سلاح كلاشينكوف في جسد زوجته أمام أولادهم الستة. ثم أشعل سيجارة وقال لإبنه البكر محمد: “أمّك انتحرت”. حضرت القوى الأمنية يومها وأوقفت الزين الذي لا يزال يحاكم أمام القضاء بتهمة قتل زوجته. عقدت الجلسة الأخيرة من محاكمة الزين في 12 شباط 2019 وشهد محمد أمام قوس المحكمة بأنه رأى والده يقتل أمه وطلب من القاضي إنزال عقوبة الإعدام به. هذا الموقف الدرامي شكل بالنسبة للإعلامي طوني خليفة “مفارقة” هامة، مفارقة من شأنها أن تضمن لبرنامجه الذي يبث على شاشة “الجديد” نسبة مشاهدة عالية. وعليه، يصبح كل شيء مبررا لتجاوز مجمل العوائق ضمانا لاستعادة المواجهة بين الولد وأبيه تمهيدا لما يشبه المحاكمة على الهواء. ولمزيد من الإثارة، أعلن خليفة عبر صفحته على “تويتر” أن ضيوفه “أولاد سارة الأمين” سيكونون “حصرياً وجهاً لوجه مع أبيهم، الذي قتل والدتهم أمامهم”. وقد شرح خليفة في مقدمة الفقرة أن سبب استضافة الأولاد هو “ليسمعوا بيهم من روميه شو قال ويطلعوا على الرسالة اللي بعتلهم ياها”.

لم يعرْ خليفة أهمية لما قد تسببه هذه المواجهة من تبعات نفسية على الأولاد، فالهمّ الأول بالنسبة إليه هو الرايتينغ والحصول على السبق.

وهذا ما أمكن المشاهدين رؤيته في حلقة جديدة من برنامج “طوني خليفة” الإثنين 25 شباط 2019. وفيما بدت هذه الحلقة تأكيدا على النهج الذي كانت دشنته قناة mtv من خلال استضافة محمد النحيلي، المحكوم عليه بقتل زوجته منال عاصي، وقبله جان ديب، قاتل زوجته نسرين روحانا، فإن عرضها يطرح اشكاليات إضافية، أبرزها أن القضية ما تزال قيد المحاكمة.

تمثيل الجريمة بمعية الشاهد الأساسي: الإبن

تلا المقدمة تقرير ركز على محمد وعلاقته بوالده. قال المعدّ أن “الإبن يرفض الاعتراف بوالده وبكل جرأة واجهه انتقاما لأمّه”. وصف ما حصل بأنها “حالة نادرة في المجتمع اللبناني” وتأمّل بأن “تتحلى المحاكم بجرأة محمد وتنصف ضحايا العنف الأسري في لبنان”. يغفل على مُعدّي البرنامج أن استضافة شخص متهم بقتل زوجته، في قضية ما تزال قيد المحاكمة، قد لا تكون أفضل هدية للنساء.

ثم عرض التقرير الثاني الذي أعدته زهراء فردون. انطلقت فردون من منزل علي وسارة القديم. اصطحبت محمد مجدداً إلى مكان وقوع الجريمة وسألته: “فرجيني كيف بيك طلع السلاح من الخزانة. مثلي الجريمة اللي بيك عملها بإمك. كان ماسك الكلاشين هيك وقوص عليها”. لا تدرك فردون خطورة ما طلبته من محمد. تريد منه أن يختبر مجدداً الليلة الأسوأ في حياته ويعيد استذكار هذه الصدمة بكل تفاصيلها وذلك بهدف الإثارة فقط.

أعادت فردون نشر صور للدم المنتشر على الحائط والأثاث والأرض بعد تنفيذ الزين لجريمته. كما أنها لم تتردد بعرض جثة سارة المضرجة بالدماء لكنها حرصت على تغطية وجهها. كأن تغطية الوجه كافية في هذه الحالة.

منبر لدفاع الزوج: الوجدانية تجاوزا للواقع… والمسؤولية

انتقلت بعدها فردون إلى سجن روميه. حصلت هذه الأخيرة على مقابلة حصرية مع الزين، مما يؤشر إلى موافقة الجهة التي أعطت الإذن على تصوير المقابلة ويطرح أسئلة حول دوافعها، وخاصة أن الزين ما يزال قيد المحاكمة.

تبدأ المقابلة. تسأل فردون الزين: “تهمتك قتل مرتك سارة الأمين صح؟” ينكر: “لا بحبها ما فيي أعمل هيك. بتجي لعندي كل يوم، بشوفها هون”. يوحي الزين بأنه لا يعلم أن الأمين ماتت وبأنه هو من قام بقتلها. تجيبه فردون: “علي سارة ماتت”. يصر الزين على أنها ما زالت على قيد الحياة ثم يعود للاعتراف بأنها توفيت. تطلب منه فردون تذكيرها بتاريخ الجريمة. يرفض الزين توصيفها بالجريمة. يقول أنها وقعت في 19 أيار 2015. إذاً الزين يذكر لكن فردون تهمل هذا “التفصيل”. تطلب منه فردون رواية تفاصيل ما جرى تلك الليلة مجدداً. “قعدت ع ركابي وضلينا سهرانين بتذكر للصبح. ما بتذكر لأي ساعة. كان كل حديثها إنه أنا ضهرت وتزوجت وأنا قلها لا”. تسأله فردون: “وشو قصة المسدس؟ كيف طلعته؟” يتهم الزين سارة بأنها كانت هي من أخرجت المسدس من الخزانة وأن محمد (ابنه) كان شاهداً على ذلك. “ركضت وقلتله ليك إمك شو عم تعمل. وقشطتها ياه ورجعت عادتها مرتين. تالت مرة صار اللي صار وأنا قشطته وما بعرف كيف طلع الضرب”. تصر فردون على الحصول على كامل القصة. “بس طلع الضرب شو صار؟” يجيبها الزين: “ما بعرف ما كنت واعي. ما بعرف”. تتجاهل فردون أنه لم يكن “ضرب” بل كان 17 رصاصة. عندها تبدأ بمحاولتها لإثارة تعاطف المشاهدين وأولاد الزين. “شو بدك تقول لأولادك من داخل السجن؟ ع بالك يجوا يزوروك؟”

تقترب الكاميرا من وجه الزين وترافقها موسيقى تشويقية. “إنه بحبن وبعزن وعندي ياهن بالدني. ولادي هودي…الروايا اللي بتنفس منها. الستة ولادي وأنا بحبن”. يتهم عائلة سارة بمنعهم من زيارته. “هني خيفانين من أهلها”. لا تكتفي فردون. تطلب منه توجيه رسالة إلى سارة، زوجته التي عنفها طوال 20 عاماً وقتلها بدم بارد. “طلع بالكاميرا وعطيني رسالة لسارة الأمين اللي قتلتها”. ينكر فعلته. “لا ما قتلتها. لو بطلعوها ثانية بس وبتعرف إنه علي بالحبس بتخرب الدني”. تسأله: “شو بتقلك إذا طلعت هلق؟” يجيبها: “اشتقتلك. كانت دايما تقلي هيك. وأنا كمان بقول اشتقتلها وبحبها”. وعليه، استعاد الزوج على الكاميرا نفس الموقف الذي كان اعتمده أمام قوس المحكمة، وقوامه حجب الجريمة إلى حدّ إنكار حصولها بغطاء سميك من الوجدانية. يلعب دور العاشق الولهان الذي لم يكن يقصد قتل زوجته وقد وجد حليفا له في بعض الإعلام كي يساعده على تظهير هذه الصورة، في حضور أولاده، ولكن أيضا استباقا للمحكمة.

لا تريد أن تختم فردون التقرير قبل الحصول على “هدية” من الزين تسمح لها بتسويق فقرتها وحصد النسبة الأعلى من المتابعين. “علي، هاي ورقة وهاي أنا. وجهلي رسالة لشخص واحد برا السجن”. يختار أولاده. فجأة ينخفض صوت فردون وتهمس: “يلا امسك”. تعطيه قلما وتطلب منه كتابة الرسالة. ثم تقول له “فرجيني” وتصوره وهو يكتب. يبدأ ب “رسالة إلى أولادي”. يرتفع صوت الموسيقى. اكتملت عناصر التشويق. ينتهي التقرير.

نعود إلى خليفة الذي يبشرنا بأن فردون ستقرأ الرسالة في سياق الحلقة. على المشاهدين البقاء مسمرين أمام شاشاتهم حتى لا يفوتهم السبق.

استعطاف الأم والأولاد ومن خلالهم المحكمة

الكاميرا في الستوديو تركز على والدة سارة وهي تبكي حاملة صور إبنتها. يسألها خليفة: “ست إنعام، يعني ما بعرف. بيقول ما قتلتها. بيقول بحبها. بيقول إذا عرفت سارة إنه علي بالسجن رح تخرب الدني. اشتقتلك. شو عم بيصير مع علي؟ اللي سمعناه هلق، هيدا بدي تفسير عليه”. تنفعل الوالدة وتصرخ “قتلها. كذاب”. لا يكتفي خليفة. يريد أن يعرف رأي محمد بالذي قاله والده. “هيدا واحد كذاب وما بيتغيّر. قتلها قدامي، بوجهي وأنا طلبت الإعدام من المحكمة وبرجع بطلب الاعدام قدام العالم كلها”. يصرّ خليفة على هذا الجانب من القصة فقط. لماذا يدعي الزين أنه يحب زوجته وبأنه لم يقتلها؟ للتذكير، كان وكيل الدفاع عن الزين قد طالب المحكمة بتعيين طبيب نفسي لمعاينة وضع موكله الصحي في تموز 2018، ما أوحى حينها بأن المتهم يحاول التذرع بوضعه النفسي والجسدي لدى ارتكابه جريمته.

تعيد والدة سارة تذكير محمد وخليفة بما قاله الزين قبل تنفيذ الجريمة. يتفاجأ خليفة. يذكره المحامي أشرف الموسوي، وكيل العائلة، أنه سبق للعائلة أن أعطت هذه المعلومات في حلقات سابقة. لا يذكرها خليفة بالطبع فهذه قضية كغيرها، هدفها حصد المشاهدين ورفع نسبة التفاعل مع البرنامج على “تويتر”.

ما زال خليفة مدهوشاً. لماذا عبر الزين عن حبه وشوقه لسارة؟ ينتقل الآن إلى الموسوي. ينتقد هذا الأخير التوقيت المريب لظهوره “بغض النظر عن كيف زهراء فاتت لعنده إذا بإذن قاضي أو مديرية، بس ليه بده يطلع هلق ونحنا ع أبواب حكم قريب وجلسة المرافعة في 9 نيسان قبل صدور الحكم؟ ليه قرر هلق وبعد 4 سنوات إنه يحكي؟ بآخر جلسة قال إنه ما بيتذكر شي. بالمحكمة ما بيتذكر بس على التلفزيون بيتذكر؟ وهوي اعترف بالتحقيقات الأولية وعند قاضي التحقيق وهلق اعترف إنه هوي قتلها”.

يستغرب خليفة تركيز المحامي على الوقت المشبوه لظهور الزين. لا يقتنع بالحجج التي أعطاها الموسوي. يسأله عن السبب وراء شكه. يجيبه الموسوي: “القضية صرلها 4 سنين. هلق قبل الحكم ظهر. هيدي الجريمة هزت الرأي العام. وهيدي جريمة من سلسلة جرائم وصرلنا 4 سنين منحكي فيها بالاعلام ومش تاركينها. بس حرام علي الزين بهيدا الوقت يطلع يحكي هيدا الحكي”. يبرر خليفة الأمر بحصول “ظاهرة” تسمح للكثير من السجناء بالظهور في البرامج التلفزيونية. “السجون مفتوحة قدام كل الناس لتطلع تصوّر. ليه اعتبرت إنه هيدي المقابلة بالذات وقتها مشبوه؟”

لعلّ خليفة لا يدرك أن حلقة برنامج “عاطل عن الحرية” التي استضاف فيها مقدم البرنامج محمد النحيلي، قاتل زوجته منال عاصي، ضربت عرض الحائط جميع قواعد المهنة وسمحت للقاتل بتلميع صورته ولوم منال على مصيرها. ثم هل يكفي هذا التبرير؟ فما هي المصلحة العامة من بث مقابلة مع متهم بقتل زوجته قبل مدة قصيرة من صدور الحكم؟ ألم يخطر له أن للزين غاية وأنه قرر استغلال لهفة فردون للسبق لتحقيق غايته؟ ألا يعتبر أن من شأن هذه المقابلة التأثير على حسن سير العدالة وعلى تكوين رأي عام قد يتعاطف مع المتهم؟ ألا يدرك أن عليه وعلى فريق إعداده مسؤولية أخلاقية ومعنوية تجاه الضحية وعائلتها؟

وبالعودة إلى مجريات الحلقة، تتدخل فردون الحاضرة في الستوديو أيضاً. “فيني أنا إحكي بإسم علي؟ لأن أنا يلي شفته مش إنت سيد أشرف. أنا أكتر حدا بيقدر يقيّم هيدا الشي ويوصل الرسالة لأولاده”. تعتبر فردون بأن مقابلتها للمتهم لبضعة دقائق كافية لها لتقييم وضعه النفسي وإبداء رأيها بالقضية وإيجاد تبريرات للجريمة. تشير فردون إنه لم يعرض إلا جزء من المقابلة مع الزوج وأنها ستعرض كاملة على قناة اونلاين. يسأل خليفة إن كان الزين يتعاطي المخدرات. تنفي فردون الأمر فوراً. توحي بأنها تتابع حالة الزين الصحية منذ لحظة توقيفه.

ينتقل خليفة إلى إبنة سارة، فاتن التي زارت والدها في السر في السجن. يسأل خليفة إن كان الزين عبّر عن حبه لأولاده. تجيبه فاتن “إيه بس شو بينفع؟”. الجواب لا يقنع خليفة. “رابط الدم ما بيخليكي شوي تحني؟” يحاول خليفة مجدداً استعطاف الأولاد ومن خلالهم المشاهدين، السبيل الأسهل بالنسبة للاعلام لكسب نسب مشاهدة عالية.

يعود خليفة إلى فردون. يسألها إن كانت تريد قراءة الرسالة. يريد التأكد إن كانت العائلة توافق على ذلك. أصبح فجأة يأخذ آداب المهنة في عين الاعتبار. يدعو خليفة فردون إلى قراءة الرسالة ويشرح أنها مقسومة إلى جزأين. الأول موجه إلى الأولاد والثاني إلى سارة. توضح فردون أنها ستقرأ جزءا صغيرا وأنها ستترك الباقي للبرنامج الذي سيعرض أونلاين. تستفيد للترويج للحلقة المنتظرة. تنظر فردون إلى الأولاد، تخفض صوتها وتبدأ. “رسالة إلى أولادي الأعزاء والأحباء”. تنظر مجدداً إلى الأولاد. تسكت. تسألهم “بكفي؟” وتبتسم. يعطيها خليفة الإذن. “أحبكم كتير كتير. من كل قلبي ومن كل صميم قلبي”. يسألها خليفة: “بس هيك؟” تجيب “هذا في ما يتعلق بالأولاد”. تريد فردون تعقيبها ببعض الكلمات الموجهة إلى سارة. تغيّر رأيها “خلص خلينا ع هاي” وتبتسم مجدداً. إنه الابتذال بحد عينه.

التدخل في القضاء عادي

في نهاية الحلقة، كشف الموسوي أن العائلة زارت الرئيس بري مرتين لأن هناك محاولات للتدخل في القضية. أكدت والدة سارة أن أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري يتدخل شخصيا لأنه على صلة قرابة بالزين. يستدرك خليفة الأمر ويؤكد أن التدخلات تحصل في جميع الملفات في القضاء. يوحي بأن التدخل في القضاء أمر عادي وعلينا تقبله والتطبيع معه. تجدر الإشارة هنا إلى أن المكتب الإعلامي للحريري ردّ في اليوم التالي على عائلة الأمين وأكد أن ما ورد “لا أساس له من الصحة وأنه لم يتدخل في القضية لا من قريب ولا من بعيد”.

ويختم خليفة: “كلنا ثقة بالقضاء أن يأخذ حق سارة الأمين وأولادها رأفة بهذه العائلة وكل العائلات الأخرى التي تتعرض لما تعرضت له سارة”. يحرص على التذكير بأنه في صف واحد مع ضحايا العنف الأسري.

إن كان فعلا كذلك، كان الأجدى بخليفة أن لا يفسح المجال للمتهم بالظهور أمام الرأي العام ولعب دور المريض النفسي أو العاشق الولهان بهدف استعطافه. وكان الأجدى بخليفة أيضاً أن يحترم قواعد المهنة وأن لا يحوّل قضية خطيرة كهذه إلى مادة مثيرة للجدل. وأخيراً كان الأجدى بخليفة احترام القانون وانتظار صدور الحكم في القضية قبل أن يحوّل نفسه إلى قاض وبرنامجه إلى جلسة محاكمة بين المتهم وضحاياه.

مقالات ذات صلة:

برنامج “عاطل عن الحرية” يتضامن مع المرأة عبر استضافة قاتلها

إبن سارة الأمين أمام المحكمة: “أنا شاهدت أبي يقتل أمي”

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني