اعتصام تضامناً مع “موقوفي عين الرمانة”: النيابة العامّة العسكرية لم تحترم حقوق الدفاع


2021-11-05    |   

اعتصام تضامناً مع “موقوفي عين الرمانة”: النيابة العامّة العسكرية لم تحترم حقوق الدفاع

للمرّة الثانية خلال أسبوع اعتصم أمس الخميس بعض من أهالي موقوفي أحداث الطيّونة أمام مقرّ المحكمة العسكرية احتجاجاً على استمرار توقيف أبنائهم مطالبين بإخلاء سبيلهم، فيما يتحدّث وكلاء بعض الموقوفين عن انتهاكات لحقوق الموقوفين بينها التحقيق معهم من دون وكلائهم القانونيين وتجاوز التوقيف الحد القانوني.

وكانت منطقة الطيونة وعين الرمّانة شهدت في 14 تشرين الأوّل 2021 اشتباكات عنيفة بعد مرور مجموعة من مناصري حزب الله وحركة أمل في طريقهم للمشاركة في تظاهرة احتجاجيّة ضد ما يصفونه تسييس التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت. وسقط في الاشتباكات 7 قتلى غالبيتهم من أنصار الثنائي بالإضافة إلى عشرات الجرحى

على إثر هذه الأحداث، كلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي مخابرات الجيش بإجراء التحقيقات الأوّلية، فادّعى بناء عليها على 68 شخصاً بجرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة الفتنة الطائفية، من ضمنهم 18 موقوفاً وأحال الملف إلى قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان.

اعتصام أهالي الموقوفين: أهالي عين الرمانة يطالبون بالإفراج عن أبنائهم

الأهالي الّذين اعتصموا يومي الاثنين والخميس هم من سكّان عين الرمانة، وبلغ عدد أبنائهم وأقاربهم الموقوفين، بحسب ما أبلغهم محاموهم، 14 شخصاً، أمّا الأربعة الآخرون فهم عنصر في الجيش اللبناني وموقوف غير لبناني وشخصين من المشاركين في تظاهرة حركة أمل وحزب الله في 14 تشرين الأوّل. وشكا الأهالي في اعتصام الاثنين من عدم تمكّنهم من زيارة أبنائهم الموقوفين في وزارة الدفاع، ولاحقاً تمكّن بعضهم من زيارة موقوفيهم بعد التحقيق معهم.

وشرح المحامي أنطوان سعد لـ”المفكرة” أنّ التحقيقات الأولية التي جرت لدى مخابرات الجيش لم تراعِ الأصول القانونية لناحية حقوق الموقوفين التي تضمنها المادة 47 من قانون أصول محاكمات جزائية. وشرح أنّه: “تمّ استجوابهم في غياب وكلائهم القانونيين، ولم يتم تسجيل التحقيق بالصوت والصورة”. وأضاف: “تخطّى التوقيف المدة القانونية أي 4 أيّام، ومُنع الأهالي في البداية من زيارة أبنائهم كما منعوا من إيصال الأدوية والملابس والأغذية لهم”. 

وتحدّث الأهالي الحاضرون في الاعتصام عن صدور نحو أربعين مذكرة توقيف غيابية أغلبها بحق شباب من عين الرّمانة، وهو عدد أكّده المحامي سعد ولكن لم تتمكّن “المفكرة” من التأكّد من صحّته من مصدر رسمي. وأشار الأهالي إلى أنّ اتصالات كثيفة تصل إلى سكّان المنطقة من الأجهزة الأمنية للسؤال عن بعض الأشخاص. 

وكانت رواية أهالي الموقوفين عن أحداث الطيّونة، موحّدة مفادها أنّ “الجيش انتشر قبل ليلة من أحداث الطيونة على أغلب المنافذ بين عين الرمانة والمناطق المحيطة وشدد الإجراءات على المداخل التي سابقاً شهدت احتكاكات، فيما خفف الإجراءات على مناطق أخرى”. وتشير الرواية نفسها إلى أنّ “مناصري أمل وحزب الله باغتوا أهالي عين الرمانة ودخلوا إلى المنطقة من فرن الشباك جنب مدرسة الفرير واستفزوا أهالي المنطقة وحصل تلاسن تطوّر إلى رشق حجارة ثم اشتباكات”. 

مجريات جلسات التحقيق

ويوم الاثنين 1 تشرين الثاني عقد قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان أول جلسة تحقيق مع بعض الموقوفين فيما تقدّم المحامون بطلبات إخلاء سبيل لبعض الموقوفين، وقدّم الوكلاء أيضاً دفوعاً شكلية لموقوفين آخرين. وشرح المحامي سعد أنّه طلب من قاضي التحقيق إبطال التحقيقات الأوّلية التي لم تراع الأصول وإعادة التحقيق معهم بحضور وكلائهم. ويوم الخميس في 4 تشرين الثاني، عقد صوّان جلسة تحقيق ثانية، وافق فيها على طلب إخلاء سبيل أحد الموقوفين، فيما يقوم بدراسة طلبين آخرين. وكان من المفترض أن يبت صوّان في لائحة الدفوع الشكلية وفي طلبات إخلاء سبيل إضافية، إلّا أنّه أرجأ الجلسة ليوم الاثنين المقبل ليحسم قراره. 

وتتطرّق الدفوع الشكلية في جزء منها إلى طلب رد كافة التحقيقات الأوّلية التي جرت لدى جهاز مخابرات الجيش اللبناني إذ يعتبر سعد أنّ هذه التحقيقات جرت من دون مراعاة الأصول القانونية، ومنها وجود محام مع الموقوفين خلال التحقيقات. 

بالتوازي، تقدّم وكلاء الموقوفين حتى الساعة، بثلاث دعاوى أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت لطلب ردّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي فادي عقيقي عن الملف، لأسباب يردّونها إلى التشكيك في حياديته و”استنسابية يعتمدها في الملف”، بالإضافة الى علاقة القرابة التي تربطه مع رئيس حركة أمل نبيه برّي. ومنذ أن تبلّغ عقيقي الدعوى الأولى، جرى كفّ يده بشكل مؤقّت عن الملف إلى حين البت في الطلب من قبل محكمة الاستئناف المدنية، فاستلم معاونه القاضي كلود غانم مهام تمثيل النيابة العامة في الملف.

ويُشار إلى أنّ أهالي الضحايا (7 عائلات) والجرحى أوكلوا المحامي حسين بشارة تمثيلهم في هذه القضية، علماً أنّ الإجراءات في القضاء العسكريّ، خلافاً للقضاء العادي، لا تمنح لهؤلاء حق المشاركة في التحقيق والمحكمة بصفة مدّعين سوى عبر النيابة العامّة العسكرية، أي أنّ النيابة العامّة هي من يمثل الحق العام وحقوق الضحايا. 

“لا نعلم إن كانوا موقوفين أم متوارين عن الأنظار”

أوضح بعض الأهالي المعتصمون أنّ عدداً من الموقوفين هم من الأشخاص الّذين انتشرت أسماؤهم بشكل سريع خلال حصول الأحداث. فشككت يولا توما زوجة الموقوف جورج توما ووالدة الموقوفين رودريغ ونسيم بأن يكون زوجها قد ارتكب أي فعل إجرامي، مشيرة إلى أنّه “تم التداول بأسمائهم مباشرة بعد الأحداث، وكأنّ كلّ شيء محضّر ليتم إلصاق التهم بهم”. وتشكّك توما أيضاً بمحضر التحقيق المسرّب الذي نشر في جريدة “الأخبار” قبل أسبوع والذي ذُكر فيه أنّ جورج توما أفاد بأنّ “ابنه نسيم أطلق النار من بندقية بومب أكشن”، معتبرةً أنّه لا يمكن لأب أن يقول هذا الأمر عن ابنه. ونفت توما تورّط أي فرد من عائلتها بإطلاق النار بل أنّ تواجدهم في الشارع كان بهدف “حماية منزلنا ومحلّنا التجاري ولمساعدة المصابين”. وتابعت “هنّي دخلوا علينا واعتدوا علينا”. 

وشددت توما على أنّ “زوجي وأولادي لم يرتكبوا أي خطأ، ولا يوجد أي أدلة على حملهم السلاح أو إطلاق النار ولا حتى صور، وابني رودريغ لم يكن في المنطقة حين حصلت الأحداث”. وأضافت: “هم فقط معروفون أنّهم محزّبون مع القوّات اللبنانية، وهذا سبب نشر أسمائهم وتوقيفهم”. 

تقول جانين معوّض، التي لا تعرف شيئاً عن زوجها وشقيقها لـ”المفكرة”: “نحن لا نعلم بعد إن كانوا موقوفين أم متوارين عن الأنظار، سألنا الأجهزة الأمنية ولم نحصل على إجابات”. وعن احتمال توقيفهما، ترى أنّ هذا الاحتمال وارد كونهما لم يتواصلا معنا أبداً منذ أحداث الطيونة، وعن الاحتمال الثاني بأنّهما فرّا “ذلك لأنّ الكثير من شباب المنطقة هلعوا حين بدأت مخابرات الجيش بمداهمة المنازل، وكون طريقة التوقيف عشوائية دفع هذا الأمر الشبّان للخروج تفادياً لتوقيفهم”. وتستغرب جانين “الانتشار السريع لأسماء أشخاص من سكّان عين الرمانة منتمين للقوّات اللبنانية واتهامهم في الإعلام بحمل السلاح وإطلاق النار والقتل”. وتشرح: “زوجي لم يكن في المنطقة خلال الاشتباكات، أتى حين سمع بالأخبار”. وقبل ليلة، “انتشرت تسجيلات صوتية عبر الهواتف تحذر من حصول أحداث يوم التظاهرة، لكننا لم نتوقع أن يكون الأمر بهذا الحجم، حتّى زوجي لم يكن لديه أي معلومات ترجّح خطورة الوضع”. وتضيف، “لو علمنا لما أرسلنا أولادنا إلى المدارس”.  

أفراد عدّة ممن تحدثت معهم “المفكرة” من المشاركين في الاعتصام رفضوا نشر أسمائهم أو أسماء أبنائهم أو أقاربهم الموقوفين. وخلال دردشة مع الأهالي، أكدت سيدة تسكن في عين الرمانة ولديها ابنة عمرها 14 عاماً “شهدت في ذلك اليوم على أسوأ أيّام حياتنا وكأننّا في الحرب الأهلية، ابنتي لم تشهد هكذا موقف في حياتها، اختبأت في رواق المنزل مذعورة وغير قادرة على الكلام”. تُضيف: “لدي أصدقاء شيعة أكثر من المسيحيين، هم لا يقبلون ما حصل من بعض أبناء طائفتهم”. تحاول السيدة بكلامها أن تشرح أنّها مستاءة من “ما فعله بعض الشيعة” بحق “أهالي عين الرمانة”، مشددة على أنّ ذلك “لا يمثل الطائفة بأكملها”. ولكنّها تعود لتشرح بأنّ “هؤلاء عند كل حدث سياسي “يدخلون عين الرمانة ويستفزّون أهلها، نحن لم ندخل مناطقهم ونستفزّهم يوماً بهذا الشكل”. وهذا الخطاب الذي لطالما نسمعه من لبنانيين، من كل الطوائف الّذين يؤكدون على علاقاتهم بأشخاص من غير طائفة للتأكيد على عدم طائفيتهم وكأنّ في الأمر “هجنة”، هو ليس سوى ثمار ما يسعى إليه زعماء سياسيون يتغذّون على الحقن والتجييش الطائفيين، بهدف تفريغ العلاقات بين أبناء البلد واصطفاف المواطنين كلٌ داخل فقاعته الطائفية. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم عسكرية ، أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، لبنان ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني