اعتداء على متظاهرين أمام “مجلس الجنوب”: “معنا أوامر نقتلكم!”


2020-01-24    |   

اعتداء على متظاهرين أمام “مجلس الجنوب”: “معنا أوامر نقتلكم!”

لم تكد حافلتا المتظاهرين تصل إلى الطريق المقابلة لمجلس الجنوب في منطقة بئر حسن حتى استقبلهم شبان مسلّحون بالعصي والعصي الغليظة والسكاكين وانهالوا ضرباً عليهم وتكسيراً بالحافلتين، مكيلين الشتائم لهم ووصفوهم بـ"العملاء" لأنّهم يستهدفون "مجلس المقاومة"، كما أسموه.

كانت "جولة كشف حساب على مزاريب الفساد" التي دعا إليها "ائتلاف بناء الدولة" وهو مظلّة تنضوي تحتها العديد من المجموعات، ستشمل أيضاً مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجّرين، لولا تعرّض المتظاهرين لما تعرّضوا له من ضرب وإهانات ومطاردة حتى إلى داخل الأبنية القريبة التي احتموا فيها.

"كانوا مجموعة صغيرة في البداية ثم ما لبثوا أن أصبحوا أكثر من أربعين شخصاً" تقول الناشطة ريم حيدر التي نالها ما نال من الضرب الذي وثقت كاميرتها بدايته قبل أن يسقط هاتفها أرضاً وهي تصرخ "أنا من هون. بيتي هون" علّ مهاجمها يتراجع أو يراجع نفسه. "ولكن جوابه كان "معي أوامر قوّصك".

تستغرب ريم كيف لم يأت الأمن من بداية التحرّك كما سائر التحرّكات السابقة التي ينظّمونها، ثم تستدرك وكأنها تحدّث نفسها: "هذه المنطقة خاضعة لأمنها الخاص، كيف سيواكبنا الأمن؟".

وبالفعل لم يحضر الدرك إلّا بعد ثلاثة أرباع االساعة من الاعتداء حين كان المتظاهرون يحتمون في الأبنية والشقق المجاورة، وحضر أيضاً عناصر من مخابرات الجيش لحماية المتظاهرين ومواكبتهم إلى مكتب "حركة الشعب" القريب.

"معنا أوامر نقتلكم"

"معنا أوامر نقوّصكن"، قالها العديد من المهاجمين مهددين المتظاهرين، ولكنّهم على ما يبدو "عصوا الأوامر" و"اكتفوا" بضربهم. 

تقول إحدى المشاركات في التظاهرة   التي فضّلت عدم ذكر إسمها "ركضنا فلحقوا بنا، وأثناء الركض وقعت أرضاً فانهال عليّ عدد منهم بالضرب وقام أحدهم بمحاولة رفع قميصي وهو يسألني أين هاتفي". وباغتها واحد منهم بالعبارة ذاتها "لدينا أوامر بقتلك". "كانت عيونه تقدح شرراً، وكأنّه يرى عدوّاً"، تضيف. 

لم يسلم أحد من المتظاهرين من الضّرب وأصيب أكثر من 15 منهم بجروح ورضوض في أماكن متفرّقة من أجسادهم. ونقل واحد منهم إلى مستشفى الجامعة الأميركية بعد إصابته بجرح في رأسه، فيما أصيب آخر بشُعّر في أنفه. كما أصيب سائق الباص بكسر في أحد أضلاعه.

كرر المهاجمون تسمية مجلس الجنوب بـ"مجلس المقاومة" ونعتوا المتظاهرين بالعملاء، أرادوا بذلك الإيحاء بأنّ ما يقومون به من ضرب للمتظاهرين هو عمل دفاعي عن مؤسسة حريصة على الجنوب من متآمرين على المقاومة. أغفل هؤلاء أو تغافلوا عن أنّ مجلس الجنوب هو أحد بوابات الهدر المعروفة في الدولة اللبنانية مستفيداً من عدم خضوع أعماله لأحكام قانون المحاسبة العمومية ولرقابة ديوان المحاسبة المسبقة واعتماده مبدأ الرقابة المتأخرة عبر نظام الفواتير.

مكث المتظاهرون ساعتين في مكتب "حركة الشعب" بانتظار تأمين خروجهم من المنطقة ووصول الإعلام. ولم يخرجوا من المكتب إلّا بمواكبة من مخابرات الجيش. وسارت الحافلتان بزجاجهما المحطّم بمرافقة سيارات المخابرات باتجاه موقف العازارية في وسط بيروت لتلاوة بيان حول الحادثة وتنظيم مؤتمر صحافي. ومع انطلاق الحافلتين ودّع بعض المتواجدين في المكان القافلة بالسباب والتهديد وبرفع الإصبع الوسطى. 

"ائتلاف بناء الدولة": مؤسسات فاح عفن فسادها

وفي خيمة "ائتلاف بناء الدولة" في العازارية وبحضور وسائل الإعلام قرأ المحامي هاني فياض بياناً باسم الإئتلاف أكّد فيه أن القوى الأمنية تبلّغت بمسار التحرّك بالتفاصيل. ووصف المهاجمين الذين تجمّعوا حول المتظاهرين واعتدوا عليهم بأنهم "حملة الشهادات العليا ودكتوراه الدولة من ميليشيات حركة أمل حرس مجلس الجنوب، بأوامر من قبلان قبلان كما أعلنوا هم أنفسهم". وأكد أنّ المعتدين "انهالوا ضرباً بالعصي الغليظة على الرأس والجسم كما استعملوا السكاكين والشفرات الحادة، ولم يتوانوا عن ضرب النساء ضرباً مبرحاً، وتجمهروا أكثر من 8 أشخاص على كل شخص منا وضربونا بالعصي الغليظة وهم يصرخون "معنا أوامر نقوصكم ونحنا حركة أمل يا كلاب".

وحذر البيان من أنّ "أيّ سكين غدر يتعرّض لها أي ثائر من ثوار إئتلاف الدولة أو أي اعتداء يكون على الأبنية التي أوتنا هي  مسؤولية نبيه بري شخصياً".

ووصف البيان الفساد في مجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين بأنه "ساطع وفاضح"، مذكراً بـ"أننا نعيش في مزرعة طوائف وزبائنية وسرقة ونهب للمال العام عبر مزاريب الهدر المذكورة وغيرها".

واعتبر أنّ انتفاضة 17 تشرين هي انتفاضة "من أجل الوطن وضد ميليشيات من الذئاب فاقدي الأخلاق يعيشون على الزبائنية والولاء الأعمى للزعيم والطائفة"، مؤكداً أن المجالس الثلاثة "هي مؤسسات عامة يملكها الشعب وقد فاح عفن فسادها والشعب يطالب بإغلاقها".

وفي تصريح لـ"المفكرة" قال فياض "إنّنا نحضّر للادعاء على المهاجمين الذين أصبحت أسماؤهم معنا وعلى المرجعية السياسية لأن المعتدين صرّحوا بأن لديهم أوامر من حركة أمل بإطلاق النار على المتظاهرين". 

و"إئتلاف بناء الدولة" من المجموعات النشيطة في انتفاضة 17 تشرين نظّم العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام مؤسسات حكومية اعتمدت فيها مبدأ "فتح الملفّات" من ملف الاتصالات وأوجيرو إلى إجتماع الهيئات الإقتصادية في غرفة التجارة والصناعة إلى الإدارات المركزية للمصارف والمصرف المركزي والمرفأ والهيئات الرقابية وغيرها.  

بيان لـ"الداخلية" ورد باهت من مجلس الجنوب

على المقلب الآخر، ندد وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي بـ"الأسلوب الهمجي الذي تعرّض له معتصمون ومتظاهرون سلميّون بينهم سيّدات وهم في طريقهم ظهر الجمعة 24 كانون الثاني 2020 إلى الاعتصام أمام مجلس الجنوب".

وأكد أنّ "الأجهزة الأمنية المختصّة لن تتوانى عن ملاحقة المعتدين وتحديد هوياتهم، وباشرت على الفور التحقيقات اللازمة لمعرفة خلفية الاعتداء على المتظاهرين والمعتصمين وأهدافه وإحالتهم على القضاء المختص لاتخاذ المقتضى القانوني".

وشد على أنّ "من مهمّات وزارة الداخلية وأولوياتها حماية المواطنين كل المواطنين من متظاهرين وغيرهم، ومنع أعمال الشغب والتعديات، ولن تقبل باستمرار العابثين بالأمن في التطاول على كرامة أي مواطن تحت أي ظرف أو حجّة أو سبب".

وصدر رد باهت عن مجلس الجنوب قال فيه إنّ "ما حصل على الطريق المؤدّي إلى مجلس الجنوب من تضارب بين أبناء المنطقة وبعض المتظاهرين هو عمل مستنكر ومدان من قبلنا، علماً أنّ ادارة وموظفي المجلس لم يكونوا على علم لا من قريب ولا من بعيد بما جرى أو بما كان يحضّره المتظاهرون وبما حصل من ردات فعل مؤسفة".

وأضاف المجلس في بيانه: "لقد استمعنا إلى البيان الصادر عن معالي وزير الداخلية والذي يؤكّد أن الأمر بات في عهدة السلطات الأمنية المختصة التي ستبني على الشيء مقتضاه".

وليلاً نقلت "إل بي سي" عن مصادر أمنية أنّ القوى الأمنية داهمت منطقة بئر حسن وجرى توقيف شخصين على خلفية ضرب المحتجين أمام مجلس الجنوب. وفيما استمرت المداهمات قام أشخاص بقطع طريق الجناح قرب مسجد الصدر احتجاجا على توقيف متهمين اثنين من بين المعتدين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني