استنباط صورة الحاكم والمصرف “العام”: مصرف لبنان خلال الحرب الأهلية


2020-04-23    |   

استنباط صورة الحاكم والمصرف “العام”: مصرف لبنان خلال الحرب الأهلية

يستحق سقوط صورة رياض سلامة مؤخراً كـ “مهندس النظام” العبقري التي التصقت به منذ عام 1993[1] عودة بالزمن إلى الوراء وطرح سؤال أساسي: كيف يمكن لحاكم مصرف مركزي ولهذا النوع من المؤسسات، أن يحتلّا هذه المكانة الكبيرة في النقاش العام اللبناني، منذ سنوات عديدة، وحتى خارج السياق النقدي نفسه؟

يعتبر هذا وضعاً فريداً من نوعه مقارنة بدول أخرى حيث المصارف المركزية متحفّظة إعلامياً وحكّامها أيضاً من النادر لهم أن يصرّحوا وأن تكون أسماؤهم معروفة لدى الجمهور. وهذا ليس وضعاً ناتجاً “بشكل طبيعي” عن حالة إقتصادية: في الواقع، يعود هذا الحضور العام لمصرف لبنان وحاكمه إلى ما قبل “عجائب” رياض سلامة، وتحديداً إلى فترة الحرب الأهلية. فبين 1975 و1990 أصبح مصرف لبنان شيئاً فشيئاً مؤسسة “عامة” وحاكمه شخصية مهمة تحتلّ عناوين الصحف ولا تنحصر بالصفحات الإقتصادية. فأخباره ليست كأخبار الاقتصاديين لأنها تخرج عن إطار السياسة النقدية.

مصرف مركزي بعيداً عن الأضواء

“لم نواجه صعوبة كبيرة في المحافظة على استقرار الليرة اللبنانية الذي كان الأهم بالنسبة إلينا (…) فقد كان المال يأتي من كل مكان، وبشكل غير قانوني لتمويل الحرب وتدمير بلدنا. (…) وبالتالي استطعنا المحافظة على استقرار الليرة بفضل هذا المال الذي كان هدفه التدمير ولكن في الوقت نفسه حمل جانباً آخر وهو حماية العملة”.[2]

إذاً ما الذي يمكن إخباره عن دور الحاكم، قبل سلامة، طالما أنّ استقرار العملة بدا مضموناً؟ في عام 1981، أشار إلى ذلك أيضاً أندريه شعيب أحد كوادر مصرف لبنان ومدير الدراسات والإحصاءات الاقتصادية: “نفاجأ أحياناً بأنّ الليرة استطاعت الصمود رغم غياب الضوابط على الصرف. فعلى العكس من ذلك، على الأقل جزئياً، استطاعت الليرة بفضل غياب الضوابط الحفاظ على نفسها”[3]. ويبدو أنّ هذا الطابع يساهم في إطالة تاريخ الليبرالية اللبنانية واستمرار غياب ضرورة تمثيل الاقتصاد سواء عبر وزير أو حاكم لمصرف لبنان، لأن العبقري الذي أبقى النظام واقفاً على قدميه هو النظام نفسه. فشراء كميات كبيرة من الذهب، باعتباره سياسة نقدية رئيسية منذ الاستقلال عام 1943، (من أجل تثبيت سعر الليرة كعملة تبادل في بلد تشكّل التجارة فيه قطاعاً أساسياً) يضمن منذ 1975/1976 استقراراً ملحوظاً للعملة من دون الحاجة إلى قرارات أخرى. لذلك كان يمكن بقاء موقع الحاكم شاغراً لعامين، 1976-1978 من دون التسبّب بصدمة لأحد.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الموقع لم يستثمره كثيراً شاغلاه الأوّلان. فبدءاً بفيليب تقلا (1963ـ1967) الذي كان وزيراً أيضاً: “حين وصل إلى مصرف لبنان، قال ليس لديّ أية نيّة بأن آتي إلى مصرف لبنان وبالتالي بقي في مكتبه في وزارة الخارجية”[4] تاركاً إدارة الشؤون اليومية لنائبه (جوزيف) أوغورليان الشخصية الرئيسية الحقيقية في مصرف لبنان آنذاك كما يشير كتاب صدر مؤخراً[5]. وكان تقلا يتمتّع بشخصية موظف كبير في الدولة أكثر منه شخصية مصرفي أو سياسي، تماماً كشخصية إلياس سركيس الذي تولى مهمة حاكم مصرف لبنان في عام 1968[6] شخصية بعيدة عن الرهانات السياسية. وفي حين استهدف سليمان فرنجية (1972-1976) رموز سلفه[7]، ترك مصرف لبنان لسركيس الذي كان ينتمي إلى الدائرة الضيقة للرئيس الأسبق (فؤاد) شهاب (1958-1964).

إلا أنّه في فترة الحرب، اكتست شخصية الحاكم أهمية ولكن من جميع الجوانب عدا الجانب المرتبط بالسياسة النقدية. فاستقرار الليرة لم يكن تلقائيّاً إنما كان يناقش ويجري الدفاع عنه بشكل يومي حتى بعيداً من التوجيهات والتنظيمات الصادرة عن مصرف لبنان.

وكان الذهب الذي يملكه المصرف بشكل خاص، والذي كان أول احتياطي في الشرق الأوسط، هدفاً محتملاً لم يفلت من الميليشيات في ذلك الوقت: “أكثر من مرة حاولت الميليشيات احتلال المصرف، وهو ما أردنا تجنّبه تماماً. […] [علمنا] أنه إذا دخلت الميليشيات، فستقع كارثة، وستقفز الليرة، وسيسرقون العملات، وأنّ كل من سيستغل ذلك سيكسب قوة استثنائية. […] يمكنك القول إنّه كان هناك خط أحمر، ليس على المصارف الخاصة بل على المصرف المركزي”[8].

في الواقع، لم يشمل النهب الذي طال مصارف وسط بيروت في مطلع عام 1976، خزائن مصرف لبنان (الواقعة بعيداً في الحمرا) نتيجة اتفاق ضمني وتوازن رعب بين الميليشيات: ميليشيات غرب بيروت تسيطر على مصرف لبنان (وبالتالي رواتب الموظفين العامين بما فيهم الجيش) وميليشيات شرق بيروت تسيطر على مصادر المياه أو الطحين إلخ… وفي المقابل كان الرعاة العرب والدوليون يسهرون على هذا الخط الأحمر بينما التزم مصرف لبنان الصمت[9] والغموض حيال الذهب الذي أقسم بعض نواب الحاكم أنّه ليس في لبنان: “جاءت إليّ (بعض الميليشيات) تسألني إذا كان الذهب في المصرف. وأجبتهم بالنفي”. وهذا التكتّم تمّ تعميمه أيضاً على كامل القطاع المصرفي حيث نشطت جمعية المصارف أيضاً لتبديد الشائعات. [10]

ميشال الخوري: صعود  لحاكم قويّ

بقي مصرف لبنان مؤسسة خارج الأضواء وبمنأى عن الرهانات السياسية. وبالتوازي مع ذلك، واصل ميشال الخوري أداء دور الحاكم بشكل غير ملحوظ ومتحفّظ (1978 ـ 1985) مع إعطاء المنصب بعداً آخر. وبالفعل أدار الخوري الصعوبات اليومية غير المرئية في النظرية الاقتصادية مثل تداول الأوراق النقدية والتي تضاعف عددها منذ بداية الحرب، في نظام يجري جزء كبير من التعاملات الحاصلة فيه نقداً: “كانت الأوراق النقدية تأتي (من إنكلترا) بحراً وفي طرابلس كان علينا التفاوض مع 6 أو 7 ميليشيات مختلفة يدّعي كلّ منها السيادة على المنطقة (…) من دون الوصول إلى إقناعها (…) فكان من مصلحة الجميع السماح للموكب بالمرور”. [11] كذلك أدار الخوري الطابع المادّي المتغيّر لمصرف لبنان لا سيما إعادة انتشار أنشطته جغرافياً، حيث تم إنشاء فرع جديد له في عام 1979 في جونيه، بينما تكاثرت فروع المصارف بدورها على مساحة الوطن [12]. وعمل الحاكم أيضاً لاحقاً على تعزيز حصانة مصرف لبنان في مواجهة التهديدات الأخرى (مشروع سرقة الذهب تبنّته بعض الميليشيات)[13]، وانبرى للدفاع عن السرية المصرفية في مواجهة محاولات الكشف عن الحسابات خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

إن وصف ميشال الخوري بأنّه حاكم سيّئ أو مصرفي ضعيف كما يفعل كاتبو سيرة سلامة[14] يتجاهل دوره العملي والسياسي كحاكم ذات مصداقية كافية خوّلته التفاوض مع جميع اللاعبين: فميشال الخوري المتحدّر من عائلة سياسية كبيرة، والشخصية النخبوية التقليدية والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، لديه موقع إجتماعي لا يقارن بأسلافه ويجسّد بالتالي الحاكم المصرفي بقدر ما يجسّد شخصية دبلوماسي الداخل. وهذا الموقع توافقي حيث تتلاقى مصالح الميليشيات والمصارف، مع شكل من “التوافقية” اللبنانية[15]، حتى قبل رياض سلامة. وهذا التوافق يمرّ عبر تطوير منتج مالي أقل تعقيداً من ترتيبات ما بعد الحرب، ولكن بناء على النموذج نفسه للربح المتبادل بين مصرف لبنان والمصارف والمتمثّل بسندات الخزينة[16].

وبموجب هذا التفويض غير الرسمي أيضاً سيظهر مصرف لبنان في النقاش العام، بشكل مفاجئ لأنه يثير اهتمام السياسيين: تلاشت فكرة الاستيلاء على الذهب أو تجميد الأجور كما كانت الحال في 75-76، لصالح فكرة إمتلاك الذهب أو احتياطيات العملة بشكل قانوني.[17] في العام 1983، أجبر الرئيس أمين الجميّل مصرف لبنان على استخدام احتياطاته بالعملة الصعبة لشراء معدّات للجيش اللبناني. وفي الوقت نفسه، برز سجال حول إمكانية استخدام الذهب الذي يملكه المصرف، وتسييله من أجل إيداعه وجني الفوائد منه[18] (وقد وُضع حدّ لهذا النقاش عام 1986 عبر تصويت على قانون يمنع التصرّف بالذهب). وأخيراً، بدأ رهان التعيينات السياسية حيث لم يتم تجديد ولاية فؤاد السنيورة النشيط كرئيس للجنة الرقابة على المصارف (التابعة لمصرف لبنان) عام 1982.

1985 ـ 1990. إدمون نعيم واستنباط صورة الحاكم “العام”

عادة وفي سرديّة تاريخية لقدوم رياض سلامة إلى حاكميّة مصرف لبنان، سيقال عن الولاية التالية أي ولاية إدمون نعيم بأنّها شكّلت فشلاً يمهّد لقدوم المخلّص الذي سيصحّح الوضع (انطبعت تلك الفترة بتضخّم مفرط حيث ارتفع الدولار من 6.5 ليرات عام 1984 إلى 500 ليرة عام 1987) [19]. ولكن ولاية نعيم، رجل القانون المعروف والذي كان في تلك الفترة رئيساً للجامعة اللبنانية شهدت أيضاً تحوّلاً آخر في مصرف لبنان الذي كرّس طابعه “العام” بطريقتين: فرض نفسه على النقاش العام، وكرّس ميلاً إلى أن يصبح رمزاً للدولة، ومؤسسة “عامة”.

واستمرّ مصرف لبنان مصرفاً “عاماً” لأنه أثار اهتمام اللاعبين السياسيين وعكس منطق تسلل الميليشيات إلى المؤسسات اللبنانية: عيّن نعيم في عام 1985 بعد مساومات طويلة أدّت إلى استحداث منصب نائب حاكم شيعي مخصص لحركة أمل وفتح ثلاثة فروع جديدة للمصرف كانت بمثابة فروع رمزية مقارنة بسابقاتها. “في بكفيا، أراد الرئيس ذلك (…) لم يكن هناك مصارف في المنطقة ولا نشاط ولكن الرئيس طلب ذلك…” [20]. فتحت الفروع في معقل الجميّل في بكفيّا ومعقل الحزب التقدمي الاشتراكي في عاليه ومعقل أمل في النبطية: وعكست خريطة فروع المصرف التشرذم الذي طبع البلاد في تلك الفترة. ولكنها لم تخلُ من مفارقة أساسية لأنّ إصرار كل فصيل لبناني على فتح فرع في منطقته دليل على منطق الحكم الذاتي الذي يتصرّف على أساسه ولكن أيضاً شكل من الحفاظ على أفق مشترك يظهر مدى تحوّل مصرف لبنان إلى رمز.

الحاكم والخطاب العام

ورث نعيم مصرفاً دخل بقوّة في النقاش العام وعلى نطاق أوسع مع تراجع قيمة الليرة، وعمل نعيم في هذه الأجواء وقلب رأساً على عقب سياسة التحفّظ والتكتّم التي انتهجها سلفه ولم يتوقّف عن إعطاء المقابلات ونشر صراعاته المتتالية مع مختلف الوزراء ومن ثم مع المصارف وصولاً إلى ذروة الانقسام اللبناني بين حكومتين (1988 ـ 1990). واستنبط نعيم خطاباً عاماً للحاكم ولكن أيضاً دوراً خاصاً لمسؤول “ينام على ذهب” ويعيش الحياة اليومية نفسها للمواطن العادي محميّاً بأكياس رمل ومتحصّناً: وهي حياة عاشها جزئياً سلفه ولكنها برزت أكثر في ولايته حتى لو جسّد أكثر شخصية الرجل الوحيد الذي تقلّص من حوله فريق مصرف لبنان بشكل كبير. وكان يتوجّه أيضاً بشكل مباشر إلى المواطنين العاديين من خلال إتاحة إمكانية شراء سندات خزينة لهم أو من خلال اللعب على وتر خطاب شعبي مناهض للبنوك من خلال نشر صراعاته الخاصة معها. وإن تعرّض المصرف لاحقاً للإستهداف سواء مع اختطاف ثلاثة من كوادره عام 1985 أو الهجوم الصاروخي عليه عام 1987، إلّا أنه تحوّل إلى صرح عامّ تجري أمامه التظاهرات ضد غلاء المعيشة من دون الحاجة إلى حمايته بأسلاك شائكة وبلوكات إسمنتية.

ولكنّ هذا الاهتمام بالخطاب العام حيث برز الطموح الرئاسي لنعيم[21]  ـ حين كان السياسيون والميليشيات عرضة للانتقاد وبرزت مسألة العثور على بديل ـ كان له جانب اقتصادي: تمثل في البحث عن إحياء الثقة الدولية في العملة والتظاهر بأن الوضع طبيعي وأنّنا على وشك العودة إلى التوازن. فقد كان نعيم ونواّبه يرددون بأن “الوضع تحت السيطرة”[22] ويبحثون عن التقييمات الإيجابية لصندوق النقد الدولي[23] والمصارف المركزية الأخرى التي كانت تبعث رسائل دعم[24].  وبالتالي لم يكن رياض سلامة أول محافظ لمصرف لبنان يراكم الدعم والاعتراف الدوليين[25]، حيث أن نعيم عمل بشكل حثيث على ذلك وصولاً إلى الحصول على اعتراف وتقدير أبرز المجلات المرموقة في عالم المصارف في تلك الفترة: The Banker. لم يكن نعيم مصرفياً سيئاً إنما استعمل أحد المصادر الممكنة لنفوذ الحاكم وهي الخطاب العام والذي برزت أهميته بشكل خاص في مرحلة لم يكن المزيد من التدخّل التقني (على شكل بيع العملات الأجنبية) في سوق الصرف الأجنبي كافياً لتحقيق استقرار العملة.

بين الدولة والمصارف

وفي مخاطبته الرأي العام، أضاف نعيم طابعاً “عاماً” إلى مصرف لبنان محوّلاً إيّاه بالكامل إلى مصرف للدولة عملياً ورمزياً[26]. وخرج من الإجماع الذي ساد ولاية الخوري، ليقف في مواجهة المصارف من جهة ويغيّر طابع المؤسسة التي هي “في تصرّف” الحكومة من جهة أخرى وصولاً إلى تحويل مصرف لبنان إلى مؤسسة لديها أسبقية على المؤسسات الحكومية الأخرى بدءاً بوزارة المال (التي تراجعت شيئاً فشيئاً قدرتها على تحصيل الضرائب وخلت من موظفيها ووفّر المصرف المركزي معظم عائداتها من خلال الإقراض). وهذا الدور الظرفي الذي فرضته الضرورة بحسب نعيم[27] ، مناسبة لمنح مصرف لبنان طابع المؤسسة الرائدة وحاكمه مكانة “رائد الإصلاحات”. وقد قدّم نعيم نفسه حاكماً متّزناً وعصرياً ليس لمصرف لبنان بل أيضاً للدولة، من خلال اعتماد سياسة تساير صندوق النقد الدولي في مسألة الدعم وهي مسألة طرحتها مراراً بعثات خبراء الصندوق، وتلقين الرئيس السابق للجمهورية كميل شمعون (الذي كان آنذاك وزيراً للمالية)، درساً في المالية العامة على صفحات الجرائد[28]. وبذلك، نجح نعيم في تصوير مصرف لبنان على أنه مؤسسة نموذجية وواحدة من “جزر الكفاءة” في لبنان خارج الإدارة العادية، تصلح كشريك جاد وموثوق للمنظمات الدولية على عكس الإدارة اللبنانية ككل.

أخيراً مع قدوم فترة 1988 ـ 1990 وفي ظل انقسام السلطة التنفيذية بين حكومتي ميشال عون وسليم الحص وشغور رئاسة الجمهورية، انتهى الأمر بنعيم بأن جسّد ليس فقط “أفضل” ما في الدولة بل معقلها الأخير، عبر صورة الحاكم الذي يكاد يساوي رئيس حكومة أو رئيساً للجمهورية. واضطر على إدارة طلبات متناقضة تتعلّق بتمويل الدولة والتعامل مع صعود مواقف راديكالية، على عكس ما كان يجري منذ 1975-1976، تمثلت بالدعوة إلى تخفيض الرواتب أو إنشاء مصرف مركزي جديد من قبل ميشال عون[29].

ولكن هذه المكانة غير المسبوقة للحاكم ستعمل السلطة السياسية على تحجيمها لاحقاً. وقد تجلى ذلك بشكل خاص ورمزي من خلال الإعتداء على نعيم في مكتبه في آذار 1990 من قبل أتباع وزير في الحكومة (وزير الداخلية) للدلالة على وجوب إعادة الحاكم إلى موقعه الصحيح ومنعه من التعدّي على صلاحيات السلطة التنفيذية.

إرث سلامة

سوف تستكمل أسطورة ظهور رياض سلامة تقليص أهمية تلك الولاية إلى الحد الأدنى (التي تبعتها عودة ميشال الخوري بين عامي 1990 و1993 والتي تمّ محوها أيضاً منذ ذلك الحين). ولكن بقيت بعض الآثار: حافظ مصرف لبنان على طابعه كرمز والحاكم كشخصية عامة واستمر المصرف بامتلاك اليد الطولى جزئياً على الدولة. فانخراطه النشط في بناء البيئة الحاضنة للشركات الناشئة والتنمية الاقتصادية (راجعوا سلسلة مؤتمرات مصرف لبنان حول الشركات الناشئةBDL accelerate ) وفي المشاريع التنموية وحتى موقعه المركزي في إقراض الدولة اللبنانية، كلها عوامل وضعت وزارة الاقتصاد أو وزارة المالية على الهامش. ورياض سلامة من جانبه، لم يخترع شيئاً، فاستطاع أن يتعلّم من أسلافه وأن يجمع بين صورة التقني المتحفّظ والتكنوقراط (ينتمي أكثر إلى النيوليبرالية الأنغلوفونية منها إلى البيروقراطية الفرنكوفونية) و”المفتاح التوافقي” الذي تتلاقى حوله المصالح السياسية والمالية، وأخيراً صورة الحاكم العام (التي تهشمت منذ تشرين الأول 2019، مع حاكم لم يتمكّن أبداً من أداء دور الشخصية القريبة من الناس على غرار نعيم). وأعطى سلامة معنى آخر للموقع الذي يشغله، مما أدّى إلى تكشّف توازنات متنامية في النظام السياسي والمالي اللبناني: خلال فترة ولايته، أصبح منصب الحاكم غاية بحدّ ذاتها وليس جسر عبور إلى الموقع المتراجع لرئاسة الجمهورية.

*ترجمة لمياء الساحلي

 

  • نشر هذا المقال في العدد | 64 | نيسان 2020، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

قبح النظام في مرآة المصارف

  • لقراءة المقال باللغة الفرنسية اضغطوا على الرابط أدناه:

L’invention de la figure du gouverneur et d’une banque « publique » : la Banque du Liban pendant la guerre civile


[1]   Berthier R., « Abracada… broke », Synaps, 2017 ; Azzi D., « What’s Riad Salameh thinking », An-Nahar, 30/10/2019.

[2]   مقابلة مع موظف سابق في مصرف لبنان، 2015.

[3]   « Une monnaie qui se maintient contre vents et marées », le Monde, 23/11/1981

[4]   مقابلة مع شخصية قريبة من النواب الأوائل للحاكم، 2018.

[5]   Safieddine H., Banking on the State: The Financial Foundations of Lebanon, 1re éd., Stanford University Press, 2019.

[6]   امتداد لشبه بيروقراطية بنك سوريا ولبنان الكبير، سلف مصرف لبنان في ظل الانتداب.

[7] من خلال ملاحقة المكتب الثاني في الجيش اللبناني أو تجاوز المؤسسات مثل مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي في تعيين الموظفين (من خلال اللجوء إلى المتعاقدين).

[8]   مقابلة مع نائب سابق لحاكم مصرف لبنان، 2014.

[9]   لم يتم الإعلان عن أي من هذه المحاولات، وهو جانب ملفت بشكل خاص في فترة انتشرت فيها المعلومات والشائعات بسرعة كبيرة.

[10] بدا ذلك في بياناتها المطمئنة إلى صلابة السرّية المصرفية، في تموز 1976، وعرقلتها أي تحقيق في نهب المصارف في وسط المدينة وحقيقة الخسائر المادية فيها (التي تجبر المصارف في بعض الأحيان على تصوير دفاتر حسابات عملائها من دون إبلاغهم بذلك لإعادة تشكيلها).

Ashmole A., Sand, Oil and Dollars, London, AuthorHouse, 2010.

[11]         مقابلة مع موظف سابق في مصرف لبنان، 2015.

[12]         De 350 à 640 branches entre 1975 et 1983. Cf Wehbeh L, The phenomenon of expansion of branch banking in Lebanon, Master’s Thesis, AUB, 1985.

[13]         كان بشير الجميل يخطط أيضاً لقصف مصرف لبنان عندما غادر الفلسطينيون بيروت لمنعهم من أخذ الذهب والاستحواذ هو عليه.

[14]         Iskandar M., Central Banking in uncertain times. Lebanon & the US, Beyrouth, M.I. Associates, 2017.

[15]         Moore C.H., « Le système bancaire libanais. Les substituts financiers d’un ordre politique », Maghreb-Machreq, 1983, no 99, p. 27‑40.

[16]         “خلال الحرب، كانت الخزينة عميلاً رئيسياً للبنوك، في وقت كانت فيه فرص الاستثمار محدودة وواجه العملاء العاديون صعوبات. قامت الخزينة بسداد ديونها عند الاستحقاق، في حين دفعت الفوائد مقدّماً في الوقت نفسه للاكتتاب”.  جورج عشي وغسان العياش، تاريخ المصارف في لبنان، منشورات بنك عوده، 2001، ص. 184.

[17]         ليس من دون سوء فهم معيّن من جانب السياسيين بشأن توافر وملكية أموال البنك المركزي (وهو ما يعكس بشكل عام نقص الثقافة الاقتصادية لدى هذه النخب والتي كانت ظاهرة في حكم شهاب).

[18] أسعار الذهب كانت متقلّبة لذلك بدأت الأفكار تتولّد حول التصرّف به.

[19]         الأمر نفسه ينطبق على الولاية التالية التي شهدت عودة ميشال الخوري من 1990 حتى 1993 حيث نجاوز الدولار 1000 ليرة ثم 2000 ليرة.

[20] مقابلة مع مدير سابق في مصرف لبنان 2016.

[21] يشير إلى ذلك مسؤول سابق في مصرف لبنان من خلال تناول مسألة التوظيفات (اتهم بها رياض سلامة في التسعينيّات): “إدمون نعيم أدخل إلى المصرف ما بين 300 و400 موظف، معظمهم يقطنون هنا في هذه المنطقة. ووظفهم عن طريق التعاقد”. مقابلة مع مدير في مصرف لبنان، 2015.

[22]         وفقاً لنائب الحاكم عام 1987 (مكرديج) بولدوكيان في مؤتمر في INSEAD.

[23]         الأرشيف الرقمي لصندوق النقد الدولي، محضر اجتماع المجلس التنفيذي،86/70،25/04/1986.

[24] مقابلة مع بولدوكيان، Le Commerce du Levant ، 3/8/1987               

[25] للحصول على جردة كاريكاتيرية إلى حد ما وواسعة جداً يمكن مراجعة سيرته الذاتية المتاحة على الرابط

 https://www.worldpolicyconference.com/wp-content/uploads/2017/10/FR_salame_riad_toufic.pdf

[26] يقيم توعاً من التوازن الكلاسيكي في تلك المؤسسة “الواجهة” (بين الوطني والدولي والخاص والعام والدولة والمصارف إلخ…)

      Mitchell T., « The Limits of the State: Beyond Statist Approaches and Their Critics », The American Political Science Review, 1991, vol. 85, no 1, p. 77‑96. .

[27]         Ayache G., L’indépendance de la banque du Liban face au pouvoir politique : 1982-1992, Thèse de droit, Université Paris 10, 1997.

[28] “كلما تراجعت قيمة العملة اللبنانية، كلما زادت قيمة الذهب بهذه العملة. وخلص وزير المالية إلى أنّ مثل هذا التقويم بالليرة اللبنانية يشكّل فائدة مستحقة للدولة”. وبالتالي عارض نعيم ذلك. المرجع نفسه.

[29] الذي سيفتح بالفعل حسابات خاصة لإدارة حكومته، والذي طبع وجهه على سلسلة من الليرات اللبنانية، مع ختم وزير المالية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني