استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس: حسابات سياسية أم ضرورة؟


2019-02-01    |   

استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس: حسابات سياسية أم ضرورة؟

قام مجلس نواب الشعب بتاريخ 30 جانفي 2019 باستكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وقد بدأ المجلس في مرحلة أولى بتسديد الشغور الحاصل بها من خلال تجديد ثلث أعضائها حسب ما ينصّ عليه القانون المنظم لها. ثم في مرحلة ثانية تم انتخاب رئيس لها وذلك بعد استقالة رئيسها السابق في 5 جويلية 2018. وبالرغم من التأخير النسبي الذي تسبّب به المجلس في إرساء مناخ يسمح بإعداد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة والتي من الضروري أن يتم تنظيمها خلال الأيام الستين الأخيرة من المدة النيابية حسب الآجال الدستورية أي قبل موفى شهر نوفمبر بالنسبة للانتخابات التشريعية وموفى شهر ديسمبر بالنسبة للانتخابات الرئاسية.

ولئن يشكل استكمال تركيبة الهيئة وانتخاب رئيس جديد لها حدثا هاما من الناحيتين السياسية والدستورية، وتحديدا لجهة استبعاد شبح تأجيل الانتخابات المقبلة وتأكيد عزم القوى السياسية الحالية على مواصلة المسار الديمقراطي في تونس، إلا أن توقيت التوافق السياسي الحاصل داخل المجلس يبقى عاملا مقلقا حول خلفياته ومضمونه.

وللتذكير فإن تباطؤ المجلس في المصادقة على مشاريع القوانين كان أساسا نتيجة خلاف سياسي بين حركة نداء تونس وحركة النهضة بخصوص طريقة تجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ورئيسها. إذ نادت الأولى بضرورة انتخاب الأعضاء ثم انتخاب رئيس الهيئة بينما تمسّكت الثانية بضرورة انتخاب الرئيس أولا ثم استكمال انتخاب بقية الأعضاء. وعلى هذا الأساس، ولئن قرر المجلس عدم القبول بالطريقة التي اقترحتها حركة النهضة في استكمال تركيبة الهيئة، إلا أن التصويت على رئاستها كان لصالح مرشّحها نبيل بفون وهو ما يعكس الثقل الذي تتمتع به حركة النهضة من خلال التوازنات السياسية صلب المجلس. وقد أدت هذه التوازنات أيضا إلى طرح مسألة الاستماع إلى أعضاء مجلس الهيئة بخصوص ما ورد بتقارير دائرة المحاسبات والتي تضمّنت صراحة حدوث خروقات انتخابية بالغة الخطورة خلال الانتخابات التشريعية الفارطة منها تلقي أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية أموالا من الخارج وهو ما يجرّمه القانون الانتخابي وكذلك الخرق الجسيم للصمت الانتخابي أثناء الانتخابات البلدية[1].

هذا التوافق السياسي وإن كان، من جهة، ضرورة سياسية ودستورية على عاتق مجلس نواب الشعب من أجل عدم تعطيل المسار الانتخابي، فإنه من جهة أخرى، نتاج تغيّر الموازين السياسية داخل المجلس وخارجه. فقد تزامن استكمال تركيبة الهيئة مع إعلان الحزب الجديد الذي يترأسه رئيس الحكومة وما سببه من انشقاقات في أغلب الأحزاب الحاكمة الأخرى ولكن أيضا مع إقرار الاتحاد الأوروبي رفع التجميد عن أموال رجل الأعمال مروان مبروك وصهر الرئيس السابق وذلك بمبادرة من رئاسة الحكومة. حدثان وإن لا يبدوان على علاقة ببعضهما فإنهما في الحقيقة على ارتباط مباشر حسب عديد المحللين. فهل تجاوز التوافق الحاصل التوافق على الأسماء ليشمل أمورا أخرى، كتسويات مخالفات أصحاب الأعمال، قد يترتب عليها مسّ خطير بالصالح العام؟

وفي النهاية، فقد جاء إستكمال تركيبة الهيئة العليا للانتخابات بهدف تحقيق انسجام أكثر داخل الهيئة بعد عديد المشاكل والأزمات التي عصفت بها مع رئيسيها محمد شفيق صرصار أو محمد التليلي المنصري و أدّت  إلى استقالتهما. هذا الانسجام مطلوب داخل مجلس الهيئة نظرا للتحديات الماثلة أمامها خلال المسار الانتخابي المقبل والذي يتمثل خصوصا في : إعادة بناء قدرات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتعزيز قدراتها البشرية والتقنية نظرا لما يستوجبه المسار الانتخابي المقبل،  حث الناخبين على التسجيل إذ أن ثلث حجم الناخبين لم يقم بالتسجيل بالسجلات الانتخابية بعد، والعمل على تحييد البلديات التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية.

 


[1]  يمكن الرجوع إلى برنامج ميدي شو، على إذاعة موزاييك بتاريخ 31 جانفي 2019.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني