استقلالية القضاء تتهافت في طرابلس.. ونقيب المحامين يتنصّل


2015-02-11    |   

استقلالية القضاء تتهافت في طرابلس.. ونقيب المحامين يتنصّل

وحده المشهد أمام قصر العدل ونقابة المحامين في طرابلس، يؤكّد للناظر أن دخول مدّعىً عليه مسلح برفقة نائبين عن المنطقة ومسلحين إلى مكتب قاضي التحقيق، أصبح أمراً طبيعياً، في خطوة تضرب استقلالية القضاء في عقر داره.

قبل أن تصل إلى ساحة النور في المدينة، تستوقفك كثرة صور وزير العدل (ابن طرابلس) أشرف ريفي والشعارات المؤيدة له والمرحّبة بتوزيره، وهي تغطي الجدران الخارجية لمبنى قصر العدل وشرفاته الداخلية، على الرغم من وجود ملصقات تحذيرية على تلك الجدران تمنع لصق الشعارات والإعلانات.

داخل مبنى قصر العدل ونقابة المحامين، تحاول مراراً إجراء حديث قصير مع بعض المحامين، للاستفسار عن موقفهم من تلك الحادثة كمحامين حريصين على استقلالية القضاء. إلا أن محاولاتك تفشل أمام تنصّل بعضهم من الموضوع وتهرّب بعضهم الآخر. بعض هؤلاء يفضّل أن يترك الحديث عن هذا الموضوع لنقيب المحامين في طرابلس، بعضهم يتهرّب بحجة أنه تأخر على تقديم واجب العزاء، أو بأنه يرتبط بجلسة محاكمة في قصر العدل، علماً أن قاعات المحاكم في قصر العدل كانت خالية مع اقتراب الساعة من الـ11 قبل الظهر، وقت انتهاء الدوام الرسمي ليوم الجمعة. أحد هؤلاء المحامين يعتبر الموضوع شيّقاً ويطلب منك أن تنتظره حتى يعود بعد حوالي ربع ساعة ليقول ما لديه لكنه لا يعود، وأحدهم يؤكد أهميته لكن ليس لديه متسعٌ من الوقت للحديث عنه.

وكان للمفكرة لقاء مع نقيب محامي طرابلس فهد المقدّم في ذلك اليوم الواقع فيه 23-1-2015. عند سؤاله عن حادثة المرعبي/كباره، أجاب المقدّم أن دخول مسلحين إلى قصر العدل سببه تقصير من قِبل العناصر الأمنية المولجة حراسة مداخل المبنى ومرافقي قاضي التحقيق الذين يجب أن يقوموا بتفتيش كل من يدخل إلى هذا النوع من الجلسات. كما اعتبر أن القاضي هو الذي يرأس جلسات التحقيق والمحاكمة ويعود له رفض أو قبول حضور أي شخص “من الناحية الشكلية”. فـ”عندما يسمح قاضي التحقيق بحضور أي شخص، إن كان نائباً أو ضابطاً أو شاهداً أو أي شخص آخر، فإن هذا الموضوع يعود له شخصياً”.

ورجّح المقدّم أن النائبين كانا يقومان بزيارة لقاضي التحقيق، وتزامن وقت بدء الجلسة مع زيارتهما، فارتأى قاضي التحقيق تأجيلها. كما يرى أنه قد يكون قاضي التحقيق مقرراً تأجيل الجلسة مسبقاً، و”لذلك لا مانع من حضور النواب أو أي أحد آخر في ظرف كهذا”. ويؤكد أنه عندما تقتضي بعض الإجراءات السرية، وإذا أراد القاضي البدء بإجراءات التحقيق، فلن يرضى بوجود أي كان غير معني داخل مكتبه، مشدداً على أن هذا “القاضي يمتاز بأخلاق عالية وكفاءة، وهو من القضاة المميزين، ولم ترتبط مسيرته المهنية إلا بكل خير”.

في الوقت ذاته، شكّك المقدّم بوجود سلاح مع المدعى عليه، مشدداً في الوقت ذاته على أنه إذا حصل ذلك، فالمشكلة تكمن في تنظيم الدخول والخروج من مبنى قصر العدل، ومسؤولية عناصر القوى الأمنية في التفتيش، ومرافقي القضاة في منع أي مسلح من الدخول إلى مكاتبهم. ويقول: “ليس ضرورياً اعتبار وجود النائبين هو ما سهّل دخول المدعى عليه مسلحاً، لأن المولجين بحراسة المؤسسات الرسمية قد يمنعون في الكثير من الأحيان إدخال أحد النواب أو حتى القضاة لأسلحتهم”. وشدد المقدّم على أن “حضور النواب ليس تدخلاً في إجراءات التحقيق إذا كان سيتم تأجيل الجلسة”، معتبراً أن “المشكلة في هذا البلد أن أي شيء يُدار بناءً على الموقف السياسي، وإذا كان الفريق الآخر متضرراً من الأمر يديره بحسب مصالحه؛ وهنا السياسة دخلت في توصيف الحادثة بطريقة خاطئة، فقيل إن النواب تدخلوا ودخل المدعى عليه حاملاً سلاحه!”. ثم كرّر أن النائبين كانا “يقومان بزيارة القاضي ومراجعته في أمر ما”، مؤكداً أنه إذا أراد القاضي بدء جلسات التحقيق فسيطلب من النواب المغادرة؛ علماً أنه بحسب الرواية، طلب القاضي من النائبين المغادرة قبل قراره تأجيل الجلسة.

في سياق متصل، صرّح المقدّم: “شئنا أم أبينا، لا استقلالية تامّة للقضاء في لبنان، خصوصاً أن التعيينات في بعض الأماكن لا تزال خاضعة لتدخل السلطة التنفيذية”، معتبراً في الوقت ذاته أن “استقلالية القضاء تتعلق مباشرةً بشخصية القاضي الذي يكون الضمانة للعدالة، ويقبل أو يرفض التدخّل في عمله”. ومن ثم، أعرب المقدّم عن أمله ” أن نصل إلى مرحلة التشبّه بالدول الغربية، في إعطاء القاضي استقلالية إدارية ومالية، وتوفير حصانة ذاتية وإيراد مالي مفتوح للقضاة يغطي احتياجاتهم كافة، ليتمكنوا من الحكم بالعدل من دون أي تدخّل”. وأضاف: “أملنا في الوزير أشرف ريفي المشهود له في إنتاجيته وكفاءته، ونتمنى أن يحسّن إنتاجية العمل القضائي وفعاليته”.

وفي سياق تأكيده الدفاع عن استقلالية القضاء، يشير نقيب المحامين إلى أن التعاون والتواصل بين نقابة المحامين والسلطة القضائية دائم، مشدداً على أن “أي شيء يطال الجسم القضائي يطال نقابة المحامين لأننا جناحا العدالة”، لافتاً الانتباه إلى تضامن وزير العدل والجسم القضائي مع المحامين بعد الإشكال الذي وقع مع الوفد السوري خلال مؤتمر المحامين العرب في القاهرة، الأسبوع الماضي.

* صحافي, من فريق عمل المفكرة القانونية

نشر هذا المقال في العدد | 25 |شباط /فبراير/  2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

لمن القانون في لبنان؟ جردة ألهم القوانين واألحكام الصادرة في 2014

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني