ما أن يذكر مجلس النواب الاردني حتى يتبادر للذهن الشجار والعراك بالايدي وتقاذف الاحذية وربما اطلاق الرصاص. هذه سلوكيات اتسم بها اداء مجلس النواب لهذا العام. فلا يكاد يخلو اسبوع خلال انعقاد مجلس النواب في دوراته العادية والاستثنائية من مشاجرة لفظية او عراك بالايدي تحت قبة البرلمان، واذا ما اضفنا لهذا السلوك عدم التزام اعضاء المجلس بحضور الجلسات، اكتملت الصورة بخصوص ادائه. واللافت أن عددا من المنظمات الحقوقية قد باشر مراقبة أعمال البرلمان في ظل رفض رئيسه لهذا النوع من الرقابة المواطنية.
عدم انضباط اداري واداء رقابي وتشريعي هش
في تقرير نشره مركز راصد عن اداء المجلس النيابي الاردني للعام الحالي تبين منه ان مجلس النواب الاردني السابع عشر قد عقد خلال دورته العادية الاولى ما مجموعه ( 26 ) جلسة توزعت على ( 56 ) يوم عمل ، وان مجموع غياب النواب خلال الدورة العادية وصل 1429 غياباً، أي بمعدل غياب 28 نائب في كل يوم عمل[1] .
وحول الدور الرقابي لمجلس النواب، أظهرت النتائج أن النواب وجهوا (771) سؤالاً الى الحكومة خلال الدورة وتم التراجع عن تسعة منها،.وتقدم النواب بـ(33) استجواباً خلال الدورة ورد الإجابة على 24 منها،. وقدم النواب خلال الدورة (144) مذكرة تم الرد على 49 منها فقط بنسبة (34%).[2]
اما عن الاداء التشريعي للمجلس خلال العام الماضي فقد اقر المجلس خلال الدورة (28) مشروع قانون واقتراحين بقانون ارسلا للحكومة بالاضافة الى تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب. كما اقر المجلس ثلاثة قوانين معادة من مجلس الاعيان وبالتالي يصبح مجموع التشريعات التي تعامل معها المجلس خلال تلك الدورة (34) تشريعا. وتركزت مشاريع القوانين على القوانين التي استدعت التعديل لكي تنسجم مع التعديلات الدستورية الاخيرة مثل قانون معدل لقانون محكمة الدولة وقانون معدل لقانون محاكمة الوزراء وقانون معدل لقانون منع الارهاب وقانون معدل لقانون هيئة مكافحة الفساد[3].
عدم رضا شعبي عن اداء النواب
وفقا لاستطلاع للرأي اجراه مركز القدس للدراسات السياسية، بلغ مؤشر الرضى العام عن اداء مجلس النواب الحالي (29.4%)، في حين بلغ مؤشر الرضى عن مستوى حضور النواب للجلسات العامة تحت القبة (30%) ، وكذلك بلغ مؤشر رضى المستجيبين عن الاداء التشريعي لمجلس النواب (مناقشة وإقرار قوانين) (30.2%) ، فيما بلغ مؤشر الرضا عن الاداء الرقابي على الحكومة لمجلس النواب (30%). ويلاحظ هنا ان متوسط مؤشرات الرضا الاربعة المشار لها اعلاه عن اداء مجلس النواب تدور حول (30%)[4]. ولعل الاسباب التي تقف وراء هذا السخط الشعبي من اداء مجلس النواب للعام الحالي وانعدام الثقة بين المواطن ومجلس النواب تتمثل بما يلي :
· عدم الثقة بكفاءة كثير من اعضاء المجلس النيابي لتولي هذه المهمة، وربما التشكيك بكيفية وصولهم لعضوية المجلس،
· السلوك الشائن لبعض اعضاء المجلس كاطلاق الرصاص داخل المجلس والشروع بقتل زميل[5]، ناهيك عن المشاجرات والعراك بالايدي على مدار الجلسات، بالاضافة الى المشاجرات بالاحذية احيانا[6].
· شعور المواطنين بأن المجلس النيابي يعمل لصالح اعضائه فقط لتحقيق اكبر قدر ممكن من المكتسبات الشخصية، ومنها على سبيل المثال رفع رواتب النواب لتصل الى 3500 دينار شهريا[7] ، ورفع الرواتب التقاعدية للنواب[8].
· وقوف مجلس النواب في صف الحكومة في كثير من الحالات التي كان يتوجب عليه ان يقف في صف المواطن، لا سيما عند مناقشة القوانين التي تمس الحياة اليومية للمواطن مثل قانون الضمان الاجتماعي وقوانين الضريبة.
· مساهمة مجلس النواب في التستر على ملفات فساد كبرى والحيلولة دون فتحها بحجج واهية ، وهذا لا يقتصر على المجلس الحالي فقط، وانما يشمل المجالس السابقة لا سيما في اخر عشر سنوات[9].
· عدم عودة النواب الى قواعدهم الشعبية لاخذ ارائهم في كثير من القضايا التي تخص المواطن بالاساس.
· عدم نجاح مجلس النواب في تحقيق اي مطلب شعبي رغم اعلانه تبني ذلك المطلب مثل: عدم قدرته على اجبار الحكومة على طرد السفير الاسرائيلي عندما قامت قوات الاحتلال الصهيوني بقتل القاضي الاردني رائد زعيتر على المعبر اثناء توجهه للاراضي المحتلة لشأن عائلي خاص مطلع العام الحالي [10]. وفشله اكثر من مرة في حجب الثقة عن الحكومة المرفوضة شعبيا اخرها بسبب عدم استجابتها لقراره بطرد السفير الاسرائيلي الذي صوت المجلس بالاغلبية على طرده [11].
رئيس مجلس النواب يرفض تقييم المواطن لاداء المجلس
في احد لقاءاته التلفزيونية، تحدث رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة عن اداء المجلس وقال ان المجلس تمكن من تحقيق انجازات في التعامل مع مطالب الشعب وتشريع القوانين المختلفة التي منها الاقتصادية والاصلاحية السياسية. وأشار إلى ان ما يفعله المجلس يسهل حياة المواطن الاردني بشكل غير مباشر.ودافع الطراونة عن اداء المجلس خلال الفترة الماضية، مشددا على انه قياسا مع مؤسسات الدولة الاخرى، فان المجلس يعدّ المؤسسة الأفضل في الاردن، معبرا عن رضاه الكامل من اداء المجلس،وأكد الطراونة على دور النواب في انهاء حالة الاحتقان في محافظة معان وايجاد الحلول المناسبة لها، وحول العدوان على قطاع غزة نفى الطراونة ان يكون المجلس قصر في اداء واجبه تجاه الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الذي يتعرض له. وفي استطلاع لرأي المواطنين حول اداء مجلس النواب اتفق جميعهم على أن مجلس النواب لم يحقق طموحات المواطنين أو يقترب منها ،كان رد الطراونه انه لا يحق للمواطن العادي تقييم اداء المجلس فالتقييم هو للنقابات والأحزاب والمؤسسات موضحاً أن المواطن العادي يتعرض لأزمة اقتصادية ومادية لن يرضى عن اي انجاز ليس فقط لمجلس النواب بل أغلب اجهزة واذرع الدولة.[12]
ويبدو هنا ان السيد الطراونة غاب عنه أنه يرأس مجلسا منتخبا من قبل المواطنين العاديين ، وأن من حق هذا المواطن أن يتابع أداء نائبه او نوابه ، ولا يقتصر التقييم على مؤسسات المجتمع المدني – كما ذكر – التي قد تكون هي الاخرى بحاجة لتقييم ادائها ، فكيف لا يملك المواطن حق تقييم اداء اعضاء مجلس النواب ، والنيابة ما هي الا عقد بين المواطن والنائب حل بمقتضاه النائب محل المواطن لتعذر قيام المواطنين جميعا في آن واحد بمهام التشريع والرقابة ، وهذا ما تمليه الديمقراطية باعتبارها شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين – في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين . وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي . وتوجد عدة أشكال من الديمقراطية ، ولكن هناك شكلان أساسيان ، وكلاهما يهتم بكيفية تحقيق ارادة مجموع المواطنين المؤهلين لتلك الممارسة. إحدى نماذج الديمقراطية هي الديمقراطية المباشرة، التى يتمتع فيها كل المواطنين المؤهلين بالمشاركة المباشرة والفعالة في صنع القرار وفي تشكيل الحكومة. وفي معظم الديمقراطيات الحديثة، يظل مجموع المواطنين المؤهلين هم السلطة السيادية في صنع القرار ولكن تمارس السلطة السياسية بشكل غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين، وهذا ما يسمى الديمقراطية التمثيلية .وقد كفل الدستور الاردني ذلك باعتبار الامة مصدر السلطات كما نصت على ذلك المادة ( 24 / 1 ) " الامة مصدر السلطات " . وهنا نقرأ تصريحات رئيس مجلس النواب في سياق ازمة الثقة بين المواطن والمجلس التي رافقت هذا المجلس منذ انتخابه وتأكدت بعد فترة وجيزة من بدء اجتماعاته، واصبح مطلب حل هذا المجلس من اكثر المطالب الحاحا على الساحة الاردنية في ضوء يأس المواطنين من قيام المجلس بمهامه لا بل والشعور العام بأن هذا المجلس ما جاء الا لتنفيذ اجندة لا تمت بصلة لدور المجلس الحقيقي ضحيتها الاولى المواطن .
للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا
[1]– الملخص التنفيذي لتقرير راصد حول اداء مجلس النواب الاردني السابع عشر خلال الدورة العادية الاولى 2014 ، صادر عن برنامج مراقبة الانتخابات وأداء المجالس المنتخبة – " راصد " ، مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ، حزيران ، 2014 ، ص 28 وما بعدها .
[2]– المرجع السابق ، ص 39 وما بعدها .
[3]– المرجع السابق ص 34 وما بعدها .
[11]– المفارقة انه عند التصويت على الثقة بالحكومة بعد هجوم كاسح عليها من النواب كانت النتيجة منح ثقة 81 نائبا ، فيما حجب الثقة عنها 29 نائبا، وامتنع 20 نائبا ، وغاب عن الجلسة التي حضرها 130 نائبا 18 نائبا بعذر ونائبان دون عذر. النواب يجدد الثقة بحكومة النسور ، صحيفة الرأي الاردنية ، 19 / 3 / 2014 ،
http://www.alrai.com/article/637932.html