احالة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية الى البرلمان في المغرب:


2015-02-09    |   

احالة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية الى البرلمان في المغرب:

مؤخرا، تمت إحالة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية على البرلمان. وبذلك، تكون مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة للسلطة القضائية دخلت منعطفا جديدا بحيث أضحت أمام اختبار صعب. فقد بات على ممثلي السلطة التشريعية المساهمة من مواقعهم في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد. وهو ذات الاختبار الذي تجتازه في الوقت الراهن الهيئات المثيلية للقضاة وعلى رأسها جمعياتهم المهنية التي أصبحت اليوم مطالبة بالدفاع من موقعها على ضمانات استقلال السلطة القضائية، والانخراط في مسلسل الترافع من أجل قوانين ضامنة للاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية.

أ‌-     مناقشة جزئية لقوانين السلطة القضائية في ظل زحام تشريعي:
ان ممثلي الأمة مدعوون اليوم لمناقشة مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أحيل على البرلمان من طرف وزارة العدل والحريات التي لا تزال تتحفظ على مضامين المسودة المحينة من النظام الأساسي للقضاة. ولا شك أن هذه المناقشة الجزئية لمشروع قانون المجلس في غياب تصور كامل وواضح بخصوص مشروع النظام الأساسي للقضاة ستؤثر لا محالة على أجواء هذه المناقشات ومدى جديتها خاصة اذا استحضرنا الارتباط الكبير الذي يجمع بين القانونين المذكورين، وهي علاقة قانون الشكل بقانون الموضوع. ولا شك أن استمرار البرلمان في مناقشة قانون المجلس رغم عدم احالة مشروع النظام الأساسي للقضاة عليه سيؤدي إلى نتيجة سلبية تتجلى في اعتبار القانون المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمثابة سقف لا يمكن النزول عنه عند مناقشة المقتضيات المتعلقة بتدبير الوضعية الفردية للقضاة بمناسبة التصويت على نظامهم الأساسي.

من جهة أخرى، لا بد من الاشارة إلى أن الحكومة أحالت مشروع القانون التنظيمي للمجلس على البرلمان في خضم مناقشته لعدد من مشاريع القوانين الأخرى من بينها مشروع التنظيم القضائي الجديد، ومشروع تعديل قانوني المسطرة الجنائية، ومشروع تعديل القانون الجنائي وقانون الأسرة. وهو ما ينم عن وجود زحام تشريعي قد يؤثر بشكل أو بآخر على نطاق مناقشة قانون على درجة من الاهمية مثل قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

ب-مجموعة مسودات مشروع قانون المجلس: مقاربة تشاركية، أم مساهمة في تبذير زمن اصلاح منظومة العدالة؟
لا ينكر أحد المنهجية التشاركية الواسعة التي تم اعتمادها من طرف وزارة العدل والحريات من أجل مناقشة مسودات مشروع قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تم اعلانها تباعا، بدءا من مسودة شهر يوليو ثم أكتوبر فديسمبر من عام 2013، ثم مسودة غشت 2014. فقدتم عرض المسودات الأولية لهذا المشروع على أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وبعد التوصل إلى صيغة متقدمة تم توجيهها إلى مختلف الجمعيات المهنية للقضاة التي تقدمت باقتراحاتها التعديلية، وذلك مباشرة بعد انتهاء الحوار الوطني حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة. لكن السؤال يطرح بخصوص مدى الحاجة الحقيقية لهذا المسار الطويل الذي قطعته مشاريع قوانين السلطة القضائية، فهل تخفى على أحد المعوقات التي تواجه القضاء بالمغرب؟ وهي ذات الاكراهات التي يدركها أهل الدار والتي حاول الدستور الجديد تجاوزها لتحصين الممارسة القضائية من أي مظاهر لمحاولات التأثير غير المشروع.

إن النقطة التي أفاضت الكأس والتي أعطت انطباعا بعدم وجود ارادة حقيقية وواضحة بالتعجيل بتنزيل الاصلاح الموعود للمنظومة القضائية تكمن في المضامين التي حملتها مشاريع القوانين التنظيمية المذكورة والتي جاء بعضها بمقتضيات غير دستورية وتتنافى بشكل قاطع مع أبسط مستلزمات مبدأ استقلال القضاء. ومن الأمثلة على ذلك، المقترح الرامي إلى تعيين جميع القضاة الجدد قضاة على سبيل التجريب لمدة ثلاث سنوات وتخويل المسؤول القضائي صلاحية ترسيمهم في السلك القضائي وفي حال قراره بعدم ترسيمهم اقترحت المسودة تعيينهم كتابا للضبط، وهي فكرة تظهر حدود الجدية التي يتم التعامل بها مع مشروع اصلاح القضاء. فهل مضمون الاصلاح الموعود ينصرف فعلا إلى تعزيز مقومات استقلال القضاة أم شرعنة هشاشة منصبهم القضائي؟

إن هذا النموذج مثال بسيط لعدم الجدية التي تم التعامل معها خلال الآونة الأخيرة مع ملف اصلاح القضاء، فما هي الاهداف الحقيقية من وراء تضمين مسودات مشاريع قوانين السلطة القضائية الجديدة تراجعات خطيرة لم ترد حتى في القوانين التي طبقت خلال فترة الاستثناء ان لم تكن هي النية في تضييع مزيد من وقت اصلاح منظومة العدالة؟

ج- مسودة جديدة أمام البرلمان هل تفلح في تحقيق الاصلاح المنشود؟
وفق ما جاء في مذكرة تقديم المشروع الجديد يظهر أنه راهن على ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتنظيم آليات انتخاب ممثلي القضاة، وضمان تمثيلية النساء القاضيات، وتقوية الضمانات المخولة للقضاة بمناسبة تدبير المجلس لوضعيتهم المهنية، خاصة على مستوى مسطرة التأديب، وتحديد الجهة القضائية المختصة بالبت في الطعون المتعلقة بانتخاب ممثلي القضاة وبالوضعيات الفردية للقضاة، وتفعيل دور المجلس في تخليق القضاء، وحماية استقلال القضاء، وكذا مد جسور التعاون بين المجلس والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل. وبالرغم من أهمية هذه الأهداف المسطرة إلا أن مضامين المسودة الجديدة المعلن عنها لا تزال تفتقد للجرأة الحقيقية في معالجة موضوع اصلاح القضاء، والذي ينبغي أن ينطلق بالأساس من محاولة تصحيح اختلالات الماضي. فلا يمكن أن ندعّي الرغبة في الاصلاح والقطع مع ممارسات سابقة ونعمل في نفس الوقت على اعادة انتاج نفس الممارسات السابقة السلبية في شكل قوانين جديدة تقيد الحرياتٍ التي أسس لها دستور 2011 وتكرّس بعض الممارسات التي هي ضدّ الدستور. كما أنه لا يمكن اختزال جوهر الاصلاح في مجرد معادلة حسابية بسيطة من خلال التركيز على بيان الجزئيات والتفاصيل البسيطة التي تم الاستجابة لها بخصوص مطالب الفعاليات الحقوقية عموما والجمعيات المهنية القضائية على وجه الخصوص وإغفال الحديث عن المداخل الأساسية لأي اصلاح حقيقي للمنظومة القضائية. وفي هذا الصدد لا بد من التذكير بأهم المطالب التي سطرها الفاعلون في المجال ومن بينهم نادي قضاة المغرب والنسيج المدني وهي مطالب ركزت بالأساس على ضرورة التصديللإشكالات الكبرى ذات الصلة بتشخيص واقع العدالةوالتي تتجلى فيما يلي:

–  استمرار وصاية وزارة العدل على مكونات الجسم القضائي وتقييم أداء المسؤولين القضائيين؛

–  ضعف الضمانات المخولة للقضاة بشأن تدبير المجلس الأعلى للسلطة القضائية لوضعيتهم المهنية في غياب مقتضيات وإجراءات عملية تحمي استقلال القاضي والقضاء؛

–  عدم إعمال مقاربة النوع بخصوص المناصفة في تنظيم آليات انتخاب ممثلي القضاة وضمان تمثيلية النساء القاضيات، وفي تدبير الوضعية المهنية للمرأة القاضية على مستوى التعيين والترقية والانتداب والمسؤولية؛

–  التضييق على حرية تأسيس الجمعيات، وعلى الحق في التعبير الفردي والجماعي للقضاة في مخالفة صريحة لأحكام الدستور،

–  عدم التنصيص على إحداث مجلس الدولة، المخول له حق مراقبة مشروعية وملاءمة قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

ان المسار الحقيقي لإصلاح القضاء لم ينطلق مع انتهاء مسلسل الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة الذي يبقى مجرد حلقة في مسلسل متواصل الحلقات، وانما هو مسار حافل بالعطاءات والتضحيات والمساهمات التي قدمتها مختلف القوى الحية المطالبة بالإصلاح، الشيء الذي يستدعي استحضار بعض اللحظات التاريخية التي عرفها المغرب ومن بينها تلك التوصيات التي خرجت بها هيئة الانصاف والمصالحة والتي ينبغي أن تجد طريقها للتفعيل من خلال مشاريع قوانين السلطة القضائية.  

ومن أهم التوصيات التي يمكن تقديمها في هذا المجال :

-وضع معايير شفافة لاختيار وانتخاب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتحديد حقوقهم وواجباتهم ومدة انتدابهم، مع تحديد مدة ولايتهم بشكل متساو سواء منتخبين أو معينين.

-دمقرطة طريقة اختيار الرئيس الأول والوكيل العام للملك بمحكمة النقض وتحصين منصبهما طبقا للقانون من خلال تحديد حالات وضع حد لولايتهم بشكل واضح ودقيق تكريسا لمبدأ ثبات المنصب القضائي.

-التنصيص على حق الجمعيات المهنية القضائية في حضور جلسات المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمراقبين وتخويلها حق مؤازرة القضاة في ملفاتهم التأديبية، والتنصيص على وجوب استشارة الجمعيات المهنية في التقارير والدراسات التي يعدها المجلس.

– تعزيز الطابع التداولي والتقريري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

– إحداث مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية إدارية بالمغرب.

– الغاء الاعتماد على التقارير التي تنجزها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل كمعيار لاختيار المسؤول القضائي وكذا اعفائه. 

– تحديد معايير موضوعية لاختيار المسؤولين القضائيين تجمع بين الكفاءة والخبرة، من خلال الإعلان عن فتح مباريات الترشح لمناصب المسؤولية.

– فصل سلطة المتابعة التأديبية عن سلطة التحقيق والبت.

– تقنين الدعوة الى عقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتحديد نصاب ذلك.

– تمويل الدولة للحملات التعريفية لمرشحي المجلس.

-تقريب مراكز الاقتراع من القضاة.

-تكريس حرية القضاة في الترشيح لعضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية وحذف شرط الأقدمية.

– دعم المقاربة التشاركية للجمعيات المهنية مع المجلس

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مجلة لبنان ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني