ائتلاف استقلال القضاء ونوّاب يعلنون مبادرة تشريعية في مواجهة تعطيل القضاء والإفلات من العقاب


2023-03-29    |   

ائتلاف استقلال القضاء ونوّاب يعلنون مبادرة تشريعية في مواجهة تعطيل القضاء والإفلات من العقاب
عدد من النواب يتوسّطهم المدير التنفيذي للمفكرة القانونية أثناء إعلان المبادرة

عقد ائتلاف استقلال القضاء وعدد من النواب الديمقراطيين مؤتمرًا صحافيًا يوم أمس الثلاثاء للإعلان عن “مبادرة تشريعية في مواجهة تعطيل القضاء وممارسات الإفلات المعمم من العقاب”. تمثلت المبادرة في تقديم تسعة نوّاب هم إبراهيم منيمنة وأسامة سعد وإلياس جرادة وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور وسينتيا زرازير وفراس حمدان ومارك ضو وميشال دويهي اقتراحيْ قانون أعدّهما ائتلاف استقلال القضاء لإعادة الانتظام العام للدولة. 

وأوضح الائتلاف في بيان تلاه المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية أنّ الاقتراحين هما بمثابة ردّ على ممارسات انتهجتها قوى سياسية ونافذة لتعطيل أيّ ادّعاء يقدّم ضدّ أيّ من أعيانها بما يُلغي تمامًا مبدأ المحاسبة وحقوق الضحايا بالتقاضي، موضحًا أنّ هذا الأمر تمّ من خلال استغلال نصوص في قانون أصول المحاكمات المدنية تسمح لأيّ مدّعى عليه بتعليق الملاحقة الجزائية المقامة ضدّه بمجرّد تقديمه دعوى بردّ القاضي الناظر في قضيّته أو مخاصمة الدولة على خلفية أعماله أيًا كانت جديّة هذه الدعوى. وتبقى الملاحقة معلّقة حتى بتّ دعوى الردّ أو المخاصمة من المحكمة المختصّة. 

فأحد الاقتراحين ينصّ على تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 90 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته، لتُصبِح على الشّكل التالي:

“ولا يجوز للقاضي المنسوب إليه سبب الدعوى، منذ تبلّغه صدور القرار بقبولها، أن يقوم بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلَّق بالمدعي”. 

وينصّ الاقتراح الثاني على تعديل الفقرة الثانية من المادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على النحو الآتي: “تطبّق على كلّ من طلب التنحّي والردّ القواعد الواردة في هذا الشأن في قانون أصول المحاكمات المدنية، مع مراعاة الآتي: أنّ طلبات الردّ لا توقف السير بالدعوى أو أي من إجراءاتها أو التحقيقات فيها إلّا إذا قرّرت المحكمة المختصّة ذلك في غرفة المذاكرة. تطبّق أحكام هذه الفقرة على المراجع القضائية في النيابة العامّة أو التحقيق أو الحكم”.

بمعنى أنّ الاقتراحين يرميان إلى الحؤول دون استغلال أصول المحاكمات المدنية من خلال تعطيل القضاء بإرادة المدّعى عليه وحدها.   

ائتلاف استقلال القضاء: التشريع الضروريّ لإعادة الانتظام العام للدولة

وأوضح بيان الائتلاف أنّ “نافذين مدّعى عليهم استخدموا في البدء، هذه النصوص في قضية المرفأ ممّا أدى إلى تعطيل التحقيقات في إحدى أخطر الجرائم التي شهدها لبنان لفترات متقطّعة. لكن سرعان ما تمّ تعميمها في اتجاه تعطيل التحقيقات في كمّ من القضايا الهامّة منها قضايا المصارف أو قضايا الفساد والإثراء غير المشروع. وإذ عمد هؤلاء إلى تقديم دعوى ردّ تلو الأخرى لضمان أطول تعطيل ممكن، فإنّ المخيّلة السياسية القانونية تفتّقت عن آلية تخوّل المدعى عليهم في هذه الدعاوى تعطيل الملاحقة ضدّهم بمجرّد استعداء القضاة، ليس لفترة وجيزة أو فترات متقطّعة كما حصل بداية، بل بصورة دائمة وإلى أجل غير مسمّى”. 

وتابع البيان أنّ الأمر لم يؤدّ إلى تعليق التحقيقات في قضية المرفأ أو قضايا المصارف، بل إلى تجميدها، وذلك من خلال تعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من خلال تعطيل تعيين بدائل عن غالبية أعضائها السابقين الذين بلغوا سنّ التقاعد. وأضاف أنّ ذلك أدى بدلًا من إسقاط الحصانات كافّة، إلى منح حصانة فعليّة لكلّ مدّعى عليه، فلا تسير الملاحقة ضدّه إلّا برضاه وموافقته. والنتيجة عمليًا هي “إلغاء سلطة القضاء بالكامل، ومعها مبدأ فصْل السّلطات في اتّجاه اختزالها بالسلطات السياسيّة، ومعها أيضًا وأيضًا حقّ اللجوء إلى القضاء ومبدأ المحاسبة والمساءلة وحكم القانون”.  

ورأى البيان أنّ “هذه هي حقيقة ما وصلنا إليه بفعل استغلال أصول المحاكمات المدنية وتحكّمها غير القانونيّ بالتعيينات القضائيّة. وتباعًا، رحّب المناوئون للمحقّق العدلي في قضية المرفأ، الواحد تلو الآخر، بهذا الاستغلال، ليرحّب من بعدهم حماة المصارف به وليتضامنوا ويتكاتفوا في تقويض النظام الدستوري والقانوني برمّته”. 

وأضاف أنّ هذه الممارسة شهدت تحوّلًا في درجتها بعدما اعتبر النائب العام التمييزي المحقق العدلي مغتصبًا للسلطة لأنّه قرّر وضع حدّ لتجميد التحقيق؛ لتشهد بعد ذلك تحوّلًا في طبيعتها حين تبنّاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طالبا من وزير الداخلية منع الضابطة العدلية الاستجابة لأي طلب من قاض مكفوفة يده سندًا للمادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية.   

وبعد تحوّل هذه الممارسة إلى ممارسة حكومية، ارتأى ائتلاف استقلال القضاء أن ينتقل للتعاون مع النوّاب لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية على نحو يمنع الاستغلال، فلا توقف دعوى الرد أو المخاصمة الملاحقة الجزائية بإرادة المدعى عليه، ولكن فقط في حال تثبّتت المحكمة المختصّة من جدّيتها. وهذا “تعديل بسيط وشبه بديهي ولكنه على بساطته وبداهته يشكل شرطًا لإحداث خرق في جدار الإفلات من العقاب”، بحسب البيان. 

منيمنة: هيبة القضاء والدولة مضمحلّة     

وقال النائب إبراهيم منيمنة في كلمته إنّ “انعدام الثقة الذي يعيشه الشعب اللبناني بعد الأزمات المتتالية سواء جريمة إنفجار المرفأ أو سرقة العصر لجنى العمر، ليس سوى نتيجة مباشرة لاضمحلال هيبة القضاء والدولة الذي يرزح تحت ظل التجاذبات والتدخلات السياسية من كل حدب وصوب، وغياب أي جهد جدي لكل من تعاقبوا على المجلس النيابي للقيام بالتعديلات أو تقديم الاقتراحات اللازمة لضمان استقلالية هذا القضاء ليس فقط عبر بسط سيادة القانون بل وأيضًا عبر ممارسات السلطة القضائية السليمة بدءًا من طرق تعيين القضاة والجهات المخولة القيام بذلك وصولًا إلى إصدار الأحكام على قوس المحكمة”. 

ولفت إلى أنّه “بعد أكثر من أربع سنوات لا يزال اقتراح استقلالية القضاء العدلي ومن بعده اقتراح استقلالية القضاء الإداري يترنّحان بين لجنة الإدارة والعدل ولجنة أخرى فرعية في ظل تأخير وتعطيل مقصودين من قبل المنظومة التي لطالما سعت للهروب من هذا الملف، هي التي ساهمت وكرست مبدأ غياب المحاسبة، لا سيما في المؤسسات، ومبدأ الإفلات من العقاب فاستفحلت التجاوزات والمخالفات وصولًا إلى الجرائم، مطمئنّة لوجود عدالة منقوصة وقضاء بمعظمه مرتهن يتحرك غب الطلب ووفقًا لأجندات سياسية ضيقة، ولعل أكبر دليل على ذلك كان تحقيق انفجار المرفأ”. 

واعتبر ميمنة أنّ “لا خلاص ولا تعاف حقيقي للبنان بدون قضاء شفاف، مستقل، وعادل”، مشددًا على أنّ  “هذه ليست شعارات شعبوية إنما مطالب أساسية للوصول للحوكمة الرشيدة المرجوة، عبر تعميم ثقافة المساءلة والمحاسبة في مؤسسات الدولة أولًا وفي المجتمع ككل ثانيًا بحيث تترسّخ مبادئ المساواة أمام القانون وصولاً لعدالة مجتمعية حقيقية”. 

وأضاف “أتابع وزملائي منذ اليوم الأول لدخولنا الندوة البرلمانية درس اقتراحات قوانين استقلال القضاء في اللجان المعنية ونسعى لنضمن ألّا يتمّ تفريغ الاقتراحات من مضمونها بمعنى ألّا تتضمن التعديلات الضرورية أو تلك التي سبق أيضًا لهيئة البندقية أن أشارت إليها وأن تكون التعديلات جوهرية ومراعية للمعايير الدولية للاستقلالية خاصّة لناحية ضمان استقلال فعلي للهيئات القضائية والقضاة وكيفية تعيينهم أو انتخابهم، وطرق وضع التشكيلات القضائية كما والدخول إلى معهد الدروس القضائية وذلك بهدف تكريس دولة الحق والعدالة والقانون ومكافحة كافة أشكال الإفلات من العقاب وتمكين القضاء أن يكون الملجأ القوي والضامن الأول لمصالح الشعب والشعب وحده”. 

ووعد ببذل كل جهد حتى يبصر النور قانون استقلالية القضاء وصولًا إلى سلطة قضائية مستقلة تعبّر عن طموحنا في دولة العدالة والمساواة.

ضو: اقتراحا القانون المقدّمان يقفلان فجوة يستغلّها مُعطّلو الدولة

وقال النائب مارك ضو إنّ هناك منطقين في الدولة اللبنانية، الأوّل يعتبر أنّ كل النصوص هي أداة مطواعة ليحقق أهدافه ومصالحه الخاصة، وهذا ما نراه بالممارسة خصوصًا في تحقيق انفجار 4 آب، أو في كل المتابعات، واليوم تعتمده كل المصارف، لأنّ هناك عقل ميليشيات في هذه الدولة، تستغل هذه النصوص عمدًا لضرب العدالة في الدولة اللبنانية، ولاستغلال كل فجوة ممكنة داخل النص لتعطيل إمكانية المحاسبة، إن كان في الجرائم المالية أو الجرائم البشرية أو حتى بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في لبنان.

وأشار إلى أنّ هذا العمل وتعديل نصّ المادتين 751 من أصول المحاكمات المدنية و52 من أصول المحاكمات الجزائية، يقفل هذه الفجوة التي يتم استغلالها من قبل هذا المنطق الميليشياوي لتعطيل الدولة.

وأوضح أنّ “هذا التعطيل ليس تعطيلًا لإجراء قضائي أو لمحاكمات فحسب، بل هو المنطق التعطيلي نفسه لعملية انتخاب الرئيس ونفسه الذي يوقف كلّ الحلول الاقتصادية والمالية لصندوق النقد. واليوم كل هذه المسائل تتطلّب منا خطوات جدية، كمدافعين عن الدولة وسيادتها وعن القانون وقدرة العيش لكل المواطنين ضمن الدستور”.

وأضاف: “النص الذي وقّعناه ليس لتعديل مادتين وإقفال فجوة تسمح بتفعيل المحاسبة القضائية في لبنان فقط، بل نحن نقوم بالعمل ضمن مسار التزمنا به لإعادة حماية هذه الدولة وبسط سلطتها بالكامل. وهو ما يتطلّب وقفة ليس من الموقعين التسعة فقط، بل يتطلّب أيضًا وقفة من كل الكتل النيابية التي تريد القضاء على المنطق الميليشياوي المتحكم بتعطيل كل شيء في الدولة”.

وتوجّه إلى النوّاب بدعوتهم إلى إقامة فصل كامل بين منطق التعطيل السياسي القضائي، المالي، الذي يتم استغلاله أبشع استغلال من المتّهمين سواء في انفجار المرفأ أو في المؤسسات المالية والاقتصادية المسؤولة عن الوضع الاقتصادي المنهار.

حمدان: المشكلة بنيوية 

اعتبر النائب فراس حمدان بدوره أنّ المنهج الأساسي في البلد هو الإفلات من العقاب، وهو الركيزة الأساسية لهذا النظام السياسي ولهذه المنظومة الحاكمة منذ أكثر من 30 عامًا، وبالتالي فإنّ “اقتراحي القانون اللذين وقعنا عليهما بالتعاون مع ائتلاف استقلالية القضاء هما جزء أساسي اليوم من أي معركة نخوضها بمواجهة المنظومة السياسية وبغية إصلاح النظام القضائي والسياسي”. 

وتابع أنّ “المشكلة هي بنيوية، فهناك استغلال كبير للقوانين، وعدم تطبيقها، لكن المشكلة أكبر وهي حول استقلالية القضاء، والتعطيل برئاسة الجمهورية، لأنّه لا يوجد آليات واضحة إن كان في الترشيح أو بالنصاب أو بالتصويت، وبالتالي هذا الفكر التعطيلي الذي ينتج عن العجز والفشل المستمرّين هو على ما يبدو الهدف بحد ذاته، لتمرير كل أنواع الصفقات والسمسرات والتسويات التي تكون على حساب المجتمع”.

ورأى أنّ “المطلوب تضامن الجميع، من كلّ القوى الحيّة التي لها علاقة مع استقلالية القضاء، بالأحوال الشخصية الموحّدة، بإصلاح النظام السياسي، الملفات الاقتصادية والاجتماعية، خطة الإنقاذ، الكابيتال كونترول، السرية المصرفية وغيرها، لأنّ المواجهة داخل مجلس النوّاب ومن داخل النظام السياسي ليست سهلة وليست بسيطة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني