إنشاء هيئة اتّهامية في المجلس العدلي؟ تسوية سياسية بمثابة تدخّل جماعي في القضاء

إنشاء هيئة اتّهامية في المجلس العدلي؟ تسوية سياسية بمثابة تدخّل جماعي في القضاء

انتشرت في 17/10/2021 معلومات صحافية حول توجّه لتقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر لإنشاء “هيئة اتّهامية عدلية استثنائية” في جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في 19/10/2021 وسيكون من ضمن اختصاصها النظر في الطعون المقدّمة على قرارات المحقّق العدلي. ووفق ما توفّر من معلومات، يتبدّى أنّ هذا الاقتراح هو الصّيغة التي طرحها وزير العدل هنري خوري على رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي خلال اجتماعهما الأخير، وذلك في مسعى لإيجاد تسوية تُرضي حركة أمل وحزب الله من دون عزل بيطار، وتمنع تحوّل مواقفهم منه إلى أزمة سياسية مفتوحة قادرة على تعطيل الحكومة.

ونظراً لأهمّية هذا الاقتراح وتأثيره على مجريات التحقيق في جريمة المرفأ، فهو يستوجب عدداً من الملاحظات التي سنفردها تباعاً. وقبل المضي في عرضها، تجدر الإشارة إلى صدور مواقف توحي أنّ التسوية لم تنضج بعد طالما أنّ الفريق المعارض للمحقّق العدلي يصرّ على تحقيق نتائج فورية وهو أمر لن يتحقّق إلّا في حال نجاحه في ضمان تعيين أعضاء الهيئة ضمن مهل قصيرة والأهم في ضمان استتباع غالبيتهم.

1- مناورة جديدة لحصر سلطة بيطار عن ملفّ التحقيق

بعد استنفاد القوى السياسية والوزراء المدّعى عليهم عدداً من الوسائل القانونية لسحب الملف من المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار (المماطلة في نظر طلبات الحصانة، مسعى لفتح تحقيق برلماني موازٍ، دعاوى ردّ بيطار والارتياب المشروع بحقّه…)، يُخشى أن تُؤدّي التسوية إلى إنشاء هيئة بهدف كسر قراراته. ومن شأن ذلك أن ينقل عملياً سلطة القرار منه إليها. وتزداد خطورة هذه التسوية في حال شملت اختيار غالبية القضاة من القضاة المقرّبين من القوى السياسية الرافضة لبيطار.

في حال حصول ذلك، فإنّ إنشاء هذه الهيئة يؤدّي إلى حصر سلطة بيطار عن ملف التحقيق بدرجة معيّنة وفق الصلاحيات الممنوحة للهيئة، وهي درجة قد تصل إلى ما يقارب العزل.

وما يعزّز هذه القراءة هو أنّ هذا الاقتراح يأتي بمعزل عن أيّ تفكير إصلاحيّ بشأن المحاكم الاستئثنائية ومبادئ المحاكمة العادلة.

2- خطورة هيكلة محكمة استثنائية بمعزل عن أيّ توجّه إصلاحي

يؤدّي الاقتراح في حال إقراره إلى زيادة عدد الأجهزة المتّصلة بالمجلس العدلي، بما يؤدّي عملياً إلى تعزيز هيكلية محكمة استثنائية تتّفق مبادئ القانون العام على وجوب إلغائها. فالمجلس العدلي هو محكمة استثنائية  تخرج عن مبدأ القاضي الطبيعي وتتعارض مع مبادئ المحاكمة العادلة. فإحالة الجرائم إلى هذه المحكمة تتمّ حصراً بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء وهو يتبع أصولاً استثنائية أهمّها غياب حقّ التقاضي على درجتين وآلية تعيين المحقّقين العدليين فيه والتي تتمّ على ضوء كلّ قضية. وفي حين كان من المُمكن التفكير في إجراء تعديلات على أصول المحاكمات أمام المحاكم (المجلس العدلي أو المحقّق العدلي أو المحكمة العسكرية) في اتّجاه ضمان المحاكمة العادلة أمامها، فإنّ ذلك لا يصحّ إلّا إذا اندرج ضمن خطة لتحويل هذه المحاكم إلى محاكم متخصّصة (غير استثنائية) وأتى ضمن خطّة إصلاحية واضحة وشاملة.

يجدر التذكير هنا أنّ محاولة حصلت في 1946 وهدفتْ إلى “إلغاء المجلس العدلي وإحالة جميع الدعاوى الداخلة في اختصاصه إلى المحاكم ذات الاختصاص”، من دون أن تثمر.

3- اقتراح بمثابة تدخّل تشريعي فاضح في القضاء

انطلاقاً من كلّ ما تقدّم، يظهر هذا التعديل بمثابة مسعى للتأثير على سير القضية القضائية لاعتبارات سياسية. ومن هذا المنطلق، هي تشكّل مسّاً فاضحاً باستقلال القضاء وبمبدأ فصل السلطات، يعرّض القانون للطعن على خلفية عدم دستوريته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني