إعلان الإخوان المسلمين فى مصر جماعة إرهابية: القرار ومفاعيله


2014-01-13    |   

إعلان الإخوان المسلمين فى مصر جماعة إرهابية: القرار ومفاعيله

عجل حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بإعلان الحكومة جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، بحيث يبدو أن الإعلان جاء بمثابة رد فعل على الحادث الإرهابي. ففي 25 ديسمبر 2013، أعلن مجلس الوزراء قراره بهذا المعنى، على الرغم من أن رئيس الوزراء كان قد صرح قبلها بعدة أيام، أثناء خطاب له أمام مؤتمر لتشجيع الاستثمار، بأنه ليس جهة اختصاص لإعلان جماعة الإخوان إرهابية، وأن صاحب الاختصاص بذلك هو القضاء الذي يطبق قانون العقوبات. فما هو مضمون القرار، وما هي مفاعيله على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وما هو تكييفه القانوني؟

أولا: مضمون إعلان مجلس الوزراء:
قرر مجلس الوزراء إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وجاء في بيان، أعلنه نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي، عقب انتهاء اجتماع المجلس، أن المجلس قرر إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها إرهابياً، وفقاً لنص المادة 86 من قانون العقوبات، بكل ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها توقيع العقوبات المقررة قانوناً لجريمة الإرهاب على كل من يشترك في نشاط الجماعة والتنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى، وكل من يمول أنشطتها. كما قرر المجلس أيضاً توقيع العقوبات المقررة قانوناً على من انضم إلى الجماعة أو التنظيم أو استمر عضوا فيها بعد صدور هذا القرار، وإخطار الدول العربية المنضمة لاتفاقية مكافحة الإرهاب عام 1998 بهذا القرار لإعمال مقتضاه.

هذا هو نص قرار مجلس الوزراء، وقد وصفه بيان المجلس بالقرار عدة مرات، ومع ذلك ينفي بعض المسئولين عنه صفة القرار، ويعتبرونه "إعلاناً" وليس قراراً. لكن قبل إضفاء الوصف القانوني على ماصدر عن مجلس الوزراء، ينبغي أن نتعرض لمفاعيل "الإعلان".

ثانياً: مفاعيل إعلان مجلس الوزراء:
إعلان مجلس الوزراء جماعة الإخوان إرهابية وتنظيمها إرهابياً تترتب عليه نتائج عديدة، على المستوى الوطني والعربي والدولي.

أ- على المستوى الوطني:
تنطبق على الجماعة وتنظيمها أحكام المادة 86 وما بعدها من قانون العقوبات، وهي المواد التي أضافها القانون رقم 97 لسنة 1992 الخاص بمكافحة الإرهاب، ويشمل ذلك الأشخاص والأموال والممتلكات.
فبالنسبة للأشخاص، تنطبق العقوبات المنصوص عليها فى هذه المواد على كل من ينسب إليه ارتكاب أحد الأفعال الواردة فيها. فيعاقب بالسجن كل من أنشأ أو أدار جمعية أو منظمة أو جماعة إرهابية، ويشمل ذلك قيادات الجماعة وتنظيمها وحزبها. كما يعاقب كل من انضم إلى الجماعة أو التنظيم أو الحزب أو شارك فيها بأي صورة مع علمه بأغراضها الإرهابية. ويعاقب كل من روج بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى لأغراض الجماعة أو تنظيمها، وكل من حاز أو أحرز محررات أو مطبوعات أو تسجيلات تتضمن ترويجاً أو تحبيذا لأغراضها، إذا كانت معدة للتوزيع أو لإطلاع الغير عليها. ويعاقب كل من تولى زعامة أو قيادة فيها، أو أمدها بمعونات مادية أو مالية مع علمه بالغرض الذي تدعو إليه. وقد تصل عقوبات بعض هذه الجرائم إلى الإعدام، إذا ترتب على فعل الجاني موت شخص، أو كان الجاني من قيادات تنظيم الإخوان الذي اعتبر إرهابياً، حتى لو كان سيدة. كما ستكون عقوبة الاشتراك في مظاهرات تنظيم الإخوان السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. وقد سارع عدد كبير من أعضاء الجماعة وحزبها بإعلان انسحابهم من عضويتها، وأصر البعض على عمل محاضر رسمية بأقسام الشرطة لإثبات انسحابهم من عضوية حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة والتنظيم.

وبالنسبة للأموال والممتلكات، فمنذ صدور حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن حظر جماعة الإخوان وتجميد كل أنشطتها والأجهزة التابعة لها، بدأت الدولة في تشكيل لجان خاصة بالتحفظ على أموال الجماعة والتنظيم ومقارها وما يتصل بها من جمعيات أهلية منتمية لجماعة الإخوان. وقد شملت قرارات التجميد جمعيات ومؤسسات كانت تقدم خدمات لقطاع عريض من الفقراء والمرضي، مثل بنك الطعام والجمعية الشرعية وغيرها. لكن تم رفع الحظر عن بعض هذه الجمعيات واستثناؤها من قرار تجميد الأموال، بعد أن ثبت أنه لا علاقة لها بجماعة الإخوان([1]). وشمل قرار التجميد للأموال 1055 جمعية أهلية تقدم الطعام والكساء والعلاج وغير ذلك من أنشطة خدمة المجتمع والأعمال الخيرية مثل كفالة الأيتام وعلاج المرضى ومساعدة الفقراء.

وأصدر النائب العام والبنك المركزي قرارات لجميع دوائر المال والاستثمار لتجميد أرصدة وأسهم قيادات جماعة الإخوان العاملين في مجال الأعمال والاستثمار، ويشمل ذلك جميع المساهمات والشركات والأسهم المسجلة بأسماء جمعيات الإخوان والأشخاص الواردة أسماؤهم في إخطارات النائب العام والبنك المركزي.

ب- على المستوى العربي:
نص قرار مجلس الوزراء بإعلان الإخوان جماعة إرهابية على إخطار الدول العربية المنضمة لاتفاقية مكافحة الإرهاب لسنة 1998 بالقرار، لتطبيقه وفقاً لما تفرضه الاتفاقية من التزامات على الدولة المنضمة إليها. ويشمل ذلك بالنسبة للدولة العضو فى الإتفاقية:

1- عدم تنظيم أو تمويل أو ارتكاب الأعمال الإرهابية أو الاشتراك فيها بأي صورة.
2- الحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الإرهابية، ومنع تسلل العناصر الإرهابية إليها أو إقامتها على أراضيها.
3- القبض على مرتكبي الجرائم الإرهابية ومحاكمتهم أو تسليمهم إلى الدولة التي وقعت فيها الجرائم.
4- التعاون لتبادل المعلومات لمكافحة الجرائم الإرهابية، وتزويد أي دولة متعاقدة بما يتوافر لديها من معلومات أو بيانات، من شأنها أن تساعد في القبض على متهمين بارتكاب جريمة إرهابية ضد مصالح الدولة.
5- تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول.
6- تقديم المساعدة الممكنة واللازمة للتحقيقات أو لإجراءات المحاكمة المتعلقة بالجرائم الإرهابية.

ومن أجل تنفيذ بنود هذه الاتفاقية على جماعة الإخوان وتنظيمها وقياداتها، دعت مصر الدول العربية لاعتبار جماعة الإخوان إرهابية، وتطبيق الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والإتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على جماعة الإخوان المسلمين. وأعلنت الجامعة العربية، في بيان لها، أنها أبلغت الدول العربية بقرار مصر اعتبار جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، إثر تلقيها مذكرة بهذا الشأن من وزارة الخارجية المصرية. ويذكر أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب صدقت عليها 18 دولة عربية من إجمالى 22 دولة أعضاء في الجامعة العربية.

ج – على المستوى الدولي:
تباينت مواقف الدول من إعلان مجلس الوزراء جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، وأبدت الولايات المتحدة قلقها إزاء الإعلان. وسوف يتوقف تعامل الدول مع الإعلان على موقفها منه، لذلك تنتظر الحكومة استجلاء مواقف الدول من الإعلان لتفعيله، سواء فيما يتعلق بالقبض على قيادات الإخوان في الخارج، أو فيما يخص تجميد الحسابات المصرفية الخاصة بأعضاء تنظيم الإخوان. ويلزم لإمكان اتخاذ خطوات تتعلق بالتحفظ على أموال الإخوان فى الخارج صدور أحكام قضائية نهائية، تقرر إدانة الجماعة وتنظيمها بالإرهاب. لكن العقبة التي قد تؤخر التحفظ على الأموال تتمثل في عدم وجود تعريف دولي محدد للإرهاب. لذلك قد يكون من المفيد إثبات العلاقة بين وجود الأموال في الخارج وجرائم غسل الأموال عن طريق الأحكام القضائية النهائية. فإذا استطاعت الحكومة المصرية إثبات ذلك، عن طريق الأحكام القضائية، كان لها أن تطالب المجتمع الدولي بتجميد أموال الجماعة وتجفيف منابع تمويلها ومنع أعضائها من السفر. أما قبل ذلك فسوف تقدر كل دولة موقفها من القرار طبقاً لقانونها الوطني.

ثالثاً: التكييف القانوني للإعلان:
أكد وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أنه يرفض اعتبار إعلان الحكومة جماعة الإخوان تنظيماً إرهابيا بمثابة "قرار" صادر عن مجلس الوزراء، وإنما هو "بيان" تعلم به الحكومة الرأي العام أن هذه الجماعة ترتكب أعمالاً يعاقب عليها القانون تحت وصف جرائم الإرهاب. لذلك فالإعلان لم يأت بجديد، لكنه يؤكد على قرارات إحالة صدرت من النيابة العامة، اتهمت فيها قيادات الجماعة بتشكيل تنظيم يضر بأمن البلاد، ويمارس أعمالاً إرهابية، توقعهم تحت طائلة قانون العقوبات، هم وكل من ينضم لمثل هذه الجماعة مع علمه بأغراضها، أو يستمر في عضويتها بعد إخطار مجلس الوزراء المجتمع بوضع هذا التنظيم. هذا التصريح لا يمكن اعتباره تكييفا قانونيا لما صدر عن مجلس الوزراء، بل هو إلى التكييف السياسى أو الدبلوماسى أكثر قربا.

والحقيقة أن تصنيف أي جماعة بأنها إرهابية يجب أن يستند إلى أحكام قضائية، تقرر إدانتها عن أعمال إرهابية محددة، أو أن تعترف الجماعة بمسؤوليتها عن الأفعال الإرهابية التي ترتكب. وحتى يحدث أحد الأمرين، لا يمكن اعتبار أي جماعة إرهابية، وهذا ما تسير عليه الدول عندما تعلن أن جماعة معينة إرهابية. وقد كانت الحكومة المصرية تردد على لسان رئيسها أن إعلان جماعة الأخوان إرهابية لا بد أن يستند إلى أحكام يصدرها القضاء، وأن الحكومة ليست جهة اختصاص في هذا الأمر، لكن حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية عجل بإصدار الحكومة لقرارها اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية.

لذلك يكون ما صدر عن الحكومة هو قرار إداري، لم تكن الحكومة في حاجة إليه لمواجهة أفعال العنف والإرهاب التي ترتكب. فقوات الشرطة والجيش تواجه هذه الأفعال وتؤدي واجباتها طبقاً للقوانين، وتقدم من يرتكبون الأفعال الإرهابية أو يشاركون فيها بالتمويل أو الاتفاق أو التحريض أو المساعدة إلى المحاكم التي تطبق عليهم نصوص قانون العقوبات. ولا تملك الجهات الأمنية عند ضبط المتهمين المتورطين في الأنشطة الإرهابية إلا تقديمهم إلى القضاء، الذي يصدر أحكامه، إذا ثبتت بالأدلة مسؤوليتهم عن هذه الأفعال. فالقرار الصادر عن الحكومة لن يوقف أعمال العنف أو الإرهاب، ولن يلغي اختصاص المحاكم الجنائية بمحاكمة المتورطين فيها بأي صورة. وقد ينظر إلى هذا القرار على أنه تدخل من السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية في محاولة للتأثير عليها، وتوجيهها نحو إصدار أحكام بالإدانة، يمكن للحكومة الاستناد إليها لدعم موقفها أمام المجتمع الدولى لتأكيد الطابع الإرهابى للجماعة والتنظيم.

وقد أثبتت الأحداث التي أعقبت صدور قرار الحكومة، أنه لم يكن مجدياً في الحد من الأنشطة الإرهابية، بل إنه زادها انتشاراً وعنفاً وتحدياً للقرار من جانب أنصار الجماعة التي وصفت بالإرهابية. كما أن ردود الفعل على المستوى الدولي لم تكن كلها مرحبة بالقرار، على الرغم من التأييد الذي قوبل به قرار الحكومة من بعض الدول العربية والأجنبية، والارتياح الشعبي لصدور مثل هذا القرار، بعد معاناة من أعمال العنف دامت لأكثر من ثلاث سنوات، لا يمكن أن تنحصر المسؤولية عنها في جماعة بعينها دون غيرها من الجماعات.

من الناحية القانونية المجردة أكد وزير التضامن الاجتماعي، الذي أعد المذكرة القانونية التي استندت إليها الحكومة لإعلان الإخوان جماعة إرهابية، أن المذكرة اعتمدت على أسانيد قانونية رأتها الحكومة كافية لاتخاذ القرار المتوافق مع أحكام القضاء، الذي سبق له حظر جماعة الإخوان، وتجميد أنشطتها والأجهزة التابعة لها، والتحفظ على أموالها ومقارها، وما يتصل بها من جمعيات ومؤسسات. كما قامت الحكومة بدارسة قرارات الإحالة الصادرة عن النيابة العامة لأعضاء وقيادات جماعة الإخوان المتهمين بالتحريض على العنف والقتل وقضايا التخابر وغيرها من الأنشطة الإجرامية الإرهابية، واستعراض تاريخ الجماعة وسوابقها في أعمال العنف والاغتيالات منذ تأسيسها.

يبقى مصير القرار الصادر عن الحكومة رهنا بما يقرره القضاء بشأنه، فهو قرار إداري، يراه البعض من فقهاء القانون الإدارى منعدما. وعلى أى حال، يمكن الطعن عليه أمام القضاء الإداري، الذي سوف يقرر مدى اختصاص الحكومة بإصداره وملاءمة صدوره في هذا التوقيت، في ضوء الأسانيد القانونية التي سوف تقدمها الحكومة لتبرير قرارها. لكن المؤكد أن هذا القرار قد أغلق باب الحوار ونوافذ المصالحة الوطنية مع كل من ينتمي إلى جماعة وتنظيم الإخوان، ولم يعد ممكنا، قبل صدور حكم القضاء، ممارسة هؤلاء للعمل السياسي، ولو كانوا ممن يرفضون العنف ويتبرؤون من مرتكبيه والداعين إليه. لكن من ينسحبون من الجماعة والتنظيم بصورة رسمية لا ينطبق عليهم القرار، فيكون لهم حق ممارسة العمل السياسي. وقد تزايدت بشكل ملحوظ، فى الأيام الأخيرة، أعداد الذين يعلنون إنسحابهم من عضوية حزب الحرية والعدالة، ويطلبون إثبات ذلك فى محاضر رسمية يحررونها فى أقسام ومراكز الشرطة فى كافة أنحاء الجمهورية.

 
([1])من ذلك بنك الطعام، وقد صدر قرار جمهوري باستثنائه من قرار تجميد الأرصدة الذي أصدرته الحكومة. كما يجرى بحث وضع الجمعية الشرعية التي تمارس أعمالاً خيرية، ولا تتبع أي جماعة سياسية، لاستثنائها من قرار تجميد الأموال، كما يجرى بحث وضع جمعية أنصار السنة التي لا علاقة لها بجماعة الإخوان، وصرح أمينها العام أن الجمعية تسير في الاتجاه القانوني لمقاضاة الحكومة بسبب قرار التجميد.
 
 



انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني