إشكاليات على طريق إعداد مشروع الدستور المصرى الجديد


2013-12-12    |   

إشكاليات على طريق إعداد مشروع الدستور المصرى الجديد

في يوم الثالث من ديسمبر 2013 ، قدم السيد عمرو موسى ، رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور المعطل ، إلى رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور، مشروع الدستور المصرى الجديد ، وهو المشروع الذى سيطرح على الشعب في استفتاء عام خلال ثلاثين يوماً من تاريخ وروده إلى الرئيس ، أى في موعد أقصاه الثالث من يناير 2014 . ويعمل بالتعديلات الدستورية الجديدة من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها في الاستفتاء ، وذلك طبقاً لما نصت عليه المادة 30 من الإعلان الدستورى الصادر في 8 يوليه 2013 لإدارة الفترة الانتقالية الحالية . ونحاول من خلال السطور القادمة أن نعود إلى الوراء قليلاً ،لاستشراف أفاق واحتمالات المستقبل، فى ضوء ماأثير من خلافات حول بعض المسائل التى طرحت إشكالات عديدة أثناء إعداد مشروع الدستور، قد لاتنتهى حتى على الرغم من موافقة الشعب على مشروع الدستور فى الإستفتاء، إلا إذا كان من نتائج الموافقة تطهير الدستور مما أثير حوله من إشكاليات أثناء إعداده .

 جدير بالذكر أن أول المسائل التى أثارت خلافاً في لجنة الخمسين كانت مسألة نطاق التعديلات المسموح بها على دستور 2012 المعطل . فرأى البعض أن الإعلان الدستورى أسند إلى اللجنة إدخال تعديلات على دستور 2012 ،ولم يخولها وضع دستور جديد . لكن رئيس اللجنة أجرى مشاورات واستشارات دستورية وقانونية مع المتخصصين ، الذين لم تعلن هويتهم ،وهؤلاء قرروا أن اللجنة يمكنها إعداد دستور جديد وليس فقط تعديل الدستور المعطل . وقد كان الرأى الذى سجلته منذ البداية، في مقال نشرته المفكرة القانونية فى بداية عمل اللجنة(1)، أن الإعلان الدستورى لم يحدد شكل أو حجم التعديل المطلوب ، وهو ما يسمح للجنة الخمسين أن تجرى من حيث المبدأ تعديلات على كل مواد الدستور المعطل ، وتحذف منها أو تضيف إليها مواداً أخرى ، وهو ما يتسع له تعبير " اقتراح التعديلات على دستور 2012 المعطل " الذى ورد في نص المادة 28 من الإعلان الدستورى الصادر بعد ثورة 30 يونيه 2013 . لذلك لم يكن هناك مقتض لإثارة هذه الإشكالية التى قد يسئ البعض استغلالها مستقبلا للتشكيك فى شرعية الدستور الوليد.

كذلك ثار خلاف حول المدة التى يلزم إعداد الدستور الجديد خلالها . فالجمعية التأسيسية التى وضعت دستور 2012 تحدد لها مدة ستة أشهر ، ظهر أثناءها أنها لم تكن كافية لانجاز مشروع الدستور ، لذلك قام الرئيس السابق محمد مرسى بمدها لمدة شهرين ، لكن الجمعية التأسيسية استطاعت إنجاز مهمتها خلال الأشهر الستة ، وصوتت على مشروع دستور 2012 في جلسة طويلة،استطاعت خلالها الانتهاء من التصويت وتسليم مشروع الدستور في الموعد المحدد لها .

أما لجنة الخمسين فقد منحها الإعلان الدستورى مدة ستين يوماً على الأكثر للانتهاء من إعداد المشروع النهائى للتعديلات الدستورية ، تلتزم خلال هذه المدة بطرح المشروع على الحوار المجتمعى . لكن اللجنة لم تلتزم بهذه المدة ، واستطاعت مدها من دون إعلان دستورى مكمل ، عن طريق تفسير لم يسبق له مثيل في حساب المواعيد التى تقررها الدساتير أو القوانين . فقد ادعت اللجنة – على غير سند من النص الوارد في الإعلان الدستورى أو من القواعد القانونية المستقرة – أن المقصود بمدة الستين يوماً أيام العمل الفعلية، أى بعد خصم أيام الأعياد والأجازات الرسمية ، وهذا ما مكنها من تأخير تاريخ تسليم الدستور إلى رئيس الجمهورية من 8 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 2013 . والحقيقة أن المستقر عليه في التشريع و الفقه والقضاء أنه إذا حدد القانون ميعاداً بالأيام ، فإن هذا الميعاد يشمل أيام العمل والعطلات الرسمية . لكن إذا صادف اليوم الاخير من الميعاد يوم عطلة رسمية أو أجازة أسبوعية ، امتد الميعاد إلى أول يوم عمل بعد العطلة أو الأجازة . لذلك نتمنى ألا يطعن على مشروع الدستور الجديد بعد إقراره، لمخالفته المدة القصوى التى حددها الإعلان الدستورى . يذكر أن الإعلان الدستورى حدد للجنة الخبراء العشرة التى قامت بإعداد مقترح التعديلات الدستورية على الدستور المعطل مدة ثلاثين يوماً من تاريخ تشكيلها للانتهاء من عملها ، ولم يزعم أحد من أعضاء اللجنة  المشكلة من قانونيين ، قضاة من المحكمة الدستورية العليا والقضاء العادى ومجلس الدولة وأساتذة القانون الدستورى ، أن مدة الثلاثين يوماً المحددة في الإعلان الدستورى هى أيام عمل لايدخل فيها العطلات الرسمية.

كان من بين المآخذ التى وجهت إلى الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012 أنها شكلت بأغلبية 70% من الإسلاميين ، وأنها لذلك لم تعد دستوراً يعبر عن كل فئات وطوائف المصريين ، ولكنها أعدت دستوراً يعبر عن تيار سياسى واحد هو تيار الإسلام السياسى . صحيح أن هناك بعض المواد في دستور 2012 التى يبدو منها أنها تكرس مفهوماً إخوانياً – سلفياً للدولة المصرية ، مثل المادة التى فسرت مبادئ الشريعة الإسلامية تفسيراً واسعاً شمل الاجتهادات الفقهية في مذاهب أهل السنة والجماعة (م 219) ، والمادة التى قررت مبدأ الشرعية الجنائية : لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى (م 76) ، والتى كان يمكن أن تقود إلى تطبيق عقوبات القصاص و الحدود الشرعية بواسطة القاضى من دون حاجة إلى صدور تشريع من البرلمان . لكن هذه المآخذ لا تنفى مع ذلك أنها كانت الجمعية التأسيسية الاولى المنتخبة بواسطة برلمان جرى انتخابه انتخاباً حراً مباشراً من الشعب المصرى . هذا في حين أن أعضاء لجنة الخمسين الذين صاغوا الدستور الجديد وصوتوا عليه ، كانوا غير منتخبين بل جرى تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية المؤقت غير المنتخب ، وإن كان ذلك قد سبقه ترشيح لهؤلاء الاعضاء من الجهات والهيئات التى يتبعونها.

أما عن تمثيل التيارات السياسية والإجتماعية المختلفة في المشهد المصرى في الجمعية التأسيسية التى وضعت دستور 2012 ولجنة الخمسين التى أنتجت مشروع دستور 2013 ، فإن المقارنة تأتى في صالح لجنة الخمسين التى كانت أكثر تمثيلاً من الجمعية التأسيسية . لا ننكر أن الجمعية التأسيسية سيطر عليها تيار الاسلام السياسى بنسبة كبيرة تصل إلى 70% من أعضائها ، لكن كان هناك حوالى 30% من غير أنصار تيار الإسلام السياسى ، انسحب معظمهم قبل التصويت على مشروع دستور 2012 . وفى لجنة الخمسين كان تمثيل تيار الإسلام السياسى ضعيفاً مقارناً بنسبته إلى مجموع السكان . فالإخوان المسلمون رفضوا المشاركة في لجنة الخمسين ، فلم يكن لهم تمثيل مطلقاً ، وباقى أحزاب التيار الاسلامى جرى تمثيلها بعضوين فقط ، أحدهما هو ممثل حزب النور السلفى ، والآخر إسلامي قدير كان عضواً سابقا في جماعة الإخوان المسلمين .

وعن تمثيل القوى الإجتماعية المتمثلة فى المرأة والشباب والأقباط ، فقد كان أفضل في لجنة الخمسين منه في الجمعية التأسيسية التى وضعت دستور 2012 والتى كانت مشكلة من مائة عضو . ففى لجنة الخمسين كانت نسبة النساء 10% (خمسة من خمسين عضواً) ، وفى الجمعية التأسيسية كانت نسبة النساء 7% . كذلك حظى الشباب في لجنة الخمسين بنسبة 10% ، وكان تمثيل الأقباط في لجنة الخمسين حوالى 6% . وبالإجمال كان تمثيل شرائح المجتمع أكثر تعبيراً عن التنوع المجتمعى المصرى في لجنة الخمسين منه في الجمعية التأسيسية ،  ويرجع ذلك إلى أن تيار الإسلام السياسى كان حريصاً على الاستحواذ من دون حق على أغلبية كبيرة في الجمعية التأسيسية ، تسمح له بتمرير الدستور الذى أراده حتى إذا انسحبت الفئات الأخرى من عضوية الجمعية في أى لحظة قبل التصويت على المشروع الذى أعدته الأغلبية الإسلامية ،وهو ماحدث فعلا. وبالمقابل كانت هناك تهديدات بالانسحاب من لجنة الخمسين ،من ممثلى العمال والفلاحين نتيجة إلغاء نسبتهم فى البرلمان ، و هدد ممثلو الكنائس بالانسحاب إذا أقرت المادة 219 من دستور 2012 التى كانت تفسر مبادئ الشريعة الإسلامية، كما هدد ممثل حزب النور بالإنسحاب إذا ألغيت المادة 219 أو إذا نص على مدنية الدولة .لكن لم تحدث إنسحابات حقيقية لحدوث توافق على المسائل الخلافية، لانعرف ثمنه الحقيقى حتى تاريخه .

أخيراً كان الحوار المجتمعى والمشاركة الشعبية في كافة مراحل إعداد دستور 2012 أكثر ظهوراً منها في مشروع دستور 2013 . فقد حرصت الجمعية التأسيسية لدستور 2012 على عقد جلساتها مذاعة على الهواء مباشرة في قنوات تليفزيونية عديدة ، وحتى نهاية جلسة التصويت استطاع المصريون متابعة ما يجرى في الجمعية التأسيسية أولاً بأول . أما لجنة الخمسين فقد بدأت عملها بجلسات استماع وتلقت مقترحات عديدة ، وكانت جلساتها الأولى علنية ، وكان رؤساء اللجان النوعية يعلمون الناس بما يدور في جلسات هذه اللجان . لكن لجنة الخمسين لم تستمر على هذا المسلك الديمقراطي ، ففى نهاية أكتوبر قررت اللجنة عقد جلساتها مغلقة من دون علانية ، على أن يعقد المتحدث الرسمى باسم اللجنة مؤتمراً صحفياً يومياً يقدم فيه مجمل ما دار في اجتماعات اللجنة . وفى نهاية جلسات اللجنة ، جرى التصويت على نصوص مشروع الدستور في يومى الثلاثين من نوفمبر والأول من ديسمبر في جلستين علنيتين نقلتهما معظم القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة . لكن جلسات التصويت كانت من دون مناقشة أو حوار ، واقتصر الأمر فيها على حساب الأصوات الموافقة على النص والرافضة له والممتنعة عن التصويت .

وهكذا فإن المقارنة بين مسارات دستور 2012 المعطل ومشروع دستور 2013 الجديد، تشير إلى أن هناك مثالب واضحة في الحالتين. فدستور 2012 وجهت إليه اتهامات تتعلق بتشكيل جمعيته التأسيسية الأولى التى حكم القضاء بإلغائها ، وبتشكيل الجمعية التأسيسية الثانية التى وضعته وطريقة عملها . والمقارنة بين المبادئ الأساسية في الدستورين تظهر أنهما لم يترجما مبادئ وتطلعات الثوار في ثورتين شعبيتين . فإذا كان دستور 2012 قد خذل الثوار ولم يتضمن القيم والمثل العليا التى حركت الثوار في 25 يناير2011 ، فإن مشروع دستور 2013 لم يكن أكثر ثورية من سابقه ، ولم يستطع واضعوه أن يرتفعوا إلى مستوى التطلعات الثورية فى 25 يناير و30 يونيه.

وفى كل الأحوال فإن الحكم الآن على مشروع الدستور الجديد صار بيد الشعب المصرى، الذى صنع ثورتين وعزل رئيسين في أقل من ثلاثة أعوام . سوف يكون الاستفتاء الشعبى على الدستور الجديد المقرر له – حسب الاعلان الدستورى – الأسبوع الأول من شهر يناير  2014 هو الذى يحدد مصير مشروع الدستور الجديد . ونأمل ألا يتأخر الإستفتاء عن هذا الموعد، كى لانخلق إشكالية جديدة على طريق هذا الدستور. وخلال ما تبقى من وقت حتى موعد الاستفتاء ، ينبغى بذل الجهد لإقناع المصريين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وممارسة حقهم الدستورى . لقد شارك 32% من الناخبين المصريين في التصويت على دستور 2012 ، وتم إقراره بنسبة تزيد قليلاً عن 63%منهم . ويأمل المعنيون بالشأن العام في أن يحقق الدستور الجديد نسباً في المشاركة والتصويت الايجابى تفوق بكثير ما حصل عليه الدستور المعطل .

لقد بدأت القوى السياسية في الحشد للتصويت بنعم أو لا على مشروع الدستور الجديد. فأعلن تنظيم الإخوان المحظور أن أنصاره لن يشاركوا في التصويت على مشروع الدستور . ودعا حزب مصر القوية، الذى يتزعمه المرشح الرئاسى السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أنصاره إلى رفض مشروع الدستور الجديد . ولا شك في أن التيارات الإسلامية المناصرة للإخوان سوف تدعو إلى رفض مشروع الدستور الجديد .

لكن حزب النور السلفى دعا إلى المشاركة و التصويت بنعم على مشروع الدستور، موجهاً دعوته لأنصاره وللمصريين جميعاً ، وهذه بادرة طيبة تبشر بالأمل . كما دعت القوى الوطنية المختلفة إلى التصويت بنعم على مشروع الدستور ، لكونه بداية لاستكمال باقى مراحل خارطة المستقبل التى أقرتها القوى الوطنية يوم 3 يوليه 2013 ، وسجلها الإعلان الدستورى في خطوات محددة ، يكتمل بها بناء مؤسسات الدولة المصرية الحديثة التى ينتظرها المصريون منذ ثلاثة أعوام ، والتى لم يتحقق منها شئ حتى الوقت الحاضر. وانتظاراً لتحديد موعد الاستفتاء على مشروع الدستور ، نأمل أن تتم طباعة المشروع وجعله في متناول المواطنين حتى يتمكنوا من الإلمام بما ورد فيه ويحددوا موقفهم منه . ويجب على وسائل الإعلام أن تطرح مواد المشروع المقترح على المواطنين من خلال نقاشات علمية مبسطة وجادة،تظهر الجوانب الايجابية فى  المشروع وتبشر المواطنين بأن ما به من نقص أو قصور يمكن تعديله مستقبلاً ، فالدساتير تقبل التعديل . وقد نصت المادة 226 من مشروع الدستور المقترح على الإجراءات اللازمة لتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور عن طريق مجلس النواب القادم . لكن الإعلان الدستورى الذى يحكم المرحلة الانتقالية لم يتوقع إلا فرضية موافقة الشعب المصرى على مشروع الدستور الجديد ، ولم ينص على البديل فى الفرض العكسى الذى لانتمناه لوطننا فى الظروف الراهنة. وتلك إشكالية أخرى قد تطرح نفسها مستقبلا.

لذلك فالسؤال الذى يمكن طرحه : ماذا سيكون الحل إذا رفض الشعب المشروع المقترح ، فهل يعود الدستور المعطل ، أم يكون المرجع إلى دستور 1971 بعد التعديلات التى أدخلت عليه وفقاً للإعلان الدستورى الصادر في 30 مارس 2011 ، أم يعاد تشكيل لجنة الخمسين لتجرى تعديلات على مشروع الدستور المقترح ؟ لكل خيار من هذه الخيارات أسانيده ، ولننتظر كلمة الشعب ، فقد يكون خياره مختلفاً عن ذلك كله .
 
 
(1) خواطر حول مهمة وقواعد اختيار لجنة "الخمسين" لتعديل الدستور المصري، المفكرة القانونية بتاريخ 14 أغسطس 2013.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني