إدارة ظهر رسمية عن توقّف “اللبنانية”: السلطة تُجهز على جامعة الفقراء


2022-03-29    |   

إدارة ظهر رسمية عن توقّف “اللبنانية”: السلطة تُجهز على جامعة الفقراء

“الواقع الحالي في الجامعة اللبنانية مأساوي، طُلب منّا المرّة الماضية أن نجيب على أسئلة الامتحان على كراس واحد، لا توجد أوراق، أجرينا الامتحانات في غرف شبه معتمة لا يوجد  مازوت، التعليم عن بعد على علّاته أنقذنا، ونحمل همّ اليومين الذين يفرض علينا الحضور بهما، لا نملك أجرة الطريق، لسنا متأكدين من أننا نحصل على التعليم اللازم، يوم يضرب الأساتذة ويوم تنقطع شبكة الانترنت، لا نعرف أصلا إذا كان سيبقى لنا نحن الفقراء جامعة”، يقول محمد، أحد طلاب العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ملخصا واقع هذه الجامعة التي أُعلنت منذ أسبوعين، وعبر الرابطة التنفيذية للأساتذة المتفرغين أنها دخلت مرحلة ” التوقف القسري” عن القيام بالأعمال الأكاديمية كافة.

وعلى الرغم من مضي أسبوعين على إعلان التوقف القسري عن الأعمال الأكاديميّة في جامعة الوطن، التي من المفترض أنها أهم صرح تربوي في البلاد، لا تزال السلطة السياسية بأقطابها كافة، تتصرّف وكأنها غير معنيّة بملف الجامعة اللبنانية، إذ لا يبدو حتى الساعة وجود أيّ نيّة لإقرار ملف التفرّغ الذي رُبط بملف تعيين العمداء المتوقف بدوره بسبب المحاصصة السياسية، في ما يبدو إشارة سلبية إلى ترتيب مصير 86 ألف طالب/ة ومعهم أساتذتهم وموظفي الجامعة في سلم الأولويات ومقارنة مع تحاصص أفرقاء السلطة. أمّا موازنة الجامعة والتي أرسلتها الحكومة إلى مجلس النواب من دون أي تعديل على الرغم من تعديل الموازنات التشغيلية لعدد من إدارات المؤسسات الحكومية، فتنتظر ما ستصل إليه لجنة المال والموازنة النيابية.وكانت إدارة الجامعة اللبنانية قد أرسلت كتابا مفصلا يحدّد احتياجاتها ويفنّدها ويطالب بمعاملة موازنة الجامعة كما عوملت موازنات إدارات الدولة ورفعها بالنسبة نفسها حسب ما يؤكّد رئيس الجامعة اللبنانية بسّام بدران.

ويطمئن بدران الطلاب بأنّ لا خوف على العام الدراسي الحالي، مشيرا في حديث مع “المفكرة القانونيّة” إلى أنّ الامتحانات مستمرة حاليا في عدد من الكليّات منها كليّة الزراعة والطب العام وطب الأسنان والصيدلة وأنّ امتحانات كليّة العلوم ستجرى الأسبوع المقبل.

وفيما يلفت بدران إلى أنّه على تواصل مستمر مع الأساتذة وأنّ العام الدراسي الحالي سيكمل لأنّ الأساتذة وعلى الرغم من واقعهم لا يتخلون عن مسؤولياتهم تجاه الطلاب، يشير رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين عامر حلواني إلى أنّ التوقّف القسري عن التعليم مستمر وأنّ لا عودة إلى التدريس طالما الحكومة الحالية لا تنظر إلى أحوال الجامعة اللبنانية.

ويعتبر حلواني في حديث مع “المفكرة” أنّ الموضوع لم يعد موضوع عام دراسي أو امتحانات بل موضوع مستقبل الجامعة اللبنانية الذي بات مهدّدا، كما يشدد العديد من الأساتذة إلى أن وظيفة الجامعة اللبنانية ودورها مهددين بالأساس اليوم، معتبرين أن الكرة في ملعب السلطتين التنفيذية والتشريعية لإنقاذ الجامعة، مع التأكيد على  أن خسارة عام دراسي ليست أهم من خسارة الجامعة كلها ومستقبلها. 

ويُشار إلى أنّ إعلان التوقف القسري عن العمل جاء بعد سنتين عكّزت خلالهما الجامعة على التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة “كورونا”، بعدما لم تعد، وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية،  قادرة على الاستمرار بموازنة هزيلة وبأساتذة يقاتلون بالللحم الحي إثر فقدان رواتبهم أكثر من 90% من قيمتها، وبطلاب فقدوا القدرة على الوصول إلى الجامعة بعد تدني مداخيل ذويهم، وفقدان بعض هؤلاء (معيلي الطلاب) أشغالهم، وارتفاع كلفة النقل والعيش بالقرب من كلياتهم، وتأمين أدنى مستلزمات متابعة العملية التعليمية، الأمر الذي يطرح، وبحسب عدد من الأساتذة، مجموعة من الأسئلة أبعد من مصير العام الدراسي، أهمّها إن كانت الجامعة لا زالت تخدم الأهداف التي أنشئت من أجلها؟ وإن كانت الأزمة الاقتصادية هي من أوصلت الجامعة إلى التوقف القسري؟ أم هي نتيجة مجمل أداء السلطة  وأركانها في جمهورية الطائف تجاه جامعة الوطن؟، والأهم، هل هناك من يريد للجامعة الوطنية التي تستقبل نحو نصف طلاب التعليم العالي في لبنان، أن تقفل أبوابها؟

الجامعة تتوقّف قسراً وموازنتها تخدم شهرين

قبل بدء الانهيار الاقتصادي العام 2019 كانت الجامعة اللبنانية تكرّر بأنّ موازنتها لا تكفي ولاسيّما لتغطية جانب التطوير والتحديث ومتابعة الأبحاث العلميّة، وبعد أن انهارت قيمة الليرة مقابل الدولار باتت هذه الموازنة لا تكفي حتى المصاريف التشغيلية الأساسية من تأمين قرطاسيّة وصيانة ومازوت، فهذه الموازنة تكفي لشهرين فقط في حال العودة الحضورية إلى الجامعة، حسب بدران.  

وعلى الرغم من هذا الواقع، أبقى مجلس الوزراء موازنة الجامعة اللبنانية للعام الدراسي 2021/ 2022 على حالها بقيمة 365 مليار ليرة من دون أي تعديل، أي ما كانت قيمته 243  مليون دولار وأصبح اليوم أقلّ من 15 مليونا، وهو أقل ما بات مطلوبا للصيانة والمصاريف التشغيلية فقط (الموازنة كانت ترصد حوالي 3 ملايين دولار للصيانة والمصاريف التشغيلية، واليوم ومع الإنهيار، أصبحت تتجاوز الـ 17 مليونا لأنّها تحتسب على سعر الدولار).

ويشير بدران إلى أنّه  وفي ظلّ هذه الموازنة يبدو الأمر صعبا جدا العام المقبل ولاسيّما إذا تقرّرت العودة الحضورية لكامل الكليات، فالموازنة المرصودة لا يمكن أن تكفي لتشغيل جامعة فيها أكثر من 86 ألف طالب و5300 أستاذ و2000 موظف.

وفي ظلّ الموازنة الهزيلة كانت إدارة الجامعة اللبنانية تعوّل على عائدات فحوصات “بي سي آر”  المطار المقدّرة بـ 50 مليون دولار لاستثمارها بعدد من المشاريع المنتجة للجامعة، حسب بدران، منها تركيب نظام طاقة شمسية وإنشاء معمل أدوية متخصص في دواء الضغط أو السكري، فضلا عن مختبر مركزي لتحليل الدواء، إلا أنّ شركات الطيران لم تحوّل الأموال إلى الجامعة برغم صدور قرارين قضائيين.

وكانت وزارة الصحة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني وقعت اتفاقية تقوم بموجبها الجامعة اللبنانية بإجراء فحوصات كورونا لجميع الوافدين إلى لبنان عبر المطار، وتأمين الكادر اللازم لهذه العملية، على أن تحصل على 45 دولارا من أصل 50 دولارا تدفع عن كل فحص.

واستوفت الجامعة حصتها من مبلغ الخمسين دولارا بموجب شيكات بالدولار الأميركي من شركات الخدمة الأرضية في المطار MEAG وLAT  ، كان يتم إيداعها في حساب الجامعة اللبنانية في مصرف لبنان. واستمر الأمر على هذا الحال حتى بداية شهر تموز 2021 حين بدأت شركات الطيران تستوفي قيمة تذاكر السفر ومن ضمنها فحوص الـ “بي سي آر” بالدولار الطازج (الفريش)،  فرفضت الجامعة اللبنانية استلام مبالغ بغير الدولار النقدي، الأمر الذي أدى إلى احتفاظ شركات مقدمي الخدمات بالمبالغ المستوفاة لصالح الجامعة.

وأصدرت  النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة قرارا يطالب شركات الطيران بتحويل المبالغ كما يتم استيفاؤها، أي بالدولار الأميركي لحساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية، إلا أنّ القرار لم ينفّذ حتى الساعة.

وفي ما خصّ الموازنة، يرى الأستاذ في كلية الإعلام علي رمال، أنّه في عملية حسابية صغيرة يجب مضاعفة موازنة الجامعة اللبنانية 10 مرات وهذا الأمر مستحيل حاليا، معتبرا في حديث مع “المفكرة” أنّ التعامل مع الجامعة من قبل السلطة سيئ جدا إلى حدّ يطرح تساؤل حول ماذا تريد هذه السلطة من الجامعة، وإن كان تجاهل تعديل موازنتها مقصودا، لاسيّما أنّ السلطة نفسها عملت على زيادة موازنة إدارة مؤسساتها التشغيلية ولم تلحظ الجامعة اللبنانية. ويلفت رمال أيضا، إلى عدم رفع موازنة صندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية بينما رفعت موازنة تعاونية موظفي الدولة، ليستغرب عدم تحرك وزارة الأشغال لإجبار شركات الطيران، التي تقع تحت وصايتها، على دفع أموال “بي سي آر” المستحقة للجامعة.

العملية التعليمية لم تنتظم منذ بداية العام الدراسي

صحيح أنّ الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة أعلنت التوقف قسرا عن الأعمال الأكاديمية الأسبوع الماضي إلّا أنّ التدريس في الجامعة اللبنانية لم ينتظم منذ بداية العام في معظم الكليات، إذ كانت الرابطة نفسها أعلنت إضرابا بداية العام وثمّ عادت عنه بعد شهرين تقريبا إثر وعود من السلطة بتحسين أوضاع الأساتذة (أقرّت لهم منحا إجتماعية مثلهم مثل العاملين في القطاع العام فضلا عن رفع بدل النقل)، كما أنّ الأساتذة المتعاقدين، والذين يشكلون 80% من الأساتذة في الجامعة اللبنانية، لم يلتزموا بقرار العودة واستمروا في إضرابهم مطالبين بإقرار ملف تفرّغهم.

يُشار إلى أنّ راتب الأستاذ الجامعي في الملاك أو المتفرّغ يتراوح ما بين 3 ملايين و 700 ألف ليرة و8 ملايين و400 ألف ليرة  شهرياً، أي ما كانت قيمته تتراوح بين 2500 دولار و5 آلاف دولار، وبات اليوم لا يتجاوز 280 دولاراً، إلّا أنّ الجامعة أقرّت مؤخراً مساعدات إضافية لهؤلاء الأساتذة كإعطاء مليون ليرة شهرياً وراتباً إضافياً و 20 مليون ليرة مساعدة سنوية، غير المنحة الاجتماعية التي أقرّتها الحكومة والتي لم يقبضها الأساتذة حتى الساعة.

أمّا الأستاذ المتعاقد فيعمل وفق ما يسمّى عقد مصالحة يتقاضى على أساسه بدل ساعاته خلال مدة تتراوح بين سنة وسنتين. ويتراوح بدل ساعة المتعاقد بين 64 إلى 104 آلاف ، يدفع منها 7 % ضريبة دخل، أي أنّ دخله السنوي وبحسب الساعات المحددة والرتبة يتراوح ما بين 10 إلى 30 مليون ليرة. ولا يستفيد المتعاقد من أي ضمان صحي أو اجتماعي ولا يتقاضى بدل نقل.

الأمر أبعد من موازنة وحقوق أساتذة

تعتبر الأستاذة في كلية العلوم وفاء نون أنّ أزمة الجامعة اللبنانية باتت أكبر من موازنة واستقرار وظيفي للأساتذة والموظفين والمدربين ومن رواتب وأجور وإيجارات أبنية مهترئة و متصدعة وصيانة مجمعات وأكلاف تشغيلية، ومن لوازم مختبرات وأبحاث، وأكبر حتى من أزمة استمرارية الجامعة وبقائها أو تهديد وجودها، متسائلة في حديث مع “المفكرة” عن ماذا يعني بقاء الجامعة بعد أن ينتفي الغرض الأساس من وجودها والذي من أجله ناضل من ناضل في سبيل إنشائها، ألا وهو ديمقراطية التعليم وليس فقط مجانيته.

وتشرح نون أنّ الجامعة عند تأسيسها احتضنت أحلام الكثير من الشباب بوطن أفضل وبدولة العدالة الاجتماعية قبل أن تحتضن طموحاتهم بتحسين أحوالهم الاجتماعية والمعيشية عبر تمكينهم من نيل الشهادات الجامعية التي تخولهم دخول مجالات في العمل غير العمل في الزراعة والمصانع معتبرة أنّه حتى اندلاع الحرب اللبنانية لعبت هذه الجامعة دور الرافد للدولة بالأساتذة والإداريين والموظفين (طبعا بغير المفهوم والدور الوظيفي الذين هم عليه اليوم).

وتضيف نون  أنّ الفئة الاجتماعية التي خاضت التظاهرات والاعتصامات والإضرابات من أجل حقها في التعلم ونجحت في فرض إنشاء الجامعة اللبنانية، لم يعد بمقدور شبابها اليوم التعلم في هذه الجامعة رغم رمزية رسم التسجيل، وذلك بسبب الإرتفاع الجنوني لتكاليف السكن والمواصلات بالإضافة إلى تأمين الكتب والمستلزمات المخبرية وغيرها من الأمور الحياتية الضرورية.

وتعتبر نون أنّه بعد الحرب اللبنانية، أصبح الدور الأساسي للجامعة هو حماية النظام السياسي الذي أوجده زعماء الطوائف وزعماء الحرب، فباتت مكانا للتوظيف والتنفيعات السياسية وحشر الأزلام، ولكن حتى هذا الدور، بحسب نون، لم يعد باستطاعتها الإستمرار في لعبه.

ما تعبّر عنه نون يكرّره طلاب الجامعة اللبنانية، “لا لم تعد الجامعة جامعة الفقراء ولا جامعة الطبقة الوسطى” تقول لمى طالبة سنة ثالثة في كلية العلوم السياسية، متحدثة مع “المفكرة” عن الصعوبات التي تواجهها حاليا لناحية الوصول إلى جامعتها، والذي بات يكلّفها 240  ألف ليرة يوميا بالفان .

تسكن لمى في الهرمل وتدرس في مجمّع الحدث في بيروت. يمكن للمى أن تدرس في زحلة الاختصاص نفسه (أجرة الفان ذهاباً وإياباً 160 ألف ليرة) ولكنّها اختارت بيروت نظراً لأنّ المنطقة حيث تعيش تفتقد لأي فرص تساعدها على تطوير نفسها. “اخترت بيروت للدراسة، نحن في منطقة لا تتيح لنا التطوّر، لم تكن الأمور كما اليوم، كنت قادرة على الوصول إلى الجامعة، أما اليوم تبدّلت الأمور كلياً، الجامعة أملنا نحن طلاب الطبقات الوسطى والفقيرة في التطور وتحسين واقعنا لم تعد بمتناول أيدينا”.

الأمر لا يتعلّق فقط بالوصول إلى الجامعة، تتحدّث لمى عن امتحانات أجرتها في قاعة معتمة، عن طلاب يجمعون حتى رسم التسجيل الرمزي وثمن الكتب من بعضهم البعض بعدما فقدت رواتب ذويهم قيمتها، وعن تخوف وعن عدم ثقة بالتعليم الذي تحصل عليه في ظلّ تكرار الإضراب وانقطاع الإنترنت. 

الأمور نفسها تتحدّث عنها نغم التي تسكن في زحلة والتي اضطرت أن تسجّل ماجستير في بيروت بعدما لم يعد متاحا في زحلة، فالوصول إلى كليتها بات يكلّفها 200 ألف ليرة يومياً وهذا مبلغ لا تستطيع تأمينه في حال أصبح الحضور إلزامياً وانتهت إجراءات كورونا.

وتعتبر نغم أنّه من حقّ الأساتذة المطالبة بحقوقهم ولكنّها تسأل إن كان عليها وباقي الطلاب دفع الثمن عبر حرمانهم من حقّهم بالتعلّم ولاسيّما أنهّم غير قادرين على الالتحاق بجامعات خاصة، “أليس من حقّنا أن نتعلّم؟ من ينظر بواقع الجامعة اللبنانيّة؟” تسأل نغم.

وفي الإطار نفسه تتحدّث ميشلين عن صعوبة وصولها إلى الجامعة، فكلفة الطريق من رميش حيث تسكن إلى بيروت حيث جامعتها تتجاوز الـ 300 ألف ليرة يوميا ولا يقلّ المبلغ كثيرا للوصول إلى أقرب فرع عنها في صيدا.

تؤكّد ميشلين أنّها لما كانت لتسجّل في الجامعة لولا أنّ التعليم كان عن بعد، وأنّ متابعة تعليمها ستصبح صعبة في حال عادت الجامعة حضوريا، وتقول: “تكلفة الطريق 300 ألف ليرة، تصوير الأوراق بات مكلفا جدا أقلّ كرّاس يكلّف 80 ألف ليرة، فكيف إذا اعتبرنا أنّه عليّ أن أتناول طعاما كوني أبقى اليوم كلّه؟ طبعا الأمور ستكون صعبة علينا نحن أبناء الطبقة الوسطى”.

الأزمة الاقتصادية فجّرت المشكلة ولم تتسبّب فيها

تعتبر الأستاذة في كلية الإعلام وفاء أبو شقرا أنّ الانهيار المالي والاقتصادي لم يكن السبب لما وصلت إليه الجامعة بل كان عاملا كشف “المؤامرة الممنهجة لتدمير الجامعة عبر خنقها ببطء حتى تتحلّل وحدها من دون أن يتحمّل أحد المسؤولية المباشرة لقتل الجامعة الوطنيّة، والذي بدأ أواسط التسعينيات”.

وتذكّر أبو شقرا في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر بإمساك السلطة السياسيّة بقرار الجامعة اللبنانية عبر القرار رقم 42 الذي صدر العام 1997 وقضى بنقل صلاحيّة التعاقد بالتفرّغ في الجامعة اللبنانيّة من الجامعة نفسها إلى مجلس الوزراء الأمر الذي كرّس تسييس إدارة شؤون الجامعة واتخاذ الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم القرارات المتعلقة بالجامعة.

 ومن الأمور التي ساهمت في خنق الجامعة، حسب أبو شقرا، الاقتطاع المتكرّر من موازنتها الهزيلة أصلاً، معتبرة أنّ هذا الأمر مقصود بدليل أنّ مجلس الوزراء مؤخراً لم يلحظ أي تعديل على الموازنة التي ما عادت تكفي للصيانة والتشغيل.

وتتحدّث أبو شقرا عن توزيع أدوار في التعطيل بين القوى السياسية في أي أمر يتعلّق بالجامعة، تماماً كما يحصل حاليا في موضوع تعيين العمداء المتوقّف بسبب خلافات على الحصص في وقت ربطت السلطة السياسية ملفات أخرى به منها ملف التفرّغ من دون وجود أي مبرر غير التعطيل.

وفي الإطار نفسه، تعتبر نون أنّ ضرب الجامعة بدأ منذ تكريس الفروع التي نشأت بصورة مؤقتة في عام 1977 خلال الحرب اللبنانية إلى فروع قائمة وفق المرسوم 810 في العام 1978 مشيرة إلى توالي المراسيم والتعاميم التي عطّلت قوانين الجامعة ومجالسها الإدارية والأكاديمية كافة، وكذلك المجالس التمثيلية الطلابية، منها المرسوم 77/115 الذي اعتُبر بمثابة إعلان حل الإتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، وقرار 42 الذي ربط التعاقد للتدريس في الجامعة اللبنانية بموافقة مجلس الوزراء.

وتعتبر نون أنّ كلّ هذه القرارات جعلت من الجامعة وأهلها رهينة لأحزاب السلطة التي تتنازع على تعيين رئيسها وعمدائها وأساتذتها، والتي تُحاصص في مجالسها الأكاديمية (مجالس الأقسام في الكليات) وفي مجالسها التمثيلية الإدارية (ممثلي الأساتذة في مجلس الجامعة) وحتى النقابية (رابطة الأساتذة المتفرغين بمندوبيها وهيئتها التنفيذية وكذلك مجالس فروع الطلاب) مشيرة إلى استكمال ضرب وحدة الجامعة حين اتخذ مجلس الوزراء في العام 2009 قرارا يقضي بتشعيب فروع العديد من كلياتها تحت حجة الإنماء المتوازن للمناطق.

وتشدّد نون على أنّ كلّ هذا حدث ويحدث على مرأى من أساتذتها ورابطتهم التي أصبحت منذ العام 2000 هيئة تمثيلية وتنفيذية للقوى الحاكمة تعكس التحاصص الطائفي والسياسي لهذه القوى، وعلى مرأى من طلابها الذين فقدوا حقهم في المشاركة في مجلس الجامعة منذ أن توقف إجراء الإنتخابات الطلابية (آخر انتخابات طلابية جرت في العام 2008/2009).

المطلوب تحرّك شعبي

يؤكد بدران أنّه على الرغم من التوقف القسري (هناك بعض الكليات لم تتوقّف) لا يمكن القول إنّ وجود الجامعة مهدّد فهي تمثّل أكثر من حاجة كونها الجامعة الوطنية، معتبرا أنّها لا تزال واقفة بفضل أساتذتها المؤمنين بدورها.

وفي الإطار نفسه يرى رمّال أنّ الجامعة اللبنانية باتت بحاجة إلى حراك شعبي واسع تماما مثل ذلك الحراك الذي أوجدها ولاسيّما أنّ السلطة تصمّ آذانها عن هموم هذه الجامعة.

وليس بعيداً،  ترى نون أنّه كان هناك بارقة أمل في التحركات التي قام بها “تكتل طلاب الجامعة اللبنانية” الذي نشأ في فترة إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية في العام 2019 قبيل انتفاضة 17 تشرين، معتبرة أنّ هذا التكتل ومن خلال الشعارات والمواقف التي اتخذها خلال إضراب الأساتذة وفي ساحات الانتفاضة أعاد للأذهان التحركات الطلابية التي رافقت تأسيس الجامعة.

وتضيف نون أنّ هذا التكتل الطلابي وكذلك العديد من مجموعات الأساتذة التي تشكلت قبل وخلال انتفاضة 17 تشرين (ما بين 2011 و 2019) والتي عكست حالة اعتراضية في صفوف الأساتذة، تقزمت حركتهم مع بدء أزمة كورونا والتعليم عن بعد ومع تردي الوضع الإقتصادي.

وتلفت نون إلى أنّ الجامعة اللبنانية هي الساحة التي تجمع كل الشباب من كافة الأطياف الثقافية والاجتماعية والسياسية، وأنها المكان الذي يجمع شباب الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه وبالتالي انهيارها يعني المزيد من التقسيم والشرذمة وضرب كل فرص التلاقي والحوار، كما يعني القضاء على فرص الشباب من الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل بالعمل في العديد من المجالات. لذا هم معنيون بشكل أساسي بالدفاع عنها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، تحقيقات ، مؤسسات عامة ، نقابات ، قرارات إدارية ، الحق في التعليم ، فئات مهمشة ، لبنان ، الحق في الصحة والتعليم ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني