أية حماية للعاملات المغربيات في حقول الفراولة بإسبانيا؟


2019-01-05    |   

أية حماية للعاملات المغربيات في حقول الفراولة بإسبانيا؟

تحول حلم عاملات مغربيات في حقول الفراولة جنوب إسبانيا إلى ما يشبه الكابوس، بعد تعرض بعضهن لصور مختلفة من انتهاكات حقوقهن وصلت حدّ الاعتداء الجنسي. وما كانت هذه القضية تصل إلى علم الرأي العام الوطني والدولي لولا جهود منظمات حقوقية إسبانية وأخرى مغربية دقّت ناقوس الخطر حول الوضعية الصعبة التي تعيشها المئات من العاملات الموسميات.

الإعلام يثير قضية عاملات الحقول الفلاحية بمنطقة ويلفا

يرسل المغرب سنوياً عاملات موسميات، أغلبهن من أسر فقيرة، للعمل في مزارع إسبانيا لجني الفواكه، بأجور لا تتجاوز 40 يورو يوميا، وذلك في اطار اتفاق ثنائي بين البلدين، وقد انتقل عدد العاملات المغربيات الموسميات خلال الخمس سنوات الأخيرة من 3000 عاملة إلى أكثر من 15 ألف كمعدل سنوي.

واندلعت قضية الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات المغربيات الموسميات بحقول إسبانيا بعدما نشرت صحيفة ألمانية تحقيقاً صادماً من إنجاز هيئة تدعى الصحافيون المستقلون،  سلط الضوء حول أوضاع العاملات في حقول الفراولة، وتعرضهن للابتزاز والتحرش والاعتداءات الجنسية.

اعتمد التقرير على تحقيقات ميدانية مكنت من اللقاء بالعاملات بكل من إسبانيا وايطاليا والمغرب لمعرفة الشروط التي يشتغلن فيها. وتبعا لذلك، تم نشر تقارير عدة، أبرزها التقارير الآتية:

-التقرير الإسباني في 30 أبريل 2018 تحت عنوان: الاغتصاب في الحقول؛

-التقرير حول المغرب في 2 ماي 2018 تحت عنوان : الجانب المظلم للضيعات الفلاحية المزدهرة في المغرب؛

-التقرير الإيطالي في 3 ماي 2018، تحت عنوان : بين أيدي المافيا.

بمجرد ما تم نشر التقارير، حتى اهتم الإعلام الإسباني بمضامينها، حيث نشرت جريدة “الإسبانيول” بتاريخ 5 ماي 2018 تحقيقا ميدانيا خلص إلى التأكيد على طبيعة الأفعال والجرائم المقترفة في حق العاملات في الضيعات الفلاحية بويلفا.

لم يكتفِ التحقيق بالتأكيد على الوقائع، بل أشار في مستهله على الصفحة الأولى، إلى أن المعطيات التي توصلت إليها الجريدة من خلال التحقيق الميداني وضعتها بين أيدي القضاء والسلطات المختصة.

انتهاكات بالجملة في ظل سيادة ثقافة عدم التبليغ

كشفت هذه التقارير عن صور شتى للانتهاكات التي تتعرض لها العاملات الزراعيات في حقول الفراولة جنوب إسبانيا. فممارسات التحرش الجنسي بالعاملات الموسميات سواء المغربيات أو غيرهن من باقي الجنسيات منتشرة، تشجعها سيادة ثقافة عدم التبليغ، خاصة أمام انتشار الأمية، والخوف من عدم استفادتهن من عروض العمل الموسمية في العام المقبل، والخشية من وصول الموضوع إلى الأسر داخل مجتمع قروي محافظ، إلى جانب العراقيل المالية والإدارية التي تحول دون وصولهن إلى القضاء.

وتشتغل العاملات الموسميات بمعدل عشر ساعات يوميا دون التعويض عن الساعات الإضافية المنصوص عليها في قوانين العمل، كما أنهن لا يستفدن من الحق في الحد الأدنى من الوقت الذي يوجبه القانون للاستراحة والأكل.

ويلجأ أصحاب العمل إلى منع العاملات من ربط علاقات تواصلية خارج نطاق الحقول التي يشتغلن بها حيث يتم ابتزازهن واستغلال وضعيتهن الاجتماعية، من خلال تهديدهن بالطرد من العمل وعدم تشغيلهن في المواسم المقبلة إن هن لم يرضخن لنزوات رؤسائهن في العمل.

ومن المظاهر المسيئة الأخرى للعاملات الموسميات، احتجاز جوازات سفرهن لضمان استمرارهن في العمل واحترام مدة العمل وعدم العودة إلى بلدهن. وهو ما رصدته فيدرالية نقابات العمال الإسبان واعتبرته خرقا لحرية التنقل، باعتبارها أحد الحقوق الدستورية والإنسانية، داعية السلطات الحكومية في إسبانيا إلى إرغام أرباب المزارع على الكف عن احتجاز جوازات سفر العمال والعاملات.

ومقارنة مع باقي العاملات المهاجرات الموسميات في منطقة “ويلبا”، تبقى المغربيات الأكثر تعرضا لانتهاك حقوقهن، لكونهن ينحدرن من الوسط القروي، ولا يتحدثن سوى بالعامية المغربية (العربية أو الأمازيغية). وهو ما يحول دون معرفتهن لحقوقهن أو مطالبتهن بها، فضلا عن أن حصص التوعية والتأطير التي تقدمها لهن الوكالة الوطنية لإنعاش وتشغيل الكفاءات بالمغرب “لا تفيد في توعيتهن بحقوقهن، سواء تلك المرتبطة بساعات العمل، أو الأجر، أو الحريات النقابية، أو الحق في العطل، أو في الضمان الاجتماعي”.

تبعا لذلك، حاول بعض المشغلين الإسبان احتواء الضجة التي أثارتها التقارير الصحفية حول وضعية بعض العاملات الموسميات من خلال إنهاء عقودهن وجمعهن في حافلات قصد إرجاعهن إلى المغرب. لكن الحرس المدني الإسباني تدخل ومنع الحافلات من المغادرة قبل الاستماع للعاملات.

في نفس السياق، حاول بعض المشغلين استمالة بعض العاملات لتقديم شهادات منافية للضحايا، وادعاء أن العاملات المشتكيات يحاولن الحصول على أوراق الإقامة بطرق ملتوية.

رد الفعل الرسمي

بمجرد ما تسلم القضاء الإسباني ابتداء من ماي 2018، الملف وشرع في فتح تحقيقات بالاستماع إلى حوالي 800 عاملة، تم الوقوف على 12 محاولة للاغتصاب والتحرش يشتبه في القيام بها من طرف 7 أفراد، منهم 4 مغاربة و3 إسبان، وما تزال التحقيقات جارية.

تبعا لذلك، لوحظ تغيير في الخطاب الرسمي بالمغرب. فقد أعلنت وزارة الشغل والإدماج المهني، إنها وباقي والقطاعات الحكومية المعنية ستظل يقظة ومتابعة من أجل ضمان كرامة العاملات المغربيات بإسبانيا، داعية إياهن إلى عدم الصمت عن كل محاولات الابتـزاز أو التحرش بهن، مشيرة إلى أن السلطات الرسمية المغربية أو الإسبانية لا يمكن أن تسمح بشيء من هذا القبيل.

بتاريخ 02 أكتوبر 2018 عقد وزير الشغل والإدماج المهني محمد يتيم لقاء مع كاتبة الدولة الاسبانية للهجرة ماريا دل كونسويلو رومي ايبانيز، بمناسبة الزيارة الرسمية التي تقوم بها للمغرب، لدراسة امكانية مراجعة بعض أحكام اتفاقية اليد العاملة، الموقعة بين المغرب وإسبانيا سنة 2001 بمدريد، لفتح حقوق اجتماعية جديدة للعاملين الموسميين بما في ذلك التقاعد والاحتفاظ بالحقوق المكتسبة، وتجميع فترات التأمين، والحق في تحويل الامتيازات المضمونة.

الحراك الحقوقي: “وراء الفراولة عنف وتحرش”

 بتاريخ 16/06/2018 خرجت مسيرة حاشدة في مدينة هويلفا الإسبانية، تضامنا مع العاملات المغربيات في حقول الفراولة، دعت إليها نقابة العمال بإقليم الأندلس، رفعت شعارات باللغة العربية والإسبانية، كتب عليها “وراء الفراولة هناك عنف وتحرش”. كما رفع المتظاهرون مطالب للحكومة الإسبانية، من أجل التدخل لحماية كرامة عاملات الفراولة وضمان العدالة وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما تبنت فيدرالية رابطة حقوق النساء -وهي منظمة مغربية غير حكومية- هذا الملف، ونظمت زيارات ميدانية للمنطقة للوقوف على ظروف تشغيل العاملات المغربيات الموسميات بجنوب إسبانيا، ووثقت شهادات صادمة، كما اطلعت على عدة عقود عمل أبرمت بالمغرب في إطار الاتفاق الثنائي مع إسبانيا.

وعلى إثر هذه الزيارة الميدانية، سجلت الفيدرالية ملاحظات عدة على مستوى عملية اختيار العاملات الموسميات وظروف التشغيل بالحقوق الإسبانية على حد سواء. ومن أبرز هذه الملاحظات: عدم منح العاملات نسخا من عقد العمل، امكانية تعليق العقد في أي وقت وإعادة العاملات إلى البلد الأصلي لأن الحق في الإقامة يرتبط بعقد العمل، مصادرة جوازات سفرهن من قبل أصحاب العمل بحجة تفادي ضياعها، التمييز العنصري.

ختاما، تجدر الإشارة أنه فيما ما تزال شكايات عشرات العاملات المغربيات الموسميات محل تحقيق من طرف القضاء الإسباني، انطلقت عملية تسجيل أفواج جديدة من المرشحات للعمل في الحقول الاسبانية برسم سنة 2019.

أفكار إيجابية: مطالب فدرالية رابطة حقوق النساء

أعلنت فدرالية رابطة حقوق النساء وهيئة التنسيق الوطنية للجمعيات النسائية عن مذكرة لتعزيز وحماية حقوق العاملات المغربيات الموسميات بإسبانيا، حددت التزامات متبادلة بين الأطراف المتدخلة في الاتفاق، من أبرزها: .

-ضمان تبليغ العمال الزراعيين الموسميين جميع الشروط المنطبقة على دخولهم واقامتهم وعملهم، فضلاً عن المتطلبات الأخرى، قبل دخولهم إلى دولة العمل مجاناً وبلغة يستطيعون فهمها …،

-اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإلغاء المعايير التمييزية في تشغيل العمال الزراعيين الموسميين،

-اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان الحقوق الاجتماعية للعمال الزراعيين الموسميين،

-إعادة النظر في عقود العمل الخاصة بالعمال الزراعيين الموسميين بما يضمن الكرامة والعمل اللائق وفق الشروط والمعايير والآليات الدولية لحقوق الإنسان.

-الدعوة إلى تكثيف عمليات التفتيش لمرافق العمل (الضيعات الزراعية)؛

– دعوة الاتحاد الأوروبي لوضع احترام حقوق الإنسان ومبادئ المعاملة وعدم التمييز والمساواة في صميم سياسة الهجرة.

  • نشر هذا المقال في العدد | 13 | ديسمبر 2018، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:

العمران في تونس: أسئلة منسية في زمن البناء الفوضوي

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حقوق العمال والنقابات ، المغرب ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني