أول حكم بالحبس في قضايا تلويث الليطاني: علوية يحذر بأن الأمن الغذائي لا يتم بفعل المجارير


2020-05-05    |   

أول حكم بالحبس في قضايا تلويث الليطاني: علوية يحذر بأن الأمن الغذائي لا يتم بفعل المجارير

لأول مرّة منذ بداية محاكمة المصانع المتهمة بتلويث نهر الليطاني، يُصدر القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف حكماَ يتضمن عقوبة الحبس وتوقيف الأعمال في ملف أحد كبار المعامل المدعى عليها، وهو معمل ضاهر انترناسيونال فودز ش. م. ل. الواقع في بلدة المنصورة في البقاع. الحكم الذي صدر يوم الخميس تاريخ 30 نيسان 2020 وصلت قيمة الغرامات الملزمة للشركة إلى خمسة وعشرين مليون ليرة، بعدما تبين أن كميّات عالية من الملوثات تخرج من المعمل وتصبّ في مجرى نهر الليطاني من دون معالجة.

خلال مرحلة المحاكمة، كانت الشركة المدعى عليها تتذرّع بعدم حاجتها لمحطة تكرير للمياه بسبب أن المياه الصناعية الخارجة عن المعمل ليست موادّ ملوثة، على اعتبار أن الإنتاج الذي يتصل بتصنيع المواد النشوية مثل الذرة والشوفان والقمح والأرز ورقائق الذرة (كورن فلكس) ومنتجات غذائية أخرى، لا تُعد المواد الخارجة منه من الملوثات. ويُشار إلى أنّ المدعى عليه، جليل الجقل، وهو مدير فني في المعمل، كان قد لفت إلى أن المعمل يقوم بإجراء فحوصات دورية للمياه الصناعية الناتجة عنه، إلّا أن ما أظهره تقرير الخبيرين اللذين عينتهما المحكمة د. ناجي قديح ود. نادين ناصيف، يدحض هذه الادعاءات خاصة لناحية ما أظهره الكشف لجهة تحويل المياه الصناعية والصرف الصحي إلى مجرى النهر، ناهيك عن نتائج فحوصات عيّنات المياه الصناعية ومياه الصرف الصحي الخارجة من المعمل.

فيُبَّين تقرير الخبرة أنّ النفايات السائلة الصناعية في المعمل لها ثلاثة مخارج: مخرجان للمياه الصناعية أحدهما يجمع المياه الآتية من دورات العمليات الإنتاجية لمختلف منتجات المصنع، والآخر يجمع المياه الآتية من غسيل الأدوات والتجهيزات والآلات والأرض، وأنّ مياه المخرجين تصب في مجرى مائي قريب من المصنع ويسيل في الحقول حوالي واحد كيلومتر وخمسامية متر لتصب بعدها في نهر الليطاني، ويوجد مخرج ثالث لمياه الصرف الصحي المتأتية من المغاسل والمراحيض، وهذه المياه تصبّ في نظام من ثلاث غرف مقفلة، حيث تتم عمليات ترسيب وفصل الوحول الصلبة، تخرج منها المياه في نفس بعدها في نفس المجرى المائي.

نوعية الملوّثات التي تخرج من المعمل أظهرتها الفحوصات المخبرية للعيّنات إذ يُشير الحكم إلى أن النتائج أكّدت أنّ المياه الصناعية تحتوي على تلوّث جرثومي أعلى بكثير من القيم الحدية البيئية المقبولة، وهي تحتوي على الجرثومة “الإشريكية القولونية” بمعدّل 35 ضعف القيمة الحدية المقبولة. أمّا العيّنات المأخوذة من الصرف الصناعي الناتج من عمليات غسيل التجهيزات والآلات، فقد بيّنت نتائج فحوصاتها وجود مؤشر جرثومة “الإشريكية القولونية” بمعدل 500 ضعف القيمة الحديّة المقبولة. ويلفت التقرير إلى أن الحاجة الكيميائية للأوكسجين COD فيأخذ قيماً عالية جداً تتجاوز القيمة الحدية المقبولة بحوالي 17 ضعف.

أمّا بالنسبة لعينات الصرف الصحي المأخوذة من منظومة الغرف الثلاث، فهي تُظهر أن مؤشر وجود الجرثومة المذكورة يعادل 500 ضعف عن القيمة الحدية المقبولة، وتتجاوز الحاجة الكيميائية للأوكسجين القيمة المقبولة بـ 12 ضعف. وأظهر تقرير الخبرة بأن التحاليل المخبرية للعينات المأخوذة من أرض المجرى، أيّ حيث تسيل المياه لتذهب إلى النهر، أن نسب التلوث تصل إلى مستويات عالية. وكان قد أوصى التقرير بأن نسب التلوث العالية في المعمل تُحتم إنشاء محطة تكرير في أسرع وقت ممكن.

الحكم بالحبس ووقف الأعمال

أمام هذه الوقائع، اعتبر القاضي شرف أن المدعى عليهما، الجقل وشركة ضاهر انترناسيونال فودز ش.م.ل. ساهما بصورة أكيدة بتلويث نهر الليطاني والمسطح المائي لبحيرة القرعون. فخلص الحكم إلى إدانتهما بالعقوبات المنصوص عليها في قانون المحافظة على البيئة 64/1988، وقانون حماية البيئة رقم 444/2002، وقانون المياه رقم 77/2018 وقانون العقوبات اللبناني. وحكم على المدعى عليه الجقل بالحبس لمدة سنة وبتغريمه مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية، على أن يحبس يوماً واحداً عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال عدم دفع الغرامة. وأدان الحكم شركة ضاهر الدولية للأغذية ش.م.ل. بتغريمها مبلغ 25 مليون ليرة لبنانية.

واستعان القاضي شرف لأول مرة بالمادة 103 من قانون المياه بحيث قرر وقف جميع الأعمال ومنع إستخدام التجهيزات والمنشآت العائدة للمعمل.

إضافة إلى أنّه ألزم المدعى عليهما بتنظيف مجرى نهر الليطاني على طول ألف متر تبدأ من النقطة الموازية لمعمله وتنتهي على بعد ألف متر منها جنوباً، وبأن يزرعا على ضفتي النهر ألف غرسة من أشجار الصنوبر وألف نبتة من قصب السكر على طول المنطقة الممتدة من المعمل حتى مجرى النهر. وألزم المدعى عليهما بالفحوصات الدورية تحت إشراف وزارة البيئة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني.

واشترط الحكم وقف تنفيذ عقوبة الحبس، في حال تم تنفيذ بنود الأحكام ضمن ثلاثة أشهر من تاريخ اكتساب الحكم الصفة القطعية، واشترط أيضاً وقف تنفيذ عقوبة إيقاف الأعمال في حال معالجة التلوث الناتج عن المعمل وفق الخلاصات الواردة في تقرير الخبيرين المكلفين من قبل المحكمة لجهة ضرورة إنشاء محطة تكرير للمياه الخارجة من المعمل وذلك ضمن مهلة ثمانية أشهر من تاريخ صدور الحكم.

وألزم الحكم المدعى عليهما بأن يدفعا للجهة المدعية (مصلحة الليطاني) مبلغاُ وقدره 5 ملايين ليرة كتعويض عن العطل والضرر، على أن يُعجلا مليوني ليرة من أصل التعويض المحكوم به، معجل التنفيذ إعمالاً لأحكام المادة 202 من قانون أصول محاكمات جزائية.

صفة المدعى عليه تُعبر عن تهرب أصحاب المؤسسات من المثول أمام القضاء!

من ناحيته، يرى المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علويّة بأنّ “هذا الحكم يُشكّل خطوة متقدمة في محاكمة ملوثي نهر الليطاني خاصة لجهة وقف استخدام التجهيزات”، معتبراً أن “القاضي شرف يقوم بعمل يُشكر عليه، ولا سيما أن الحكم يصدر في مرحلة التعبئة العامة”. يقول علوية أن “لا ملاذ لنا سوى القضاء”، في المقابل، يجد أنّ على “وزارة الصناعة اليوم أن تقوم بدورها لرفع التلوث عن نهر الليطاني ومحاسبة الملوثين”. ويُقارب علوّية الموضوع مع المسألة المطروحة اليوم بشأن “الأمن الغذائي” والتي على أساسها تستمر المصانع بإنتاج المواد الغذائية لأجل ضمانة وجودها خلال المرحلة الراهنة المتمثلة بالأزمة الاقتصادية وظروف التعبئة العامة، فيشدد علويّة على أن “الأمن الغذائي لا يمر من المجارير”. قاصداً أن يكون موضوع وقف التلوث عن نهر الليطاني من أولويات الوزارة، “لأن الغذاء الآمن معنيٌ أيضاً بالصحة والبيئة”.

وإن كان هذا الحكم يُشكل تقدما ملحوظا في محاكمة كبار الملوثين إلّا أنه يكشف عن تهرب أصحاب المؤسسات في بعض الحالات من المثول أمام القضاء إذ يلفت علوية إلى أنّ “أصحاب المؤسسات الملوثة يضعون في سدّة المواجهة موظفين لديهم، وهم ليسوا أصحاب القرار في المعامل، تجنباً من أن تطالهم الأحكام القضائية”.

ومن خلال متابعتنا لقضايا الليطاني أمام المحكمة لحظنا حصول هذا النوع من التهرب في عدّة ملفات تتصل بكبار المصانع، مثل معمل “ماستر شيبس” مالكه هو النائب ميشال جورج ضاهر. وكانت الشركة قد وضعت في المواجهة مدير المشتريات الذي يُدعى ميشال جان ضاهر، الذي أدانته المحكمة هو والشركة في تشرين الأول 2019 بغرامة مالية بقيمة 50 مليون ليرة وتعوبضات للمصلحة بقيمة 15 مليون ليرة لبنانية. وحصلت المسألة نفسها في قضية ملف معمل “شاتو كفريا” الذي يملك فيه النائب السابق وليد جنبلاط أسهماً، إذ جرى وضع موظف ذات منصب عادي في الشركة بدلاً من رئيس مجلس إدارتها النائب جنبلاط.

إذن، معمل “ضاهر فودز” ينضم إلى المعامل الملّوثة المدانة أمام القضاء، فإالى جانب “ماستر شيبس”، كان قد صدر حكم بحق “قساطلي شتورة” في 5 أيلول 2019، فتم تغريمه 31 مليون ليرة، منها 16 مليون بدلاً عن عقوبة الحبس ثلاثة أشهر لمالك العمل نايف قساطلي.  وغيرهم، صدر عشرات الأحكام بحق مصانع صغيرة، ومن المنتظر معاودة النظر في الملفات قيد المحاكمة بعد رفع التعبئة العامة وإعادة فتح قصور العدل.

يُشار إلى أن القاضي محمد شرف أصدر حكماً إضافياً في تاريخ 30 نيسان بحق شركة “سيدر غروب” لإنتاج الالمنيوم، إذ أدان المفوض بالتوقيع عن الشركة بالحبس لمدة ثلاثة شهور واستبدالها بغرامة مليون و500 ألف ليرة كونه أوقف التلوث وأزال أسبابه. وأدان الشركة بدفع غرامة 15 مليون ليرة لبنانية، وتخفيفها إلى ثلاثة ملايين ليرة. وألزم المدعى عليهما بأن يزرعا 300 غرسة من أشجار الصنوبر و200نبتة قصب السكر على ضفة النهر الموازية للمعمل، وبتنظيف مجرى النهر في المنطقة المحاذية له. وإضافة إلى إلزامهم بالفحوصات الدورية تحت إشراف وزارة البيئةن ألزم الحكم المعدى عليهما أن يدفعا للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني مبلغاً وقدره مليون ليرة تعويض عن العطل والضرر.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني