أول ثمار قانون بناء الكنائس في مصر: تقييد للشعائر الدينية في الفرن- المنيا


2017-08-29    |   

أول ثمار قانون بناء الكنائس في مصر: تقييد للشعائر الدينية في الفرن- المنيا

فى تطور جديد بأزمة منع المصليّن من الصلاة في إحدى كنائس قرى المنيا، صرح المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري بمداخلة هاتفية مع برنامج "كلام تاني" المذاع على قناة "دريم" مساء الجمعة 25 أغسطس الجارى بأنه[1] لا يوجد لائحة تنفيذية لقانون بناء الكنائس الجديد وأنه ساري المفعول منذ نشره في الجريدة الرسمية[2]، وذلك بعد صدور قرار تنفيذي له من رئيس مجلس  الوزراء رقم 199 لسنة 2017. وقد ورد هذا التصريح في إطار التعقيب على واقعة إغلاق ومحاصرة قوات أمن المحافظة صباح يوم 20 أغسطس مبنى كنسيا اعتاد أقباط قرية الفرن التابعة لمركز أبو قرقاص الصلاة فيه، بحجة أن الكنيسة غير مرخصة.

وقد سبق وصرح رئيس مركز أبو قرقاص أن سبب غلق الكنيس هو اعتراض بعض مسلمي القرية على الصلاة بالمبنى غير المرخص، وأن نسبة الأقباط بالقرية لا تتجاوز 15% من عدد السكان. وعليه قامت قوات الأمن بالتدخل لمنع حدوث أي اشتباكات بين الأهالي. إلا أن هذا الادعاء  يتناقض مع حقيقة الواقع حيث قام مسيحيو القرية صباح 22 أغسطس بإقامة قداس عيد تجلي السيدة العذراء بالشارع دون اعتراض من أهالي القرية.

وقد تداولت صفحات التواصل الاجتماعى أن سبب تعنت الجهات الأمنية. هو رداًعلى ما صرح به الأنبا مكاريوس أسقف المنيا، الأسبوع قبل الماضي، بشأن عدم بناء كنائس أو ترميم المتهالك منها حرصاً على مشاعر المتشددين. -كما أن العديد من الكنائس بالمنيا تبنى بلا جرس أو قبة أو صليب، استجابة لرغبة المتشددين. يذكر أن الأنبا مكاريوس قد أعلن أن المنيا بها 70 قرية ونجع وعزبة بلا أي كنيسة و15 كنيسة مغلقة بأمر من الجهات الأمنية.

قانون يصادر الحريات 

وتأتى هذه الواقعة بعد عام من إقرار مجلس النواب لقانون بناء الكنائس طالما طال انتظاره إلا أنه قد جاء مخيباً لآمال الكثريين، ووجهت له العديد من الانتقادات[3] بعضها يتصل بواقعة كنيسة قرية الفرن. وهي الآتية:

أولاً :أن القانون قد صدر لغرض شكلي، وهو استيفاء الاستحقاق الدستوري المنصوص عليه في المادة 235[4] والذي ألزم مجلس النواب بإصدار قانون منظم لعملية بناء الكنائس في دور انعقاده الأول، بغض النظر عن السعي لتحقيق مضمون هذا النص والهدف منه. فالقانون لم يكن هدفاً في ذاته لكن من المفترض أن يكون وسيلة لضمان ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين.

ثانياً: اثارت واقعة غلق الكنيسة فى وجه المصليّن والمحتفليّن بعيد تجلي العذراء معضلتين خلط بينهما القانون واعتبرهما واحداً. فقد خلط بين اجتماع شخص أو مجموعة للصلاة أو الاحتفال بمناسبة دينية في مكان خاص أو عام، والصلاة وممارسة الشعائر الدينية في دور العبادة. فهناك فرق بين ممارسة الشعائر الدينية وهو حق مكفول لكل مواطن يمارسه بمفرده أو مع مجموعة من المواطنين، وفي أي مكان، وبين بناء دور العبادة أو الكنائس التي ينظمها القانون. ولا يجب تقييد حق الأفراد والمجموعات في إقامة المناسبات والاحتفالات الدينية بحجة أن المكان ليس داراً للعبادة. ولعل هذا هو أحد أهم الانتقادات التى وجهت للقانون حيث اشترط أن تكون ممارسة الشعائر الدينية والاحتفالات داخل كنيسة. وهو ما عبرت عنه المادة الأولى بتعريفها للكنيسة بأنها مكان تمارس فيه الصلاة والطقوس الدينية للطوائف المسيحية، ثم وصف شكلها ومكوناتها، بما يؤثر على استقلالية المؤسسة الدينية المسيحية. ورغبة أعضاء الكنيسة والبيئة المحلية التي توجد بها. كما أعاق القانون حرية التجمع لأغراض دينية وأنه يجب أن يكون متاحا في المنازل والأماكن العامة ولا يحتاج إلى ترخيص. فحرية التجمع وحرية ممارسة الشعائر الدينية من الحقوق التي كفلها الدستور[5]، وأكدتها المواثيق الدولية. ولعل إقامة أهالي قرية الفرن قداس عيد تجلي السيدة العذراء بأحد شوارع القرية، وتخوف الأجهزة الأمنية من تفريقهم لعدم اشتعال أحداث طائفية بمحافظة اشتهرت بالعنف الطائفي، ولكثرة الانتقادات بعد غلق الكنيسة، هو ممارسة فعلية لهذه الحقوق من جانب المسيحيين بالقرية.

وأخيرًا، تأتى المواد الاجرائية (الثامنة والتاسعة والعاشرة) التى بموجبها يتم الترخيص وتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية وبيوت الخلوة المستخدمة فعلياً في الصلاة وتقديم الخدمات الدينية للمسيحيين، ولكنها أقيمت بدون تراخيص رسمية. ينص القانون في المادة الثامنة على تشكيل رئيس الوزراء للجنة من وزراء وجهات مختصة وممثل الطائفة لدراسة أوضاع المباني واقتراح الحلول اللازمة لتوفيق أوضاعها. وقد اصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بإنشاء هذه اللجنة[6] مطلع العام الجاري وتضم بعضويتها ممثلين لوزراء الدفاع والتنمية المحلية والعدل والآثار وشئون مجلس النواب وممثلا عن الرقابة الادارية وآخرين للمخابرات العامة ولقطاع الأمن الوطنى . وتجمتع مرة كل شهر أو كلما دعت الضرورة لذلك، وتكون مداولاتها سرية. وقد حدد القانون مدة تقديم الطلبات إليها بسنة من تاريخ العمل به .ولكنه لم يحدد مدة زمية لعمل اللجنة وإصدار قرارها بخصوص قوائم الكنائس المقدمة إليها والمطلوب توفيق أوضاعها، وما هي طريقة الإجراءات والخطوات التالية في حال الخلاف بين ممثل الطائفة وأعضاء اللجنة حول تفسير أحد الشروط اللازمة توفرها في المبنى، أو رفض أحد الطلبات رغم توفر الشروط اللازمة.

ووضع القانون في المادة التاسعة خمسة شروط يجب توفرها في هذه المباني للموافقة على دراسة حالتها من أجل توفيق أوضاعها باللجنة ،هي:

  1. ثبوت سلامة المبني الإنشائية. وهذا الشرط لا ينطبق على مئات الكنائس التي بنيت منذ عقود طويلة بمعرفة أجهزة الدولة وتمارس بها الصلاة، وحالتها متهالكة. وقد قدمت عشرات الطلبات لهدمها وإعادة بنائها، و تعنتت الجهات المعنية في منحها التراخيص اللازمة. كما لا ينطبق هذا الشرط على "كنائس المنازل" الموجودة في الريف ومبنية بالطوب اللبن، مثل كنيسة قرية الفرن.
     
  2. إقامة المبنى وفقاً للاشتراطات البنائية المعتمدة، وهو ما يقف كذلك أمام توفيق أوضاع الكنائس الموجودة في القرى المصرية والمناطق العشوائية، والتي لا تطبق فيها قوانين البناء وخارج نطاق التخطيط العمراني.
     
  3. الالتزام بالضوابط والقواعد التي تنظمها شئون الدفاع عن الدولة، وهو شرط غير مستساغ ومفهوم من حيث المعنى والمضمون، وما هى علاقة شؤون الدفاع بمنح التراخيص اللازمة لكنائس.
     
  4. القوانين المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة.
     
  5. تقديم الطلب خلال عام من تاريخ العمل بالقانون.

 

 وتخرج هذه الشروط مئات الكنائس القائمة بالفعل من إطار توفيق أوضاعها. وكان يجب أن ينص القانون على أن تقدم قائمة بالكنائس وتصدر لها التراخيص، ثم تتولى المؤسسة الدينية أو أعضاء الكنيسة توفيق أوضعها تبعاً لحالة كل كنيسة ومدى توافقها مع البيئة المحلية المحيطة بها .

فكان يجب أن يقتصر دور الحكومة على احترام الحق في البناء، وتعزيزه بما يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية، لكن القانون يمنح سلطات واسعة للسلطة التنفيذية في انتهاك حق بناء وترميم الكنائس، ويبسط أيدي الأجهزة الأمنية على منح التراخيص، ومراقبة الأنشطة وأية تعديلات على المباني الدينية .

فبدلاً من أن يكون هذا القانون حلاً لمشكلة استعصى حالها لعشرات السنين، أصبح أهم العراقيل التي تعترض حق المواطنين المسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية، والتي تظهر بشكل جليّ في التعقيدات الأمنية والإدارية التي نص عليها القانون المشوب بعوار دستوري  إذ يهدر حقوقاً أساسية أقرها الدستور.

وإن كان ما سبق يتعلق بحق يجب أن يكون مكفولاً لطائفة دينية من المواطنين، و لكن ما تواجهه هذه الطائفة من انتهاكات تمثل نموذجاً كاشفاً لطبيعة عوائق ممارسة حرية الدين والمعتقد بشكل عام لباقي الطوائف والأقليات الدينية فى مصر.

 


[1] – تصريح المتحدث بأسم مجلس الوزراء أشرف سلطان، ببرنامج كلام تانى المذاع على فضائية دريم 2،مع الإعلامية رشا نبيل بتاريخ26/8/2017
https://goo.gl/A2YK4D
[2] – أصدر مجلس النواب قانون جديد لبناء الكنائس رقم 80 لسنة 2016 بتاريخ 30 اغسطس 2016 .
[3]  – قانون بناء وترميم الكنائس في مصر: تقنين التمييز والطائفية
https://legal-agenda.com/article.php?id=3280
– ملاحظات على قانون بناء الكنائس: صياغات أدبية ومصادرة فعلية
https://legal-agenda.com/article.php?id=1724
[4] – تنص المادة 235 من الدستور المصرى الصادر 2014 على أن " يصدر مجلس النواب فى اول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية "
[5] – تنص المادة 64 من الدستور على أن " حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون "
[6]  خبر اصدار رئيس الوزارء قرار بتشكيل لجنة توفيق اوضاع الكنائس المنشور بجريدة المصرى اليوم https://goo.gl/zzUvWd

 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني