أربعة أسئلة وأجوبة عن الحرية النقابية في محضر منظمة العمل الدولية: آليات المنع والترخيص المسبق والاستثناء ومعايير المشروعية


2013-06-10    |   

أربعة أسئلة وأجوبة عن الحرية النقابية في محضر منظمة العمل الدولية: آليات المنع والترخيص المسبق والاستثناء ومعايير المشروعية

عادت مسألة الحرية النقابية لـتحتل حيزا هاما من الخطاب العام في لبنان في أواخر 2012 وبدايات 2013. وكان لافتا الدور الايجابي الذي أداه القضاء في هذا المجال ولا سيما في قضية نقابة العاملين في سبينس، لبنان، بحيث بدت هذه النقابة وكأنها سجلت نقاطا مبدئية بالغة الأهمية في ساحة القضاء، وان بقيت الضغوط الفعلية حتى اللحظة أقوى من الأحكام القضائية واعلانات المبادئ. كما أن المجابهة الحقوقية قد لقيت ساحة أخرى من خلال لجوء الاتحاد الوطني للعمال والموظفين، فيناسول (FENASOL)، الى لجنة الحرية النقابية في منظمة العمل الدولية. وأهم ما في توصيات هذه اللجنة اشتمالها على مجمل الأبعاد القانونية للقضايا العمالية التي طرحت مؤخرا. قدم الاتحاد شكواه ووجهة نظره في أربع مسائل أساسية، ودافعت الحكومة كما تقدر عن مواقفها بلغة خشبية. وفي ضوء ذلك، وضعت اللجنة توصياتها فاتحة بذلك أمام اللبنانيين ورشة قانونية واسعة (المحرر).
بتاريخ 28 أيار / مارس 2012، قدم الاتحاد الوطني للعمال والموظفين في لبنان (FENASOL) طلبا الى لجنة الحرية النقابية في منظمة العمل الدولية، تضمن ثلاث شكاوى حول منع موظفي الدولة من تأسيس نقابات والانضمام إليها والعقبات لتأسيس نقابات مستقلة لأجراء القطاع الخاص ورفض الحكومة تشجيع حوار اجتماعي شامل ومفيد بين القوى الانتاجية. وفي 13 آب / أغسطس من السنة نفسها، أرسلت الحكومة اللبنانية مذكرتها الجوابية الى المنظمة. وقد صدر تقرير اللجنة عن سنة 2012 في غضون شهر آذار / مارس 2013 متضمنا توصيات لـ29  دولة، في الشؤون التي وردت بشأنها شكوى أو أكثر.

منع موظفي الدولة من تأسيس نقابات والانضمام إليها
المرسوم الذي ينظم الوظيفة العامة الصادر سنة 1959 والمعدل سنة 1992 يمنع في مادته 15 موظفي القطاع العام صراحة من تأسيس نقابات والانضمام إليها ومن الإضراب أو تشجيع الآخرين على الإضراب. وقد أتى ردّ الحكومة بأن علاقة موظفي القطاع العام بالدولة خاضعة لنظام الخدمة العامة. كما أشارت الحكومة أيضاً الى أن وزارة العمل قدمت مشروع قانون لإبرام المعاهدة الدولية رقم 87 التي تسمح لموظفي القطاع العام بالتنظم، من دون أي اشارة الى احتمال الغاء المادة 15. وعلى هذا الأساس، رحبت اللجنة بمشروع القانون الذي قدمته وزارة العمل اللبنانية وأصرت على أهمية تعديل القوانين اللبنانية لكيلا تتنافى مع أحكام هذه المعاهدة والسماح لموظفي القطاع العام بتأسيس النقابات والانضمام إليها وممارسة حقوقهم النقابية كافة. ويلحظ أن مشروع القانون المذكور ما زال عالقا في أدراج المجلس النيابي، فضلا عن أنه تضمن تحفظا يتعارض مع نص المعاهدة، مفاده اخضاع انشاء النقابات لترخيص مسبق.
العقبات أمام تأسيس نقابات مستقلة لموظفي القطاع الخاص
أشار الاتحاد الوطني للعمال والموظفين في لبنان بطلبه إلى أن هناك عقبات أمام تأسيس نقابات مستقلة في القطاع الخاص:
•     تستثنى عدة فئات من الموظفين والوظائف من حقل تطبيق قانون العمل (عاملات المنازل، العاملين في الزراعة…)،
•    تتمتع الحكومة بحق الموافقة على تأسيس نقابة أو رفضها بعد استشارة وزارة الداخلية،
•    يجب أن توافق وزارة العمل على النظام الداخلي للنقابة، ولهذه الأخيرة حق تعيين تاريخ انتخابات النقابة فضلا عن أنه يقتضي الحصول على موافقتها لتعديل اتفاقيات العمل الجماعية،
•    اتخاذ الحكومة قرارات اعتباطية بالموافقة على تأسيس النقابات أو برفضه بمعزل عن أية معايير.
وقد أتى ردّ الحكومة فارغا من أية أسس فقهية وعلمية. فإكتفت الحكومة اللبنانية بتعداد المواد القانونية التي تعطي وزير العمل الحق بالسماح بتأسيس النقابات أو برفضه، مشيرة الى أن للحكومة مجتمعة أو ممثلة بوزير العمل حق حل النقابات إذا فشلت بإحترام موجباتها أو تصرفت خارج الصلاحيات المعطاة لها. وأكدت أن وزارة العمل لم ترفض أي نظام داخلي لنقابة وأنها لا تتدخل بتواريخ إقامة الانتخابات لا بل تشرف على نزاهة وقانونية الانتخابات للتأكد من احترام مبدأ حرية الاقتراع والاختيار. إضافة الى ذلك، أكدت الحكومة على أن قانون 1962 الذي يخص العقود الجماعية للموظفين أعطى للنقابات حرية إتمام هكذا عقود وأن دور الحكومة يقتصر على إبرام العقود لتصبح نافذة.
وتعليقا على ذلك، أصدرت اللجنة تعليقها على الوجه الآتي:
•    فيما يخص استثناء بعض الفئات الوظيفية من قانون العمل الذي أغفلته الحكومة تماماً في جوابها، أكدت اللجنة في استنتاجاتها أن لجميع العمال حق إقامة نقابات والانضمام إليها وأن على الحكومة أن تفسر كيف يمكن للعمال الذين لا يخضعون لقانون العمل أن يمارسوا جميع حقوقهم النقابية.
•    فيما يخص الترخيص المسبق لتأسيس نقابة أو الموافقة المسبقة على أنظمة النقابات الداخلية، ذكرت اللجنة أن مبدأ حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها لا يمكن أن يحترم لا بل يبقى حبرا على ورق إذا فرض على العمال والموظفين الحصول على موافقة مسبقة لتأسيس نقابة أكانت الموافقة تخص تأسيس النقابة مباشرة أو تخص وضع نظام داخلي لها.
•    فيما يخص حق الحكومة بحل النقابات، أكدت اللجنة بأن إقالة بعض مسؤولي النقابات مخالفة صريحة لمبدأ الحرية النقابية الذي يعطي للعمال والموظفين حق انتخاب ممثليهم بحرية تامة.
•    فيما يخص حق الحكومة بمراقبة الانتخابات النقابية للتأكد من احترام القوانين ومبدأ حرية الاختيار والانتخاب، تشدد اللجنة على أهمية عدم تدخل السلطات في الانتخابات النقابية أكان لتحديد مدى أهلية المسؤولين للانتخاب أو لتحديد كيفية إقامة الانتخابات. إضافة إلى ذلك، تؤكد اللجنة أنه في حال وقع خلاف حول نتائج الانتخابات، يجب أن يكون للسلطة القضائية حق النظر في القضية وليس للحكومة.
•    فيما يخص موجب موافقة وزارة العمل على عقود العمل الجماعية التي تبرمها النقابات لكي تصبح منفذة وتعطى القوة اللازمة، تشير اللجنة إلى أن ذلك مناف لمبادئ المفاوضات الجماعية وللمعاهدة الدولية رقم 98.

رفض الحكومة لتشجيع حوار اجتماعي شامل
حسب الاتحاد الوطني للعمال والموظفين في لبنان، إن قدرة النقابات اللبنانية على الدفاع عن الموظفين وتأسيس حوار وطني شامل وبنّاء قوضت وضعفت بسبب رفض حق تأسيس النقابات والانضمام إليها والاحتماء بها لموظفي القطاع العام وبعض القيود القانونية المفروضة على فئات أخرى من العمال. إضافة إلى ذلك، اعتبرت FENASOL  أن بعض النقابات يعمل لمصلحة السلطات واستندت على المفاوضات الأخيرة التي حصلت بين الحكومة والاتحاد العمالي العام بخصوص مسألة زيادة الأجور والحد الأدنى للمعيشة، التي لم يشارك فيها العمال المعنيون مباشرةً، أي أجراء القطاع العام، بسبب رفض الاتحاد العمالي العام. وأشارت FENASOL الى أنَّ الاتفاق الذي نتج بين منظمات أرباب العمل والاتحاد العمالي العام بمثابة اتفاق خاص رغم أن الحكومة صدقته بالمرسوم رقم 7573 نظراً لعدم حيازة الأفرقاء بأية ولاية تفاوض. فطلبت FENASOL أن تشارك في المفاوضات نقابات عمال “حقيقية وصادقة” وبإلغاء سائر القرارات التي تؤخذ دون احترام هذا المبدأ. ويذكر أن مجلس شورى الدولة كان غلب الاتفاق الرضائي الحاصل بين الاتحاد العمالي العام وما يسمى “الهيئات الاقتصادية” على المعايير الموضوعية لزيادة الأجور وفق مؤشر غلاء المعيشة سندا للاتفاقية الدولية رقم 98. وقد أدى ذلك آنذاك الى استقالة وزير العمل شربل نحاس والى وقف ما سمي بمعركة زيادة الأجور. ومن هذه الزاوية، بدت الشكوى وكأنها تطعن مجددا بهذا الاتفاق الرضائي من باب الطعن بالمشروعية التمثيلية للاتحاد العمالي العام.
وردا على هذه الشكوى، رأت الحكومة اللبنانية أن للاتحاد العمالي العام شرعية بالتفاوض بما أنه اتحاد يضم أكثر من 52 نقابة وهو الأكثر تمثيلا، وعللت كيفية إجراء المفاوضات في قضية الأجور بأن التفاوض المباشر يعطي العمال وأرباب العمل مجالا أوسع للتفاوض.
فأجابت اللجنة بأنّ المفاوضات الجماعية التي تعطي النقابات الأكثر تمثيلا حقا حصريا في التفاوض ليست منافية للمبادئ العامة المعتمدة في هذا المجال. لكن يجب في هذه الحالة أن تكون النقابات التي تستفيد من هذه الحصرية مختارة حسب معيار موضوعي محدد مسبقا لتفادي الانحياز والتعسف. فطلبت اللجنة من الحكومة تحديد المعيار المعتمد الذي دفعها الى اعتبار الاتحاد العمالي العام الأكثر تمثيلاً، وإذا لم يكن هناك أي معيار موضوعي بهذا الشأن، اتخاذ التدابير اللازمة لاعتماد المعيار المناسب.
نُشر في العدد التاسع من مجلة المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني