بعد موافقة البرلمان التركي اليوم 2 جانفي 2020 بأغلبية ساحقة بلغت 325 صوت على مذكرة تفويض رئاسية لإرسال قوات تركية إلى ليبيا دعما لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وجدت تونس نفسها في قلب رحى هذا النزاع الدولي خصوصا بعد الزيارة غير المعلنة التي أداها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس يوم 25 ديسمبر ولقائه بالرئيس التونسي قيس سعيد والتي سبقتها زيارة مماثلة لرئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج. زيارتان سلطتا الأضواء على الدور التونسي المحتمل في هذا الصراع الدولي، وإمكانية اصطفافها مع أحد طرفي النزاع خصوصا وأن تونس تشغل منذ غرة جانفي 2020 مقعد العضو غير القار في مجلس الأمن الدولي، لتكون الممثلة الوحيدة للدول العربية داخله. هذه المعطيات أثارت جملة من الأسئلة حول التموقع السياسي والجيوستراتيجي لتونس في علاقة بالملف الليبي، والتي أجابنا عنها الباحث في العلاقات الدولية المختص في قضايا شمال أفريقيا ومدير مركز كولومبيا العالمي بتونس، يوسف الشريف، في حوار جمعنا وإياه حول العلاقات التونسية الليبية في ظل التصعيد الذي يشهده هذا البلد الجار.
المفكرة: الجميع يتحدث عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس يوم 25 ديسمبر 2019، حسب رأيكم ما هي الأبعاد السياسية والجيوستراتيجية لهذه الزيارة؟
الشريف: زيارة من هذا النوع في عمقها لها صلة مباشرة بالأحداث الواقعة في ليبيا، وما تشير إليه المعطيات المتاحة هو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد خصص هذه الزيارة لإعلام الجانب التونسي بالخطة التي سيشرع في القيام بها وهي التدخل العسكري في ليبيا، إضافة إلى ذلك فإن قدومه يعتبر دلالة على طلبه لنوع من التسهيلات في عملية اقتحامه لليبيا، تسهيلات يمكن أن تكون في حالة قصوى التغاضي عن مرور السلاح والعتاد والجنود وصولا إلى تأمين خروج الأتراك في حال وقوع إشكال ما أو تأمين مستشفيات للجرحى في حال سقوط جرحى تابعين للجيش التركي أو مرور الغذاء. زيارة كهذه وضعت تونس في موقع لا تحسد عليه وفي مأزق لم تقم بالإعداد له أو التكهن به.
المفكرة: زيارات الرؤساء في العادة تكون معلنة ويتم الإعلان عنها قبل مدة، لماذا حسب رأيكم كانت هذه الزيارة غير معلنة؟
الشريف: تنظيم الزيارة تم على عجل والدليل على ذلك أن الإعلان الرسمي لها تم عندما نزلت الطائرة التي تقل أردوغان إلى تونس. فمنذ صباح ذلك اليوم، تم تعليق أعلام دولة تركيا على الطرق الكبرى ولكن رغم تعليق الأعلام لم يتم الإعلان عن قدوم الرئيس التركي. وترجع الأسباب بالأساس إلى أهمية الزيارة وطابعها الاستعجالي. كما أن هذا التكتم يعود إلى دواعٍ أمنية، إذ بالعودة إلى الفريق المرافق للرئيس التركي، فقد كان بمعظمه ذا طابع أمني واستخباراتي، وهذا النوع من الزيارات يجب أن يتم في كنف السرية تجنبا للتشويش الذي قد يرافقها.
المفكرة: الوفد الاستخباراتي والأمني الذي رافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس هل هو دلالة على خلفية هذه الزيارة؟
الشريف: مرافقة وفد استخباراتي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفسر طبيعة هذه الزيارة لأن الهدف هو التطرق إلى الوضع في ليبيا وترتيبات التدخل العسكري فيها. ولكن لا يمكن أن نعتبرها زيارة استخباراتية بحتة لأن الرئيس التركي قد رافقه أيضا وزير الخارجية ووزير الدفاع. إذن لم تكن زيارة دولة بمعناها الدبلوماسي بل زيارة عمل تُعنى بالمسائل العسكرية والاستخباراتية. فالمحور الأساسي هو التدخل في ليبيا. أما تطرق الرئيس التركي إلى مسألة الاستثمار وبناء مستشفى جامعي وتقديم الإعانات فذلك يتنزل ضمن تلبية رغبة تونس في فتح أسواق جديدة وتقديم عرض سياسي إلى تونس بتوفير تسهيلات عسكرية مقابل فتح أسواق لها في تركيا. لكن الجانب الاقتصادي يظل ثانويا والأهم من ذلك هو الجانب العسكري لهذه الزيارة.
المفكرة: الموقف التونسي تجاه الحرب في ليبيا هو الوصول إلى حل سياسي للنزاع. ولكن في المقابل تم استقبال رئيس حكومة الوفاق فائز السراج يوم 10 ديسمبر من قبل رئيس الجمهورية ولم يتم استقبال الطرف الآخر، هل يمكن تفسير هذا أنه انحياز لحكومة الوفاق الوطني؟
الشريف: لا بد أن نتذكر دائما أن حكومة الوفاق قد تكونت في تونس ورئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وفريقه تحولوا من طرابلس إلى ميناء تونس. فمساندة تونس لحكومة السراج ليست بالأمر الجديد وهي تخضع لمقررات الشرعية الدولية وللمظلة الأممية. لكن تغير الوضع في ليبيا وبروز المشير خليفة حفتر وحكومة شرق ليبيا، جعل الموقف التونسي يتسم بالمرونة بعد تقدم هذه القوى وتثبيت وجودها على الأرض.
فرغم اعتراف تونس بحكومة السراج إلا أنها تعاملت مع حفتر وحكومة شرق ليبيا، في مناسبات متكررة وقد زار خليفة حفتر تونس في زيارة شبه رسمية لرئيس الجمهورية الأسبق الباجي قائد السبسي. كما أن وزير خارجية حفتر، عبد الهادي الحويج، يزور تونس بصفة متكررة. إذن فالمقاربة التونسية في التعاطي مع الأطراف المتصارعة في ليبيا تقوم على التعامل مع الجميع والحفاظ على اتصالاتها مع مختلف المتنازعين. وترتكز هذه السياسة على أسباب استراتيجية؛ فتونس لا تملك الثقل الإقليمي الكافي كمصر على سبيل المثال التي تتعامل مع طرف واحد فقط رغم أنه غير معترف به دوليا، والتي تحولت من هذا المنطلق إلى جزء من المشكل في ليبيا. أما تونس فتحاول أن توفق بين الطرفين وتتعامل معهما وذلك لتقريب وجهات النظر.
بناء على هذا لا يمكن تأويل لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد بفائز السراج على أنه انحياز لطرف معين دون الآخر خاصة أنه قد تلاه لقاء مع مجلس القبائل الليبية والذي عدل الكفة. كما وجب التذكير بأن كل القيادات في شرق ليبيا يزورون تونس بصفة منتظمة ويقيمون المحاضرات والندوات في تونس وهو ما يعتبر أمرا محظورا على قيادات غرب ليبيا في مصر.
المفكرة: كيف يمكن حسب رأيكم أن يكون لتونس دور فاعل في إيجاد حل للأزمة الليبية، خاصة أن كل المساعي التي قامت بها منذ سنوات لم تؤدِّ إلى نتيجة ملموسة؟
الشريف: هذا لا يمكن فهمه إلا بدراسة موازين القوى في العالم، فالبلدان الكبرى التي تملك السلاح وممثلة بصفة دائمة في مجلس الأمن الدولي هي القادرة على التغيير. لكن البلدان الصغيرة مثل تونس والمغرب لا يمكن أن يملكا القدرة على إعادة ترتيب المشهد في ليبيا بشكل كليّ. فمثلا اتفاق الصخيرات بالمغرب الذي تم امضاؤه في شهر ديسمبر سنة 2015، لم يكن مبادرة خاصة بمملكة المغرب، بل إن الأمم المتحدة اتخذت من المغرب مقرا لتوقيع هذا الاتفاق، فالدور الوحيد الذي يمكن أن تلعبه تونس هو أن تستعين بالأمم المتحدة لتكون فضاء يحتضن الحوار الشامل في ليبيا.
المفكرة: ما الذي كان يتوجب على الدولة التونسية القيام به لصالح ليبيا ولم تقم به؟
الشريف: من المؤكد أنه وقعت الكثير من الأخطاء في السنوات الأخيرة في التعامل مع الجانب الليبي. ولكن تونس حاولت في مرات عديدة التدخل لإيجاد أرضية مشتركة للحوار، بل إن تونس هي البلد الوحيد في المنطقة الذي يمكن أن يحتضن ويؤمّن تفاوض كل الأطراف الليبية على أرضه. ولكن لا أتصور أنه بالإمكانيات المتاحة لتونس وبحجمها الاقتصادي والإقليمي، يمكن أن تقوم بأكثر مما قامت به. فليبيا تحولت إلى أرض للصراع بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، التي تدعم كل منها طرفا على حساب الآخر. لذلك فموازين القوى وطبيعة النزاع تتحكم في هامش التدخل التونسي.
المفكرة: البعض ألقى باللوم على الرئيس التونسي قيس سعيد عندما التقى برئيس حكومة الوفاق فائز السراج لأنه لم يتعرض إلى أي جديد حول مصير الصحفيين التونسيين المفقودين سفيان الشورابي ونذير القطاري في ليبيا؟
الشريف: على حد علمي، فقد تم التطرق إلى هذا الموضوع. ولكن حادثة فقدان الصحفيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري وقعت في شرق ليبيا، ومن المعلوم أن سلطة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج محدودة في غرب ليبيا فقط، أما الشرق فهو تحت سيطرة قوات المشير خليفة حفتر.
المفكرة: لم يصدر إلى حد الآن عن رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية التونسية أي موقف واضح مما يحصل في طرابلس، هل تعتمد تونس في سياساتها الخارجية مع ليبيا على الحياد السلبي؟
الشريف: التدخل العسكري التركي في العاصمة الليبية طرابلس وضع تونس في حالة صدام مع دول هي في الأصل حليفة لها وتربطها بها علاقات اقتصادية كبرى، فتركيا من أبرز الشركاء الاقتصاديين لتونس وهو ما يمنعها من اتخاذ أي موقف واضح مثل الموقف الذي اتخذه النظام المصري الذي لا يُخفي عداءه الجلي للنظام التركي. فمرة أخرى، تجد تونس نفسها في وضعية صعبة حيث يجب عليها اتخاذ موقف من حليف استراتيجي لها وهو ما يفسر ضبابية الموقف التونسي تجاه التدخل الأجنبي التركي في ليبيا.
المفكرة: ليبيا كانت في السنوات الأخيرة مسرحا لحرب شاركت فيها جميع الأطراف، بالرغم من أن تونس كانت متشبثة بالحل السياسي ورافضة للتدخل الأجنبي وهذا ما عبر عنه خميس الجهيناوي في أكثر من مناسبة، هل تعتبر أن المقاربة التونسية في التشبث بالحل السياسي ورفض الحل العسكري مقاربة ناجعة؟
الشريف: لا يمكن اعتبار الموقف التونسي تجاه ما يحصل الآن في ليبيا والقائم على التشبّث بالحل السياسي ورفض التدخل الأجنبي، تغريدا خارج السرب. لأنه الموقف الأكثر تماهيا مع موقف الأمم المتحدة التي تعتبر رغم تقصيرها مؤسسة دولية تحاول إيجاد حل سلمي للنزاعات في العالم وفي ليبيا على وجه الخصوص. بإمكان تونس بالطبع التدخل بصفة مختلفة في ليبيا ولعب دور ميداني أكثر تأثيرا ولكن هذا سيعود عليها بمشاكل لا يمكن لها مواجهتها في الوقت الحالي، لاسيما أنها الدولة الأقرب جغرافيا إلى ليبيا ونشوب حرب على حدودها قد يكلف البلاد التونسية الكثير من الخسائر والاضطرابات خاصة في حال تفاقم أعداد اللاجئين وتعطل نقاط العبور والمبادلات التجارية والاقتصادية. أفضل موقف يتماشى مع مصلحة تونس هو الحثّ على وقف إطلاق النار في ليبيا والتوجه نحو إيجاد حل سياسي سلمي يضمن استقرار البلدين واستمرارية المبادلات التجارية وإحلال السلم في ليبيا.
المفكرة: مع بداية سنة 2020 أصبحت تونس عضوا غير قار بمجلس الأمن الدولي كممثل وحيدة للدول العربية داخله، فأي إضافة يمكن أن تقدمها من موقعها الجديد لصالح الملف الليبي؟
الشريف: تونس ستدخل إلى مجلس الأمن الدولي ابتداء من شهر جانفي 2020 والبعض يعلق أمالا كبيرة عليها ولكن لن يكون لها دور مفصلي أو حاسم مثل ما يتوقع الكثيرون. فموازين القوى لن تسمح لتونس مرة أخرى بأن يصبح لها دور كبير وذلك لاعتبارات عديدة من بينها أنه لا يمكن لها أن تنافس القوى الخمسة الكبرى الممثلة في مجلس الأمن الدولي بصفة دائمة، كما أن حجمها الديمغرافي والعسكري والاقتصادي لا يسمح لها بأن تكون الدولة الفاعلة التي ستغير من خيارات مجلس الأمن الدولي.
لكن بصفتها الدولة العربية الوحيدة الحاضرة وسط الدول الخمس الكبرى، فسيكون على عاتقها مسؤولية أخلاقية كبيرة، وهو ما سيخلق لها نوعا من الأزمات. فعلى سبيل المثال، يمثل الوضع الراهن في ليبيا والتدخل العسكري التركي مأزقا لتونس التي ستجد نفسها في مفترق بين خيارين مصيربيْن. فنصف ممثلي الدول العربية في الأمم المتحدة يعارضون التدخل التركي في ليبيا والنصف الآخر يساند هذا الخيار وفي حال طرح هذا الملف في مجلس الأمن فستكون تونس مجبرة على الاختيار وهو ما سيؤدي حتما إلى نشوب أزمات دبلوماسية.
المفكرة: السياسة الخارجية التونسية تجاه الملف الليبي، إذا قسمناها إلى ثلاث فترات كبرى، في فترة الترويكا وفترة الباجي قائد السبسي والآن، أي فترة كانت حسب رأيك موفقة أكثر؟
الشريف: عموما، لا يمكن إصدار تقييم للفترة الحالية بخصوص السياسات الخارجية التونسية في علاقة بالملف الليبي لأن الحكومة لم تتشكل بعد وحتى وزير الخارجية لم يتم تنصيبه إلى حد الآن. ورغم النقائص التي بدت خلال الأيام الأخيرة، إلا أن التقييم لن يكون موضوعيا لأن سلطة ما بعد انتخابات 2019 لم تتولّ زمام الأمور بعد.
ولكن بالعودة إلى فترة الترويكا سنجد أنها اتسمت بالعديد من المشاكل، وذلك يرجع أساسا إلى الاضطرابات والتناقضات التي شهدتها الساحة السياسية الداخلية، إذ أن وزارة الخارجية التونسية آنذاك كانت تنتمي عمليا إلى مدرسة تقليدية ترتكز إلى منهجية عمل ما قبل ثورة والنظام السابق. أما رئاسة الجمهورية وعلى رأسها الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي فقد كانت مؤسسة تنتمي إلى سياسة ما بعد الثورة وهو ما شكل عدم تناسق في المواقف والقرارات بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية.
أما في فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أي بعد انتخابات 2014، فقد أصبح هناك تناغم في العمل بين وزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة وهو ما يفسر استقرار السياسة الخارجية التونسية في التعاطي مع الملف الليبي.
عموما هذا لا يعني أنها كانت أفضل من فترة الترويكا لأن كل فترة تميزت بتحديات مختلفة. فالأوضاع في ليبيا خلال سنتي 2012 و2013 كانت مغايرة لسنتي 2014 و2015. وباعتماد تقييم موضوعي شامل للسياسة الخارجية؛ فإن دور الديبلوماسية التونسية يهدف إلى تحقيق غايتين أساسيتين؛ التقليص من ارتدادات الأزمات الخارجية على مستوى الأمن الداخلي وتنمية المبادلات التجارية وتعزيز الاقتصاد الوطني. منذ سنة 2011 يمكن ملاحظة استقرار نسبي على مستوى الأمن الداخلي وهو ما يعني تحقيق نجاح على مستوى تجنيب تونس انعكاسات الصراعات الاقليمية على مدار الحكومات المتعاقبة، أما على مستوى تعزيز الاقتصاد وتنمية المبادلات التجارية فلم يلاحظ أي تطور في هذا المستوى وهو ما يعني فشل الحكومات المتعاقبة في إرساء ديبلوماسية اقتصادية ناجعة.
المفكرة: من المتفق عليه أن الحل في ليبيا يجب أن يكون ليبيا / ليبيا، ولكن نحن نعرف أن كل جهة في ليبيا مدعومة من طرف أجنبي سواء القطب التركي القطري أو القطب الإماراتي السعودي المصري. في ظل هذه الظروف هل مازال هذا الحل ممكنا؟
الشريف: الدعم الأجنبي للأطراف المتنازعة في ليبيا يجعل إمكانية الحل الليبي الليبي صعبا جدا، لذلك فإن مؤتمر برلين الذي سيعقد مبدئيا في أواخر شهر جانفي سنة 2020 له أهمية فائقة لأنه موجه نحو الأطراف الخارجية التي تساهم في تذكية النزاع في ليبيا. فمن دون حوار روسي أمريكي وحوار مصري تركي وحوار قطري إماراتي، لا يمكن أن يكون هناك حل في ليبيا.
المفكرة: تزايد الحضور الاقتصادي والسياسي لكل من السعودية وقطر والإمارات في تونس بعد سنة 2011. ونعلم أن هذه الأطراف تتنازع بشكل غير مباشر على الساحة الليبية، هل سيكون للموقف التونسي إزاء الصراع ككل تأثير على علاقاتها مع أحد المعسكرين الخليجيين؟ وإلى أي حد تستطيع تونس ممانعة الاصطفاف وهي التي انجرت طيلة سنوات بعد الثورة وراء جزرة المساعدات الخليجية سواء من قطر أو من السعودية؟
الشريف: الحضور الاقتصادي للمحور القطري التركي وللمحور الإماراتي السعودي في تونس ليس مجانا بالطبع، ويؤثر في خيارات واستقلالية القرار في تونس، وهو ما لاحظناه خاصة خلال سنة 2012 و2013 التي شهدت حضورا اقتصاديا كبيرا في تونس من قبل تركيا وقطر والتي أثرت بصفة واضحة على موقف رئاسة الجمهورية على الأقل الذي كان منحازا لطرف دون الآخر في ليبيا.
ولكن بقراءة موضوعية للموقف التونسي طيلة العشرية الأخيرة فقد ظل مدافعا عن المصالح التونسية أكثر من كونه مدافعا عن المصالح الأجنبية. وعموما فإن غرب ليبيا الذي يقع تحت سيطرة حكومة السراج التابعة لتركيا وقطر هو الذي تربطنا به حدود جغرافية وعلاقات اقتصادية ومبادلات تجارية كبيرة وهو ما يجعل تونس تتعامل مع غرب ليبيا أكثر من تعاملها مع شرق ليبيا الذي يقع تحت سيطرة المحور الإماراتي السعودي.
المفكرة: في حال تطورت الأمور إلى الأسوأ في ليبيا، ماهي الارتدادات المحتملة على تونس على الصعيد الأمني والاقتصادي والانساني؟ خصوصا وأن لنا تجربة سابقة سنة 2011 والتي انعكست على البلاد من خلال موجات الهجرة والاضطرابات الأمنية.
الشريف: في حال تطورت الأمور نحو الأسوأ في ليبيا فلا مفر من تكرار سيناريو 2011 وهو تدفق عدد كبير من اللاجئين إلى تونس، ولكن قد يكون هذه المرة أخطر مما حصل في 2011 لأنه بعد عشر سنوات تقريبا تكونت في ليبيا أجيال حملت السلاح واعتادت على استعماله. كما تكونت أجيال انخرطت في جماعات إرهابية وإجرامية، هؤلاء يمكن أن يدخلوا إلى التراب التونسي مع جملة اللاجئين ليتحولوا إلى مصدر للاضطرابات الأمنية. من جهة أخرى، ما يزال الجنوب التونسي مرتبطا بعلاقات اقتصادية متينة مع ليبيا، وانهيار الاقتصاد في ليبيا سيكون له بلا ريب تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس. أما على المستوى الدولي ففي حال تطورت الأمور نحو الأسوأ في ليبيا، فإن الكثير من القوى الدولية ستسعى إلى جر تونس لتكون ممرا لها للدخول إلى ليبيا وهو ما يهدد استقلالية القرار في تونس والاستقرار الأمني. عموما في حال ساء الوضع أكثر في ليبيا، فستكون الأمور أكثر تعقيدا في تونس مما كانت عليه خلال سنة 2011.