“
كان لدى عشرات المواطنين الذين اعتصموا مساء 4 اذار 2019 أمام مكاتب البنك الدولي في بيروت رفضا لتنفيذ مشروع سد بسري، أكثر من مطلب وملاحظة وحقيقة تدعم قضيتهم.
نجح المعتصمون، الذين أتوا بدعوة من “الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري”، في تصويب بوصلة الاحتجاج نحو البنك الدولي، بصفته ممول المشروع الذي لا تقتصر مضاره على الإطاحة بمرج بسري العامر بالتنوع البيولوجي والثروة الزراعية والغطاء الأخضر والآثار، بل أيضاً بدفع مليار و200 مليون دولار مهددة بالهدر والفساد واللاجدوى، وجر المياه الملوثة إلى بيروت بمسافة 70 كيلومتر.
ويكفي أن نصيب السد سيكون 50% من مياه ليطاني البقاع وبالتحديد من بحيرة القرعون التي قتلها التلوث. مياه ملوثة وآسنة وقاتلة بالنفايات الصناعية والطبية والصرف الصحي، ستُجر إلى بيروت بذريعة تأمين مياه الشفة لسكان العاصمة.
رفع المعتصمون مطلبهم في وجه البنك الدولي بـ “سحب تمويل مشروع سد بسري”. ورفضوا إنشاء السد الذي برأيهم يُشكل مجزرة بيئية سوف تدمر 6 ملايين متر مربع من المناطق الطبيعية في الشوف وجزين، ويهدد أمان العيش بوجود السد على فالق زلزالي ناشط. يُضاف إلى ذلك فشل تجارب بناء السدود في لبنان ومنها سدّ القرعون الملوث مع بحيرته، وسدّ شبروح الذي يتسرب منه 30 ألف متر مكعب من المياه يومياً، وغيرهما. إنطلاقا من هذا الواقع، تجلت مطالب المشاركين في الاعتصام بشكل عام بـ: “إيقاف مشروع السد، وبإعلان مرج بسري محمية طبيعية”.
المعتصمون وقفوا أمام مبنى البنك الدولي بمشاركة النائب في البرلمان اللبناني أسامة سعد، ونقابيين وناشطين بيئيين مثلوا جمعيات مختلفة، وبعض أهالي بسري وجزين والشوف. حملوا لافتات مناهضة لإقامة المشروع توجهت بشكل رئيسي لنقد سياسات البنك الدولي، ومساءلته عن سبب تمويله لمشاريع تحوم حولها الكثير من الشوائب.
دوّن المعتصمون على اللافتات عبارات “أوقفوا تمويل الدمار في بلدنا”، “البنك الدولي يمول ليسيطر على مقدرات البلد”، و”لا لسياسة السدود الفاشلة”. لافتات توجهت إلى الحكومة للمطالبة بإعلان مرج بسري محمية طبيعية، وأخرى تدين نقل المياه المسرطنة إلى بيروت من مياه بحيرة القرعون الملوثة. خلال الاعتصام، أوصل المشاركون رسالتهم الاعتراضية للبنك الدولي عبر تسليمه عريضة وقع عليها 22 ألف مواطن من كل المناطق اللبنانية تدعو لإيقاف المشروع. فتقدمت ممثلة المدير الإقليمي للبنك الدولي لتستلم العريضة، داعية وفدا من المعتصمين إلى اجتماع مع فريق البنك الدولي لمناقشة مخاوفهم، الأمر الذي أثار غضب غالبية المتواجدين في الاعتصام. فاعتبروا بأنهم لم يأتوا للتفاوض، بل أنهم اتخذوا قرارهم، وجاء الرد بشعار “يسقط يسقط سد بسري، يسقط يسقط حكم البنك الدولي”.
النائب أسامة سعد اعتبر أن “السد هو جريمة سوف ترتكب بحق اللبنانيين جميعاً وبحق منطقة الشوف والجنوب. وهو يقع في منطقة من أجمل المناطق اللبنانية والأكثر غنى على الصعيد البيولوجي والحضاري”. وتأسف سعد على “شراكة البنك الدولي في هذه الجريمة، وعلى عدم استجابته لنداءات الناشطين الداعية لسحب التمويل”. سعد الذي اعتبر أن “موضوع المياه متروك إلى المافيات”، طولب خلال الاعتصام من موقعه كنائب في البرلمان اللبناني أن يفضح تلك المافيات ويسميها، فأجاب باختصار: “المافيات محمية من كل المرجعيات مع الأسف الشديد”.
كارثة بيئية واقتصادية وصحية
يقوم مشروع إنشاء سد بسري على جر مياه بحيرة القرعون ومياه بسري لتجميعها في منطقة جون في جنوب لبنان وجرها مسافة 70 كيلومتر إلى بيروت، وذلك بتكلفة تتعدى المليار و200 مليون دولار، مع العلم أن مياه بحيرة القرعون لا تصلح للشرب حتى بعد تكريرها. وحسبما تُشير الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري، أن مشروع “سد بسري” يخالف الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية الصادرة سنة 2009، والتي اعتبرت أن “مرج بسري من أهم المواقع الطبيعية التي يجب حمايتها في لبنان”. فضلاً عن ذلك، فإن “سد بسري سوف يقضي على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وعلى أكثر من 50 موقع أثري، سوف تنخفض مستوى التدفق الطبيعي لنهر الأولي الذي يروي الزراعة في محيط صيدا”.
من جهة أخرى، عدا عن الكارثة الطبيعية والإيكولوجية التي ستحل بفعل بناء السد بحسب الحملة، فإن المشروع من الناحية التقنية، يخالف توصيات دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي للخطة الوطنية لقطاع المياه (2015) التي أكدت ضرورة التراجع عن برنامج السدود نظراً لخطورته وعدم فعاليته. غير ذلك، فإن الخبراء الجيولوجيين حذروا من خطورة سد بسري لوقوعه على فالق زلزالي ناشط، ما قد يساهم بافتعال زلازل مدمرة كالزلزال الذي ضرب لبنان عام 1965. ويعزز خطورة هذا الأمر، توصيات تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2015 بعدم بناء السدود في أودية جبل لبنان بسبب الخطر الزلزالي من جهة، وحتمية تسرب المياه عبر طبقات الأرض المتشققة من جهة أخرى.
بطبيعة الحال، فإن الحملة تُلقي مسؤولية تضاعف أزمة المياه في لبنان على عاتق سوء إدارة المؤسسات المعنية في الدولة. إذ يشرح ناشطوها أن تقرير المعهد الفدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية لعام 2014 يقول بأن 30% من مياه نبع جعيتا التي تغذي بيروت الكبرى تذهب هدراً في الشبكة المهترئة. وتتناقض معطيات هذا التقرير مع معطيات وزارة الطاقة والمياه التي تستند إلى “أرقام مغلوطة، فالوزارة لم تقم برصد المتساقطات وقياس الينابيع ودراسة الأحواض الجوفية منذ ستينيات القرن الماضي”. وأهم ما تلفت إليه الحملة، هو ادعاء “الحكومة بوجود عجز مائي في لبنان، إلاّ أن دراسة تقييم موارد المياه الجوفية الصادرة عام 2014 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتنمية، تُظهر أن لبنان لا يعاني من العجز المائي، وأن المياه الجوفية هي الثروة المائية الأولى بمعدل سنوي يفوق ال 53% من إجمالي المتساقطات بسبب طبيعة الأرض الكارستية المتشققة”. من هذا المنطلق، فإن الحملة تعتبر أن “مشكلة المياه تكمن في فوضى الآبار العشوائية وتلكؤ الدولة في تأهيل شبكة المياه وغياب الإدارة السليمة لمياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى التعديات على الشبكة وتحكم الشركات الخاصة بالعديد من مصادر المياه الأساسية. وبدل أن تعالج الدولة هذه المشاكل، تستمر ببناء السدود الفاشلة في زمن تقوم فيه الدول المتقدمة بإزالة السدود الكبيرة بعد أن بينت التجربة مخاطرها”.
منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور، شرح في بيان أن السدود هي مشاريع غير ناجحة، معدداً مشاريع السدود التي باءت بالفشل بقوله: “اسألوا أهل الضنية عن سد بريصا الذي كلف الملايين ولم يجمع ولا نقطة مياه بسبب طبيعية الأرض الكارستية غير المناسبة لبناء السدود”. وأضاف نصور، “سد القيسماني لم تتخط نسبة المياه المعبّأة فيه ربع حجمه، غير أنه تسبب بتلوث مياه نبع الشاغور”، “سد القرعون تحول إلى بحيرة مجارير، وسد شبروح يتسرب منه يومياً 30 ألف متر مكعب من المياه، وهناك سد بلعا الذي اكتشف خلال العمل عليه أن الأرض مليئة بالمغاور والتشققات، كما سد بقعاتا الذي تسبب بانهيارات وتشققات بالمنازل المحيطة”.
“