ياسين يتحفّظ على القرار الصادر بناءً على اقتراحه وينفي أن يكون “قطاع المقالع سائبًا”


2024-07-16    |   

ياسين يتحفّظ على القرار الصادر بناءً على اقتراحه وينفي أن يكون “قطاع المقالع سائبًا”
هنا كانت جبال الكورة الخضراء قبل أن تلتهمها مقالع شركات الترابة - تصوير: نيولاين

لم يكتفِ مجلس الوزراء بمنح شركات الإسمنت إمكانية استثمار مقالع لمدة سنة خلافًا للقانون، بل تجاهل في جلسة عقدها في 14 حزيران الماضي، احتجاجات منظمات حقوقية وبيئية كما توصية اللجنة النيابية البيئية الصادرة في 12/6/2024 بالرجوع عنه. ولم تقتصر الانتقادات على القرار الحكومي، على انتهاكه للقانون والقرارات القضائية والبيئة، إنّما أيضًا على صدوره لصالح شركات متخلّفة عن تسديد تعويضات مالية عن الأضرار التي تسبّبت بها، وقدّرتها وزارة البيئة بما يقارب 2.5 مليار دولار. وقد كان لـ “المفكرة القانونية” حديثان مع وزير البيئة ناصر ياسين حول ظروف اتخاذ القرار ومن ثمّ عن مقرّرات الحكومة في 14 حزيران، كما كان لها حديث مع رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك وعدد من النوّاب. 

وزير البيئة يتحفّظ ولا يعترض 

إذ سألنا وزير البيئة عن القرار الحكومي ومدى توافقه مع مواقفه وتصريحاته السابقة، أكّد ياسين أنّه يتحفّظ على المقاربة الرسمية لمجمل ملفّ المقالع والكسارات ومن ضمنها هذا القرار. وحين سألناه عن كيفية تعبيره عن تحفّظه، اتّضح أنّه لم يُترجمه فعليًا حتى الآن في أيّ موقف رسمي ولا حتى عند اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، علمًا أنّه ورد في بناءات القرار أنّه صدر بناء على اقتراحه واقتراح وزير الصناعة. وبرّر ياسين غياب الاعتراض الرسمي للمفكرة بـ “أنا ما بحب إدّعي بطولات، القرار صدر والتحفّظ لم يعد يجدي”، مؤكدًا أنّ شركات الإسمنت لن تبدأ العمل فورًا، إذ “يجب أن يقدّموا خرائط ويعملوا وفق أذونات شهرية وفقًا لحاجة السوق”. وعند سؤاله: عمّن سيراقب؟ أوضح أنّه في ظلّ عدم وجود فريق كاف في وزارة البيئة للمراقبة، سيتمّ تكليف شركات خاصّة لتنفيذ هذه المهمة، وسيتأمّن التمويل من أموال تدفعها شركات الإسمنت وتودع في عهدة معهد البحوث الصناعية.  

ورغم إبداء ياسين تحفّظه على القرار، فإنّه عبّر في المقابل عن تفاؤله من إمكانية تحصيل المستحقّات المالية للدولة من شركات الترابة ومستثمري المقالع بصورة غير قانونية عن الفترة السابقة. وأشار إلى أنّ وزارته تقدّمت جدًا في العمل على تحصيل هذه المستحقّات وفق ثلاثة جداول: 

يتعلّق الأوّل بالغرامات والرسوم المالية، المرتبط بوزارة المالية. ويعتقد أنْ تكون هذه الرسوم فقدت قيمتها نتيجة انهيار قيمة العملة الوطنية. ويختصّ الآخران بالمبالغ المستحقة بإعادة التّأهيل (وهي المبالغ الأعلى وتقدّر ب 1973 مليون دولار) والضرر البيئيّ (ويقدّر بـ 588 مليون دولار)، وهي مستحقّات تحصّلها وزارة البيئة. 

وتعمل الوزارة، وفق ياسين، على ثلاثة أمور أساسية وهي:

  1. “تحديد الضرر البيئي والتعويض المتوجّب عنه. ولا يمكن تحصيل هذا التعويض إلّا بعد إثبات المخالفة بمحاضر قوى الأمن الداخلي”. ولذا يتركّز العمل اليوم “على إسقاط محاضر قوى الأمن الداخلي على الخرائط المعنيّة بها”. ولكن ماذا عن العقارات التي لم تُسطّر قوى الأمن الداخلي محاضر مخالفات بها؟ يؤكد ياسين أنّه “سيتم الادّعاء على أصحابها عبر هيئة القضايا في وزارة العدل”. وبالنسبة للأملاك العامّة التي اعتدى عليها أصحاب المقالع والكسارات، وتشكل نحو 10% من الأراضي المعنيّة، فسيتمّ الادّعاء على المخالفين فيها مباشرة وعلى فصل هذه الفئة. كما يتمّ العمل على استكمال المخالفات على الأملاك الخاصّة سواء كانت غير مرخّصة أو مرخّصة وانتهت رخصتها أو تمّ التوسّع في استثمارها خارج الرخصة. 
  2. وتتركّز الخطوة الثانية، وفق ياسين، على وضع آليات لتبليغ أصحاب المواقع المخالفة، “لأنّ من لا يتبلّغ بطريقة صحيحة يمكن أن يقول لم أتبلّغ”، مرجّحًا أن يُعتمد التبليغ عبر قوى الأمن الداخلي كونها تتضمّن أوامر التحصيل أيضًا. 
  3. أما بالنسبة إلى إعادة تأهيل مواقع المقالع والكسارات، تتّجه الوزارة، وفق ياسين، إلى التأهيل على حساب أصحاب المقالع والكسارات، مع العلم أنّه يحقّ لهؤلاء التأهيل بأنفسهم شرط تقديم خطة واضحة توضح الطريقة التي يجب أن تلتزم بمعايير وزارة البيئة التي تحدّد كيفية العمل وإعادة التأهيل والمراقبة البيئية وخفض الانبعاثات وفق القرار 16/1 والقراريْن 202 و203 الصادرين عن وزارة البيئة، فور إتمام نشرها في الجريدة الرسمية. 

وعند سؤالنا عن العوائق القانونية والفعلية أمام التحصيل ومدى ملاءمة منح شركات الترابة امتيازًا بمخالفة القانون والتسبّب بأضرار قبل انتزاع اعترافها بمسؤوليّتها عن الأضرار التي تسبّبت بها وعن تسديد المتوجّب عليها بنتيجة هذه المسؤولية، أكّد ياسين أنّه يعي ذلك تمامًا وإنّما يتّخذ تدابير لتجاوز هذه العوائق من خلال تحصين إجراءات التحصيل من الناحية القانونية بالتنسيق مع الجامعة اليسوعية وهيئة القضايا.

شركات الترابة لم تدمّر جبال الكورة فقط بل تعدت على ساحلها – تصوير: نيولاين

اللجنة البيئية النيابية: العمل التشريعي أولًا 

تبعًا لصدور القرار الحكومي، انعقدت اللجنة البيئية النيابية في 12/6/2024 بناء على طلب النائبة نجاة عون صليبا. وعلمت “المفكرة” أنّ الاجتماع ضجّ باعتراضات بعض النوّاب، وبدفاع مبطّن لآخرين على خلفية ضرورة استمرار شركات الإسمنت في العمل. 

وأشار رئيس لجنة البيئة النيابية غياث يزبك لـ”المفكّرة” إلى أنّه طالب وزيري البيئة والصناعة، خلال اجتماع اللجنة بالعمل على تراجع مجلس الوزراء الفوري عن قرار التمديد سنة كاملة “لأنّ شركات الإسمنت في الكورة وكلّ أصحاب المقالع والكسارات على مساحة لبنان يستغلّون قرارات مماثلة للتوسّع في مقالعهم وتعزيز الستوكات”. وأكد أنّه يحضّر للطعن بالقرار في حال عدم تراجع الحكومة عنه من دون أن يتّضح بعد ما إذا فعل ذلك. كما ندّد بسحب اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلة الجمهورية القويّة عن جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة، معتبرًا أنّ من شأن إقرار هذا الاقتراح أن يرسي آليات قانونية قابلة للتطبيق على نحو يوفّق بين الحاجة إلى حماية البيئة والحاجة إلى استمرار عمل شركات الإسمنت. وكانت “المفكرة” قد نشرت تعليقها على هذا الاقتراح الذي هدف بشكل خاص إلى إلغاء التحديد الجغرافي للمناطق التي يجوز فيها استثمار مقالع. 

من جهتها، شدّدت النائبة نجاة عون صليبا في اجتماع اللجنة على الأضرار البيئية الصحية الناجمة عن القرار الحكومي، مشيرةً إلى أنّ ارتفاع حرارة ينتج في 75% منه من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن عمل الكسارات والمقالع ومحارق مصانع الإسمنت التي تستعمل فحم الكوك البترولي، وهو أخطر أنواع الفيول. وردّت على جواب وزير البيئة عن ضوابط وضع معايير لعمل المقالع والشركات بالقول: “هيدي تدابير للمستقبل، واليوم ماذا نفعل؟” وسألت عبر “المفكرة”: “في سنة التمديد هذه، كم شخص رح يموت بالسرطان؟ كم جبل وقمة رح ياكلوا؟ وكم نبع مي بدّو يوقف؟ مين عم يسأل عن الناس وبيئة البلد وجباله وموارده الطبيعية؟ مين عم يحاسب؟” 

أما النائب جميل السيّد الذي عارض القرار الحكومي في اجتماع اللجنة، فقد ركّز في تدخّله على أنّ قرار التمديد يثبّت الاحتكار الذي تنعم به هذه الشركات، حيث تُّفرض رسوم ما بين 36 إلى 86% على أي مركّبات تدخل على المواد الأوّلية في صناعة الإسمنت لمنع المضاربة على احتكارها. كما أشار إلى أنّ المعدل الوسطي لمبيع طنّ الإسمنت في الدول المحيطة يتراوح بين 45 و55 دولارًا للطنّ الواحد فيما لا يقلّ سعره في لبنان واصلًا إلى المستهلك عن 95 دولارًا. وخلص السيّد إلى أنّه بإمكان للبنان أن يؤمّن للمواطن طنّ الإسمنت المستورد، بناء على أسعار المنطقة، بـ 55 دولارًا “من دون أن نتسبّب بموت الناس بسبب انبعاثات الشركات والمقالع والكسّارات ومن دون أن ندّمر بيئة لبنان ونقضم جباله ونجفّف ينابيعه ونلوّث الهواء”. وأسف أخيرًا لـ “أننا أمام مافيا محمية من الدولة”.

وإذ اجتمعت الحكومة بعد يومين، فإنّها اكتفت بتعيين لجنة خاصة لمتابعة تحصيل المستحقّات المالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وعضوية الوزارات المختصة والجيش اللبناني، من دون أن تناقش أيًا من الأضرار الجسيمة الناجمة عن قرارها. وعليه، أكد ياسين على تمسّك الحكومة بقرارها، وبلهجة مفعمة بالتفاؤل، أنّه “يجب على هؤلاء أن يعلموا أن هذا القطاع لم يعدْ سائبًا”.

للمزيد: القصة الكاملة عن تهريب صفقة المقالع: وياسين يتحفّظ للمفكرة ولكن “لا أحبّ البطولات”

الحكومة تتجاهل رفض قرار التمديد لمقالع الإسمنت: شركات ترابة أم “مافيا محمية من الدولة”؟

نشر هذا المقال في العدد 73 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني