في أواخر السنة الماضية، أُنشئت “اللجنة النيابية لمتابعة تنفيذ القوانين”، وأنيطت بها مهمة متابعة عمل الوزراء وملاحقة أي تقصير في تطبيق القوانين المذكورة. وقد باشرت اللجنة عملها على أساس لائحة من 30 قانوناً (رفع عددها في ما بعد الى 33) لم تُتّخذ الخطوات التنظيمية أو الإجرائية اللازمة لتنفيذها. ولذلك، كان هناك مقابلة مع رئيس هذه اللجنة النائب ياسين جابر، للوقوف على فكرة هذه اللجنة وأهدافها وعملها. وننشر هنا حصيلة اللقاء:
س: كيف أُنشِئت هذه اللجنة؟ وما هي الأسباب المباشرة لإنشائها؟ وكيف تم اختيار الأعضاء؟
ج: بدأت الفكرة عندما تبيّن بشكل فاضح عدم تنفيذ بعض القوانين، كقانون تنظيم قطاع الكهرباء وقانون إدارة الطيران المدني وقانون سلامة الطيران المدني وقانون المعوقين، وهي قوانين كانت قد أُقرّت منذ عشر سنوات أو أكثر. وقد وضعت في البداية لائحة من خمسة قوانين لملاحقة الموضوع، بالتعاون مع النائب محمد قباني، وتواصلنا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مقترحين عليه تشكيل لجنة خاصة. وتبعاً لذلك، وافق بري على الاقتراح معلناً حماسته له، علماً أنه لا يمكننا القيام بأي خطوة من دون دعمه. ثمّ اختير الأعضاء وأصدر بري قراراً بتشكيل اللجنة. وفي أول اجتماع لنا، كلّفنا بعض الموظفين بإعداد دراسة عن القوانين غير المنفّذة، فتفاجأت بأن العدد أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وهو حوالي 33 قانوناً. على سبيل المثال، تتعجب كيف أن قطاع الكهرباء نراه ينهار أمام أعيننا ولا ننفذ قانونه الإصلاحي الذي حضرنا حوالي 45 جلسة لجان فرعية لدراسته وإقراره. والمطار مهدّد ولا ننفذ قانون إنشاء الهيئة العامة للطيران المدني، ولا مراسيم تطبيقية لقانون حماية المستهلك، الذي صدر منذ العام 2005، رغم هذه الفضائح التي نواجهها في ملف الغذاء. وأيضاً، هناك قانون الاتصالات الذي لم يُنفذ من ناحية السماح للقطاع الخاص بأن يقوم بدوره كاملاً فيه وبحرية، فضلاً عن وجوب إنشاء الشركة الثالثة.
س: ما هي أبرز أهداف هذه اللجنة؟ ما هي مدة عملها؟ وما هي الوسائل المعطاة لإنجاز مهماتها؟
ج: إن الهدف الأساسي لهذه اللجنة هو السعي إلى ملاحقة الوزراء ومتابعة عملهم وحثهم على تطبيق القوانين. لكن، بصراحة ليس لدينا أي وسائل ولا يمكننا معاقبتهم في حال التقصير في الوضع الحالي. فهناك وسائل ديموقراطية من خلال مجلس النواب كطرح الثقة أو استجواب أي وزير يتخلّف عن تطبيق القوانين، لكن هذا السلاح غير قابل للاستعمال في الظروف الراهنة. بصراحة، لا يمكننا ممارسة دورنا كنواب اليوم لأن الوضع العام لا يساعدنا على ذلك، لكن لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي تقصير، ولذلك كان القرار بتشكيل هذه اللجنة.
بالنسبة لمدة عملنا، إن مدة هذه اللجنة مفتوحة لكنها ليست من اللجان الدائمة، وهي من اللجان التي تُشكل بقرار يصدره رئيس المجلس لمتابعة أمر ما، وتنتهي مع انتهاء عهد المجلس، ويمكن أن تبقى إذا كانت هذه الحالة لا تزال قائمة.
س: كيف تم اختيار هذه القوانين؟ وما هي المعايير والآليات التي اعتُمدت؟
ج: لم يتم اختيار هذه القوانين عشوائياً. إن القوانين التي وُضعت ضمن هذه اللائحة هي إما قوانين مراسيمها التطبيقية غير صادرة بعد، أو أنها صدرت ولم يتم تعيين أعضاء الهيئات المنشأة بموجبها بعد، كالهيئة العامة للطيران المدني. فهذه القوانين لم تُنفذ بعد لأن مراسيمها التطبيقية لم تصدُر، أو بمعنى آخر يعرقلها أو يعطّل تنفيذها الوزراء.
س: كثير من القوانين غير الموجودة في هذه اللائحة لم تُنفّذ بعد، لماذا لم تشملها هذه اللائحة؟
ج: إن المعيار في اختيار القوانين هنا هو عدم صدور المراسيم التطبيقية أو عدم تشكيل مجالس إدارتها والهيئات الناظمة لها. وعلى الرغم من وجود بعض القوانين التي لا نجد أي جدية في تطبيقها، لكنها لا تحتاج إلى مراسيم تطبيقية. ومن جهة أخرى، بعد إصدار المراسيم التطبيقية، يصبح القانون نافذاً. فإذا لم يُطبق القانون يصبح عدم التنفيذ عمداً من قِبل الوزير المعني.
س: يبدو أنّ للجنة اهتماماً خاصاً بالقوانين التي تقود إلى الخصخصة؟
ج: لا يمكننا القول إنها تتجه نحو الخصخصة، لكنها مقاربة مختلفة وطريقة جديدة للإدارة في مؤسسات الدولة. الدولة لن تتخلّى عن الملكية، ولكن يجب أن تكون مؤسسات عامّة تُدار على طريقة القطاع الخاص، لأنها تكلّف الدولة كثيراً من الناحية المادية. وهل هنالك أسوأ من نوع الخصخصة في مولدات الكهرباء ومن يحتكرها اليوم، وما يترتب على المواطنين من خسارة بسببها؟ على سبيل المثال، إن قانون الكهرباء يهدف إلى تحويل مؤسسة كهرباء لبنان إلى نظام شركة مساهمة لبنانية، تملك الدولة 100 في المئة من أسهمها، لكن نديرها بطريقة حديثة متحررة من قيود القطاع العام لتحسين وتطوير الوضع العام والنظام وإنتاجية العمل.
س: هل يمكن لأي مواطن لاحظ عدم تنفيذ قانون ما لم يرد في اللائحة أن يبلغ اللجنة بذلك؟ وما هي الآلية للقيام بذلك؟
ج: نحن منفتحون ونرحب بأي تعاون مع مواطنين أو جمعيات غير حكومية، لأن هذه اللائحة أصدرناها بمساعدة باحثين لدراسة هذه القوانين وعدم تطبيقها، وقد نحتاج إلى مساعدة إضافية وتعاون ما.
س: ما هي المنهجية التي تعمل بها اللجنة، وما هي الإجراءات والتدابير العملية التي قامت بها لتنفيذ مهمتها؟
ج: منهجيتنا وإجراءاتنا هي في ملاحقة الوزراء والاتصال بهم أو الاجتماع معهم. هناك بعض الأمور التي يمكننا تسريعها، وهناك من جهة أخرى بعض الأمور المستعصية كقانون تنظيم قطاع الكهرباء، ومعظم الوزراء يتعاونون معنا حتى الآن.
س: كم جلسة عقدت اللجنة حتى الآن؟ وهل ثمة وتيرة معينة للاجتماعات؟
ج: عقدنا حتى الآن حوالي ست جلسات. وسنكمل اجتماعاتنا بعد فرصة الأعياد، حيث سيكون أول اجتماع مع وزارة الصحة لمتابعة قانون تنظيم مياه الشرب ومعالجتها وتكريرها وتعبئتها وبيعها.
س: هل استدعت أو استمعت اللجنة إلى وزراء بعينهم؟ وما مدى تجاوبهم سواء في حضور الجلسات أو تنفيذ القوانين المطروحة؟
ج: سجّلنا تجاوباً مريحاً ولافتاً من قِبل الوزراء حتى الآن. على سبيل المثال، تجاوبت وزارة الأشغال معنا ونشرت إعلانات لتقديم طلبات الترشيح من أجل تشكيل مجلس إدارة الطيران المدني. كما تجاوبت وزارة الاقتصاد وتحركت من أجل إنشاء المنطقة الاقتصادية الحرة في طرابلس، وأعدّت كل المراسيم التطبيقية وأرسلتها إلى مجلس شورى الدولة، وسيتم تعيين مجلس الإدارة. أما في ما يخص وزارة الكهرباء، فإن الأمور مستعصية بسبب الخلاف حول أولوية تنفيذ القانون أو تعديله.
ويختم النائب ياسين جابر هذه المقابلة واصفاً اللجنة بأنها “حالة شاذّة”، موضحاً أنه “بحسب المنطق والقانون، لكل نائب الحق في استجواب الوزراء ومراقبة عملهم من دون تشكيل لجنة كهذه، وعلى كل لجنة دائمة متابعة تنفيذ القوانين التي تتعلق باختصاصها”. ويضيف أنه في هذه الحالة، هناك فضيحة، لأن المجلس النيابي يشرّع والوزير يمتنع عن التنفيذ عمداً أو عرضاً، مشدداً على أنها “كقرع جرس من أجل التذكير والحث على تنفيذ القوانين التي يجب تنفيذها”.
نشر هذا المقال في العدد |27| من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
لجنة نيابية لتنفيذ القوانين:فصل للسلطات أم أداة إلعمال منطق السلة؟