وُضِعَت الخطّة لإنقاذ العام الدراسيّ ولكن…


2024-11-05    |   

وُضِعَت الخطّة لإنقاذ العام الدراسيّ ولكن…

بعد انقضاء أكثر من شهر على تصاعد العدوان على لبنان، وضعت المنظّمات الدوليّة المعنيّة بالشأن التربويّ خطّة طوارئ لإطلاق العام الدراسيّ 2024-2025 في التعليم الرسمي. تأخذ الخطّة تنوّع أوضاع النازحين واختلاف التحديّات التي يواجهونها بعين الاعتبار، وتقترح حلولًا لكلّ من هذه التحديات، بعض هذه الحلول طَموحٌ ويمثّل بجدارة نموذجًا لـ “التفكير من خارج الصحن”، كأنّ تُجهَّز حاوياتٌ بالكومبيوتر والإنترنت وتكون مراكز تعليم رقميّ متنقّلة. لكنّ الخطّة بقيت أفكارًا ومقترحات حلول لأنّها تفتقد للأرقام الواضحة مثل أعداد المعلّمين والمتعلّمين النازحين في كلّ منطقة من المناطق التي استقبلت النازحين، ولم تحدّد تواريخ انطلاق العمل في كلّ مرحلة من مراحلها، ولا طريقة تشكيل فرق العمل… كما أنّ وزارة التربية تحاول جاهدة ارتداء التَفصيلَ الذي خِيطَ لها، فتعجز عن ذلك، وهو وإن كانت خيوطه من ذهب يحتاج لفريق عمل وقرارات تطبيقيّة لا يبدو أنّ وزارة التربية تملكها حتّى الآن. إذ تأخّرت الوزارة في إصدار القرارات التنفيذيّة الضروريّة للتطبيق، ولا يزال ينقصها جزء كبير من الداتا، وتحتاج خصوصًا إلى إقناع المعلّمات والمعلمين والأهل بواقعيّة خطّتها وتوفّر فرص وإمكانيّات تنفيذها.

 فما هي خطّة وزارة التربية لإطلاق العام الدراسي؟ وهل تقدّم الوسائل الضروريّة لتذليل هذه العوائق والصعوبات؟

أهمّ عناصر خطّة وزارة التربية لإطلاق العام الدراسيّ 2024-2025

لم تنشر وزارة التربية خطتها على مواقعها، ولكن تداولتها بعض الأطراف بصورة غير رسميّة، وقد اطلعت المفكّرة القانونيّة عليها ونعرض فيما يلي أهمّ عناصرها[1].

تتضمّن الخطّة ثلاثة مستويات من الاستجابة لأزمة النزوح، داخل مراكز الإيواء، الوصول إلى النّازحين خارج مراكز الإيواء، ضمان استمراريّة التّعلّم – على المدى المتوسّط.

وهي تقوم بشكل أساسي على:

  1. اعتماد 350 مدرسة رسمية للتعليم الحضوري ومن بعد و169 مدرسة خاصة ستستضيف تلامذة المدارس الرسميّة.
  2. اعتماد نظام المناوبات في المدارس الرسميّة التي تدرّس حضوريًا، وقد يكون في كلٍّ منها 3  مناوبات بحسب أعداد المتعلّمين المسجّلين فيها، دوامين قبل الظهر ودوام بعد الظهر، على أن يكون التعليم بعد الظهر لمدّة 4 أيام و5 ساعات يوميًا.
  3. كلّ مناوبة لمدّة 3 أيام في الأسبوع بمعدل 7 حصص يومًيا، ما يوفّر 21 حصة لكلّ مجموعة من التلامذة أسبوعًيا.
  4. توفير 1851 موردًا رقميًا حمّلها المركز التربويّ على منصّة “مدرستي”
  5. اعتماد المنهج المقلّص 13 أسبوعًا الذي اعتُمد خلال فترات الإقفال نتيجة انتشار وباء كورونا.

ولم تحدّد الوزارة في هذا الجزء المدارس الخاصّة التي ستعتمد ولا توزيعها الجغرافي، علما أن عدد المدارس الرسميّة المعتمدة مُهدَّد بالتراجع إذا حصلت موجات نزوح جديدة. كما أنّ نظام المناوبات لا يزال غير واضح للأساتذة والمتعلّمين. ولم يُصدر المركز التربويّ للبحوث والإنماء التقليص الذي أشارت إليه الخطّة، ولا يزال في إطار التكهنات بين الأساتذة، كما أنّ عدد الموارد الرقميّة لا يزال محدودًا جدًا مقارنة بالحاجات، فإذا كان صفّ البكالوريا الأدبي على سبيل المثال يحتاج إلى ما لا يقلّ عن 50 درسًا رقميًا، وإذا اعتمدنا هذا المعدّل سيحتاج صفّ البكالوريا وحده إلى ما يقارب 400 درس رقميّ. وتحتاج الصفوف بحسب هذا المعدّل، من الأوّل أساسي، حتّى الصفّ الثالث الثانوي (الترمينال) وعددها 16 صفًّا من دون أخذ صفوف الروضات بعن الاعتبار، إلى ما لا يقلّ عن 6500 درس رقمي، تقاعس المركز التربويّ للبحوث والإنماء عن إنتاجها لانشغاله بإنتاج مناهج في بلد لا يتمكّن منذ 6 سنوات على الأقلّ من طباعة كتابه المدرسيّ.

تدابير الخطّة الخاصّة بـ “داخل مراكز الإيواء”:

تضمنت الخطة بنودا خاصة بضمان التعليم للمتواجدين في مراكز الإيواء، أهم ما جاء فيها الآتي: 

  1. تقديم دعم فوري نفسي اجتماعي بالإضافة إلى الترفيه في مراكز الإيواء.
  2. إنشاء مكاتب مساعدة بقيادة وزارة التّربية والتّعليم العالي ووزارة الشّؤون الاجتماعيّة في جميع مراكز الإيواء لمساعدة النّازحين في الوصول إلى الخدمات الحيويّة.
  3. التعاون مع المجتمع المدني المعني بقطاع التعليم لتنفيذ الخطّة داخل مراكز الإيواء.
  4. إنشاء مساحات خاصّة للتعلّم الرقميّ مجهّزة بالإنترنت وبالمعدّات الرّقميّة وبالأساتذة الدّاعمة داخل مراكز الإيواء إن أمكن، وفي أماكن محيطة بها إذا لم تتوفّر المساحات داخلها، وقد تكون هذه المساحات حاويات متنقّلة ما يسمح لها بتقديم الخدمات لأكثر من مركز بحسب دوامات التعليم المختلفة. 
  5. إنشاء فريق عمل للبنية التّحتيّة لدعم صياغة إجراءات التّشغيل الموحّدة لصيانة المباني بما في ذلك استهلاك المياه والطّاقة، والصيانة المستمرّة.
  6. توفير إمدادات الطّاقة غير المنقطعة (UPS) في النّقاط الاستراتيجيّة الرّئيسيّة في الملاجئ، وخاصّة حول مرافق الصّرف الصّحّي، لزيادة السّلامة والحدّ من مخاطر العنف القائم على النّوع الاجتماعيّ.

تدابير الخطة الخاصة بـ “النّازحين خارج مراكز الإيواء”:

كما تضمّنت الخطة بنودا خاصة بضمان التعليم للنازحين المتواجدين خارج مراكز الإيواء، أهمها الآتية: 

  1. بعد إجراء مسح أماكن توزّع المتعلّمين النازحين تقديم دعم عبر مراكز مجتمعيّة قريبة من سكنهم وخصوصًا دعم نفسي اجتماعي.
  2. تجهيز مراكز رقميّة قريبة من سكن النازحين في البيوت.

ضمان استمراريّة التّعلّم – على المدى المتوسّط:

فضلا عن ذلك، تضمنت الخطة تدابير لضمان استمرارية التعليم على المدى المتوسط، أهمها الآتية:

  1. تجهيز المدارس القريبة من مراكز الإيواء لاستيعاب الطّلّاب الجدد سواء النّازحين من مناطق النّزاع أو الّذين تستخدم مدارسهم كملاجئ بكلّ المستلزمات الضروريّة مثل الكهرباء والإنترنت والكتب والقرطاسيّة….
  2. إنشاء مراكز تعلّم رقميّ ومدمج داخل المدارس التي تعمل حضوريًا.
  3. وضع إجراءات تعليميّة تكفل الاهتمام بأصحاب الاحتياجات الخاصّة وأخذ سياسات الحماية والنوع الاجتماعي بعين الاعتبار.
  4. تخصيص مبالغ تكفل صيانة المدارس وتأهيلها بعد مغادرة النازحين.

عدم وضوح الخطّة وعدم توفّر خطوات إجرائيّة واضحة لتطبيقها:

إن التدقيق في الخطة يستدعي ملاحظات عدة أهمها الآتيّة:

  • لم تتوفّر للخطّة إجراءات تنفيذيّة واضحة ومحدّدة، فلم تحدّد المدارس الحضوريّة، ولا كيفيّة إنشاء مراكز التعلّم الرقميّ داخل المدارس أو خارجها، ولا الفِرَقُ التي ستعمل على تقديم الدعم النفسي الاجتماعي…ولم يُنجز أي جزء من أجزائها، والنقطة الوحيدة التي تشير الخطّة إلى إتمامها هي شراء 10,000 جهاز، من دون أن تحدّد طبيعة هذا الجهاز أو وظيفته.. وتبدو كلّ واحدة منها أهداف بعيدة المنال حتّى لو موّلتها المنظمّات الدوليّة، بالنظر إلى تجاربنا السابقة مع وزارة التربية.
  • تحتاج الخطّة لـ 25 مليون دولار لتمويل أنشطتها المختلفة بحسب تقرير الاستجابة المنشور على موقع وزارة التربية. لم تحصل وزارة التربية على أي جزء من هذا المبلغ حتّى تاريخ 21 تشرين الأوّل كما تصرّح وزارة التربية على موقعها. فهل إطلاق العام الدراسيّ شرط للحصول على التمويل اللازم، وهل هذا هو السبب الخفيّ وراء استعجال وإصرار وزارة التربية على الإطلاق؟
  • بعض عناصر الخطّة تبدو غير مفهومة خصوصًا لغير المختصين، مثلًا “سيتمّ تجهيز الطّلّاب خارج الملاجئ بحزم بيانات لدعم احتياجات التّعلّم عبر الإنترنت الخاصّة بهم”. فما المقصود بـ “حزم بيانات”، وبعض الجمل والتعابير تبدو منقولة أو مترجمة حرفيًا عن خطط أعدّت سابقًا لمناطق مختلفة من العالم مثلًا: “حشد كشّافة التّعليم” أو “والمدارس شبه الخاصّة”، فما المقصود بكشّافة التعليم وشبه الخاص؟ وهل تُرجم هذان التعبيران ترجمة حرفيّة فأصبحا غير واضحين، أم نُقلا عن تدخّل جرى في مكان آخر غير لبنان لذلك لا يبدوان واضحين لنا؟ والسؤال الأساسيّ المشروع هو ألم تُراجع وزارة التربية هذه الخطّة وتُدقّق في التعابير المستعملة فيها، وفي الإجراءات المقترحة لتتأكد من تناسبها مع الواقع اللبناني؟
  • لم تنفّذ حتّى الآن المرحلة الأولى من الخطّة وهي تتضمّن الاستجابة الفوريّة والدعم النفسي الاجتماعي داخل مراكز الإيواء. فكيف انتقلت وزارة التربية للمراحل اللاحقة؟
  • يرد في إحدى فقرات الخطة أنّ “وزارة التّربية والتّعليم العالي ستتخذ إجراءات تسهّل الدّفع في الوقت المناسب للمعلّمين والمدارس والأطفال، وبالتّالي الحفاظ على التّشغيل السّلس للخدمات التّعليميّة.”، وتبدو هذه الجملة مثيرة للسخرية، ومأخوذة بشكل واضح من لغة وسرديّات المنظمات الدوليّة، إذ منذ 2019 لم يفهم الأساتذة بدقة تفْصيلَ المبالغ التي يتقاضونها، على قلّتها، وتأخرّت مدفوعات كثيرة مستحقّة للمدارس والأساتذة من دون أسباب واضحة، فهل سيتغيّر هذا كلّه الآن بسبب تلهّف المنظّمات الدوليّة واهتمامهم بتعليم النازحين؟
  • تتضمّن الخطة الكثير من النقاط الأساسيّة التي ترد بصيغة “سوف”، ومنها إجراءات لا يمكن أن تتقدّم الخطّة من دون توفّرها مثل المسح الجغرافي لأماكن توزّع الطلاب النازحين.
  • تلحظ خطّة الاستجابة تقديم دعم ماديّ لموظفي وزارة التربية والمركز التربويّ للبحوث والإنماء بصورة غير مباشرة، كما تذكر تقديم دعم مباشر سيحصل عليه ” الموظّفون داخل المراكز، بما في ذلك مدير المدرسة وطاقم التّنظيف، على حوافز.” فلماذا لا يشمل هذا الدعم الأساتذة؟؟
  • يبيّن التقرير الوحيد الذي نشرته الوزارة على موقعها[2] المعنون باللغة الإنكليزيّة والمنشور باللغتين الإنكليزيّة والعربيّة، ما يوحي بدور المنظّمات الدوليّة في إعداده، بدء تطوير المركز التربويّ لموارد خاصّة بالدعم النفسي الاجتماعي، لكنّ المركز عمل على مثل هذه البرامج منذ عدّة سنوات، ودرّب الأساتذة على استعمالها خلال فترات الإغلاق وانتشار الوباء، ثمّ أنّ تلاميذ الجنوب خلال العام الدراسي الماضي، عاشوا النزوح والتعليم تحت أصوات القذائف، فلماذا لم تنتج هذه المواد سابقًا؟ علمًا أنّ التهديد بالحرب كان موجودًا واندلاعها متوقعًا، فما المقصود بأنّه بدأ؟ وهل هي إعادة تدوير لمشاريع سابقة تصبح جديدة وتشبه طبخات البحص المعهودة التي تنتهي بهدر المال العام من دون إنتاج ذي قيمة؟

معوقات أمام تنفيذ الخطة

تعثّر انطلاق العام الدراسيّ في 4 تشرين الثاني، ولم تتوفّر للخطّة ظروف التطبيق والنجاح حتّى الآن بسبب معوّقات كثيرة بعضها واقعيّ وموضوعيّ وعلى رأسها قسوة ظروف الحرب والتهجير، وبعضها يمكن تلافيه ومعالجته. وتكمن المعوقات التي تمنع الالتحاق بالتعليم أساس في المقاومة والرفض اللذين يُبديهما الأهالي النازحون والأساتذة في القطاع العام عامّة والنازحون من بينهم خصوصًا لانطلاق العام الدراسيّ في 4 تشرين الثاني. ووجوه الاعتراض على خطّة الوزارة متعدّدة، أهمها الآتية:

عدم الجهوزيّة اللوجستيّة ولا الاستعداد النفسي:

يشعر الأساتذة النازحون أنّهم غير جاهزين للعودة إلى التعليم لا من الناحية النفسيّة ولا من الناحية اللوجستيّة، فالشعور بالقلق تجاه بيوتهم ومجتمعهم وأحبائهم كبير جدًا، ما يجعلهم غير قادرين على التركيز على التعليم في هذه الفترة. كما أنّهم لم يحملوا عند النزوح مستلزمات التعليم مثل الكتب واللابتوب، ولا حتّى أغراضهم الشخصيّة. والكثيرون من بينهم لم يسمعوا بتفاصيل خطّة الوزارة، أو يشكّون بإمكانيّة تنفيذها ويعتبرونها حبرًا على ورق ويعدّونها بابًا للفساد والتنفيعات ولن تنتج تعليمًا ذا فائدة. لذلك يجدون أنّ دفعهم للعودة قبل تأمين المستلزمات كمن يطلب منهم المستحيل.

ويشارك الأهل النازحون المعلّمين الشعور نفسه، وقد تكون مخاوفهم أعلى، إذ بالإضافة إلى المعوقات اللوجستيّة، مثل عدم توفّر الكتب واللباس، والأجهزة والمساحات الضروريّة للتعليم، يتردد الأهل في إرسال أولادهم إلى مدارس جديدة قد ترفضهم أو تعرّضهم للتنمّر، خصوصًا في الجوّ الحالي المتوتر. وهم لا يعرفون المناطق التي يقيمون فيها، ويبادلونها الشعور بالحذر والخوف.

والطرفان، الأهل والأساتذة، لا يملكان أي تصوّر عن كيفيّة تنظيم العودة إلى التعليم وما الحلول الممكنة للنواقص اللوجستيّة الهائلة، ويسيطر عليهم الخوف والفوضى والأفق المجهول لمستقبل حياتهم الجديدة، لذلك يرفضان إضافة أعباء جديدة على كواهلهم، حتّى وإن كانت المبادرة لتعليم أبنائهم وبناتهم.

تجاهل حقوق الأساتذة:

ويشكّل انخفاض الرواتب سببًا أساسيًا في تردّد الأساتذة ورفضهم، إذ تقاضوا خلال العام الدراسيّ الماضي رواتب معدّلها 500$، وكانوا يطالبون قبل اشتداد العدوان على لبنان برفع رواتبهم إلى ما يعادل 65% مما كانت عليه عند انفجار الأزمة الاقتصاديّة في 2019. لكنّ اشتداد العدوان على لبنان أعطى وزارة التربيّة حجّة لتجاهل هذه المطالب، بينما هم في أشدّ الحاجة إليها بسبب هذا العدوان نفسه. فكيف يدفع الأساتذة النازحون إيجارات مرتفعة لا تقلّ في معظم الأحيان عن 400$، فيما يتقاضون 500$؟

الكباش بين رابطتي الأساسي والثانوي ووزارة التربية:

عقدت رابطة التعليم الرسمي الأساسي[3] ورابطة أساتذة التعليم الثانوي[4] عدة اجتماعات مع وزارة التربية، وقد طالبت بتأجيل إطلاق العام الدراسيّ مرارًا وتكرارًا، ما يعكس موقف الأحزاب السياسيّة التي تمثّلها، التي قد ترى في استئناف التعليم الآن عبئا إضافيًا عليها، إذ إنّ تسجيل المتعلّمين وانتقالهم وتأمين مستلزماتهم في التعليم الحضوري أو من بعد، حتّى لو موّلته المنظّمات الدوليّة مثل اليونيسيف واليونيسكو، يستلزم متابعة وتنظيمًا خصوصًا في مراكز الإيواء المزدحمة. كما اعترضت الرابطتان على الأدوات التي اعتمدتها الوزارة لجمع الداتا حول أعداد الطلاب والأساتذة النازحين وأماكن توزّعهم، وطالبت بالحفاظ على ما أسمته “كيان أو هيكليّة المدارس والثانويّات” المغلقة بسبب العدوان، وتوزيع المهام الإداريّة والتعليميّة بين موظفيها. وإثر عريضة رفعها مديرو هذه المدارس والثانويات، أجازت وزارة التربية لهذه المدارس والثانويّات المقفلة التعليم من بعد online إن أرادت ذلك، وبالتالي يمكن لطلابها أن يتسجّلوا فيها، ما يخفّف من هاجس جمع الداتا المتعلّقة بالمتعلّمين والمعلّمين النازحين، إذ سيتمكّنون عند ذلك من التسجيل في مدارسهم وثانويّاتهم نفسها من دون كشف أماكن تواجدهم الحاليّة. كما يمكنهم الالتحاق بالتعليم الحضوري في المؤسسات القريبة من أماكن سكنهم إن أرادوا ذلك. ووصل الكباش إلى ذروته في البيانين الصادرين عن الرابطتين في 1-2-2024. وقد وصفت رابطة التعليم الثانوي خطّة الوزارة بـ ” الغامضة”، وقالت “أنّها خطة شكليّة فارغة من المضمون التطبيقيّ والهدف الواضح هو تمرير الخطّة فقط، وخصوصًا بغياب المدراء المعنيين في تطبيقها حيث تفتقد إلى خطّة واقعيّة قابلة للتنفيذ ولا ترتبط بواقع الأستاذ والحفاظ على هيكليّة الثانويّات”[5]. واعتبرت “أنّ هذه الخطّة لا تراعي أوضاع الأساتذة النازحين وغير النازحين ولا المناطق الآمنة وغير الآمنة والانتقال من منطقة إلى أخرى”[6].

 وفي هذا البيان ما يوحي برفض هذه الخطّة أو على الأقلّ معارضة جذريّة لها خصوصًا في قولهم ” فهي خطة غير قابلة للتنفيذ وغير صالحة اطلاقًا بطريقة إطلاقها وعدم بناء هيكلية واضحة تحافظ على الأساتذة والعمل الإداري وانسياب القرارات، وكأنّنا أمام خطة من إحدى المؤسّسات الدولية البعيدة عن البلاد ولا يعرفون واقع القطاع التربوي في لبنان”، ويلمحون هنا إلى دور المنظّمات الدوليّة (اليونيسف واليونيسكو) في صياغة هذه الخطّة وعدم جهوزيّة الوزارة والواقع على الأرض لتطبيقها. ولكنّ بالرغم من هذا الرفض تكتفي الهيئة الإداريّة للرابطة بالدعوة إلى تأجيل التطبيق لمدّة أسبوعين، معتبرة أنّ الأوان لم يفت، ولا يزال من الممكن إنهاء المنهاج. ويعكس موقف الهيئة الإداريّة الأخير بعض الاستخفاف بالأيّام الضائعة من العام الدراسيّ، إذ لا يقتصر الأمر على ضياع أسبوعين إضافيين، بل الحقيقة هو ضياع جيل كامل لم يتلقَ تعليمًا فاعلًا وجديًا منذ العام الدراسي 2019-2020 أي منذ 6 سنوات.

ثمّ هل سيكون التحاق المعلّمين والمتعلّمين آليًا وفوريًا عند اتخاذ القرار؟ أم سيكون متدرّجًا ويحتاج للوقت والدعم والمرافقة وسدّ الثغرات والحاجات؟؟ فإذا قرّرت وزارة التربية انطلاق العام الدراسيّ في 4 تشرين الثاني، قد لا يكتمل التحاق الأساتذة والمتعلّمين قبل شهر، مع ما سيرافق الالتحاق من تقطّع وانتكاسات بحسب تطورات الوضع الأمني، فلماذا التأجيل؟ هل لدى الرابطة معطيات تفيد بتغيير في الأوضاع الأمنيّة خلال أسبوعين؟ أم تتفادى الرابطة والجهات السياسيّة التي تمثّلها المزيد من العبء والضغوط عليها في إدارة ملفّ النازحين؟ خصوصًا أنّ وفدًا من كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة اجتمع مع وزير التربية في 21 تشرين الأوّل، وقد تخلّل الاجتماع تساؤلات عديدة حاول الحلبي الإجابة عليها: بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام[7] ” بدد الحلبي الأخبار والشائعات الكاذبة التي يتم الترويج لها عبر وسائط التواصل وعدد من وسائل الإعلام لجهة إخلاء مراكز الإيواء”.

وانتهى الأمر ليل الأحد 4 تشرين الثاني بدعوة صريحة من رابطة التعليم الثانوي للأساتذة والمديرين أن يلتزموا بقرار الرابطة وهو ألا يبدأ العام الدراسيّ إلا حين صدور جدول واضح من وزارة التربية يفصّل بدلات الإنتاجيّة وهي المبالغ بالدولار الأميركي التي تدفعها الوزارة للأساتذة من خارج الراتب..

وتردّ رابطة التعليم الثانوي في البيان نفسه، الكرة لوزارة التربية فتطالبها بتوقيع تعهدات خطيّة تبيّن مسؤوليّتها عن حياة وأمن الأساتذة والتلاميذ. وتطالبها بالالتزام بما لم تلتزم به الرابطة نفسها، وهو رأي أكثريّة الأساتذة الذين فضّلوا التأجيل في استطلاع رأي نظّمته الرابطة. فهذه الهيئة الإداريّة نفسها لم تلتزم سابقًا وبصورة متكرّرة برأي أكثريّة الأساتذة وبنتائج جمعيّات عموميّة عديدة.

عدم نشر الخطّة ولا مخاطبة الأهل والأساتذة:

أحد أسباب رفض العودة للتعليم واستئناف العام الدراسي هو شعور الجميع أنّهم يُدفعون نحو المجهول. إذ لم تنشر الوزارة حتّى اليوم خطّتها، ولم تتوجّه إلى اللبنانيين لتبيّن مراحلها أو بعض تفاصيلها الأساسيّة، ولم توضح كيف ستعالج الفجوات اللوجستيّة بين ما هو متوفّر وما هو مطلوب، ولم تجب على أيّ من الأسئلة الكثيرة التي يطرحها الأهل والأساتذة، وما نشرته على موقعها حول انطلاق العام الدراسيّ مليء بالأخطاء: فقد اعتبر الخبر أن 8 تشرين الثاني 2024 هو موعد انطلاق العام الدراسي 2024-2025، وأنّ ساعات التدريس تعادل حصّتين يوميًا، لمدّة 3 أيّام أسبوعيًا، فيكون المجموع 6 حصص أسبوعيًا، فيما يؤكّد الخبر أنّ مجموع ساعات التدريس هو21 حصّة أسبوعيًا. فلم يفهم الأهل والأساتذة والمتعلّمون وخصوصًا النازحون منهم كيف ستعالج التحديات الكثيرة التي تواجههم بسبب ظروف الحرب والنزوح. فهل سيحتاج المتعلّمون إلى وسائل نقل؟ ومن سيؤمنّها؟ وهل يدرّس الأستاذ المقسوم بين ثانويّتين 3 أيام فقط؟ متى يحصلون على الكتب المدرسيّة؟ وهل ستوزّع أجهزة إلكترونيّة، كيف ومتى؟ وإن التحق المتعلّم بثانويّة قريبة من مكان نزوحه، كيف سيكون التنسيق لاحقًا، في حال توقّف الحرب، مع ثانويّته الأساسيّة؟…الخ كلّ هذه النقاط وغيرها الكثير غير واضح حتّى أنّ وزارة التربية أرسلت قرارات وجداول توزيع الحصص التعليميّة بحسب الخطّة الجديدة مساء السبت والأحد في 3 تشرين الثاني، وتداولتها مجموعات الواتساب قبل أن تصل إلى الكثير من المدراء.

وفي النهاية بدا المشهد يومي الاثنين والثلاثاء في 4-5 تشرين الثاني مرتبكًا، وفيه تفاوت كبير بين منطقة وأخرى. إذ عمل عدد من الثانويّات الموجودة في مناطق آمنة وغير المعتمدة مركزًا للنازحين بشكل طبيعي، أمّا الثانويّات التي استقبلت نازحين فلا تزال تنظّم أمورها ولم تصبح جاهزة بعد، بدءًا من الانتقال إلى مبانٍ جديدة واستكمال تسجيل الطلاب ووصولًا إلى تنظيم جداول ومواعيد التعليم. أمّا الثانويّات المقفلة بفعل العدوان، فبدأ العديد منها، خصوصًا في البقاع الشمالي تسجيل الطلاب من بعد online، على أن تدرّس طلابها الراغبين بذلك من بعد عندما تصبح جاهزة لذلك، وربما تحتاج أسبوعين إضافيين لتنظّم انطلاقها.

وقد كرّرت رابطة أساتذة التعليم الثانوي، يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني، دعوتها للأساتذة أن لا يلتحقوا وأن لا يبدأوا بالتعليم قبل توضيح جداول بدلات الانتاجيّة، وقد لبّى العديد من الأساتذة النازحين دعوتها، فلم يلتحقوا. فهل إصدار جداول بدلات الانتاجيّة هدف يمكن تحقيقه وبالتالي إطلاق العام الدراسيّ في أقرب وقت ممكن، أم هو مسمار جحا؟؟ وهل تعرف الرابطة  مسبقًا أنّ الوزارة عاجزة الآن عن إصدار هذا الجدول ودفع الزيادات التي يطلبها الأساتذة وهو بالتالي شرط تعجيزي يسمح التمسّك به بتأجيل إطلاق العام الدراسيّ كما طالبت الرابطة مرارًا؟؟؟


[1] “مبادرة مرونة التعليم” غير المنشورة

[2] MEHE Fact Sheet on Education Response Plan- Week3 ARB.pdf

[3]يرأسها الأستاذ حسين جواد المحسوب على حركة أمل.

[4]يرأسها الدكتور حيدر إسماعيل المحسوب على حزب الله.

[5] من بيان رابطة التعليم الثانوي الصادر في ١-١١-٢٠٢٤، الفقرة الأولى منه.

[6] نفس السابق.

[7]https://www.nna-leb.gov.lb/ar/education/732056/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A8%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D8%A3%D8%B3-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%AA%D9%84%D8%AA%D9%8A 

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني