تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن رئيس الجمهورية ميشال عون يعتزم التوقيع على مرسوم استقالة الحكومة في 31 تشرين الأول 2022 في “آخر يوم من ولايته”. وبغض النظر عن مدى ملاءمة أو تداعيات هكذا خطوة غير مسبوقة في تاريخ الممارسة الدستورية في لبنان (أي صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة بشكل منفصل دون صدور مرسوم تسمية رئيس جديد للحكومة ومرسوم تشكيل الحكومة التي تصدر عادة جميعها في اليوم نفسه)، لا بدّ من التدقيق أولا في تاريخ انتهاء ولاية الرئيس عون التي بدأت في 31 تشرين الأول 2016. فهل هي تنتهي في 30 تشرين الأول (كما نعتقد) الأمر الذي يفقده صلاحية التوقيع على أي مرسوم بعد اليوم أم في 31 تشرين الأول كما يوحي به إعلان نيته توقيع مرسوم في هذا التاريخ؟ وبكلام آخر، هل تنتهي ولاية الرئيس قبل الساعة صفر من النهار الذي انتخب فيه قبل ست سنوات أم في اليوم الذي يعقبه؟
وللإجابة عن هذا السؤال، سنعود هنا إلى استعراض التجربة الدستورية لرؤساء ما بعد الاستقلال في لبنان، مع استبعاد رئيسي الجمهورية اللذين لم يتسن لهما إكمال ولايتاهما الدستورية وهما بشارة الخوري (بفعل الاستقالة) ورينيه معوض (بفعل الاغتيال). تبعا لذلك، أمكن ملاحظة الوقائع التالية:
الرئيس ميشال سليمان بدأت ولايته في 25 أيار 2008 وغادر قصر بعبدا رسميا في 24 أيار 2014. وقد صدرت آخر مراسيم له في هذا التاريخ ونشرت في الجريدة الرسمية الصادرة في 29 أيار 2014 دفعة واحدة.
الرئيس إميل لحود بدأت ولايته في 24 تشرين الثاني 1998 واستمرّت بفعل تمديدها ثلاث سنوات حتى 23 تشرين الثاني 2007. وهذا الأمر يتحصل بوضوح من مراسم مغادرة لحود قصر بعبدا التي حصلت في تمام انتهاء آخر لحظة من هذا النهار، عملا بالتزام لحود بالمكوث في القصر حتى آخر لحظة من ولايته. وقبل أربع ساعات من المغادرة، أصدر لحود إعلانا يصبح ساري المفعول اعتبارا من 24 تشرين الثاني بتكليف الجيش حفظ الأمن في البلاد ووضع جميع القوى الأمنية تحت تصرفه، بما يثبت من دون ريب أن ولايته انتهت في 23 تشرين الثاني. لا نجد بالمقابل مراسيم صادرة عنه كونه اعتبر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير شرعية إذ رفض التوقيع على كل المراسيم التي كانت تقرّها فاعتبرت نافذة حكما ونشرت في الجريدة الرسمية دون توقيع رئيس الجمهورية عملا بالمادة 56 من الدستور.
الرئيس الياس الهراوي بدأت ولايته في 24 تشرين الثاني 1989 وقد مددت لثلاث سنوات. وصدرت آخر مراسيم له بتاريخ 23 تشرين الثاني 1998 ونشرت في الجريدة الرسمية الصادرة في 26 تشرين الثاني 1998. وخير دليل على انتهاء ولايته في هذا التاريخ هو أن المرسوم رقم 1 (انتداب ضابط عام في الجيش إلى رئاسة الجمهورية) الذي أصدره الرئيس أميل لحود مؤرخ في 24 تشرين الثاني 1998 أي في النهار ذاته من بداية ولاية هذا الأخير. فلو كانت ولاية الهراوي استمرت خلال يوم 24 تشرين الثاني لكان امتنع الرئيس لحود عن إصدار المرسوم المذكور، طالما لا يعقل وجود رئيسي جمهورية في الوقت نفسه.
الرئيس أمين الجميّل بدأت ولايته في 23 أيلول 1982 وأصدر آخر مرسوم له وهو للمفارقة مرسوم تعيين حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون في 22 أيلول 1988، أي أن الرئيس الجميل غادر قصر بعبدا في الساعة صفر من نهار 23 أيلول بينما بقي العماد عون في بعبدا بوصفه رئيسا للحكومة الانتقالية.
الرئيس الياس سركيس بدأت ولايته في 23 أيلول 1976 وصدرت آخر مراسيم له في 22 أيلول 1982 ونشرت في الجريدة الرسمية الصادرة في 28/10/1982.
الرئيس سليمان فرنجية بدأت ولايته في 23 أيلول 1970 وصدرت آخر مراسيم له بتاريخ 22 أيلول 1976 لكنها وبسبب الحرب الأهلية وتوقف الجريدة الرسمية عن الصدور لم يتمّ نشرها إلا سنة 1977 عندما استأنفت الجريدة الرسمية صدورها اعتبارا من 24 شباط 1977 (العدد 1).
الرئيس شارل حلو بدأت ولايته في 23 أيلول 1964 وصدر آخر مرسوم له في 22 أيلول 1970 ونشر في ملحق العدد 79 من الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 1/10/1970.
الرئيس فؤاد شهاب بدأت ولايته في 23 أيلول 1958 وصدرت آخر مراسيم له وهي تحمل تاريخ 22 أيلول 1964 ونشرت في العدد 80 دفعة واحدة في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 5/10/1964.
الرئيس كميل شمعون بدأت ولايته في 23 أيلول 1952 وآخر مرسوم منشور له تمكنا من تحديده صدر في 20 أيلول 1958 (الجريدة الرسمية عدد 39 تاريخ 24/9/1958).
وهكذا يصبح جليا أن رؤساء الجمهورية المتعاقبين انتهت ولايتهم قبل الساعة صفر من النهار الذي انتخبوا فيه قبل ست سنوات أو تسع سنوات (بالنسبة للهراوي ولحود اللذين مددت ولايتهم لثلاث سنوات) وأنّ ولاية الرئيس ميشال عون التي بدأت في 31 تشرين الأول 2016 تنتهي إذا عند انقضاء آخر ساعة من نهار اليوم الواقع في 30 تشرين الأول 2022 ولا يحق له إطلاقا توقيع أي مرسوم بعد هذه اللحظة، سواء كان باعتبار الحكومة مستقيلة أو بتشكيل حكومة جديدة. وعليه، فإن أيّ عمل يصدر عنه بعد هذا التاريخ يعتبر بحكم غير الموجود على اعتبار أنه صادر عن جهة لا اختصاص ولا صفة دستورية لها. والسؤال الذي يطرح في ظل هذه المعطيات الواضحة هو عن الأسباب أو الخفايا التي تدفع الرئيس عون إلى إعلان نيته توقيع مراسيم بهذه الأهمية بعد انتهاء ولايته وليس خلالها، بما يدخل البلد في نقاشات غير مجدية حول مدى صحتها؟
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.