نفّذ أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت أمس الخميس وقفتهم الشهرية كعادتهم منذ وقوع التفجير، ضغط الأهالي على المعنيين والسياسيين لضرورة مثول المتهمين أمام القضاء والوصول إلى الحقيقة. ولكن هذه المرة من ساحتين. فقد اعتصمت مجموعة “جمعية أهالي ضحايا تفجير المرفأ” عند ساحة تمثال المغترب حيث طالب محي الدين اللاذقاني ابن الضحية محمد اللاذقاني بمثول الجميع أمام القضاء واعتبر أنّ التشكيك الممنهج في عمل القاضي طارق بيطار إدانة للمشكّكين. ونفذت مجموعة جديدة أعلن إبراهيم حطيط شقيق الشهيد ثروت حطيط عن ولادتها الأسبوع الفائت تحت اسم “اللجنة التأسيسية لعوائل تفجير مرفأ بيروت”، وقفة عند البوابة رقم ثلاثة للمرفأ. وكان حطيط قد ظهر قبل حوالي الشهر في فيديو مسجّل معلناً مواقف مغايرة للموقف المعتاد للأهالي متهماً القاضي طارق بيطار بالاستنسابية.
الوقفتان ترافقتا بالأمس مع قرار صدر عن القاضي حبيب مزهر بصفته مكلفاً برئاسة الغرفة 12 من محكمة الاستئناف بيروت بعد تنحية القاضي نسيب إيليا، جاء في أحد بنوده وقف القاضي بيطار عن التحقيق مؤقتاً لحين البت بطلب الوزير السابق يوسف فنيانوس ردّ بيطار. وكانت الغرفة برئاسة إيليا قد رفضت طلبات الرد السابقة المقدّمة من الوزراء غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق لعدم الاختصاص كون المحقق العدلي لا يتبع إدارياً لمحاكم الاستئناف.
من هنا طالب محي الدين اللاذقاني، القاضي مزهر بـ”الالتحاق بركب القضاة الشرفاء ورد الدعوى وليمتثل الجميع للتحقيق العدلي”، مضيفاً: “ما تشيل دم الضحايا كلّه برقبتك”، واعتبر لاذقاني أنّ دماء الشهداء ودموع الأمهات والأولاد الأيتام كلّها بانتظار القرار.
ثقة جمعية الأهالي في بيطار مقابل تهديد حطيط بدعوى لتنحيته
وتحت تمثال المهاجر وقف أناس يدعمون استقلال القضاء والقاضي بيطار “حتى آخر نفس”، وفي كلمةٍ ألقاها لاذقاني باسم لجان ذوي الشهداء والضحايا والجرحى والمتضررين من تفجير مرفأ بيروت، أكّد على استمرار الأهالي في النضال لحين تحقيق العدالة والمحاسبة، مندداً بمواقف المسؤولين عن هذه المجزرة الذين ما زالوا يتهرّبون من الخضوع لحكم القضاء، وبالمنظومة السلطوية الماضية في عرقلة التحقيق وطمس الجريمة والتلطّي وراء الحصانات المزعومة. واعتبر أنّ التشكيك الممنهج في قاضي التحقيق والتهجّم المستمرّ على سير عمله وكلّ ما ترافق مع ذلك من أحداث وحملات يشكل إدانة واضحة لهم.
واستنكر لاذقاني في كلمته كلّ الهجمات التي تشنّ على القاضي بيطار رافضاً التدخّل السافر في القضاء، معتبراً أنّ قضية الأهالي هي قضية استقلال القضاء والعدالة، وهي القضية التي ستخلّص لبنان من الفساد واللاعدالة والإفلات من العقاب، طالباً من النيابة العامّة التمييزية القيام بواجباتها وتنفيذ المذكرات القضائية ولا سيما مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة بحق سياسيين. وطلب من المجلس الأعلى للدفاع ووزير الداخلية إعطاء أذونات الملاحقة للمدراء العامين والمطلوبين فوراً. كذلك أصرّ لاذقاني في كلمته على محاكمة كافة الرؤساء والوزراء أمام القضاء العدلي، معتبراً أنّ المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء غير مختصّ بالنظر في قضيّتنا الراهنة كون تفجير بيروت غير ناتجٍ عن إخلال بالواجبات الوظيفية. وشدّد لاذقاني على أنّ الأهالي لن يساوموا على دماء ضحاياهم ولن يسمحوا بتسويات مغرضة تستهدف القضية، وتوجّه إلى كلّ من شارك وتواطأ في جريمة تفجير مرفأ بيروت “ستحاسبون إن لم يكن اليوم فغداً لناظره قريب”.
ثقة لاذقاني وجمعية أهالي ضحايا تفجير المرفأ في القاضي بيطار قابله شك من قبل حطيط الذي طالب في كلمته بيطار “تصحيح” مسار التحقيق واستدعاء جميع المسؤولين منذ العام 2013 لغاية التفجير. وأمل في وصول قضية تفجير المرفأ إلى خواتيم عادلة بعيدة عن الاستثمار وتصفية الحسابات، رافضاً ما وصفه “تسييس الملف واستغلاله”. وهدّد حطيط بتحريك دعاوى لتنحية بيطار ضمن الأطر الرسمية إذا استمر بـ”المماطلة”، طارحا تساؤلاً عمّا إذا كان “هدف المماطلة هو مزيد من الاستثمار السياسي في الانتخابات النيابية”.
واعتبر حطيط أنّ مطالب الأهالي لم تتغيّر منذ 19-9-2020 حين أعلنوا أنّهم يريدون تحقيقاً شفافاً، ومعرفة من أتى بالنيترات؟ ولحساب من؟ ومن أنزلها وحماها وصولاً لكيفية تفجيرها، وذكر أنّ مطلب الأهالي الدائم هو محاكمة الرؤوس الكبيرة من رؤساء جمهوريات ومجالس وزراء ورؤساء أجهزة أمنية وقضائية ووزراء سابقين وحاليين.
الأهالي في الوقفتين: من يحمل إثم هذا الدم؟
على الرغم من اختلاف مواقف المجموعتين من سير عمل القاضي بيطار إلّا أنّ حزن الأمهات اللواتي تفرّقن بين ساحتين، واحد، لوعتهنّ واحدة، ومطلبهنّ بمعرفة القاتل واحد.
“دم أولادنا ما رح يروح هدر، نحن مع القاضي بيطار لآخر نفس، ما منخاف من حدا، بدّي أعرف مين قتل الشاب أبو عيون خضر، بدّي حاسبهم كلّهم”، تحت تمثال المهاجر تنهار والدة الضحية أحمد قعدان التي لم تجف دمعتها يوماً، صراخها وعويلها شقّا السماء، أبكت الجميع.
وعند بوّابة المرفأ وقفت والدة الضحية إبراهيم أمين، أضاءت له شمعة باتت عاجزة حتى عن الكلام والبكاء، تردّد جملة واحدة “تعبنا بدنا نعرف والله تعبنا”.
أما ريما الزّاهد شقيقة الضحية أمين الزاهد من جمعية الأهالي فطالبت باستمرار القاضي بيطار على رأس التحقيق للوصول إلى العدالة والمحاسبة، “ما بدنا لا زعيم ولا حزب ولا سياسي بدنا القضاء الشفاف العادل يعرف مين قتلنا أولادنا الأبرياء”. واعتبرت أنّه عندما تسطّر 14 دعوى لكف يد القاضي بيطار خلال شهرين فهذا يدلّ على إفلاس المعنيين. من جهةٍ ثانية اعتبرت الزاهد أنّ جميع المدّعى عليهم معترفون بالشبهة عليهم لكنّهم يريدون محاكم مفصّلة على قياسهم، “ما حدا قال أنا بريء، كلّهم بيقولوا ليه نحن مش هنّي أو ما بدنا هيدي المحكمة بدنا هيديك، بالخلاصة هني متّهمين”. وشدّدت على ضرورة مثول المتّهمين من الوزراء أمام القضاء العدلي، “عيب عليكم سنة وثلاثة أشهر، اتركوا القاضي بيطار يشتغل شغلو ويطلّع القرار الظنّي، ما بقى تتخبّوا ورا الحصانات والطوائف السياسية، وقفتنا تثبت للجميع إنه نحن بدنا الحقيقة لآخر نفس”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.