في الأول من نيسان انشغل الرأي العام اللبناني بخبر الكشف عن "شبكة للاتجار بالبشر" تقوم بسجن نحو 75 إمرأة سورية بين دهاليز "شي موريس" و"سيلفر"، منذ ما لا يقل عن خمس سنوات وتقوم بإستغلالهن جنسياً بأبشع الطرق، بعد أن تلقنهن ألواناً شتى من ضروب التعذيب الوحشي. فظاعة الجريمة كما روتها النساءاللواتي تحررن من هذه العصابة، أحدثت صدمة كبيرة في الرأي العام، أبرزت بشكل جلي الخطورة الفائقة للإتجار بالبشر.
ومع الكشف عن هذه الشبكة والقبض على بعض أفرادها انكشفت الأسماء تباعاً، فتم القبض على المدعو غ.ض. فيما ظل كل من ع.ر. و ع.ح. وإ.أ.ر. فارين من وجه العدالة. كما أن النساء المحررات كشفن عن اسم الطبيب ر.ع. الذي قام بإجراء عمليات إجهاض متكررة لهن. وعندما تم استدعاؤه للتحقيق، اعترف الأخير بقيامه بنحو 200 عملية إجهاض كما أشار الى طبيب البنج ج.و. الذي ساعدها في أفعاله.
وأمام هول الاحداث والوقائع التي تكشفت يومياً بعد يوماً في ملف هذه القضية، وفي ظل استمرار فرار الرؤوس المدبرة من وجه العدالة، كان لا بد من تحرك ما لمنع التستر على الجريمة وتركها تموت كما مختلف القضايا التي تشغل المجتمع اللبناني لفترة ثم تعود لتنطفئ.
من هذا المنطلق، وتضامناً مع النساء والفتيات "ضحايا الإتجار بالبشر وإنتصاراً للكرامة الإنسانية، ورفضاً لكل أشكال الإستعباد والإستغلال الجنسي والرق. ومن أجل العدالة للنساء وعدم إفلات المجرمين من العقاب"، نفذت هيئات نسوية وحقوقية لبنانية وسورية وفلسطينية، نهار الجمعة 8/4/2016، وقفة تضامنية وإحتجاجية أمام قصر العدل في بيروت، وذلك تعبيراً عن إدانة جرائم شبكات الإتجار بالبشر في لبنان.
وقد شارك في هذه الوقفة الاحتجاجية مجموعة من الجمعيات النسوية. وقد كان بارزاً طغيان العنصر الانثوي على التحرك وكأن موضوع الإتجار بالبشر هو حكرٌ على النساء دون سواهن. وقد رفعت المشاركات شعارات اعتبرت"الاتجار بالنساء والفتيات جريمة"، و"نحن بشر مش حيوانات.. لا للاستثمار الجنسي والرقيق" و"حماية النساء حقنا وكرامتنا هي المجتمع" كما اعتبرت أن "محاسبة المجرمين ومن يقف وراءهم مطلب ملح لكل من يملك كرامة انسانية".
وقد تلت كارولين سكر من "التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني" بياناً بإسم الجمعيات الداعية للمشاركة بالوقفة. واعتبر البيان أن "السلطة شريكة فيها من خلال الصمت والحياد والتغاضي والتشريع التاريخي والقانوني والواقعي لاستغلال أجساد النساء وكرامتهن وصولاً للإتجار بهن".
وطالب البيان ب "القيام بتحقيق شفاف وجاد في الملفات التي تم الكشف عنها. وكشف كل أسماء المجرمين والمتواطئين والمتدخلين ومن يؤمن الحماية لهم. وإعلان نتائج التحقيقات الى الرأي العام ورفع الغطاء السياسي عن كل من يكتشف مشاركته في هذه الشبكات واحقاق العدالة وعدم تهاون القضاء في البت بهذا الملف من خلال سرعة المحاكمات والتشدد بالعقوبات ورفض تمييع القضية بحجة جنسية الضحايا إيلاء الأولوية لملف الإتجاء بالبشر وعمل القوى الأمنية على كشف وملاحقة الشبكات الأخرى التي لا تزال نائمة وسرية ومطالبة بعض وسائل الإعلام بالتعاطي المهني والمسؤول مع القضية دون استغلال أو متاجرة والمساهمة في تحويل الملف الى قضية رأي عام".
كما طالب البيان الدولة بـ"الوفاء بإلتزاماتها بموجب المواثيق والقرارات الدولية سيما ما يتعلق بحماية النساء أثناء النزاعات. وتفعيل وتعديل وتطوير قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وقانون الحماية من الإتجار بالبشر. واستحداث قانون لتجريم العنف الجنسي في لبنان. والعمل على تعديل قانون العقوبات اللبناني بما يؤمن الحماية للنساء من مختلف أشكال الاستغلال الجنسي. وتجريم المشتري والمتاجر بالخدمات الجنسية. وإلغاء النظم التي تسهّل الاستغلال والسياحة الجنسية. وتحسين الأوضاع الانسانية والقانونية للاجئات وتسوية أوضاعهن. والتعويض على الضحايا والعمل على تقديم التأهيل والدعم النفسي والقانوني لهن".
كذلك دعا الى "تحميل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وكل المنظمات والأطر الدولية مسؤوليتها الكاملة في حماية النساء والفتيات اللاجئات. ورفع الصوت دولياً من خلال ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لحماية النساء أثناء النزاعات للقيام بدورها في التنديد الدولي بالقضية وحث الدولة اللبنانية للوفاء بإلتزاماتها".
كان بارزاً في هذه الوقفة مشاركة "المرأة الكردية"، حيث اعتصمت مجموعة من النساء والفتيات وهن يرتدين الزيّ الكردي ورفعن الشعارات المنددة، وقد تحدثت رئيسة "رابطة نوروز لأكراد لبنان" حنان عثمان قائلة: "بإسم أكراد لبنان، ندين ونستنكر الإجرام بحق النساء والفتيات القاصرات السوريات النازحات. ونحن هنا لدعمهن وللقول أن ما حصل معهن هو أمر غير انساني وغير أخلاقي ولا فرق بين من يقوم بها وما تقوم به داعش".
كما استنكرت ما قيل بحق النساء المحررات من الشبكة لا سيما وصفهن بالعاهرات معتبرة أن "الاتهامات التي سيقت بحقهن من بعض أطياف المجتمع اللبناني هي نتيجة نظرة استصغار للسوريات لأنهن لاجئات نابعة من مقاربة عنصرية لا أكثر".
بدورها رأت مسؤولة الإعلام في جمعية "كفى" مايا عمّار أن "هناك قيمة مضافة في تحرك اليوم تتمثل بمشاركة النساء السوريات" واعتبرت أن هذه الوقفة "هي بمثابة رسالة تضامن مع الضحايا نابعة من الخوف الدائم مما اعتدنا حصوله من تفلّت المدبرين والوسطاء من العقاب". وقالت:"أن مطلبنا واضح، كمنظمات حقوقية ونسوية بأن تتم محاكمة المتورطين في القضية على أساس جرم الاتجار وتعزيز الحماية للضحايا".
أما أماني نافع من "التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني" فقالت:"نحن هنا اليوم لأنه آن الأوان للمرأة اللبنانية أن ترتاح وأن تتمكن من الدفاع عن حقوقها ويجب أن يقف القانون الى جانبنا لأننا تعبنا. كفى ظلماً وقهراً للمرأة فالإجرام بحقها الى إزدياد ونحن نحاول فرض القانون ولكن لا أحد يضغي إلينا ونأمل في هذه القضية أن نلقى آذاناً مصغية".
قامت رنين دياب من جبل محسن بتلوين كفها باللون الأحمر واعتبرت ان هذا اللون يرمز الى دماء الضحايا من النساء وقالت"كفى اتجاراً واستعباداً بالنساء سواء أكنّ لبنانيا أم سوريات. بالأخص في موضوع الاعتداء الجنسي سواء أكان ذلك ضمن الإطار الزوجي أم خارجه من خلال الجرائم التي تحصل".
أما الناشطة لين الهاشم فشاركت في هذه الوقفة:"دعماً للنساء اللواتي تم تحريرهن من شبكة الاستغلال. ورفضاً للانظمة والقوانين القيم الاجتماعية التي تضع النساء او تجبرهن على الوجود في هكذا أوضاع وظروف وتسهل عمل الدعارة". معتبرةً أن"تسيهل الدعارة يرتبط أيضاً بالقوانين والأنظمة في لبنان والقيم الذكورية التي تعد من أبرز الاسباب التي تدفع الى استغلال أجساد النساء".
كانت لافتة المشاركة الخجولة لعنصر الرجال في هذه الوقفة. وفي هذا السياق تحدث الناشط الحقوقي علي سليم قائلا:"هذا دليل على أننا نعيش في مجتمع ذكوري بإمتياز. ان المرأة في لبنان تعاني من انتهاكات لحقوقها المدنية والسياسية والإجتماعية أكثر بكثير من الرجل. للتحرك اليوم رمزية مرتبطة بقضية الكشف عن شبكة الاتجار بالبشر، والتي تظهر أننا نعيش في مجتمع بالٍ فقضية كهذه لو حصلت في الخارج لما تحرك فيها المنظمات النسوية وحسب انما قد تسقط حكومات في هذا الملف".
وفيما كانت النساء يتظاهرن دعماً للضحايا الناجيات من شبكة الاتجار بالبشر وحتى لا يفلت المذنب من العقاب، كانت نقابة الأطباء في بيروت تعلن أنها "بعدما استمعت نهار الخميس 7/4/2016، الى طبيب الإجهاض ر. ع. وطبيب البنج ج. على خلفية إتهامهما بإجراء أكثر من 200 عملية إجهاض لنحو 75 فتاة من التابعية السورية، قرر المجلس التأديبي في النقابة منع الطبيب ع. من ممارسة المهنة نهائياً".
كما أعلن نقيب الأطباء الدكتور انطوان البستاني في مؤتمر له "انه تم الإتفاق على التوسع واعادة التحقيق مع طبيب البنج بقضية فتيات "شي موريس" على أن يمثل مجدداً أمام المجلس التأديبي في الأيام المقبلة".في خطوة تبدو إيجابية نوعاً ما، على أنها لن تكتمل قبل إلقاء القبض على المجرمين الأساسيين في هذه القضية ومحاكمتهم حتى ينالوا العقاب الذي يستحقونه ويكونوا عبرة لسواهم من قوّاد الشبكات التي لم يجرِ الكشف عنها حتى الآن.