بعد مرور ثلاثة أسابيع على إعلانها التوقّف القسري عن كافة الأعمال الأكاديميّة في الجامعة اللبنانية من دون أن تحرّك السلطة أي ساكن، دعت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية إلى وقفة تضامنية مع الجامعة وصفتها بالتاريخيّة، إلّا أنّ هذه الوقفة تحوّلت إلى مؤتمر “تنصّل سياسي” ممّا وصلت إليه الجامعة حضره ممثلون عن السلطة التي تحمّلها الرابطة المسؤولية عن ذلك. حضر “المؤتمر” وزير الإعلام زياد مكاري ووزير الثقافة محمد وسام المرتضى وعدد من النواب منهم عضو تكتل “لبنان القوي” النائب إدغار طرابلسي وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد نصرالله ورئيسة لجنة التربية النيابية عضو كتلة المستقبل النائبة بهية الحريري. أمّا الأساتذة فلم يحضر سوى عدد قليل منهم إذ اعتذر كثيرون لأنّهم لا يستطيعون تأمين كلفة الوصول من مكان تواجدهم إلى مبنى الجامعة المركزي في المتحف حيث الوقفة التضامنية، حسب ما أكّد رئيس الرابطة عامر حلواني.
استغرب عدد من الأساتذة أن تتحوّل هذه الوقفة إلى منبر للسياسيين إذ كانت كلمة “تضامنية” لكلّ من النائبة بهية الحريري والنائب محمد نصر الله، معتبرين أنّ على السياسيين أن يتضامنوا مع الجامعة من موقعهم وليس عبر الكلمات إذ قال أحد الأساتذة “لو كنت عارف هيك ما تكلّفت مشواراً من الجنوب إلى هنا، الخطابات السياسية ليست تضامناً”.
واعتبرت الأستاذة في كليّة العلوم الدكتورة وفاء نون أنّ ما حصل لا يمتّ إلى التضامن بصلة بل هو محاولة إعلان أحزاب السلطة والرابطة التي تعتبر امتداداً للروابط المتتالية منذ العام 2010 والتي تمثّل الأحزاب، أنّها غير مسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع في الجامعة اللبنانية.
ورأت نون في حديث مع “المفكرة القانونية” أنّ التضامن بالكلام والخطابات يكون عبر أناس لا يملكون القرار أي ليس الرابطة ولا بالتأكيد نوابا يمثّلون الأحزاب في لجنة التربيّة مضيفة أنّه من يريد أن يتضامن مع الجامعة وهو في موقع قرار فليتفضّل ويدفع حزبه إلى اتخاذ موقف يدعم زيادة موازنة الجامعة وليدفع إلى إقرار الملفات العالقة كملف التفرّغ والملاك والمدربين والعمداء.
وشدّدت نون على أنّه من الصعب على أي أستاذ تصديق تضامن أي حزب سياسي ممثَّل في السلطة مع الجامعة اللبنانية، وهو لا يقوم بواجباته عملياً لدعم هذه الجامعة، مذكرة بأنّ عدداً من ممثلي الأحزاب لديهم جامعات خاصة أو أسهم فيها.
ويُشار إلى أنّه في حين أعلنت الرابطة الإقفال القسري، يضغط عدد من العمداء والمدراء ورؤساء الأقسام ومنهم من هو عضو في الرابطة على الأساتذة لإجراء الامتحانات.
وكان رئيس الجامعة بسّام بدران أكّد لـ “المفكرة القانونيّة” أنّ الامتحانات ستجرى في موعدها وأنّ الجامعة تبذل كلّ الجهود لتأمين سيرها، رغم الإقفال القسري.
واعتبر بدران في كلمة خلال الوقفة التضامنية، أنّ الجامعة اللبنانية أسيرة منذ العام 1997، في إشارة إلى القرار رقم 42 الذي صدر العام 1997 وقضى بنقل صلاحيّة التعاقد بالتفرّغ في الجامعة اللبنانيّة من الجامعة نفسها إلى مجلس الوزراء الأمر الذي كرّس تسييس إدارة شؤون الجامعة واتخاذ الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم القرارات المتعلقة بالجامعة.
ورأى بدران أنّه في هذا التاريخ صودرت الصلاحيات الأساسية للجامعة وأصبحت كلّ متطلّباتها عرضة للتجاذبات والاستثمارات التي لا تمتّ إلى الضرورات الأكاديمية بأيّ صلة، مطالباً بإطلاق سراح الجامعة.
وشدّد بدران على أنّ محاصرة الجامعة مالياً عبر موازنتها ووظيفياً عبر منعها من تلبية حاجاتها هو اعتداء على حق الطالب في التعليم، وأنّ هذا الحق ليس مسؤولية الأستاذ والموظف بل مسؤولية الدولة، معتبراً أنّ الحلّ الجذري لما تمرّ به الجامعة اللبنانية اليوم هو إعادة الصلاحيات كاملة إليها، الصلاحيات التي أعطيت إليها بقانون وسحبت بقرار وتُعاد بقرار مماثل، على حد تعبيره.
وفي حين عبّر بدران عن شعور أهل الجامعة بأنّها “مستهدفة في استمراريتها وديمومة عملها، ذكّر بأنّ هذه الجامعة تصدرت المواجهة عندما داهم الوطن خطر جائحة كورونا وسقط شهداء في هذه المواجهة وأنفقت كل مواردها المخبرية والبحثية للدفاع عن صحة المواطن، إلّا أنّها لم تستطع حتى الحصول على حقوقها البالغة 50 مليون دولار، رغم صدور قرار عن مدعي عام ديوان المحاسبة”.
وكانت وزارة الصحة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني وقعت اتفاقية تقوم بموجبها الجامعة اللبنانية بإجراء فحوصات كورونا لجميع الوافدين إلى لبنان عبر المطار، وتأمين الكادر اللازم لهذه العملية، على أن تحصل على 45 دولاراً من أصل 50 تدفع عن كل فحص.
واستوفت الجامعة حصتها من مبلغ الخمسين دولاراً بموجب شيكات بالدولار الأميركي من شركات الخدمة الأرضية في المطار MEAG وLAT ، كان يتمّ إيداعها في حساب الجامعة اللبنانية في مصرف لبنان. واستمرّ الأمر على هذا الحال حتى بداية شهر تموز 2021 حين بدأت شركات الطيران تستوفي قيمة تذاكر السفر ومن ضمنها فحوص “بي سي آر” بالدولار الطازج (الفريش)، فرفضت الجامعة اللبنانية استلام مبالغ بغير الدولار النقدي، الأمر الذي أدى إلى احتفاظ شركات مقدمي الخدمات بالمبالغ المستوفاة لصالح الجامعة.
وأصدرت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة قراراً يطالب شركات الطيران بتحويل المبالغ كما يتم استيفاؤها، أي بالدولار الأميركي لحساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية، إلّا أنّ القرار لم ينفّذ حتى الساعة.
من جانبه شدّد رئيس الرابطة عامر حلواني، وخلال كلمة له في الوقفة التضامنية، على أنّ الجامعة اللبنانية في خطر، معتبراً أنّ موازنة الجامعة كما صدرت من مجلس الوزراء توحي بأنّ الدولة لا تريد هذه الجامعة.
وكان مجلس الوزراء أبقى موازنة الجامعة اللبنانية للعام الدراسي 2021/ 2022 على حالها بقيمة 365 مليار ليرة من دون أي تعديل، أي ما كانت قيمته 243 مليون دولار وأصبح اليوم أقلّ من 15 مليوناً، وهو أقل ما يلبّي حاجة الصيانة والمصاريف التشغيلية فقط.
وتنظر لجنة المال والموازنة حالياً في موازنة الجامعة بعدما أرسلت الأخيرة كتاباً مفصّلاً عن احتياجاتها مطالبة برفع موازنتها التشغيلية بالنسبة نفسها التي رفعت فيها موازنات إدارات حكومية عدة.
وفي حين شدّد حلواني على ضرورة إقرار ملفّ التفرّغ والملاك وعقود عمل الموظفين، أشار إلى أنّ ملفّ العمداء ما عاد يعني الأساتذة على الرغم من أهميّته، ولاسيّما أنّه تحوّل إلى حجر عثرة كلّ ملفات الجامعة لافتاً إلى أنّ هذا الملفّ لم يبتّ منذ 4 سنوات بسبب التحاصص السياسي والمذهبي.
وتضمّن اللقاء كلمة لكلّ من رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ونقيب المهندسين عارف ياسين باسم نقابات المهن الحرّة.
وكانت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية دعت إلى هذه الوقفة بعد ثلاثة أسابيع على إعلانها التوقّف القسري عن كافة الأعمال الأكاديمية، في وقت لا يزال الأساتذة المتعاقدون في الجامعة والذين يشكلون 80% من الكادر التعليمي يلتزمون بالإضراب منذ بداية العام الدراسي مطالبين بإقرار ملف التفرّغ.