منحت استقالة حكومة السيد علي العريض وحصول حكومة الاستاذ مهدي جمعة على ثقة المجلس الوطني التأسيسي في 28/1/2014 للسيد حافظ بن صالح صفة وزير العدل التونسي الحالي، خلفا للسيد نذير بن عمو. كان انتقال المهام بين الوزيرين اجراء املته خارطة الطريق التي توافقت عليها الاطراف السياسية بعيدا عن تقييم الاداء الخاص بالوزارة والوزير وشمل الحكومة برمتها. الا أنه يتبين من واقع انسداد سبل التواصل بين الوزير السابق وهياكل القضاة والهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي أن التغيير الوزاري ورد بمنظور مصلحة مرفق القضاء في توقيت مثالي على اعتبار انه قد يكون المخرج الوحيد من أزمة باتت تنذر بتعطيل مؤسسات القضاء. وكانت هذه الأزمة قد اشتعلت بين وزير أصر على التحكم في المسارات المهنية للقضاة وعد أي تراجع عن ذلك استهانة به وتعديا على منصبه ينذر بجعله حسب قوله "يتحكم في الجدران" وقضاة باتوا يتمسكون برفض وصاية وزارة العدل عليهم.
استغرق البحث لوزير العدل عن دور في التعيينات القضائية كامل مجهود وزير العدل السابق الذي كان اول وزير للعدل في تونس يباشر مهامه في ظل هيئة مستقلة عنه تباشر التعيينات والنقل القضائية. فقد حاول الوزير ان يستعمل ما له من نفوذ للتصدي لتفرد الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بالتعيينات القضائية بعد ان اعتبرها بناء فوضويا أهمل حقه في تعيين اعضاده اي القضاة السامين. وانحصر بالتالي عمله او كاد في السعي لفرض تأويل لنص القانون الاساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 02 ماي 2013 المتعلق بإحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي يمكنه من اجراء تعيينات في القضاء فسعى الوزير لتمرير تعيينات في المناصب القضائية العليا بدعوى ان اختيار من يشغل تلك المناصب يظل من مشمولاته عملا بالقانون الاساسي عدد29 لسنة 1967 المؤرخ في14 جويلية 1967 المتعلق بالقانون الاساسي للقضاء. الا انه اصطدم بفشل نتيجة تصدي القضاة والمجتمع المدني لمسعاه و تمسكهم بضرورة احترام صلاحيات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، دون ان يثنيه ذلك عن المثابرة في مسعاه. فآل امره الى خيبات متعاقبة كان آخرها فشله في اقناع المجلس الوطني التأسيسي بالاعتراف في دستور الجمهورية الثانية لوزير العدل بسلطة التحكم في الادعاء العام والمشاركة في تعيين سامي القضاة.
ويجد الوزير الجديد نفسه مطالبا في بداية عهده بإبداء موقف صريح في قراراته واسلوب ادارته لمقاليد وزارته من تركة سلفه خصوصا وهذا الأخير أصر قبل أسبوع واحد من مغادرته لمنصبه على اعلان فصل جديد من فصول سعيه لفرض حق الوزير في تعيين القضاة بإعلانه عن مشروع انتداب قضاة من خارج المعهد الاعلى للقضاء بقرار منه. ويكون الوزير المكلف بالتالي مرغما على اختيار موقف من اثنين: فإما يواصل حرب من سبقه في الدفاع عن موروث المنصب في التعيينات، واما ينتصر لتصور جديد لهذا المنصب يكون أكثر توافقا مع روح دستور الجمهورية التونسية الثاني الذي سيكون اول وزير للعدل يعاصر نفاذه.
ويبدو "تصور دور وزير العدل" في ظل قضاء يتمتع بضمانات استقلالية القضاء ويستقل هيكليا وعضويا عن ممثل السلطة التنفيذية في بلد يسعى الى تحقيق انتقال من حقبة استبدادية لمنظومة ديموقراطية لا عهد لنخبه وساسته بها مهمة صعبة. وينهض على الوزير الجديد إذا ما اختار ان يكون له دور مؤسس في المجال ان يقطع مع عهدة سلفه بعد ان يستخلص العبرة من تجربته. وذلك لغاية بناء تصور بديل لدور وزير العدل يوفق بين مسؤولية المسؤول الحكومي في انجاح اصلاح منظومة القضاء وتوفير مستلزمات قيام سلطة قضائية مستقلة والتنازل البناء عن طلب الاستفادة بما كان لأسلافه من قدرة على زراعة الخوف لدى القضاة وشراء ولاءاتهم بالنقل والترقيات. وقد يكون نموذج وزراء العدل في الانظمة الديموقراطية السبيل امام المسؤول الحكومي للقطع مع تصورات ثقافية موروثة لنفوذ الوزير اعيت من سبقه واستغرقت جهده فاضطرته لمغادرة وزارته دون ان يكون له من اثر الا خصومات ونزاعات موضوعها الدفاع عن الماضي في مواجهة استحقاقات استقلالية القضاء.
الصورة منقولة عن موقع الصحوة
متوفر من خلال: