وزير العدل التونسي يعيد احياء ممارسات نظام الاستبداد: نقلة القضاة بمذكرات عمل


2013-10-16    |   

وزير العدل التونسي يعيد احياء ممارسات نظام الاستبداد: نقلة القضاة بمذكرات عمل

تولى وزير العدل التونسي يوم 14 اكتوبر 2013 مباشرة عدد من التعيينات في خطط قضائية شملت رئيس المحكمة العقارية والمتفقد العام بوزارة العدل ومدير مركز الدراسات القضائية ورئيس المحكمة الابتدائية بتونس. وحاول الوزير ان يفرض من خلال قراره الذي ورد يوما واحدا قبل انطلاق عطلة عيد الاضحى قراءة خاصة به لأحكام القانون الاساسي عدد 13 لسنــة 2013 مؤرخ في 2 ماي 2013 والذي يتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي مفاده حفظ صلاحيته بممارسة تعيينات قضائية خارج هيئة القضاء العدلي.

وقد كشفت قرارات التعيينات التي باشرها ممثل السلطة التنفيذية عن اصراره على رفض الاقرار بولاية هيئة القضاء العدلي على المسارات المهنية للقضاة في إطار اتجاه ثلاثي الابعاد يصنع للوزير مجالا مخصوصا في تعيينات القضاة. فقد بينت القرارات في بعدها الاول (تعيين رئيس المحكمة العقارية والمتفقد العام بوزارة العدل) سعي الوزير لان يفرض فعليا ما يعتبره حقا له في تعيين سامي القضاة بما يشكل سابقة اجرائية تؤيد ما تمسك به لجهة أن الخطط المذكورة يتم التعيين فيها من خارج الهيئة. فيما بينت قراراته في بعدها الثاني (تعيين مدير مركز الدراسات القضائية) سعيه لإقصاء فقه هيئة القضاء العدلي السابق. وكان الوزير قد طلب سابقا من الهيئة بمناسبة اعدادها للحركة القضائية لسنة 2013-2014 بأن تمتنع عن اجراء تعيينات بمركز الدراسات القضائية بحجة انها مؤسسة ملحقة بوزارة العدل وتعود له وحده صلاحية تعيين العاملين به. فرفضت الهيئة بحجة أن الفصل 14 من قانون انشائها نص صراحة على ان "ترقية القضاة ونقلتهم تتم بأمر من رئيس الحكومة بناء على رأي مطابق من الهيئة" وباشرت تعيينات بمركز الدراسات لكون الفصل 20 من هذا القانون اقتضى ان جميع القوانين التي تتعارض مع احكامه تعد ملغاة. وانتهت القرارات في بعدها الثالث لمنح الوزير صلاحية اجراء تنقلات للقضاة خارج الحركة القضائية بمذكرات عمل اذ تم بمناسبتها تعيين رئيس جديد للمحكمة الابتدائية بتونس في إطار سعي لإعادة نظام مذكرات العمل الذي كان ينص عليه القانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 المتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة رغم ان القانون المحدث لهيئة القضاء العدلي ألغى العمل به بعد ان اسند صلاحية نقلة القضاة للهيئة وحدها دون سواها.

وجهت قرارات الوزير في ابعادها المختلفة رسالة مباشرة لهيئة القضاء العدلي مفادها ان السلطة التنفيذية لا تقبل بفكرة وزير للعدل لا يشارك في نقلة القضاة وبينت ان السلطة التنفيذية تصر على دور لها في توزيع المناصب القضائية. وكانت رسائله عميقة في اثرها على الهيئة اذ ادت للمس من تركيبتها بما انها أنهت عمل عضوين سابقين بها وأدت الى استبدالهما بغيرهما على اعتبار ان المتفقد العام ورئيس المحكمة العقارية عضوان معينان بمقتضى صفتهما المهنية بهيئة الاشراف على القضاء العدلي وشملتهما قرارات التعيين. كما وجهت ذات القرارات رسالة للقضاة مفادها ان اقرار قانون الهيئة القضائية المستقلة لا يؤدي بالضرورة لإنهاء تسلط الوزارة على مصائرهم في مساراتهم المهنية خلافا لتوقعاتهم السابقة بعد ان اعادت القرارات للحياة مذكرات العمل بما يؤدي لتمتع الوزير بصلاحية نقلة القضاة خلال السنة القضائية وخارج كل حركة قضائية.

وكان لافتا تزامن هذه القرارات التي تفرد وزير العدل باتخاذها من دون اعلام هيئة القضاء العدلي بها بشكل مسبق ودون ان يوجه اليها بشكل لاحق اعلاما رسميا بها، مع بلاغ صحفي صدر عن ذات الوزير على خلفية ازمة محاولته السابقة تعيين مدير عام لمعهد المحاماة دون تشاور مع هيئة المحامين. وقد تضمن البلاغ تمسك الوزير بالتشاور مع هياكل المحامين في تعيين مدير معهدهم وتعهده بان لا يباشر اي تعيين دون تشاور مسبق. ويستخلص من ذلك ان وزارة العدل التي تجاهلت هيئة القضاء العدلي ورفضت الاعتراف بصلاحياتها القانونية بالاستناد لنصوص قانونية منازع فيها رضخت في تعاطيها مع المحامين لالتزامات فرضها عليها جريان عمل سابق يقتضي التشاور مع هياكل المحامين قبل تعيين مدير معهد المحاماة رغم ان القوانين لا تفرض عليها ذلك.

وتبين ازدواجية المعايير ان القوانين المجردة لا تضمن وحدها الحد من سعي السلطة التنفيذية للتحكم بالشأن القضائي ما لم يعاضدها ايمان حقيقي من القضاة بضرورة الدفاع عن استقلاليتهم من خلال الدفاع عن استقلالية مؤسساتهم. وهو الامر الذي بين وعي المحامين وتضامنهم انه السبيل الوحيد لتحقيقه وينتظر من هياكل القضاة ومن هيئتهم المستهدفة بلورة تصورات نضالية تحمي المكتسبات وتفرض رفض اعادة انتاج منظومة التحكم في القضاء من خلال ولاءات التعيينات. وقد يكون في الالتجاء للمحكمة الادارية كتحرك نضالي يطلب رأي القضاء في الخلاف الطارئ ويمنع فرض الامر الواقع بوابة لإنهاء محاولة التسلط على قضاء يعد دستورا سلطة ويتعامل معه فعليا كطرف دون سلطة.
 
الصورة منقولة عن موقع الجزيرة

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني