وزير التربية يهدّد مجّانية التعليم: فرض 50 دولارًا يعيق وصول الفقراء إلى التعليم


2024-09-01    |   

وزير التربية يهدّد مجّانية التعليم: فرض 50 دولارًا يعيق وصول الفقراء إلى التعليم
من اعتصام اتحاد الأهالي في طرابلس للمطالبة بالتراجع عن القرار

في الوقت الذي ينتظر فيه المعنيّون بالتربية خطّة للعام الدراسي المقبل ولاسيّما في القطاع الرسمي الذي يعاني منذ بدء الانهيار الاقتصادي، خرج وزير التربية والتعليم عباس الحلبي بقرار يفرض على أولياء الأمور دفع مساهمة مالية لصناديق الأهل في التعليم الرسمي ما يتعارض مع مبادئ إلزاميّة التعليم ومجّانيته ولاسيّما المرسوم 134/1959 وتعديلاته.

وأصدر الحلبي في 22 آب الجاري، قرارًا فرض من خلاله على أهالي التلامذة في مرحلتي الروضة والتعليم الأساسي الرسمي بحلقاته الثلاث، دفع مساهمة مالية بقيمة 4 ملايين و500 ألف ليرة في صناديق مجالس الأهل في المدارس والثانويات الرسمية عن كلّ تلميذ لبناني، و9 ملايين ليرة عن كلّ تلميذ غير لبناني للعام الدراسي الحالي والأعوام اللاحقة. 

ويُعفي القرار التلميذ الرابع وما فوق من الأخوة المسجّلين في المدارس، ويمكن للأهالي أن يسدّدوا بالتقسيط على ثلاث دفعات مقدار المساهمة المتوجّبة عليهم شرط أن يتمّ تسديد كامل المبلغ المطلوب قبل 31 كانون الثاني. 

وقد استفزّ القرار عددًا من المحامين الذين بادروا إلى الطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة لاعتباره غير قانوني، في مقابل رأي قانوني آخر يعتبر القرار قانونيًا إذ إنّ “مساهمة الأهالي في تغذية صناديق “مجالس الأهل” وبصرف النظر عن قيمتها، هي صحيحة وقانونية، لوجود قانون ينصّ على إنشائها يُعطي وزير التربية صلاحية إصدار القرارات اللازمة لتنظيمها وتحديد أعمالها ومهامها”.

وعلى الرغم من عدم التوافق على مدى قانونيّة هذا القرار من عدمه، يُجمع أهل الاختصاص الذين قابلتهم “المفكرة” بأنّ القرار غير إلزامي، لأنّه يتناول سقف المساهمة وليس قيمتها، فيما تحتاج هذه المساهمة إلى موافقة مجالس الأهل وهي غير إلزاميّة. ولكنّ عدم توضيح هذا الأمر وضع أولياء الأمور في وجه مديري المدارس الذين بدأ بعضهم بالتهديد بعدم تسجيل من لا يدفع هذه المساهمة.

وفي هذا الإطار يقول الباحث التربوي نعمة نعمة إنّ عدم دفع أولياء الأمور للمساهمة لا يمنع ولا بأي حال تسجيل أي طالب، وبالتالي لا يحقّ لأي مدرسة أن ترفض تسجيل الطالب الذي يتخلّف عن الدفع وذلك بموجب قوانين عدّة ومبدأ مجانيّة التعليم، فهذا المبدأ لا يمنع تقاضي مساهمة ولكنّه لا يفرضها.

وأرسل أحد أولياء الأمور لـ “المفكرة” تسجيلا صوتيا من إحدى المدارس يطلب من الأهالي الذين سجّلوا التلامذة القدامى، إمّا أن يدفعوا ما اسمته المدرسة “رسوم تسجيل” وحدّدتها بـ 4 ملايين و500 ألف للبناني و9 ملايين لغير اللبناني قبل الثلاثاء المقبل وإلا ستعتبر المدرسة أنّ هؤلاء التلامذة غير مسجلين لأنّه وحسب المدرسة “هذا تعميم الوزير ومش من عندي”.  

وأثار هذا القرار غضب لجان الأهل ولاسيّما أنّه جاء باسمهم من دون استشارتهم، إذ اختار الوزير حسب ما عبّر بعضهم، صندوق الأهل بسبب عدم وجود مانع قانوني لمساهمة الأهل فيه وهم يديرونه، ما دفع هذه اللجان إلى توحيد جهودها ورفع الصوت للمطالبة بالتراجع عنه بعد الشكاوى التي أتت من أولياء الأمور الذين عبّر بعضهم عن إمكانيّة عدم تسجيل طفل على الأقل من أبنائهم في حال عدم التراجع عن القرار.   

ووصف العديد من أولياء الأمور القرار بأنّه بعيد عن واقعهم، إذ إنّه في حين قد تُعتبر الـ 50 دولارًا مبلغًا مقبولًا للحصول على التعليم، هناك عائلات لا تستطيع تأمين هذا المبلغ الذي يبلغ ربع قيمة الحدّ الأدنى للأجور. وبالتالي فإنّه بغضّ النظر عن قانونية قرار الوزير فإنّ المبلغ يشكّل عائقًا أمام وصول العديد من الطلّاب إلى التعليم وهو ما يتعارض مع الهدف من وراء مجّانية وإلزاميّة التعليم.   

ويتخوّف تربويّون ومعنيّون من أن يُسرّع هذا القرار في القضاء على التعليم الرسمي عبر مساهمته في إقفال المدارس الصغيرة ولاسيّما في القرى النائية، بعدما تحوّلت المستلزمات الأساسيّة من نقل وقرطاسيّة وملابس وفي ظلّ الانهيار الإقتصادي، إلى عائق أمام الوصول إلى الحقّ في التعليم. كما يتخوّف هؤلاء من تحويل المدرسة الرسمية إلى نوع جديد من التعليم الخاص عبر تمويله تدريجيّا من الأهالي، ومن دور أوسع للأحزاب السياسيّة التي ستُبادر بطبيعة الحال إلى التكفّل بدفع هذه المساهمة.

ومن المقرّر أن تقوم النائبة حليمة القعقور بمساءلة وزير التربية حول هذا القرار كما تؤكّد لـ “المفكرة”، مشيرةً إلى أنّها ستدعم كلّ الجهود القانونيّة التي تبذل في إطار الطعن بهذا القرار الذي ينتهك القوانين والمراسيم ويتعارض مع حقوق الأفراد في التعليم المجاني.

ويتمنّى الأهالي أن يعود الوزير عن القرار أو أن يقبل مجلس الشورى الطعن به قبل بدء التسجيل، إذ إنّهم يخشون أن تجبرهم المدارس دفع هذه المساهمة ليُلغى القرار بعدها، أو يأجّلون التسجيل إلى بعد نتيجة الطعن فلا تستقبلهم المدارس. 

وكانت القعقور كتبت على منصّة “إكس” منشورًا يشرح أنّ قرار الوزير يُخالف المرسوم رقم 9706/2022 الذي وقعه لتنظيم وتحديد شروط التعليم المجاني الإلزامي، ويُخالف المرسوم رقم 134/1959 وتعديلاته الذي ألزم الدولة بمجانية التعليم، كما أنّ قانون الموازنة العامّة للعام 2004 نصّ بإحدى مواده صراحة وخلافًا لأيّ نصّ آخر، على إعفاء تلامذة مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساسي من مساهمة الأهل في تغذية صندوق المدرسة الرسمية، وذلك ابتداء من العام الدراسي 2003- 2004، بالإضافة إلى إدراج بند في الموازنة العامّة ينصّ على “بدل إعفاء التلامذة من رسوم الأھل”.

واعتبرت قعقور أنّ التعليم الرسمي هو مسؤولية الدولة والمواطن يدفع ضرائبه وعلى الدولة تأمين التعليم والصحة مجانًا، وهذه حقوق لا يمكن التنازل عنها.

الكثير من الأسر لا تملك الخمسين دولارًا    

يعبّر العديد من أولياء الأمور الذين التقتهم “المفكرة” أنّ وزارة التربية بعيدة عن واقعهم، فهناك عائلات لا تستطيع تأمين هذا المبلغ كما تقول والدة طالبين في منطقة زحلة مضيفة: “لو أستطيع تأمين المبلغ لدفعته أنا مع دعم المدرسة الرسمية ولكن من أين يمكن تأمينه وهو يمثّل حوالي 20% من راتب زوجي، وعندي ولدان في التعليم الرسمي”.

الأمر نفسه تُكرّره معلّمة في إحدى مدارس الشمال إذ تقول في حديث مع “المفكرة” إنّ الأعوام الدراسيّة الماضية شهدت تراجعًا في تسجيل الطلّاب بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لافتة إلى أنّ ظاهرة الطلّاب الذين يعملون بعد الظهر أصبحت أكثر انتشارًا.

وانطلاقًا من هذا الواقع، تخشى هذه المعلمة من أن يُساهم هذا القرار بمزيد من التسرّب وحرمان المزيد من الأطفال من حقّهم في التعلّم. وفي الإطار نفسه تقول رؤى وهي والدة لأطفال ثلاثة بأنّ المشكلة الأساسيّة تأتي بفرض 50 دولارًا على الطالب في وقت يُصارع بعض أولياء الأمور لتأمين الحدّ الأدنى المطلوب من الغذاء والملبس. وتقول لـ “المفكرة” بأنّه في حال عدم إبطال القرار قد لا تسجّل أقلّه ابنتها الصغيرة وهي في الروضة هذا العام في المدرسة. 

ويضع من تواصلت معهم “المفكرة” قرار وزير التربية في إطار تحميل الطلّاب جزءًا من تمويل التعليم الرسمي وسط تخوّف الوزارة من عدم تمويل الجهات المانحة صناديق المدارس هذا العام.

ويحاول الوزير عبر قراره، وحسب القيادي في التيار النقابي المستقل جورج سعادة، أن يُظهر الأمر كأنّه ليس إجراء ماليّ يحتاج إلى قانون بل مساهمة ستكون لصندوق الأهل يُديرها الأهل أنفسهم، في وقت ترفض مجالس الأهل نفسها هذا القرار. ويُضيف سعادة أنّه بعيدًا من الجانب القانوني السؤال الأساسي هو حول قابلية تنفيذ هذا القرار في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وليس بعيدًا، يقول مدير مدرسة في الهرمل إنّ الوزير يحاول بقراره، وفي حال كان إلزاميا، التحايل على القانون ليبدو أنّه يُحافظ على مبدأ مجانيّة التعليم وذلك بربطه المساهمة بصندوق الأهل الذي يُدار من مجالس الأهل وحيث يمكن للأهل المساهمة ماليا بخلاف صندوق المدرسة الذي يموّل بشكل أساسي من الوزارة والجهات المانحة ويُدار من المدرسة، مع العلم أنّ هناك مدارس دمجت بين الصندوقين، والقانون يسمح بتحويل الأموال من صندوق إلى آخر، بشروط معيّنة، ما يُعيدنا إلى فكرة التحايل في قرار الوزير، بحسب المدير.

على سبيل المثال تقول أمينة سر صندوق الأهالي في مدرسة بقضاء زحلة في اتصال مع “المفكرة” إنّ مدير المدرسة حيث تعمل اتصل فيها بعد 30 حزيران أي تاريخ انتهاء صلاحيات المجلس، ليخبرها بأنّ عليها أن توقّع موافقة على طلب سلفة بـ 5 آلاف دولار من صندوق الأهالي إلى صندوق المدرسة، بعدما وقع رئيس مجلس الأهل ونائبه. وتُضيف: “فعلًا سُحبت السلفة من قبل الإدارة، وبموافقة من مجلس أهل منتهيّة صلاحيته، لأنّ مدير المدرسة يتحكّم بالأمر”.

وفي الإطار نفسه، تقول أمينة السرّ إنّ الوزير طلب مساهمة باسم لجان الأهالي من دون استشارتهم، مشيرة إلى أنّه في بعض المدارس أصبح وجود لجان الأهل صوريًا، إذ سُلبت صلاحيّاته من قبل المديرين. 

ويتّفق معظم من تواصلت معهم “المفكرة” على أنّ هذا القرار سيُساهم في مزيد من التسرّب المدرسي كما مديرة مركز الدراسات اللبنانية مها شعيب التي توضح أنّ العديد من الدراسات التي قام بها المركز بيّنت أنّ الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الماضية أثقلت كاهل الأهالي ووضعتهم أمام خيارات صعبة منها التخلّي عن حقّ أبنائهم في التعليم ممّا رفع نسب التسرّب.

وتشدّد شعيب على أنّ مبدأ مجّانية التعليم غير مطبّق في لبنان بالشكل المطلوب إذ لا يعني هذا المبدأ فقط الإعفاء من رسوم التسجيل بل تأمين كلّ الظروف التي تضمن وصول الطالب إلى المدرسة ومنها بدل النقل الذي كان عائقًا أمام الوصول إلى الحقّ في التعليم خلال الأعوام الماضية.  

وتلفت شعيب إلى أنّ الوزير لم يشرح الهدف من هذه المساهمة وكيفيّه صرفها وذلك في ظلّ غياب الخطة الرسمية للعام الدراسي المقبل ولاسيّما جنوبًا، وبالتالي هذه المساهمة ليست الحل لدعم المدارس الرسمية.

من جهة أخرى، يتخوّف تربويون من مساهمة هذا القرار في تدخّل أوسع للأحزاب من باب التكفّل بهذه المساهمات فضلًا عن القضاء على المدارس الصغيرة ولاسيّما في الأطراف، كما يقول مدير مدرسة في الهرمل مشيرًا إلى أنّه خلال السنوات الماضية ورغم مجانيّة التعليم تراجع أعداد المسجلين في مدرسته بسبب عدم قدرة الأهل من تكبّد مصاريف العام الدراسي قائلًا: “بعد فرض الرسوم سيزداد عدد المتسرّبين وشيئًا فشيئًا ستقفل المدارس الصغيرة ولاسيّما في القرى، الوضع كارثي”.

فرض رسوم تسجيل عبء إضافي على الجنوبيين 

“بدلًا من مساعدتنا، يفرضون علينا رسومًا، الدولة يجب أن تهتمّ بنا نحن نازحون عن قرانا نعيش تحت تهديدات إسرائيليّة يومية” تقول سوسن وهي جدّة ولدين يتيمين في المرحلة الأساسيّة يدرسان عن بعد في مدرسة كفرشوبا الرسمية، متحدّثة لـ “المفكرة” عن عدم قدرتها على تكبّد أي تكاليف إضافية ولاسيّما في ظلّ النزوح الذي أفقد العائلة مصدر رزقها الوحيد وهو عمل زوجها في مجال الصيانة والتصليحات. نزحت سوسن مع عائلتها منذ حوالي عشرة أشهر من قريتها في كفرشوبا إلى حاصبيا حيث اضطّرت مؤخرًا إلى استئجار منزل بعد إخلاء مركز الإيواء الذي كانت تُقيم به، وفي ظلّ عدم وجود أي دخل تخاف سوسن من عدم قدرتها على تسجيل حفيديها هذا العام في المدرسة. “نحن إيجار المنزل وتأمين احتياجاتنا اليوميّة بالكاد نتحمّلها، مبلغ خمسون دولار عن كلّ طفل ليس بسيطا حاليا، أخاف أن يُحرم حفيديّ من حقّهما في التعليم” تقول.

كما سوسن يُكرّر من التقتهم “المفكرة” من أولياء أمور نازحين من الجنوب عدم قدرتهم على تكبّد أي تكاليف إضافيّة ويعبّرون عمّا يُشبه الصدمة من فرض الدولة عليهم رسومًا بدلًا من مساعدتهم في الظروف الحاليّة. “أكيد هذا القرار يأتي في التوقيت الخاطئ” يقول وليد وهو أب لأربعة أبناء 3 منهم في المدرسة وهو النازح منذ بداية الحرب من قرية حلتا. يروي وليد لـ “المفكرة” أنّه منذ حوالي 11 شهرًا وهو شبه متوقّف عن العمل “أنا أعمل بالفاعل، وبعدما خرجت من قريتي لم أجد عملًا، أصرف من لحمي الحي، أبيع ما يمكن بيعه لدفع كلفة الإيجار والمصاريف اليوميّة” يقول لـ “المفكرة”. ويشير إلى أنّه سيضطرّ حاليًا إلى بيع سيّارته وهو آخر ما يملك من أجل دفع رسوم تسجيل أبنائه في المدرسة وتأمين المستلزمات الأساسيّة “150 دولارًا سأدفع بدل تسجيل، هذا غير المتطلّبات الأخرى من قرطاسيّة ونقل إذا كان التعليم حضوري أو انترنت إذا كان عن بعد وقرطاسيّة، من أين يأتي من اضطّر للنزوح وخسر عمله بدولار فكيف بـ 150؟” يقول.

ويُشار إلى أنّه وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هناك 110.000 شخص نزحوا جرّاء الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرة جنوبًا منذ تشرين الأول، 35% منهم من الأطفال. وأشار المكتب إلى أنّ التقديرات تشير إلى أنّ ما يقرب من 150,000 شخص ما زالوا داخل الخط الأزرق. ونبّه إلى أنّ 23% من السكّان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بعد أن كانت نسبة هؤلاء 19% في آذار الماضي. 

وليس بعيدًا كانت “اليونيسيف” أشارت في بيان مع انطلاق العام الدراسي الماضي إلى تدهور متزايد في معظم جوانب حياة الأطفال وإلى أنّ إغلاق عشرات المدارس في جنوب لبنان بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة ما أثّر على أكثر من 6000 طالب.

رأي قانوني يعتبر القرار مخالفًا للقانون ويطعن أمام الشورى 

بعد أيّام قليلة على صدور القرار تقدّم مكتب المحامي زياد أحمد عجاج والمحامي خليل عيش بطعن في القرار أمام مجلس شورى الدولة بوجه الدولة اللبنانية (وزارة التربية) لما يتضمّنه القرار من مخالفات صريحة للقانون والدستور وللمراسيم المرعيّة الإجراء فضلًا عن مخالفته لمبادئ العدالة المشروعة والإنصاف والنزاهة والمساواة.

ويشرح عجاج في اتصال مع “المفكرة” هذه المخالفات فيذكّر بأنّ الفقرة “ب” من مقدمة الدستور تنصّ على أنّ لبنان “عضو مؤسّس في الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ممّا يُلزم الدولة اللبنانية ووزارة التربية العمل بما ينصّ عليه هذا الإعلان من أنّ “لكلّ شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفّر التعليم مجانًا على الأقلّ في مرحلتيه الابتدائية والأساسية”، مشيرًا إلى أنّ وزارة التربية في الحكومات المتعاقبة عملت على تكريس هذا الحق حتى تاريخ إصدار هذا القرار.

ويضيف عجاج أنّ هذا القرار أيضًا ينتهك إقرار مجلس النواب عام بموجب القانون رقم 150 لعام 2011 الذي قضى بالتزام لبنان مبدأ مجانية التعليم وإلزامّيته، تاركًا تنظيم شروطه لمجلس الوزراء.

من جهة أخرى يرى عجاج أنّ القرار يُخالف مبدأ موازاة الصيغ الذي يعني أنّ السلطة التي تضع شروطًا معيّنة هي السلطة التي تعدّل هذه الشروط، وعلى اعتبار أنّ مجلس الوزراء هو من يضع شروط التنظيم، يكون وزير التربية انتهك صلاحية سلطة أخرى، ولا يجوز لسلطة دنيا أن تحلّ محلّ سلطة عليا. ويشدّد على أنّ مبدأ مجانية التعليم في مرحلتي الابتدائي والأساسي من العناوين التي أكّدتها وثيقة الوفاق الوطني ممّا يُعطي هذا المبدأ بعدًا وطنيًا ودستوريًا، فلا يجوز أصلًا تجاوزه سواء بقرار أو بقانون بأي حال.

بعيدًا من الجانب القانوني، يعتبر عجّاج أنّه من دواعي إبطال هذا القرار أيضًا أنّه يأتي في وقت يتعرّض فيه جنوب لبنان إلى اعتداءات إسرائيليّة نتج عنها نزوح آلاف العائلات وخسارتها لعملها فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي دفعت الكثير من الأطفال إلى التسرّب من المدرسة والانخراط في سوق العمل نتيجة التدهور المادي لأوضاع عائلاتهم. ويشير إلى أنّ هذا الأمر يحصل في المناطق في ظلّ التعليم المجاني فكيف إذا فُرضت مساهمة على هذا التعليم.

ويُشدّد عجاج على أنّ هذا القرار يأتي في ظلّ تعميق المعنيين للأزمة والنهب المنظّم للموارد والفساد وعدم وجود قطاعات إنتاجيّة، وبدلًا من سعي السلطة إلى الحلول، تأتي لتُدَفّع المواطن الثمن كالعادة وهذه المرّة في حقّ أساسي من حقوقه وهو التعليم، وكأنها تقول العلم ليس لأبناء الفقراء.

..وآخر يعتبره قانونيًا والمساهمة غير ملزمة 

من جهة أخرى ترى المحاميّة ملاك حمية أنّ القرار قانوني ولكنّه بطبيعة الحال سيحرم عددًا من الأطفال من الوصول إلى التعليم وقد يساهم بمزيد من التسرّب. وتشرح حمية في حديث مع “المفكرة” أنّ المشرّع اللبناني تحدّث عن مجّانية التعليم وإلزاميّته ولكنّه اعتبر أنّ مجّانية التعليم تشمل إعفاء التلامذة من دفع أي قسط مدرسي في المدارس الرسميّة، مع الإبقاء على دفع رسوم تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.

وتوضح حميّة كيف تدرّج المشرّع في إقرار مجّانية التعليم وإلزامّيته بدءًا من العام 1959 وتحديدًا بموجب المادة 49 من المرسوم الاشتراعي رقم 134 التي نصّت على مجّانية التعليم ومع نصّ المادة 50 من المرسوم الاشتراعي نفسه التي تحدّثت عن استيفاء رسوم، إذ جاء في نصّها “يقبل التلامذة مجانًا في المدارس الرسمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، غير أنّه يُستوفى من كلّ واحد منهم رسوم تحدد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء”.

وتشرح حميّة أنّ المشرّع عدّل المادة 49 من المرسوم أكثر من مرّة منها في العام 1998 حين أضاف إلزاميّة التعليم وفي العام 2022 حين وسّع المجانيّة والإلزاميّة لتشمل التعليم الأساسي وكلّ طفل في لبنان، من دون تمييز أو تفرقة لأي سبب وشمل “مكتومي القيد إلّا أنّه مع كلّ هذه التعديلات أبقى على نصّ المادة 50 التي تتحدّث عن رسوم تحدّد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء”.

وتُشير حمية إلى أنّ “الرسوم المذكورة في المادة 50 والتي تحدّد قيمتها وطرق استيفائها بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، تختلف عن مُساهمة الأهالي في صندوق مجلس الأهل التي وردت في الفقرة الأخيرة من المادة 2 من المرسوم  رقم 9706 (وهي موضوع قرار وزير التربية رقم /680/م/2024)، والتي يدخل أمر تحديد قيمتها ضمن صلاحيّة وزير التربية والتعليم العالي حصرًا. فالقانون رقم 36 لعام 1987  يُجيز لوزير التربية والتعليم العالي “إصدار القرارات اللازمة لتنظيم وتحديد أعمال ومهام صناديق المدارس وتنفيذ أحكام هذا القانون”. كما أنّه في العام 2007، صدر قرار عن وزير التربية والتعليم يتعلّق بنظام مجلس الأهل في مدارس رياض الأطفال والتعليم الأساسي والثانويات الرسمية، ونصّت المادة /24/ منه على أنّ مالية (صندوق) مجلس الأهل تتكوّن من مُساهمات الأهالي التي” يُحدّد وزير التربية سقوفها إضافة إلى التبرعات والمُساعدات التي تُقدمها المراجع الرسمية” وأنّ هذه المُساهمات، تُؤمّن نفقات الرعاية الصحيّة للتلامذة، ومُساعدة التلامذة المُحتاجين، وشراء التجهيزات اللازمة والوسائل التربوية الضروريّة، وكل ما يُساهم في تحقيق جودة التعليم وتحسين نوعيّته في المدارس الرسميّة.

وانطلاقًا ممّا تقدّم يمكن القول وحسب حميّة إنّ مساهمة الأهالي في تغذية صناديق “مجالس الأهل”، وبصرف النظر عن قيمتها، هي صحيحة وقانونية، لوجود قانون ينصّ على إنشائها ويُعطي وزير التربية صلاحية إصدار القرارات اللازمة لتنظيمها وتحديد أعمالها ومهامها.

من جهة أخرى تعتبر حميّة أنّ المساهمة المذكورة بالقرار غير ملزمة للأهالي، إذ إنّه بموجب المادة 24 من القرار رقم  2153/3/2007 الصادر عن وزير التربية والتعليم العالي في تاريخ 3/10/2007، تتكوّن مالية مجلس الأهل من مُساهمات الأهالي والتبرّعات والمساعدات، وتُحدّد اللجنة الإداريّة لمجلس الأهل قيمة هذه المساهمة عند إعداد مشروع الموازنة “ضمن السقوف المُحددة من وزارة التربية” وفي ضوء توصيات الهيئة العامّة. 

وهذا يعني بأنّ قيمة مساهمة الأهالي في تغذية صناديق مجالس الأهل التي يُحددها وزير التربية، ليست مُلزمة لمجلس الأهل، بل يحقّ للّجنة الإداريّة فيه تعديل قيمتها عند إعداد مشروع المُوازنة بناء لتوصيات الهيئة العامة وبالتنسيق مع مدير المدرسة الذي يُوقعها ويرفعها مع المُستندات المرفقة بها إلى المرجع المُختص، والتي لا تُعتبر نافذة إلّا بعد تصديقها من مدير التعليم الثانوي فيما خصّ الثانويات، ومن رئيس المنطقة التربويّة فيما خص مدارس رياض الأطفال والتعليم الأساسي.     

ونُشير هنا إلى أنّ مجلس الأهل يتألّف من هيئتيْن هما: الهيئة العامّة التي تتشكّل من أولياء التلامذة الذين يتم انتخابهم من جميع الأهالي في المدرسة الرسمية بمعدل ممثليْن عن كلّ سنة منهجية، والهيئة الإداريّة التي يتم انتخابها من قبل الهيئة العامّة ومن ضمن أعضائها، وتتكوّن من أربعة أعضاء هم الرئيس ونائب الرئيس وأمين السر وأمين الصندوق. 

وانطلاقا ممّا تقدّم يرى الباحث التربوي نعمة نعمة أنّه كان على وزير التربية أن يوضح أنّ القرار  يتحدّث عن سقف المساهمة وليس عن قيمتها وأنّها غير إلزاميّة وأنّه يبقى لمجالس الأهل أن توافق عليها، مشيرا في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ عدم إيضاح هذه الأمور في القرار وضع المدارس في وجه أولياء الأمور بعدما عمدت بعض المدارس إلى التعامل مع هذا القرار وكأنّه يفرض المساهمة بـ 4 ملايين ليرة و500 ألف في وقت يعجز عدد من أولياء الأمور على تأمين هذا المبلغ.

ويُشدّد نعمة على أنّ عدم دفع أولياء الأمور للمساهمة لا يمنع ولا بأي حال تسجيل أي طالب وبالتالي لا يحقّ لأي مدرسة أن ترفض تسجيل الطالب الذي يتخلّف عن الدفع وذلك بموجب قوانين عدّة ومبدأ مجانيّة التعليم، فهذا المبدأ لا يمنع تقاضي مساهمة ولكنّه لا يفرضها. ويؤكّد نعمة أن الامتناع عن تسجيل أي طالب  لسبب غير عذر عدم توفر مقاعد كما ينص القانون، هو تجاوز لحق الوصول إلى التعليم ومرسوم التعليم المجاني الإلزامي وغيره من الخطوط الحمراء الدستورية والقانونية والأمميّة والحقوقية.

مجالس الأهل ترفض هذه الزيادة 

بالتوازي مع محاولة إبطال هذا القرار عبر مجلس شورى الدولة، تحاول لجان الأهل في مختلف المناطق الضغط من أجل تراجع الوزير عن هذا القرار ولاسيّما بعد الشكاوى والاتصالات التي تلقّوها من أولياء أمور وهو ما يؤكّده المتحدّث باسم اتّحاد مجالس الأهل وأولياء الأمور في التعليم الرسمي عبد المجيد المهباني مشيرا إلى أنّ هذا القرار لا يمكن تطبيقه قبل موافقة مجالس الأهل ورغم ذلك بدأت بعض المدارس بالمطالبة به.

ويلفت المهباني في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ لجان الأهل وفي مناطق مختلفة تحاول توحيد الجهود لرفع الصوت عبر سلسلة من اللقاءات مع معنيين وتحرّكات على الأرض. ويأسف المهباني أنّه في الوقت الذي كانت فيه لجان الأهل تبحث موضوع تأمين الكتاب المدرسي للطلاب إذ إنّه لم يصلها منذ خمس سنوات وتقوم بمداورته حتى بات الكتاب لا ينفع للاستخدام، باتت منشغلة بإبطال قرار قد يحرم الكثير من الطلّاب من حقّهم في التعليم.

وليس بعيدًا يقول مجدي عوّاد رئيس لجنة الأهل في مدرسة شبعا الرسميّة إنّ اللجان تضغط من الشمال إلى الجنوب من أجل التراجع عن القرار. ويعتبر عوّاد في حديث مع “المفكرة” أنّ القرار كان مفاجئًا لأولياء الأمور الذين في الأصل اختاروا المدرسة الرسميّة لأنّها مجانيّة، وهم يعانون من تبعات الأزمة الاقتصادية التي جعلت تأمين مستلزمات المدرسة صعبًا، فكيف إذا ما أُضيف إليها مساهمة مالية.

ويرى عوّاد أنّ صندوق الأهل أدّى دورًا أساسيًا خلال سنوات الأزمة إذ إنّه على سبيل المثال في مدرسته استطاع الصندوق تأمين المازوت ومنحة للأساتذة وبدل نقل لهم مضيفًا:” أمّنّا هذه الأمور كأهالٍ عبر خيّرين في المنطقة، طبعًا الصناديق في حاجة إلى دعم ولكن الدولة يجب أن تجد الحلول بعيدًا عن إجبار الأهالي بمساهمة مالية تكون عائقًا أمام الحقّ في التعليم”.

وكان اتحاد مجالس الأهل نظّم أمس الخميس وقفة احتجاجيّة أمام المنطقة التربوية في طرابلس مطالبًا بالتراجع عن قرار وزير التربية الذي اعتبر أنّه لا يتعلّق فقط بالجانب المادي بل يمسّ بحقّ أساسي وهو حقّ التعليم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني