“
جيد أن يعلن وزير الصناعة حسين الحاج حسن في مؤتمر صحافي عقده في 8/11/2018 في مكتبه في الوزارة إقفال 79 مصنعاً غير مرخص تصب نفاياتها الصناعية من دون أي معالجة في نهر الليطاني. الليطاني نفسه الذي يموت أهله، نتيجة التلوث الذي قتله مع بحيرة القرعون، من أمراض السرطان وفيروس الكبد الوبائي، ويعانون من أمراض فيروسية أخرى وصدرية تنفسية ورئوية.
1 – ما مدى أهمية خطوة وزارة الصناعة على صعيد المعالجة الفاعلة لتلوث الليطاني؟
يجبينا على هذا السؤال رئيس مجلس إدارة مصلحة الليطاني د. سامي علوية الذي يصرح أن النفايات الصناعية تتأتى من 723 مؤسسة صناعية في الحوض الأعلى للنهر في البقاع، “من بينها 620 مؤسسة غير مرخصة من أساسه”، وفق ما أكده هذا الأخير للمفكرة. بهذا المعنى، يكون التدبير قد شمل 10% من هذه المؤسسات، علما أن وزير الصناعة توعّد 72 مؤسسة صناعية مرخصة بالإقفال إذا لم تلتزم بالمعايير القانونية والبيئية والصحية.
في هذا الصدد، يشرح الحاج حسن أسباب شمل هذه المصانع بتدابير الإغلاق دون سواها: “لا يمكننا تنظيف الليطاني بخطوة واحدة، ونحن قد بدأنا آخذين بعين الإعتبار معالجة الليطاني مع منح المؤسسات الصناعية المرخصة مهلاً لتسوية أوضاعها واحترام الشروط القانونية والبيئية، وبعضها قد امتثل فعلاً. كما نمنح المؤسسات غير المرخصة مهلاً لتسوية أوضاعها حيث لا نقطع بأرزاق الناس في ظل الوضع الإقتصادي الحالي”.
وهو يقول أن وزارة الصناعة، في إطار “القيام بمهامها في تعزيز دور القطاع الصناعي من جهة، والحفاظ على البيئة والصحة العامة، ولا سيما في ما يتعلق بصيانة نهر الليطاني وإبقائه نظيفاً ومحمياً من أي تلوث، أعطت تنبيهات لعدد من المصانع المرخصة أو التي تعمل من دون ترخيص قانوني، واجتمعت بعدد من أصحاب هذه المؤسسات وطلبت منهم المبادرة إلى تسوية أوضاعهم أو التقدّم من الوزارة بملفات ترخيص”. وعليه، فإن وزارة الزراعة “اليوم تقفل من استمروا بالعمل بطريقة غير قانونية أو بمخالفة الشروط البيئية والصحية والمساهمة بتلويث نهر الليطاني رغم كل التنبيهات وعددها 79 مصنعاً غير مرخص ومخالف. وهذا العدد من أصل 117 مصنعاً وجّهت الى أصحابها قرارات للتقدّم بطلبات تسوية أوضاعهم، ما يعني أن هناك 38 مصنعاً غير مرخص تقدموا بطلبات ترخيص وتسوية أوضاع”. وأشار إلى أنه “يجري تحضير قرار تنبيه ومتابعة للمصانع المرخصة التي جرى تنبيهها، ولم تلتزم نهائياً بما طلب منها وعددها حتى تاريخه 72 مصنعاً من أصل 261 مصنعاً تم توجيه التنبيهات إليها. ما يعني أن 189 مصنعاً يقوم حالياً بتسوية أوضاعه، وأعطي أصحاب المؤسسات الـ 72مهلة لإلزامهم بشروط الترخيص القانوني والبيئي والصحي تحت طائلة الإقفال”.
ونلحظ عند التدقيق في المؤسسات التي أعلن وزير الصناعة إقفالها أنها تشمل صناعات ألمينيوم (5 معامل) وموبيليا ودهان (مصنع واحد) ومعدات صناعية (1) وحدادة افرنجية (9 معامل) وحديد (1) وحلويات (14 معمل) وألبان وأجبان (16 معمل) ومخللات (12 معمل) وأحجار باطون (6 معامل) وشركة تعبئة غاز وثلاثة مناشر ومؤسستي نجارة ومعمل بلاستيك وآخر لحياكة القمصان. هذه المعامل جميعها غير واردة في الدعاوى القضائية المرفوعة على مؤسسات صناعية أمام القضاء.
2 – ما مدى التكامل بين الاجراءات المتخذة لمعالجة تلوث الليطاني؟
والسؤال الأهم هو حول مدى تنسيق أو بالأحرى تكامل الجهود التي يبذل الأطراف المعنيون بمعالجة الليطاني. فبعد عقود من التقاعس، يبدو فجأة كأنما ثمة سبقا بين الإدارات والنيابات العامة على معالجة التلوث. فهل كان الكل ينتظر كلمة سر معينة؟ هل تم حقيقة رفع الغطاء السياسي على نحو مكّن الجميع من التحرك؟
فحتى الآن، لدينا من جهة أولى مجموعة من المؤسسات الصناعية ومعها نحو مائة بلدية يتم استدعاؤها أمام النائب العام المالي علي ابراهيم، ومن جهة ثانية، نحو 71 مصنعا ومعملاً ومؤسسة ادّعت عليهم النيابة العامة في البقاع أمام القاضي الجزائي المنفرد محمد شرف في قصر عدل زحلة. كما أن مصلحة الليطاني نفسها اتخذت صفة الإدعاء الشخصي، وكصاحبة مصلحة، ضد المؤسسات المستدعاة إلى المحكمة الجزائية في زحلة.
وزارة البيئة من جهتها تدلو بدلوها عبر كتب يرسلها الوزير طارق الخطيب إلى محافظ البقاع يطلب فيها استمهال بعض المؤسسات على رأسها مؤسسة جرجورة والسيدن وذلك قبيل مثولهما أمام القاضي المنفرد الجزائي وقبل انعقاد المؤتمر الصحافي لوزير الصناعة بيومين فقط.
وفي موازاة كل هذه الاجراءات، يؤكد علوية أن المصلحة “ماضية في الإدعاء الشخصي على الملوثين من مرخصين وغير مرخصين أمام القضاء مع طلب تعويضات بقيمة مئة مليون ليرة ستستخدم في حال دفعها من أجل تنظيف النهر”. في المقابل، توثّق اللائحة التي قدمتها مصلحة الليطاني إلى النيابة العامة المالية هويات ملوثي النهر من بلديات وإدارات رسمية ومنشآت ومستشفيات ومؤسسات صناعية مرخصة وغير مرخصة بما فيها المصنفة. ومن خلال هذه اللائحة، تقدمت المصلحة بإخبار شامل عن التعديات والتلوث الواقع على نهر الليطاني وروافده وبارتكاب جرائم تلويث البيئة بالإضافة إلى التعدي على الأملاك العامة وهدر الأموال العامة، مع طلب اتخاذ الإجراءات الفورية الرامية إلى إلزام المخبر عنهم بازالة التعديات. وقد قدم الإخبار بوجه كل من يظهره وأظهره المسح الفني الشامل الذي قامت به المصلحة الوطنية لنهر الليطاني والمرفقات الملحقة بهذا الإخبار ملوثا و/أو متعديا على نهر الليطاني و/أو روافده وحرمه ومجراه وبيئته، سواء شخصا معنويا عاما (بلدية او مؤسسة عامة) أو ممثلا لهذا الشخص، وسواء كان شخصا معنويا أو طبيعيا، أو صاحب مؤسسة صناعية أو غير صناعية أو مصنفة، أو كان جمعية أو تعاونية أو فرداً، لبنانيا كان او أجنبيا.
يلحظ أن حجم الملوثات التي يتلقاها الليطاني من الصرف الصحي للبلديات ومن النفايات الصناعية والطبية وتلك العائدة للمسالخ ومزارع الأبقار، وجميعها احتوتها اللائحة إلى النيابة العامة المالية، ما مجموعه نحو 65 مليون متر مكعب من الملوثات سنويا. وعبر نظرة سريعة على جردة مصلحة الليطاني بالمؤسسات الملوثة، نجد أن بعض المصانع التي ما زالت تعمل، وبعضها تم منحه مهلاً لتسوية أوضاعه، ما برح يرمي ما معدله خمسة أمتار مكعب في الساعة من المياه الصناعية العادمة والزيوت من دون معالجة في النهر.
“