وزارة الاتصالات و”تاتش” تقتلان مزايدة A2P: إن موبايل مستمرّة بحرمان الخزينة من الأموال 


2025-01-03    |   

وزارة الاتصالات و”تاتش” تقتلان مزايدة A2P: إن موبايل مستمرّة بحرمان الخزينة من الأموال 
رسم رائد شرف

منذ سنة ونيّف وتحديداً في 25/9/2023، أصدرت هيئة الشراء العام تقريراً بشأن الملابسات التي أحاطت مسألة تعاقد شركة تاتش مع شركة InMobile لإدارة خدمة الرسائل من التطبيقات (application to person) والتي تسمى اختصاراً A2P (تسمح للتطبيقات بإرسال رسائل إلى المستخدمين تتضمن رموز تحقق آمنة). 

بعد تفنيد المخالفات التي شملت هذا التعاقد، وتحميل وزير الاتصالات مسؤولية مباشرة عنها، أوصت الهيئة بـ:

  • إطلاق شركة “تاتش” مزايدة جديدة وفقاً لأحكام قانون الشراء العام.
  • تعديل العقد الموقع مع شركة Inmobiles بمفعول رجعي يسري اعتباراً من تاريخ نفاذه لاعتماد السعر الافرادي المعتمد في العقد الموقع مع “ألفا” واعتماد الحد الأدنى السنوي لعدد الرسائل النصية. 
  • فسخ العقد مع شركة  Inmobiles عند انتهاء المزايدة المفترض المباشرة في إجرائها من دون تأخير بما يتناسب مع الفقرة 3 من المادة 7 من العقد بحيث لا يترتب على شركة”تاتش”أيّة تعويضات مالية لصالح الشركة.

لم يحرّك وزير الاتصالات ساكناً لتنفيذ توصية الهيئة، فلا أعدّ دفتر شروط جديد ولا أطلق المزايدة ولا اتفق مع “إن موبايل” على تعديل العقد. وأمام هذا الواقع، قدّم النائبان ابراهيم الموسوي وياسين ياسين إخباران إلى ديوان المحاسبة يتعلقان بتلزيم الخدمة لشركة غير مؤهلة. وبالفعل أصدر الديوان تقريراً خاصاً في 16/1/2024، أوصت فيه الغرفة المعنية وزارة الاتصالات “بالابتعاد عن الارتجال عند تلزيم موارد البلاد الاقتصادية والقيام دوماً بوضع مخطط واضح يُدعم بدراسات جدوى مالية تبيّن مصلحة الإدارة”، كما أحالت الملف إلى الغرفة القضائية المختصة وإلى النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة وإلى النيابة العامة التمييزية للتحقيق في التجاوزات المبيّنة في الملف. كما تبنّى الديوان كل ملاحظات وتوصيات هيئة الشراء العام “لقانونيتها وموضوعيتها وانسجامها مع المنطق السليم لإدارة الأموال العمومية”، طالباً من الإدارة تنفيذها من دون إبطاء لما للتأخير من أضرار فادحة على المال العام. 

ومرة جديدة ماطلت الوزارة ولم تحرّك ساكناً خلال 4 أشهر، ما اضطر رئيس الغرفة المعنية القاضي عبد الرضا ناصر إلى إرسال مذكّرة في 4/4/2024 يطلب فيها معلومات عما إذا كانت “شركة تاتش – وزارة الاتصالات” قد التزمت بالتوصيات الواردة في تقرير الديوان وما إذا كانت قد أعدت دفتر شروط خاص بتلزيم جديد للقطاع الخاص بالرسائل النصية، وما إذا أطلقت عملية التلزيم الجديدة. وبالفعل تحركت “تاتش” على الأثر، وكانت المرة الأولى التي تكشف فيها عن دفتر الشروط الخاص بالمزايدة، وأرسلته إلى وزارة الاتصالات، التي وافقت عليه في 9 أيار، ما سمح للشركة بإطلاق المناقصة التي حُدّد موعد فضّ عروضها في 11 حزيران 2024. هذا الموعد عُدّل 6 مرات في الفترة التي تلت (حددت مواعيد جديدة في 9 تموز، 16 تموز، 23 تموز، 5 آب، 27 آب، و3 أيلول). وبالفعل، تبيّن في 3 أيلول تقديم 5 شركات لعروضها، من بينها شركة Vox Solutions التي فازت بتشغيل الخدمة نفسها في “ألفا”. لكن في 27 أيلول، أعلنت شركة “تاتش” إلغاء المزايدة لعدم وجود أيّ عرض يراعي الشروط التأهيلية القاتلة. وهذا الأمر سبق أن حذّرت منه هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، اللذان طالبا بعدم إقحام شروط تجارية بشروط التأهيل. إذ من المتعارف عليه في هكذا صفقات أن تكون هذه الشروط إدارية بحت ويكون الهدف منها التأكّد من خبرة الشركات المتقدّمة. 

تجدر الإشارة هنا إلى أن المزايدة السابقة كانت تضمّنت عنصرين تأهيليين قاتلين هما وجوب أن تتمتع الشركة العارضة بخبرة 5 سنوات وأن تكون قد قدمت الخدمة نفسها عبر 3 مشغلين ل20 مليون مشترك، وهما الشرطان اللذان لم يتوفّرا في عرض “إن موبايل” عندها باعتراف شركة “تاتش” ووزارة الاتصالات، لكن مع ذلك قُبل عرضها.

في المزايدة الحالية أضيفت ثلاثة بنود إلى الشروط القاتلة، من بينها أن يلتزم مُقدّم العرض بحدّ أدنى هو 31 مليون رسالة (عليه أن يدفع ثمنها حتى لو لم يحقق هذا العدد). علماً أن هذا البند هو بند تجاري بحت ولا يمكن فصله عن السعر الإفرادي للرسالة، بحيث يمكن للجنة التلزيم أن تختار العرض الأمثل بالنظر إلى الأمرين معاً، فقد يلتزم أحد العارضين بحد أدنى 20 مليون رسالة مقابل سعر إفرادي مرتفع لكل رسالة ويكون مناسباً أكثر من عرض آخر التزم بحد أدنى 40 مليون رسالة على سبيل المثال مقابل سعر متدن.

كل ذلك لم يعد مهماً. شركة تاتش ووزارة الاتصالات قررتا أن كل العروض غير مطابقة وأقفل الملف. وهذا لم يكن مفاجئاً لمتابعي الصفقة، الذين يدركون أن الشروط التأهيلية كانت بمثابة قتل للمزايدة قبل أن تبدأ. علماً أن إلغاء المزايدة يعني بقاء شركة “إن موبايل” لفترة إضافية لا يُعرف كم تطول (لم تعلن “تاتش” عن مزايدة جديدة”)، بالرغم من أن “إن موبايل”:

  • غير مؤهلة ولا تستطيع تأمين الخدمة المطلوبة بما يفوّت على الخزينة أرباحاً مستحقة، بدليل ازدياد شكاوى مشتركي “تاتش” المعترضين على عدم تلقيهم رسائل رموز التحقق. 
  • لا تدفع ما ينص عليه العقد لناحية الحد الأدنى من عدد الرسائل (32 مليون رسالة) بل تدفع ثمن العدد الفعلي للرسائل.
  • لم توافق على زيادة السعر الإفرادي للرسالة الذي كان تمّ تعديله بما يتناسب مع السعر في “ألفا”. وفي التفاصيل، كان تبين أن السعر الإفرادي المحدد في عقد “تاتش” يبدأ ب7.5 سنت (يورو) في السنة الأولى، في حين أن السعر الإفرادي للرسالة في عقد “ألفا” يبدأ ب10.5 سنت (يورو) في السنة الأولى. وأمام هذا الواقع، وبدلاً من إلغاء العقد مع “إن موبايل” (لا يوجد بند جزائي)، عمدت وزارة الاتصالات إلى تعديل السعر الإفرادي للرسالة ليعادل سعر السنة الأولى في العقد مع تاتش أي 10.5 سنت (يورو). وفي المقابل، تساهلت الوزارة مع الشركة لأسباب مجهولة، فسمحت لها بتقسيط المبالغ المستحقة عليها، خلافاً لما ينص عليه العقد الأساسي ودفتر الشروط.

خلاصة

تشكل صفقة A2P المتعثرة إحدى الصفقات المتعثّرة في وزارة الاتصالات (وأخطرها صفقة البريد التي ما تزال تراوح مكانها) مما يطرح مجددا على بساط البحث الخيار الذي اعتمده قانون الشراء العام في تخويل الإدارات العامة  إجراءات المناقصة العامّة المتّصلة بها في ظلّ ما تنتقص إليه من إمكانيات وحرفيّة والأهم ضعف نظام المساءلة والمحاسبة.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني