“اريد فقط ان أعامل كإنسانة” هو عنوان التقرير الذي أطلقته منظمة “هيومن رايتس ووتش” خلال مؤتمر عقدته بتاريخ 12/1/2016 في أوتيل الريفييرا-بيروت. الدراسة تتناول وتقيّم أثار ونتائج شروط تجديد الاقامة على اللاجئين السوريين التي اعتمدت ابتداء من كانون الثاني 2015 من قبل السلطات اللبنانية. فقد أظهر التقرير أن هذه القواعد الجديدة اعتمدت شروط تقييدية ومكلفة لتجديد الاقامة أثقلت كاهل اللاجئ وجعلت العديد من السوريين دون إقامة قانونية في لبنان، وطالب السلطات اللبنانية بمراجعة تعليمات التجديد فورا، بما في ذلك إلغاء رسوم التجديد وإيقاف طلب الحصول على كفيل للاجئين.
عند اندلاع الأزمة في سوريا، وبدء توافد اللاجئين الى لبنان اعتمدت الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس التي أغرقت لبنان في أزمات اجتماعية واقتصادية وأمنية مضاعفة. وعندما قررت التدخل، واثبات هيبتها فرضت شروطاً وضعت السوريين في حالة “اخضاع جبري مضاعف” لكافة أنواع الاستغلال وسوء المعاملة. لا يضيف تقرير “هيومن رايتس ووتش” للعام 2016 الكثير عمّا سبقه من تقارير في السنوات الماضية، لا سيما تقرير منظمة العفو الدوليالصادر في جزيران 2015.[1] لكن الملفت انه عرض أساليب جديدة مستخدمة أسهمت في زيادة عملية استغلال السوريين في لبنان وإخضاعهم.
قبل كانون الثاني 2015، كان لبنان يسمح للسوريين بتجديد اقامتهم بسهولة ومن دون كلفة كبيرة. ولكن هذه السياسة تبدّلت العام الماضي مع اعتماد شروط جديدة لدخول وإقامة السوريين في لبنان؛ وذلك في محاولة منها لوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان. الا ان ما يستنتجه هذا التقرير انّ جلّ مع فعلته سياسة الحكومة الجديدة، هو حرمان العديد من السوريين من الإقامة القانونية في لبنان، مما زاد أوضاع هؤلاء سوءاً دون ان ترخي هذه السياسة بأي منحى ايجابي على حياة المواطن اللبناني.
وفي محاولة لتفسير أسباب اتباع السياسة الحالية المعتمدة من قبل الدولة اللبنانية اعتبر حوري انّ “هذه القيود اتبعت بعدما اخذ مجلس الوزراء قراراً في تشرين الاول 2014 للحد من عدد السوريين في لبنان. ونعتقد ان المقاربة مبنية على اساس انه ان لم يستطع اللاجئون تجديد اقامتهم فربما يعودون الى سوريا او يذهبون الى بلد آخر”. وأشار الى ان “معظم اللاجئين السوريين يخافون العودة الى سوريا خوفاً من الحرب والاضطهاد والموت والقتل. وان الاغلبية الساحقة منهم تود الذهاب الى بلد ثالث ولكن لا تستطيع ذلك اما لأسباب مادية اذ انّ طرق التهريب الى اوروبا مكلفة جداً، او لأن ليس لديهم الوثائق الكافية لمغادرة الاراضي اللبنانية”. ولفت الى ان هناك دراسة قامت بها “مفوضية اللاجئين في لبنان التابعة للأمم المتحدة” وثّقت “ان غالبية السوريين الذين يغادرون من لبنان الى أوروبا عبر تركيا وغيرها ليسوا من المقيمين المستدامين في لبنان وانما في أغلب الحالات يكونون سوريون يعبرون عبر الترانزيت اي يأتون ويسافرون”. وقد خلص في حديثه الى ان النتيجة الوحيدة للسياسة التي اعتمدت منذ عام من قبل السلطات اللبنانية، “ليس تخفيض عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وانما دفعهم الى ان يفقدوا الاقامة القانونية في هذا البلد”.
ومن أبرز التوصيات التي وجهتها المنظمة الى لبنان كانت نقاط مخصصة لوزارة الداخلية والأمن العام طالبت فيها المنظمة بـ:”
– إلغاء رسوم تجديد الإقامة لجميع السوريين؛
– إلغاء التعهد بعدم العمل للسوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين؛
– إلغاء تعهد الكفالة للسوريين غير المسجلين لدى مفوضية اللاجئين؛
– نشر معلومات واضحة حول الإجراءات اللازمة لتجديد السوريين وضعهم القانوني في لبنان؛
– السماح للسوريين الذين ليس لديهم إقامة قانونية حاليا بتسوية أوضاعهم؛
– إنهاء احتجاز اللاجئين بسبب انتهاء مدة وثائق إقامتهم أو لأن وضعهم ليس قانوني؛
– محاسبة جميع أفراد قوات الأمن الذين يسيئون معاملة اللاجئين السوريين أو يعذبونهم خلال المداهمات، وفي نقاط الاعتقال ومراكز الاحتجاز، وأثناء الاستجواب.
أما فيما خص الدول المانحة ودول إعادة التوطين، فكانت أبرز التوصيات الاستمرار في زيادة عدد الفرص للاجئين السوريين في بلدان إعادة التوطين، بما في ذلك إعطاء الأولوية للاجئين الأكثر ضعفا”.
واعتبرت الباحثة هالي بوبسين في حديث مع “المفكرة القانونية” أن المنظمة قامت بتوجيه رسائل الى الامن العام ووزارة الداخلية “وطلبنا موعداً منهم وتوجهنا برسالة قصيرة تضمنت مجموعة أسئلة طرحناها ولكن نحن نريد الدخول في نقاشات جدية. ولكن لم يصلنا ايّ ردّ حتى الآن”. أما فيما خص موضوع إعادة التوطين الى بلد ثالث نظراً لعدم إمكانية عودة اللاجئين الى سوريا، قالت بوبسين ان الغاية منه هو “تخفيف الأعباء الكبيرة التي تقع على عاتق الحكومة اللبنانية وعلى الدول الأخرى المشاركة في مساعدة اللاجئين. وان لدى دول إعادة التوطين التاريخية عدة طرق للمساعدة منها استقطاب اللاجئين السوريين الذين لديهم مشاكل قانونية في لبنان وليس بإمكانهم العودة الى سوريا. هؤلاء يجب ان يستقبلوهم بشكل قانوني من خلال المفوضية العليا”. وأكدت ان “إعادة التوطين مطروح لمن يعانون من مشاكل قانونية وسياسية وصحية ويحتاجون علاجاً خاصاً حصراً دون سواهم”.
وفي التفاصيل، يستند هذا التقرير إلى أكثر من 60 مقابلة أجرتها هالي بوبسين وهي باحثة في “هيومن رايتس ووتش” من شباط إلى كانون الأول 2015 مع أكثر من 40 لاجئا سوريا؛ و20 محامي، وعاملين محليين ودوليين في المجال الإنساني، وناشطين في المجتمع المدني.
ويتناول التقرير بطبيعة الحال شروط تجديد الاقامة التي يعدها تقييدية. فتصنّف الشروط الجديدة السوريين في فئتين: المسجلون لدى “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (مفوضية اللاجئين)؛ وأولئك غير المسجلين الذين عليهم إيجاد كفيل لبناني للبقاء بشكل قانوني في البلاد. على جميع السوريين دفع 200 دولار أمريكي رسم تجديد، وتقديم أوراق هوية ووثائق عن سكنهم. يمكن للأطفال تحت سن 15 التجديد مجانا ولكن طلبهم يرتبط بالوضع القانوني لرب الأسرة.
يعتبر التقرير أن الشروط الجديدة تفرض أعباء مرهقة على الفئتين وتمنع الأغلبية من تجديد تصاريح الإقامة المطلوبة. الأسباب عديدة أهمها عجز اللاجئين عن دفع تكاليف التجديد التي قد تصل الى نحو 275 دولاراً أميركيا في حين “تفيد تقارير مفوضية اللاجئين بأن 70 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. فيما حوالي 90% منهم عالقون في حلقة مفرغة من الديون، وفق تقييم حديث للأمم المتحدة”. أما نظام الكفالة المفروض على السوريين غير المسجلين لدى المفوضية فقد اعتبره البعض أبهى تكريس لشتى “أشكال العبودية”.
بحسب مفوضية اللاجئين، هناك تقريبا 1.2 مليون لاجئ سوري مسجلين لديها في لبنان. في كلمته خلال المؤتمر ذكر نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” أن المنظمة “راسلت الدولة اللبنانية والامن العام وطالبت بالحصول على الارقام ولكن لم نحصل عليها”. مشيرا الى ان” الرقم الحقيقي والدقيق لعدد اللاجئين الذين لديهم اقامة موجود عند المسؤولين اللبنانيين ولكن ما نستطيع ان نقوله اليوم انه في عيّنة 40 لاجئ قابلناهم العام الماضي كانوا مسجلين لدى الامم المتحدة اثنان فقط استطاعوا تجديد الاقامة سنداً لتسجيلهم لدى “مفوضية اللاجئين”. واستطاع اثنان اخران التسجيل على ان يكون لديهما كفيل. النسبة اذن لا تتخطى 10% وهذه الارقام تتطابق مع ما قالته جمعيات اخرى تعمل مع اللاجئين السوريين في لبنان”.
ويتحدث التقرير عن تطبيق الشروط الجديدة بشكل تعسفي وعن سوء المعاملة والتعسف الممارس ضد اللاجئين حتى مع توفير كافة الأوراق المطلوبة لتجديد الاقامة. ويذكر التقرير ان” أكثر من نصف السوريين (23 من 40) الذين تمت مقابلتهم من المسجَلين لدى مفوضية اللاجئين، حتى عندما تمكنوا من تقديم الوثائق اللازمة ودفع الرسوم المطلوبة، جوبهوا برفض الأمن العام تجديد إقاماتهم وطلب منهم إيجاد كفيل عمل، رغم تقديمهم وثائق المفوضية الخاصة بهم”.
أما ضرورة ايجاد كفيل لتجديد الاقامة، فقد فتحت شهية بعض اللبنانيين لكسب المال السريع حيث يذكر التقرير انه اضافة الى الاستغلال الذي يخضع له اللاجئون السوريون من قبل كفلائهم فإن أحد اللاجئين تحدث عن ان “الكفلاء حوّلوا الأمر إلى تجارة. يبيعون الكفالة بمبلغ يصل إلى 1000 دولار للشخص. الكفلاء المحتملون ينتظرون على الحدود السورية أو في المطار لبيع الكفالة للقادمين الجدد”.
وفي موضوع تجديد الإقامة، أشار حوري في معرض حديثه الى ان “العديد من الحالات التي تم توثيقها من قبل “المنظمة” ذكرت انه تم استغلال حاجة اللاجئين السوريين الى تجديد الاقامة من قبل الامن العام لتجنيد عدد منهم كمخبرين لاطلاعهم على حال المخيمات والأوضاع القانونية لعدد من الأشخاص الموجودين فيها”.
ويسلط التقرير الضوء على الانتهاكات الناتجة عن غياب الوضع القانون. فخسارة الوضع القانوني للاجئين تجعلهم بالدرجة الأولى عرضة لخطر الاعتقال، وبالتالي سوء المعاملة أثناء الاحتجاز. كما يعيشون حياتهم عرضة للاستغلال الوظيفي والجنسي من قبل أصحاب العمل. وهذه حال معظم النساء السوريات بحسب التقرير اللواتي لا يملكن القدرة على اللجوء إلى السلطات لحماية نفسهن بسب عجزهن عن تسوية اوضاعهن القانونية.
كما تطرق التقرير الى معاناة الاطفال السوريين الذين يجبرون في كثير من الأحيان على العمل عوضاً عن أهاليهم، فيخضعون الى رب العمل الذي يستغلهم ان كان من حيث ساعات العمل الطويلة او الأجور الزهيدة. وقد ذكر التقرير ان كثير من الأولاد يجبرون على العمل دون أجرٍ حتى.
كما أشار الى خطر كبير يهدد الاطفال السوريين يتمثل بانعدام الجنسية. حيث ان معظم الذين ولدوا في لبنان لم يتمكن اهلهم من تسجيلهم لأنهم يواجهون مشكلة الوضع القانوني. ويذكر التقرير ان”92% من اللاجئين غير قادرين على الوفاء بالخطوات القانونية والإدارية اللازمة لتسجيل الأطفال الذين ولدوا في لبنان، وفقا للمجلس النرويجي للاجئين. وقد وجدت دراسة عام 2014 قامت بها مفوضية اللاجئين “أن 72% من الأطفال السوريين الذين ولدوا في لبنان ليس لديهم شهادات ميلاد، بالتالي هم عرضة لخطر انعدام الجنسية”.
وفي موضوع التعليم، ذكر التقرير ان “وزير التربية اللبناني الياس أبو صعب أطلق في 21 أيلول 2015، حملة العودة إلى المدرسة لإلحاق اللبنانيين ونحو 200 ألف طفل سوري لاجئ (أقل من نصف السوريين في لبنان في سن الدراسة) بالتعليم الرسمي النظامي والمجاني. ولا يُطلب من أطفال اللاجئين السوريين ولا آبائهم تصريح الإقامة القانونية لتسجيل الأطفال اللاجئين السوريين في المدارس الرسمية في لبنان، وفقا لتعليمات الوزارة. ولكن عمليا، رُفض العديد من الطلاب لأنهم لم يكن بحوزتهم تصريح إقامة”.
ولم يتطرق تقرير “هيومن رايتس ووتش” الى معاناة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الى لبنان وانما تم ذكرهم بشكل موجز وقد أعيد السبب لاختلاف شروط تجديد إقامتهم عن تلك الخاصة باللاجئين السوريين المقيمين في لبنان. دون ان يغفل التقرير الى ذكر انهم يعانون أشكالا مماثلة من سوء المعاملة والاستغلال بسبب افتقارهم إلى الوضع القانوني”.