هيئة المحامين في تونس: هل ينقذ العميد عهدته قبل فوات الأوان؟


2025-02-21    |   

هيئة المحامين في تونس: هل ينقذ العميد عهدته قبل فوات الأوان؟
رسم عثمان سلمي

يسند الفصل 49 من المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم المحاماة مسؤولية “إدارة الهيئة الوطنية للمحامين” بتونس لمجلس الهيئة الوطنية للمحامين برئاسة عميد المحامين. وينتخب المحامون وفقا لأحكام الفصل 79 من ذات النص القانوني عميدهم وأعضاء الهيئة الوطنية للمحامين لعهدة نيابية مدتها ثلاثة أعوام.

واعتبارا لكون عميد المحامين التونسيين حاتم مزيو وأعضاء مجلس هيئته انطلقت عهدتهم منتصف شهر 09 من سنة 2022 فمن المنتظر أن يعلن خلال السنة القضائية الجارية أو فترة العطلة القضائية على أقصى تقدير عن فتح باب الترشّحات لانتخابات جديدة لهيئة المحامين ستفضي حتما لانتخاب عميد جديد للمحامين لكون مرسوم المحاماة يحجر على من كان عميدا سابقا تجديد ترشحه. 

ينتظر أن ينافس أعضاء من هيئة المحامين الحاليّة على عمادة المحامين أو لتجديد عهدتهم في مجلس الهيئة كما يتوقع أن تكون الجلسة العامة للمُحامين مناسبةً لتقييم أداء العميد الحالي ومن معه وهو السؤال الذي نحاول الإجابة عليه في هذا المقال.

هل أوفى مزيو بوعده؟

في حملته الانتخابية، وعد مزيو بالعمل على إعادة ثقة المحامين في هياكلهم واستقلاليّة مهنتهم كما تعهد بتعديل القانون الخاص بتقاعد المحامين وتغطيتهم الاجتماعية. وكان يعتقد بالتالي أنه سيسعى كي تكون عهدته مختلفة عن عهدة سلفه العميد إبراهيم بودربالة الذي اختار على خلاف ذلك أن يكون نصيرا للسلطة وسندا لها وأن يسلط جهده لخدمة مشروعها السياسي. في  الواقع وبعيدًا عن جمال الوعود الانتخابية، نلحظ أن الانتهاكات التي استهدفت المحامين تعدّدت خلال مدة هيئة المحامين الحاليّة وأن المحاماة الرسمية لزمت الصمت حيال انتهاكات الحقوق وأنها لم تحقّق أيّ مكتسبات للمحاماة. وقد ظهر أنّ الهيئة فرّطت في شرف النضال من أجل مبادئ المهنة وقيمها على أمل نيل مطالب مهنيّة مادية وبعضها معنوي لم يتم تحقيقها ولا يوجد أي مؤشرات على قرب تحقيقها، لتحلّ الخيبة ومعها الخسارة، بهذا المعنى، مزدوجة.

المحامون الملاحقون والمسجونون: إنه خذلان

لا يتردّد المحامون الذين واجهوا تتّبعات قضائيّة طيلة السنوات الأخيرة سواء على خلفية ممارستهم لحرياتهم أو على خلفية أدائهم لمهنتهم، ومنهم من يقبع في السجن، في التعبير، سرًا وعلانية، عن شعور بالخذلان ممًا يعتبرونه تخلّي الهيئة عنهم ليس فقط في إسنادهم في ملفاتهم “الكيدية”، بل تخلّيها عن دورها في مواجهة تردّي الوضع الحقوقي. يقبع حاليًا خمسة محامين في السجن هم غازي الشواشي ورضا بالحاج ونورالدين البحيري وعبير موسي وسنية الدهماني ملاحقين في قضايا متعددة على أساس قانون مكافحة الإرهاب وجرائم الاعتداء على أمن الدولة، وأيضًا على أساس المرسوم 54 الذي يستهدف حرية التعبير، ويواجه بعضهم تهمًا تصل عقوبتها للإعدام. 

أنشأت الهيئة لجنة دفاع تضمّ متخصّصين في المادة الجزائية للمتابعة والنيابة في القضايا المثارة ضد المحامين. ولكن ظلّت الانتقادات تتوجّه بخصوص ضعف إسناد الهيئة في هذه القضايا ذات الطابع السياسي المحض كعدم المبادرة لعقد ندوات صحفية أو إصدار بلاغات دورية على الأقل. لا يتعلّق الأمر بضعف المجهود الإعلامي المؤسساتي على أهميته هنا، ولكن أيضًا بمحدودية الاندفاع في الإسناد على أرض الواقع. مثلًا، لازال ينتظر المحامون الموقوفون زيارة دعم من العميد بما تحمله من رمزية لجهة صفته. وإن المحدودية تمتدّ حتى فيما يتعلق بوضعية المعنيين داخل السجون. إذ طالما عبّر الموقوفون، سواء عبر زملائهم أو عائلاتهم، عن تعرّضهم لتقييدات غير مشروعة، كان المأمول أن تمارس هيئة المحامين دورها بشكل مؤثر مع السلطات الرسمية لتجاوزها.

حديث تصعيد موعود وواقع “الانخراط”

بعد محنة ماي إثر اقتحام قوات الأمن لـ “دار المحامي” في مناسبتين لإيقاف المحامييْن سنية الدهماني ومهدي زقروبة والاعتداء بالعنف على هذا الأخير، وما لحق من خطوات احتجاجية من هيئة المحامين، خفت الصوت تباعًا. فرغم تحذير العميد “المزيو” في مفتتح السنة القضائية الحالية، في سبتمبر 2024، خلال وقفة احتجاجية بمزيد التصعيد في صورة عدم إيقاف الانتهاكات وعدم التفاعل مع مطالب الهيئة، فقد استمرّت الانتهاكات ولم تتحقّق المطالب. مؤخّرًا سجّلت هيئة الدفاع عن عبير موسي، في فيفري 2025، تضييقات جديدة خلال زيارة منوّبتهم بما يمسّ من السرّ المهني. كما تواصلت الأحكام القضائية القاسية في قضايا الرأي كالتي اُثيرت ضدّ المحامية سنية الدهماني. إذ أقرّت محكمة الاستئناف بتونس، في جانفي 2025، حكم إدانتها مع تخفيض العقاب البدني من عامّين إلى عامّ ونصف، وقد كان يؤمل أن تغادر السجن في صورة نقض الحكم الابتدائي أو على الأقل تأجيل تنفيذ العقوبة السجنية. 

بغضّ النظر عمًا تأكد من إمعان السلطة في “صنيعها”، تركّز الانتقادات على عدم سعي الهيئة لتوجيه رسالة حاسمة للسلطة لإيقاف نزيف الانتهاكات وضمان شروط الحد الأدنى في المحاكمات المثارة. إذ يذهب التقدير أن تحرّكاتها الاحتجاجيّة لم تكن بغاية توجيه هذه الرسالة للسّلطة ضمن مسار تصاعديّ مُعلن، بقدر ما كانت تحرّكات لتأطير غضب القواعد وتصدّر الهيئة للمشهد زمن الأزمة. 

كان التقدير أن العميد “المزيو” منذ تولّيه للعمادة في خريف 2022، رفقة أغلب أعضاء مجلس الهيئة، خيّر التضحية بعدم التصعيد مع السلطة في الملفّ الحقوقيّ بما يشمل ملفات المحامين، المصنفين كسجناء سياسيين أو سجناء رأي، بهدف عدم القطيعة مع السّلطة من أجل نيل مطالب مهنية تتمثّل في قانون جديد للمهنة، وتعديل أمريْ صندوق تقاعد المحامين (الكابرا) وتعديل تامبر المحاماة. وهو خيار ظلّ مُستدامًا رغم الانتكاسات المتتالية الواحدة تلو الأخرى التي جعلت العميد في موضع حرج، وأيضًا رغم أن القطيعة فرضتها السلطة نفسها التي أظهرت ممارساتها عدم اهتمامها بتأمين حزام سياسي أو منظّماتي. وفي هذا السّياق، عندما رفضت هيئة الانتخابات تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية في النزاع الانتخابي الرئاسي في خريف 2024، وهو ما أدانته المنظمات الوطنية والحقوقية والمهنية كاتحاد الشغل وجمعية القضاء، اختارت هيئة المحامين مسك العصا من الوسط، فيما ظهرت مواصلة الحرص على عدم “إزعاج” السلطة، ولو بموقف قانوني محض.

يعدّ، في هذا السياق أيضًا، مواضيع الأنشطة التكوينيّة الدورية لهيئة المحامين دليلًا على خيار ذاتيّ بتفادي طرق الملفات المتعلقة بالحريات العامّة رغم إسهال التتبعات القضائية المثارة، مقابل التركيز فقط على المواضيع التقنية المحضة. في ذات السياق، يُستذكر أن الهيئة لم تؤسّس مرصد المحاماة لتوثيق الانتهاكات المتعلقة بالحقوق والحريات على خلاف ما أعلنت عنه سابقًا. فيما تواصلت سياسة عدم الانخراط في أيّ مسار تنسيقي أو جبهوي مع المنظمات الوطنية والحقوقية. وهو ما يعكس خيارًا واضحًا في الانكفاء على أمل “عوائد مهنية” من السلطة التنفيذية. 

العميد “المزيو”: ورطة امتحان سجّل عمداء الهيئة

تظلّ الرقاب مشرئبة، في الأثناء، إن ما كان سيسعى العميد لحفظ ماء الوجه وإنقاذ عهدته في الأشهر القليلة المتبقيّة بتدارك ما فات لتقليص تقييم الخيبة ليس فقط وسط المحامين فقط، ولكن أيضًا بين الفاعلين السياسيين والمدنيين بالنظر لدور المهنة تاريخيًا في الدفاع عن الحقوق والحريات، وتقدّم هياكلها، في عديد الفترات، للجبهة المدنية فيما يُسمّى الدور الوطني للمحاماة. 

في هذا الجانب، تعدّ قضية “التآمر على أمن الدولة” التي يُلاحق فيها عشرات المعارضين من بينهم 7 محامين (غازي الشواشي ورضا بالحاج ومحمد لزهر العكرمي ونورالدين البحيري والعياشي الهمامي ومحمد نجيب الشابي وبشرى بالحاج حميدة)، وهم بين إيقاف وسراح ومنفى اضطراري، امتحانًا آخر وحاسمًا للهيئة مع عقد أولى جلسات المحاكمة يوم 4 مارس المقبل. لا يتعلّق المأمول بإسناد المحامين المُحالين، ومنهم موقوفين تمّت مخالفة إجراءات تتبّعهم طبق مرسوم المهنة، ولكن أيضًا بالانخراط الجدّي في الدفاع في أكبر القضايا السياسية المثارة منذ 25 جويلية لجهة المعارضين المتهمين وخلفيتها، إذ تُضاف إلى سجّل المحاكمات التاريخية للمعارضة. يظهر دور الهيئة حيويًا بالخصوص فيما يتعلق بالضغط لتوفير شروط المحاكمة العادلة.

ولكن تحوم الشكوك حول وجود رغبة حقيقية في التدارك وتصويب البوصلة. فمن باب الدلالة على سبيل المثال، اختارت الهيئة مؤخّرًا تخصيص الندوة العلمية بمناسبة الافتتاح الرسمي لمحاضرات ختم التمرين، وهي الأخيرة قبل انتهاء ولايتها، لتناول موضوع “المحامي فاعلٌ اقتصادي واجتماعي”، فيما ظهر إمعان في عدم طرق الدور السياسي والحقوقي للمحاماة، رغم راهنيته الشديدة اليوم. 

وعدا هذا الجانب، يظلّ المأزق الآخر للعميد، وربّما الأشد تجاه قواعد المحامين، هو إتمام العهدة من دون تحقيق أي مكاسب مهنية كانت مأمولة وثم موعودة من السلطة. إذ لا نجد أي مؤشر على أن وزارة العدل معنية بالدفع لإصدار قانون جديد للمهنة وفق مشروع الهيئة، أو مهتمّة بإنقاذ صندوق تقاعد المحامين. وبالتالي، يغادر العميد خالي الوفاض بل على العكس، سيخيّم واقع الانتكاسات المتتالية في تطبيق ضمانات المحامي أو حتى تأمين قدرة المحامي على أداء عمله، إذ سيظلّ التضييق في الحصول على بطاقات زيارة منوّبيهم أحيانًا في القضايا السياسية، على سبيل المثال، عنوانًا مكثفًا يختزل حجم استباحة عمل المحامي. 

في نهاية المطاف، وبغضّ النظر عن أداء العميد طيلة الأشهر المتبقية قبل إتمام عهدته، تدفع أجواء الخيبة في صفوف قواعد المحامين نحو جعل استعادة الدور الطلائعي للمحاماة الرسمية في الدفاع عن الحريات وقيم المهنة وضماناتها، عنوان فرز رئيسي في الانتخابات المنتظرة في نهاية السنة القضائية الحالية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

نقابات ، مقالات ، تونس ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني