تولت هيئة القضاء العدلي يوم 17 اكتوبر 2013 عقب اجتماع أعضائها للتداول في مذكرات العمل التي أجراها وزير العدل التونسي يوم 14 اكتوبر 2013 اصدار بلاغ تضمن موقف الهيئة من قرارات الوزير وكشف عن عزمها التصدي لتنفيذها. وكان وزير العدل التونسي باشر في 14 اكتوبر 2013 عددا من التعيينات في خطط قضائية شملت رئيس المحكمة العقارية والمتفقد العام بوزارة العدل ومدير مركز الدراسات القضائية ورئيس المحكمة الابتدائية بتونس. وحاول الوزير ان يفرض من خلال قراره الذي ورد يوما واحدا قبل انطلاق عطلة عيد الاضحى قراءة خاصة به لأحكام القانون الاساسي عدد 13 لسنــة 2013 مؤرخ في 2 ماي 2013 والذي يتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي مفاده حفظ صلاحيته بممارسة تعيينات قضائية خارج هيئة القضاء العدلي.
بينت الهيئة في الجزء الأول من بيانها أن وزير العدل سعى الى استهداف هيئة القضاء العدلي قبل قراراته المنازع فيها. وكان استهدافه لها وسعيه الى عرقلة عملها بارزا على مستوى تعاطيه الفعلي معها وعلى مستوى ما صدر عنه من تصريحات. وقد كشفت الهيئة للرأي العام في البعد الأول المتعلق بالممارسات أن الوزير رفض توفير الدعم اللوجستي لهيئة القضاء العدلي بمناسبة اجرائها للحركة القضائية كما عطل نشرها للحركة القضائية بالجريدة الرسمية رغم أن النشر يعد اجراء أساسيا لاستكمال الحركة القضائية على اعتبار أنه يفتح آجال الاعتراضات أمام القضاة الذين يرغبون في ذلك. وقد عبر في تصريحاته وبوضوح كلي عن خلفية موقفه المتمثل في رفض الهيئة وامتعاضه من عملها. وذكر البيان في هذا السياق بما صدر عن وزير العدل بجلسة الاستماع المنعقدة بالمجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 19 سبتمبر 2013 من مواقف كان اهمها وصفه للهيئة “بالجسم الأجنبي عن القضاء” ووصفه قانون الهيئة “بالبناء الفوضوي” ودعوته لمراجعته كخيار تأسيسي.
انتهى بيان الهيئة في جزئه الأول الى استخلاص غياب الارادة السياسية الحقيقية لتحقيق استقلال القضاء لينتهي في جزئه الثاني الى بيان خطورة قرارات النقل التي اجراها الوزير خارج أي صلاحية قانونية على المكتسبات التي حققها بعث الهيئة، فبين أن القرارات التي شكلت حركة موازية للحركة القضائية الصادرة عن الهيئة وصدرت قبل نشرها انما تهدف الى تهميش الهيئة واستعادة اليات عمل منظومة الاستبداد والولاءات داخل القضاء كما انها ترمي بموازاة ذلك الى فرض سيطرة السلطة السياسية على الهيئة ذاتها خصوصا وانها شملت اثنين من اعضائها .
وقد أوضحت الهيئة في بيانها بأن مذكرات الوزير هي في مقام المعدوم لصدورها عن غير ذي اختصاص وذكرت انها “قررت عدم إجراء العمل بها”. كما قررت توجيه قرارات فردية في عدم اعتماد هذه المذكرات إلى السادة القضاة المشمولين بها وإلى السيد وزير العدل، مع توجيه مراسلة للغرض نفسه إلى رئيس الحكومة.
اختارت هيئة القضاء التي وحدت خلفها هياكل القضاة ان تتصدى لمحاولة وزير العدل فرض امر واقع يؤسس لتدخل السلطة التنفيذية في مجال اختصاصها، في توجه يبدو انه كان سيكون سندا لتصورات المؤسسات الدائمة بعد اصدار الدستور، ومن شأنه أن يحول الازمة الى انتصار فعلي لقيم دولة القانون والمؤسسات. وبالنظر لأهمية بيان هيئة القضاء العدلي خصوصا في جانبه المتعلق ببناء مؤسسات القضاء، تتولى المفكرة القانونية نشر البيان الذي يكشف ان تجمع القضاة وتضامنهم يعد مدخلا أساسيا لتحقيق استقلال القضاء.
نص البيان
الجمهورية التونسية
الهيئة الوقتية للقضاء العدلي
تونس في 17 أكتوبر 2013،
بيـــــــــــــــــــــان
إن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي المجتمعة بجلسة طارئة اليوم الخميس 17 أكتوبر 2013 للنظر في تداعيات مذكرات العمل الصادرة عن وزارة العدل بتاريخ 14 أكتوبر 2013،
وبعد التذكير بالصعوبات التي واجهتها الهيئة نتيجة غياب الإرادة السياسية في تمكينها من المقومات الأساسية لوجودها الفعلي كمؤسسة دستورية يرجع لها الإشراف على القضاء العدلي والمساهمة في إصلاح منظومة العدالة، وخاصة من خلال التسويف في توفير مقر خاص بالهيئة وتمكينها من ميزانية وإطار إداري على غرار مؤسسات السلطتين التنفيذية والتشريعية في محاولة لتغييبها عن المشهد العام وتحجيم دورها في ضمان الحد الأدنى من استقلال القضاء،
وبعد الوقوف على تصريحات السيد وزير العدل بجلسة الاستماع المنعقدة بالمجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 19 سبتمبر 2013 والتي وصف فيها الهيئة “بالجسم الأجنبي عن القضاء” ووصف قانون الهيئة “بالبناء الفوضوي” ودعوته لمراجعته كخيار تأسيسي وتصريحه بأن وزارة العدل غير ملزمة بتوفير الإمكانيات اللازمة لعمل الهيئة باعتبارها هيئة مستقلة،
وبعد الوقوف على موقف السيد وزير العدل الرامي إلى إخراج اختصاص التعيين بالوظائف القضائية بمركز الدراسات القانونية والقضائية عن ولاية الهيئة والمعبر عنه بموجب المكتوب الموجه للسيد رئيس الهيئة بمناسبة إعداد الحركة القضائية لسنة 2013-2014 في مخالفة صريحة لمقتضيات القانون الأساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي،
وبعد الوقوف على فحوى المذكرات الصادرة عن السيد وزير العدل بتاريخ 14 أكتوبر 2013 والتي تم بمقتضاها إجراء حركة جزئية شملت سبعة قضاة من ضمنهم عضوي الهيئة السيد المتفقد العام والسيد رئيس المحكمة العقارية خارج أي سياق قانوني.
فإن الهيئة:
أولا : تنبه أن هذه القرارات وفضلا عما أدخلته من مراجعة للحركة القضائية المصادق عليها من الهيئة في 13 سبتمبر 2013 والتي لم يقع نشرها لحد الآن بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وما ينطوي عليه ذلك من سعي لتهميش الهيئة، فإنها طالت تركيبة الهيئة بإنهاء مهام عضوين منها واستبدالهما بغيرهما للتأثير على التوازنات داخلها وتسليط ضغوط على بقية الأعضاء.
ثانيا: تؤكد أن هذه القرارات قامت على سياسة فرض الأمر الواقع من خلال غصب اختصاص التعيين في الوظائف السامية وبالإدارة المركزية بوزارة العدل والمؤسسات الملحقة بها في مخالفة لأحكام الفصل 14 من القانون المحدث للهيئة والذي يقتضي أن تتم التسميات بناء على قرار ترشيح من الهيئة.
ثالثا: ترفض ما تنطوي عليه هذه القرارات من محاولة لإحياء آلية مذكرات العمل الموروثة عن المنظومة القضائية السابقة والملغاة بموجب الأحكام الواردة بالفصول 1 و2 و12 و14 و20 من القانون المحدث للهيئة، علاوة على مخالفتها لمقتضيات الفصلين 17 و22 من القانون الـتأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
وبناء عليه فإن الهيئة،
أولا: تعتبر أن المذكرات المشار إليها فاقدة لكل سند قانوني ويشوبها خرق فادح لقواعد الاختصاص ينزلها منزلة القرارات المعدومة وتقرر عدم إجراء العمل بها،
ثانيا: توجه قرارات فردية في عدم اعتماد هذه المذكرات إلى السادة القضاة المشمولين بها وإلى السيد وزير العدل، وتوجه مراسلة في الغرض إلى السيد رئيس الحكومة،
ثالثا: تدعو إلى الكف عن كل الممارسات التي من شأنها إرباك عمل الهيئة وكل ما من شأنه تعطيل مسار إصلاح القضاء وتكريس استقلاله والتأسيس لسلطة قضائية مستقلة ونزيهة ومحايدة .
.
عن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي
الناطقة الرسمية باسم هيئة القضاء العدلي
السيدة: وسيلة الكعبي
الصورة منقولة عن موقع جدل