هيئة الإشراف على الانتخابات تفرّغت لمراقبة “مهارات” والمشهد الانتخابي بعين واحدة


2022-05-03    |   

هيئة الإشراف على الانتخابات تفرّغت لمراقبة “مهارات” والمشهد الانتخابي بعين واحدة

في وقت يستباح فيه القانون الانتخابي من قبل جهاتٍ عدة، وتُمنع لوائح من إعلان برامجها  الانتخابية، وتُعتّم وسائل إعلامية على مرشحين دون غيرهم، تفرّغت الهيئة الوطنية للإشراف على الانتخابات لمراقبة عمل وتقارير مؤسسة “مهارات”، زاعمةً أنّ المؤسسة تخالف قانون الانتخابات وتحديداً المادة 20. وقد نشرت “الهيئة” على صفحتها كتاباً صادراً عنها في 20 نيسان 2022 جاء فيه أنّ “مشاركة جمعية مهارات في مواكبة الانتخابات والإشراف عليها هو عمل غير قانوني”، ويتوجّب عليها التقدّم بطلب اعتماد للهيئة لمزاولة ممارسة عملها.

وتنص المادة 20 من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017 على أنه “يحق لهيئات المجتمع المدني ذات الاختصاص، تحت اشراف الهيئة، مواكبة الانتخابات ومراقبة مجرياتها” ، في حين ينص البند التاسع من المادة 19 المتعلق بمهام الهيئة على: “قبول ودرس طلبات المراقبين الانتخابين المحليين والدوليين ومنحهم تصاريح ووضع قواعد سلوك لهم”. ومن المعلوم أنّ هذه التصاريح تهدف إلى تمكين المراقبين من إجراء رقابة فعّالة على العملية الانتخابية لضمان نزاهتها من خلال السماح لهم بالوصول إلى أماكن أو معلومات غير متوّفرة للعامّة. من هنا لطالما تمّ الاعتبار أنّ صلاحية الهيئة في منح التصاريح محصور بالمراقبين “الميدانيين” الذين يواكبون العملية الانتخابية على أرض الواقع، وتخوّلهم الدخول إلى الإدارات العامة وأقلام الاقتراع، من دون أن تشمل الجمعيات التي تقوم برصد الانتخابات “مكتبياً” كمؤسسة “مهارات” التي لا تقوم بالعمل الميداني.  

إلّا أنّ الهيئة قررت اعتماد تفسير مغايرٍ للمادة 20، لما درجت عليه العادة في السنوات الماضية، صنّفت من خلاله “مهارات” من ضمن الجمعيات العاملة ميدانياً، وبالتالي يوجب عليها التقدّم بطلب الإعتماد، وإلّا اعتبر عملها غير قانوني.

فوجئت “مهارات” التي تعمل في رصد الخطاب الإعلامي ومنه الانتخابي منذ سنوات، بقرار “الهيئة” بخاصة وأنّها طيلة فترة عملها لم ينبئها أحد بمخالفتها القانون.

وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أنّها غير معنية بالقانون المذكور كون عملها لا يرتكز على مواكبة العملية الانتخابية ومراقبتها كما تنص المادة 20، بل تقوم برصد الخطاب الإعلامي، وعليه فلا يتوجّب عليها التقدّم بطلب الاعتماد. وقد نشرت “مهارات” كامل المراسلات التي تبادلتها مع الهيئة منذ 13 نيسان 2022، وعددها أربعة، في حين عمدت “الهيئة” إلى نشر كتابها الأخير الذي جاء خارجاً عن السياق التسلسلي للنقاش. 

من جهةٍ ثانية لاقى قرار الهيئة حملة شجب واسعة، فأصدر تحالف الإصلاح الانتخابي بياناً صنّنف فيه قرار الهيئة في خانة التضييق على عمل المجتمع المدني، فيما رأى تجمّع النقابة البديلة في القراراستنسابية في ظل ما يحدث من مخالفات فاضحة.

“مهارات”: عملنا مكمّل لعمل الهيئة والمادة 20 لا تنطبق علينا

وفي اتصالٍ مع “المفكرة القانونية” تعرب رولا ميخائيل، المديرة التنفيذية لمؤسسة “مهارات”، عن قلقها من التلاعب في تفسير المواد القانونية الذي من شأنه أن يضيّق على عمل جمعيات المجتمع المدني، مشددةً على أنّها ليست المرة الأولى التي تقوم “مهارات” بالرصد الإعلامي لموضوع الانتخابات، وأنّها سبق وأصدرت تقارير مشابهة خلال انتخابات العام 2016 وانتخابات العام 2018، ولم يعترض أحد، “فما الذي طرأ الآن”؟ وتشدّد ميخائيل على أنّ القانون يهدف إلى حماية الجمعيات التي تمارس عملها بمراقبة العمل الانتخابي يوم الانتخابات، معتبرةً أنه كان من الأجدى إبلاغ الجمعيات عن حدوث تغيير في تفسير المادة: “يعني معقول أي حدا بدو يكتب عن الانتخابات بده يروح  ياخذ تصريح من الهيئة؟” مؤكدةً أنّ عمل “مهارات” هو عمل مساعد لعمل الهيئة، ولأي مؤسسة مهتمة بالإصلاح الانتخابي والعمل الديمقراطي.

ويشرح رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات ، نديم عبد الملك، في اتصال مع “المفكرة”، أنّ عمل الهيئة يتوّزع، خلال الفترة الانتخابية التي تمتد من 10-1-2022 لغاية عشية الانتخابات في 15 أيار، على أعمال مراقبة ورصد الإعلام والإعلانات والإنفاق الانتخابي والتمويل وغيرها من جهة، وعلى تنظيم عمل المراقبين المحليين والأجانب الذين سيواكبون العملية الانتخابية من جهةٍ ثانية، عملاً بالمادتين 20 و 19، والتزاماً بالقرار رقم 4 الصادر في 25-1-2022 المتعلق بميثاق الشرف. وقد تمّ إبلاغ الجهات والجمعيات التي تودّ الانضمام والعمل على مراقبة عمل الانتخابات، بضرورة التقدّم بطلبات الاعتماد، لكنّ “مهارات” لم تتقدّم بطلب الحصول على التصريح.

ويعتبر عبد الملك أنّ “مهارات” “تتهرّب” من التقدّم بالحصول على الاعتماد، لأنّها بحسب قوله “غير مستوفية للشروط فلا يبلغ عدد منتسبيها المئة منتسب وفقاً للوائح المودعة أصولاً لدى المراجع الرسمية ذات الاختصاص على الأقل من تاريخ تقديم الطلب”، وذلك بحسب أحد بنود المادة 20 من القانون رقم 44/2017، “الجمعية يلّي بدها تحصل على ترخيص يتّطلب وجود 100 منتسب كي تمارس عملها، لهيك مهارات عم تتهرب من التقدم بطلب للحصول على الاعتماد”.

أي أعمال رقابية تحتاج إلى موافقة الهيئة؟

توضح ميخائيل أنّها قبل حوالي الشهر تلقّت اتصالاً من رئيس الهيئة نديم عبد الملك يطلب من الجمعية ضرورة التقدّم بطلب للحصول على ترخيص لمزاولة عملها في مراقبة الاداء الإعلامي، حينها قامت ميخائيل بالتوضيح لعبد الملك بأنّ القانون لا ينطبق عليها كونها جمعية لا تحتاج إلى مراقبة “فعلية” ميدانية، “ولا مرة فسرنا المادة 20 على إنّه لازم نحنا ناخذ ترخيص لأن نحنا ما مننزل على الارض، ما عنّا ناس عالأرض حتى الدولة تعرف فيهم”.

لم توضح أيّ من كتب الهيئة ما هي الأعمال التي قامت بها “مهارات” واعتبرتها الهيئة خاضعة للتصريح. وبسؤال من “المفكّرة”، يعتبر عبد الملك أنّ “مهارات” لا تقوم بعمل مكتبي، بل قامت خلال الفترة الانتخابية بأعمال ذات طابع ميداني، مستنداً إلى ذريعتين: الأولى هي المشاركة في دراسة ميدانية نشرت في تاريخ 8 نيسان، بالتعاون مع “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات” (لادي LADE)، تحت عنوان “الانتخابات النيابية والشائعات”، “من يقرأ مقال (دراسة) لادي، واضح أنها عم تشتغل على الأرض”.

أما الذريعة الثانية فترتبط بزيارات “مهارات” الميدانية للمسؤولين التي اعتبرها عبد الملك مخالفة للقانون. من هنا يعتبر عبد الملك أنّ عمل “مهارات” لا يقتصر على تتبّع الأخبار والرصد الإعلامي، بل تعدّاه إلى مشاركتها الميدانية في العمل الانتخابي، وهذا ما دفع به إلى إجراء اتصال بميخائيل، يطلب منها التقدم إلى الهيئة بطلب اعتماد تطبيقاً للمادة 20، والحصول على تصريح رسمي.

تردّ ميخائيل على ذلك بالقول إنّ “مهارات” تعاونت في “لادي” في التقرير المذكور في الشق المتعلّق برصد الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وتحليل المعلومات والمعطيات التي جمعها مراقبو “لادي” التي وافقت الهيئة على مراقبتها للانتخابات، مشددة على أنّ “مهارات” لم تمارس خلال إعداد التقرير أي نشاط ميداني.

ورداً على الذريعة الثانية، تعتبر ميخائيل أنها كعضو في تحالف الإصلاح الانتخابي يتوجّب عليها القيام بعدد من الزيارات والنقاشات مع المسؤولين، رافضة تصنيف نشاطها واهتمامها بالشأن العام (الانتخابات) كعمل ميداني لمراقبة الانتخابات يدخل ضمن مفهوم المادة 20، مصنّفةٍ حجج عبد الملك بالخطيرة جداً والتي ترقى لحد التضييق على الحرّيات العامّة، “هل إذا بدي اعمل اجتماع أو نقاش لأتعاطى بالشأن العام بدي تصريح؟”. وتدعو عبد الملك إلى فرض التصاريح على جميع من يشارك في المناقشة في الانتخابات، “خلّي كلّ مراكز الأبحاث  والرصد والسفراء يتقدّموا بطلبات تصريح للهيئة”. من جهةٍ ثانيةٍ، لا تجد ميخائيل تفسيراً لتحوّل وتغيّر تعامل الهيئة معها سوى انزعاج بعض الجهات الحزبية من أدائها وتقاريرها.

عمل مستمرّ في دعم المسار الانتخابي

وأفادت “مهارات” أنّها قامت في فترة سابقة بتدريب “راصدين” يعملون مع هيئة الإشراف على الانتخابات، وأنّها سبق وأصدرت تقارير خلال عملها على رصد الانتخابات في عامي 2016 و2018 ، مستفسرةً عن سبب عدم اعتبارها مخالفة للقانون في حينها.

ورداً على ذلك يعتبر عبد الملك أنّ لا اعتراض على عملها في التدريب، مكرراً أنّه بالنسبة له “المشكلة” في عملها في مراقبة ومواكبة الانتخابات: “فرق كبير بين عملها في التدريب وعملها في تغطية الانتخابات”، علماً أن تدريب الهيئة لم يكن مجانياً، على حد قوله.

من جهةٍ ثانية يرفض عبد الملك، اتهام “الهيئة” بالتضييق على عمل المجتمع المدني، موضحاً أنّ المجتمع المدني هو معزز لدور الهيئة، “هنّي أذان وعيون الهيئة على الأرض”. ويدعو “مهارات” إلى “تسوية” وضعها القانوني، معتبراً أنّ الهيئة مع حرية التعبير وإبداء الرأي لكن ضمن حدود الالتزام بالقوانين، وإلى وقف حملة “الافتراء” على الهيئة. ويدعو المعترضين إلى التوجّه إلى مجلس شورى الدولة لتقديم الطعن كما تنص المادة 21 من القانون: “يمكن الهيئة تكون غلطانة بقرارها بس في أطر قانونية يمكن اتباعها للطعن والوصول للحق بدلاً من الأساليب الغوغائية”.

ورداً على ذلك، تشدد ميخائيل على أنّ القرار لا يزال غير قانوني، فهي تبلّغته عبر البريد الإلكتروني ولم ينشر بالجريدة الرسمية، من هنا لا يمكنها التقدّم بالطعن أمام مجلس شورى الدولة، واضعة كلّ ما يجري في خانة العرقلة والتضييق على الحركة العامة للانتخابات.

ردود الافعال

بدوره أصدر تحالف الإصلاح الانتخابي  الذي يضم “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات”، “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لافساد”، “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً” بالإضافة إلى “مهارات”، بياناً أعرب فيه عن قلقه من التضييق المتزايد على المساحات العامة في لبنان وعلى إبداء حرية الرأي والتعبير بشكل عام، وآخرها التضييق الذي تمارسه الهيئة على الانتخابات في إطار تفسيرها الضيّق لقانون الانتخاب ومنه المادة 20.

واعتبر البيان أنّ “عدم أخذ الهيئة بتوضيح مهارات إنما يشكل مؤشراً مقلقاً على التضييق على جمعيات المجتمع المدني وحريتها في الوصول إلى المعلومات وتحليلها، إذ يمكن لأي فرد أو باحث او جمعية أو حتى قطاع خاص أن يراقب مجريات الانتخابات، كل ضمن اختصاصه”.

كما دعا التحالف إلى ضرورة “البدء فوراً بعد الانتخابات بورشة اصلاح الإطار القانوني والإجرائي للانتخابات وتوضيح النصوص كي لا تستخدم ذرائع للتضييق على عمل المجتمع المدني والذهاب فوراً إلى الإصلاح الجوهري “.

من جهته رأى “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” في كتاب هيئة الإشراف على الانتخابات بحق مؤسسة “مهارات” تضييقاً على عمل مؤسسات المجتمع المدني في مراقبتها للعملية الانتخابية، ويسأل الهيئة “لماذا لم تصدر أي موقف من الضغوطات والتهويل الذي تعرضت له فرق إعلامية ميدانية خلال تغطيتها الأجواء الانتخابية خلال اعتداءات الصرفند أو خلال تصوير تقرير ميداني في بنت جبيل؟”

سؤال حملته “المفكرة” إلى عبد الملك الذي  يفيد أنّ الهيئة وضعت تقاريرها بالمخالفات كافّة وحوّلتها إلى النيابة العامة (المادة 65 من قانون الانتخاب)، وأنّ كل المخالفات والتجاوزات سيتمّ لحظها في التقرير الذي ستقدّمه الهيئة إلى المجلس الدستوري، متذرّعاً بضعف الإمكانيات المتوفرة التي تحول دون فرض رقابة فعالة: “شايفين كل شي بس عم نشتغل باللحم الحي والإمكانات محدودة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني