هيئات قضائية لا تعمل: هكذا يعطل القضاء، هكذا تعطل الحقوق الاجتماعية


2012-03-30    |   

هيئات قضائية لا تعمل: هكذا يعطل القضاء، هكذا تعطل الحقوق الاجتماعية

 
(ملاحظات بشأن ندوة المفكرة القانونية المنعقدة في 29-3-2012)
 
ثلاث هيئات معطلة، اثنان (لجنة مكافحة الادمان، ولجنة حل النزاعات المتصلة بحماية المستهلك) منها منذ نشأتها والثالثة (مجلس العمل التحكيمي) بفعل تجاذبات سياسية. وتعطيل كل منها يؤدي الى تعطيل حقوق اجتماعية اساسية. وقد تحدث عن اللجنة الاولى ناديا مكداشي، مديرة جمعية سكون، وعن اللجنة الثانية د. زهير برو رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، وعن اللجنة الثالثة د. ايمان خزعل وهي مفوض حكومة لدى مجلس العمل التحكيمي في بيروت. كما شاركت في الندوة الصحافية بيسان طي (يراجع مقال منشور على حدى) وادارت النقاش الباحثة القانونية يمنى مخلوف.
تعطيل لجنة مكافحة الادمان = تعطيل حقوق المدمن بالعلاج وبالاعفاء من الملاحقة: المدمن يعاقب ليس لانه اعتدى على القانون، بل لان الحكومة تعتدي على حقوقه بالعلاج:
فلجنة مكافحة الادمان لجنة يرأسها قاض وتختص بمواكبة علاج الشخص المدمن الذي يأتي اليها طوعا او يحال اليها من قبل اجهزة الملاحقة او المحاكم. فاذا ثابر المدمن على العلاج تحت اشراف اللجنة حتى شفائه، تتوقف الملاحقة ضده تماما ويبقى سجله العدلي نظيفا. وهكذا، وبامكان اللجنة اذا تم تفعيلها ان تضمن للمدمن امرين هما في غاية الاهمية بالنسبة اليه: العلاج المجاني من الارتهان للمواد المخدرة طالما ان قانون المخدرات يضمن له ذلك، والتحرر من عبء العقوبة والسجل العدلي. بالمقابل، فان تعطيلها يؤدي الى تعطيل هذين الحقين. هذا مع العلم ان عدد الملاحقين على خلفية استعمال مواد مخدرة يقارب الفي شخص سنويا تقريبا. وقد لفت مشاركون خلال النقاش ان احد اهم اسباب تعطيلها هو غياب مراكز العلاج المجاني وهو ملف يشهد تطورا ايجابيا مؤخرا من خلال التهيئة لانشاء اقسام لعلاج الادمان في مستشفى ضهر الباشق ومستشفى رفيق الحريري الحكومي. كما تمت الاشارة الى وجود حالات عاقب فيها القضاء الشخص المدمن رغم ابراز افادة بشفائه، بحجة ان اجراءات العلاج التي تؤول الى الاعفاء من العقوبة هي الاجراءات التي تتم وفق الآليات المحددة قانونا، اي عبر اللجنة التي هي بالواقع لا تعمل. وبذلك، يعاقب المدمن بدل ان يعالج، لا بل واهم من ذلك يعاقب رغم ارادته على العلاج وربما مثابرته عليه ونجاحه فيه، وتاليا يعاقب ليس لانه خالف القانون بل لان الحكومة اعتدت على حقوقه من خلال تعطيل اللجنة والاحجام عن تأمين مراكز علاج.
تعطيل لجنة حل النزاعات المتصلة بحماية المستهلك:
هنا، اوضح د. زهير برو ان تعطيل هذه اللجنة هو جزء من تعطيل ابرز احكام قانون حماية المستهلك الذي قد يكون احد افضل قوانين حماية المستهلك في العالم. وقد اشار الى تعطيل ثلاثة اساسية اخرى: اولا، تعطيل المجلس الوطني لحماية المستهلك المؤلف من وزارات عدة بالاضافة الى ممثلين عن التجار والمستهلكين الخ.. وقد رأى الوزير الصفدي حسب قوله بان لا حاجة لهذا المجلس طالما ان دوره استشاري؛ وثانيا، تعطيل العقوبات التي نص عليها قانون حماية المستهلك وعليه اصبحت العقوبات المحكوم بها مجردة عن اي قوة ردعية، وثالثا، ضرب تمثيلية جمعيات المستهلكين من خلال تعطيل مجمل الهيئات التي نص القانون على اشراكهم فيها وآخرها اللجنة المستحدثة بموجب قانون منع التدخين). وقد اشار الى تعرض الجمعية لضغوط كبيرة، من بينها ضغوط ضد الجهات المانحة (الاتحاد الأوروبي) لحرمانه من الموارد المالية، ولا سيما في الفترة التي كان يتصدى فيها للصفقات قيد الاعداد آنذاك بشأن قطاع الاتصالات وشركات الخليوي. كما اعلن ان الجمعية تشعر اليوم، بعد الفضائح المتصلة باللحوم وما استتبعها من سخط اجتماعي واسع، انها في موقع يسمح لها المضي قدما في خوض معارك امام القضاء. وهكذا، اتخذت الجمعية صفة الادعاء الشخصي في القضايا المثارة مؤخرا وهي تعتزم لخطوات قضائية اخرى. وقد دعت الجمعية محامين للتطوع في هذا المجال.
 
تعطيل مجالس العمل التحكيمية:
هنا، اوضحت د.ايمان خزعل (مفوض حكومة لدى هذه المجالس) ان هذا التعطيل نتج عن امرين: اولا، انتهاء مدة ولاية مستشاري المجالس الذين يمثلون الاجراء وارباب العمل ابتداء من 7-2-2011 دون صدور مراسيم بتعيين مستشارين جدد لهذه المجالس، وكل ذلك في ظل عدم وجود نصوص تضمن استمرارية المرفق العام (عمل المجالس) في هذه الاحوال، وثانيا، وجود اختلاف حول الجهة التي تعين المستشارين: فهل هو وزير العمل ام الاتحاد العمالي العام؟ وهو امر ربما يكون سبب تعطيل المرسوم او ارجاء صدوره. كما اوضحت ان عدد الدعاوى المتوقفة في محكمة بيروت وحدها هي 2493 دعوى، ترجح ان 30% منها جاهزة للحكم، وان تعطيل المجلس غالبا ما يدفع الاجراء الى قبول تسويات مجحفة لغياب الحماية القضائية وان القضاة يتدخون احيانا لاعادة بعض التوازن. وهذا ايضا ما تراقبه في الوساطات التي تشرف عليها وزارة العمل والتي غالبا ما تنصح بقبول حلول قد تكون غير مرضية في ظروف اخرى، على خلفية ان تعطيل المجالس يمنع تحصيل الحق.  اما لماذا لا يثير تعطيل مجالس العمل التحكيمية الشارع او حتى الاعلام، علما ان تعطيله يؤدي الى تعطيل حماية الاجراء بشكل كامل؟ فذلك يرجع ربما الى ان الاتحاد العمالي العام قد اسهم هو ايضا في التعطيل من خلال التمسك باسماء اشخاص معينين، وانه ربما دخل في الكواليس في تجاذبات سياسية حول الاسماء مؤثرا الابتعاد عن الشارع.
 
وهكذا، شكلت الندوة مناسبة للنقاش بشأن تعطيل هيئات قضائية، وتاليا بشأن تعطيل الحقوق الاجتماعية التي انشئت او انوجدت اصلا لحمايتها. مثال آخر على توجه النظام الى تهميش الآليات الآيلة الى تكريس حقوق مكتسبة او الى اعادة بعض التوازن الى العلاقات الاجتماعية، فتبقى محكومة اولا واخيرا بمعايير القوة.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني