"إن قرار اقفال حرش بيروت هو غير قانوني" جملة قالها المحافظ زياد شبيب خلال حلقة نقاش عام عن المساحات العامة نظمته جمعية "نحن" نهار الاربعاء 5/8/2015 في مبنى البلدية. واللافت أن هذا التصريح جاء مندون مقدمات أو عرض آليات واضحة للتنفيذ. فقد سأل شبيب بعد نحو ثلاث ساعات من تعرضه لضغط أسئلة الحضور: "متى تريدون أن يُفتح الحرش؟"، فأعطاه الحاضرون مهلة شهر محددين الموعد في 5 أيلول وهكذا كان.وقد جاء جواب المحافظ صادماً للحاضرين بعد ساعات أمضاها يتحدث عن خطوات أعدت وأمور يتم التحضير لها دون ان يفسر أو يبرر ما يقصده، تاركاً من سمعه يغوص في دوامة من الأسئلة المبهمة الى ان وصلت الأمور الى حد الاعلان عن موعد لفتح الحرش بعد سنوات من نضال الجمعيات البيئية والناشطين في المجتمع المدني. وتجدر الإشارة الى أن جمعيتي "نحن" و"الخط الأخضر" الى جانب مواطنين كانت قد قدمتا في شهر ايار بواسطة المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية طلبا لبلدية بيروت ولمحافظها بوجوب إلغاء جميع القرارات الصادرة عنها والآيلة الى تقييد دخول حرج بيروت أو إرجاء حصوله لعدم قانونيتها، تحت طائلة اللجوء الى مجلس شورى الدولة. وفيما أن أياً من الجهات المعنية بهذا الطلب لم ترد على الموضوع، فإن الجواب جاء مبطناً وإيجابيا في تصريح المحافظ.
في بداية النقاش، عرض المدير التنفيذي لجمعية "نحن" محمد أيوب لأبرز الموضوعات العالقة في مجال المساحات العامة وهي حرش بيروت ودالية الروشة والرملة البيضاء . وسأل لماذا لا يفتح حرش بيروت، مذكراً بالدور الذي من المفروض ان يلعبه محافظ بيروت حيث لديه سلطتان: الأولى كممثل لجميع الوزارات في المدينة ما عدا العدل والدفاع والخارجية. والثانية كرئيس السلطة التنفيذية لمدينة بيروت ولديه دور رقابي على البلدية.
أما جواب شبيب فكان محيراً اذ تارة تحدث بلسان المحافظ وتارة أخرى بلسان المواطنين فيما كان أسلوبه يميل الى دور القاضي المتحفظ في كثير من الأوقات. فبعدما أعلن منذ بدء الجلسة: "أنا لا أملك الحلول للنقاط التي جئنا لمناقشتها ولكن أؤكد ان لدي النية الكاملة والصافية والتصميم على ان هذه النقاط بالامكان ان نصل فيها للنتائج المرجوة"، قال: "بالنسبة لحرش بيروت هناك من يعمل على المشروع بإخلاص ووصلت الامور الى حد وضع دراسة ودفتر شروط يتم اعداده حالياً، والسؤال الذي تطرحونه اطرحه معكم ما الذي يمنع ان تكون هذه المساحة مفتوحة بالحد الادنى ونستطيع ان نستفيد منها الى حين انجاز هذا المشروع؟". تابع:"هذا السؤال سألناه على أنفسنا مع جمعية "نحن" وبدأت تتبلور الاجابات وأصبح هناك عمل جدي وتفكير جدي لايجاد صيغة لاستخدام هذه المساحات العامة. اذا كانت الادارة او بلدية بيروت تنقصها الامكانيات وهناك بعض النواقص في أمور معينة هي التي حالت دون فتح الحرش الا انني اشعر ان العديد من الناس مستعدون للتطوع".
ولفت شبيب الى ان"هناك هوة بين الرأي العام او المجتمع والسلطة الادارية المسؤولة عن هذه المواضيع التي نناقشها التي نتمنى ان نردمها بغض النظر عن النتائج التي سنصل اليها، وذلك يكون عندما نقول اننا جميعا نعمل لتحقيق أهداف مشتركة ونناقش الوسائل طالما نحن متفقون على النتائج والمبادئ العامة والحقوق". الا انه لم يتحدث عن كيفية ردم هذه الهوة بين الطرفين، لكنه أكد على حق المواطنين وبالقانون الدخول الى الأماكن العامة مشيرا الى ان كيفية الوصول الى هذا الحق تحتاج الى نقاش معتمداً على الحاضرين بطرح الأفكار التي بالإمكان ان تساعد على تسهيل المهمة.
وعند سؤاله من أحد الحاضرين عمن يملك القرار بفتح الحرش أجاب: "ان القرار في هذا المبنى. فإدارة عقارات بلدية بيروت هي مناطة بالسلطة التنفيذية وذلك بحسب المادة 74 من قانون البلديات". وعند تكرار السؤال لان الإجابة بدت مبهمة لدى البعض رد قائلاً: "بيد المحافظ ولكن هناك قرار سابق للمجلس البلدي هو الذي حدد معايير من يدخل الى الحرش ومن لا وأنيط بالمحافظ تنفيذ هذا القرار، الذي اعلن أمامكم انه غير قانوني والادوات القانونية ليست مشكلة المهم ان نتفق على كيفية ادارة العملية".
ورداً على سؤال ان كان القرار بيد المحافظ، فلماذا لا يبادر بإلغاءه قال:"لان هناك مبدأ موازاة الأصول. فمن يتخذ القرار هو الذي يرجع عنه". وهو بذلك قام بتحميل كل الملفات العالقة للعهد السابق لتسلمه مهامه ثم لفت الى انه يقوم بالسماح لبعض الأشخاص من خارج الفئات المسموح لها بناء على قرار المجلس البلدي بالدخول الى الحرش بعد تقدمهم بطلب لذلك.
وشدد شبيب على ضرورة التعاون مع المجتمع الأهلي لسد النقص الذي قد يواجه البلدية في مسألة فتح الحرش قبل انتهاء الدراسات حول المشروع واعداد الادارة اما لتسلمه او تلزمته لجهة أخرى. وقال: "العمل الذي نقوم به مع جمعية نحن يجب ان نوسع اطاره ليشمل كل الموجودين. وإذا كان هناك نقص ما في عدد الناس الذين سيتولون مراقبة حسن استخدام هذا المكان العام، فيجب أن يكون هناك متطوعون في الأوقات التي سيتم فيها فتح الحرش وستقام حلقات تدريب واعداد لهذه المهمة".
بعد نحو ساعة من مدة النقاش حول موضوع حرش بيروت لم يكن بمقدور الحاضرين معرفة الاسباب التي أبقته مغلقا كل هذه الفترة. وحده محافظ بيروت كان يردد ما اكتشفه منذ توليه لمنصبه وقال: "اكتشفنا ان هناك نقصا في التجهيز وعدد الموظفين القادرين على ادارته. كما اكتشفت ان مدينة بيروت لديها موارد مالية كبيرة ليس لأنها غنية وانما لأنه يتم جباية الرسوم البلدية دون ان يتم انفاقها حيث يجب، اذ ان هناك العديد من المشاريع التي تقام للمدينة ولكن لا يتم تنفيذها".
الانتقال للحديث عن شاطئ الرملة البيضاء أراح محافظ بيروت لا سيما حينما لفت ايوب الى دور الأخير بإجبار قاضي الأمور المستعجلة على التراجع عن إغلاق الشاطئ أمام العامة. وقد أكد شبيب ان القانون واضح بأن شاطئ البحر حتى أبعد نقطة تصل اليها الأمواج هو ملك عام وقال:"تبين ان هناك أناس يحملون سندات ملكية رسمية وبالتالي فإن أي جهة مجبورة على التعامل معها على انها حقيقية حتى اثبات العكس. بالمقابل اتخذنا قرارا بأنه لا يوجد اي شيء يحول دون الوصول الى شاطئ البحر. وقد ابلغت مصلحة الهندسة في بلدية بيروت أن اي معاملة تتقدم في هذا الاتجاه تتعلق بهذا الشاطئ يجب ان تدرس من زاوية انه ملك عام ويبدو ان الأمور توقفت عند هذا الحد. واتمنى ان يستمر الوضع على حاله. في هذا الوقت يجب البحث عن كيف ولماذا هناك سندات ملكية لهذه العقارات لكن هذا الأمر خارج عن نطاق صلاحياتي ولا أستطيع التوصل له".
أما فيما خص دالية الروشة فلم يقدم شبيب اي وعد بحل قريب لموضوع السياج الشائكة. ولكنه شدد على أهمية الضغط الشعبي من أجل الوصول الى نتيجة. فقال:"أريد العودة الى الخطة التي أقرت لتصنيف الأراضي سنة 2009 من قبل مجلس الوزراء التي تلحظ ان هذه المنطقة خضراء وليست مبنية والتي انسجاماً معها تقدمت وزارة البيئة بإقتراح مرسوم لتصنيفها على انها من المناظر الطبيعية وتضم صخرة الروشة ومحيطها، نأمل ان يتم الضغط والمطالبة بصدوره لأنه مهم جدا. وهكذا يكون الموضوع من حيث اساسه القانوني قد تعالج وبإمكاننا المراهنة عليه فالدور ليس لبلدية بيروت والمحافظ وحسب بل لعدد من الوزارات التي من المفترض ان تتحرك في هذا الاطار لحماية هذا الموقع وتحديد مصيره".
ورداً على تعليق لأحد الحاضرين حول مخاطر السياج الموضوع على السلامة العامة وان هناك طلبا موجها من قبل وزارة البيئة الى البلدية والمحافظ لإزالته أجاب المحافظ ان لا علم له بالموضوع وان السياج موجود بموجب ترخيص وتم وضعه من قبل المحافظ السابق. اما فيما خص موضوع السلامة العامة، فوعد بإرسال فريق من لجنة الهندسة في البلدية للكشف على السياج ووضع تقرير حوله وعلى اساسها سيتصرف.
وبسؤاله عما سينتج عن هذا التقرير ان اثبت ان السياج يهدد المصلحة العامة، ان كان سيصار الى إزالته أو إحضار سياج من نوعية أخرى تردد شبيب في الإجابة ثم رد ممازحا "سنحضر سياجا من البلاستيك".
وبالمحصلة، أهم ما تضمنه النقاش وعد محافظ بيروت بفتح الحرش ودعوة الى تشكيل لجنة للمتابعة والتطوع دون توضيح او شرح لآليات فتح الحرش أو حيثيات عمل اللجنة. وعليه، بإنتظار 5 أيلول القادم والتاريخ الموعود يبقى المثل السائد "ع الوعد يا كمون". فهل يصدق محافظ بيروت في وعده، وننتهي من مخالفة لم يجد حرجاً في اعتبارها غير قانونية؟