هل يجدد العمل بقانون استعادة الجنسية؟ وعود كبيرة ونتائج هزيلة


2025-06-05    |   

هل يجدد العمل بقانون استعادة الجنسية؟ وعود كبيرة ونتائج هزيلة

في 30 أيّار 2017، صدر المرسوم الأوّل باستعادة الجنسيّة اللبنانية تطبيقًا للقانون رقم 41 الصّادر في تاريخ 24 تشرين الثاني 2015، الذي كان ثمرة تعاون بين كتلتي التّيار الوطني الحرّ والقوّات اللّبنانيّة. الهدف من هذا القانون بحسب أسبابه الموجبة هو منح الجنسيّة للمتحدرين من أصول لبنانية لأنّ “الاغتراب اللبناني ثروة لبنان الكبرى ويستحقّ اهتمام المسؤولين”[1]. ومن المعلوم أنّه قبل صدور هذا القانون كانت هناك العديد من التّعقيدات التي تعيق استعادة الجنسيّة بسبب الفترة الزمنية الطويلة التي مرّت على تعاقب الأجيال منذ المغتربين الأوائل وتعدّد المستندات المطلوبة والتي هي غالبًا غير متوفّرة. فجاء هذا القانون كحلّ لتلك العقبات، إلّا أنّه يجب الإشارة إلى أنّ الأسباب المعلنة لوضع آلية استعادة الجنسية هذه تختلف عن الأسباب السّياسيّة المبطّنة. إذ يتضح من السياق السياسي الذي أقرّ فيه هذا القانون أنّ الهدف الحقيقيّ للكتل المسيحيّة والمتمثل بمحاولة زيادة عدد المسيحيّين اللبنانيّين من أجل تصحيح الخلل في التوازن الطائفي وتحقيق مكاسب انتخابية وشعبوية عبر السّماح للمغتربين ذوي الأصل اللبنانيّ وضمنًا المغتربين من الدفعات الأولى باكتساب الجنسيّة اللبنانيّة على اعتبار أنّ غالبيّة هؤلاء والذين لم يتمكّنوا من الحصول على الجنسية اللبنانية كانوا من المسيحيين.

بالتالي، جاء هذا القانون نتيجة اتفاق بين الكتل البرلمانيّة، وكان جزءًا من تسوية تمّت قبل انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية سنة 2016. وقد نصّ القانون على مهلة عشر سنوات للاستفادة من أحكامه، تنتهي سنة 2025، يكون بعدها اللّجوء إليه لاستعادة الجنسية غير ممكن .

ومع قرب انتهاء مفعوله في تشرين الثاني 2025، نعمل في هذا المقال على قياس مفاعيله على ضوء  المراسيم الصّادرة لاستعادة الجنسيّة اللبنانيّة على أساسه. وهو أمر يساعد في تكوين الرأي المناسب بشأن مدى ملاءمة تمديد العمل به وبأيّة شروط. وكان المرصد البرلماني قد وثق تقديم اقتراحي قانون لهذه الغاية: الأوّل اقتراح قانون تقدّم به النواب نعمة افرام ونديم الجميل وميشال معوض وميشال ضاهر ومارك ضو وأشرف ريفي وبيار بو عاصي وشوقيّ الدكاش وآلان عون، واقتراح قانون ثانٍ تقدّم به نوّاب من تكتل لبنان القوي.

وأوّل ما نلحظه في هذا السياق أنّه خلال السنوات العشر من عمر هذا القانون، تمّ إصدار 535 مرسومًا باستعادة الجنسيّة اللبنانيّة وقّعها رئيس الجمهوريّة ميشال عون، نشر منها في الجريدة الرسمية 522 مرسومًا فقط. كما يلحظ أنّ مجلس الوزراء أصدر في 11 و12 أيلول 2023 خلال فترة الشغور الرئاسي 92 مرسومًا إضافيًا باستعادة الجنسية من دون أن تنشر هذه المراسيم في الجريدة الرسمية. لذلك ستتمحور هذه الدراسة حول المراسيم التي نُشرت فقط، أي الصّادرة قبل 2023. بالإضافة إلى ما تقدّم، وبالرّغم من أنّ مفاعيل القانون تمتدّ على فترة عشر سنوات، تجدر الملاحظة أنّ جميع تلك المراسيم صدرت خلال ست سنوات وهي سنوات 2017 حتى 2022، وهي الفترة التي تتطابق مع ولاية الرئيس ميشال عون، مما يدلّ على حرص الأحزاب المسيحيّة على تطبيق هذا القانون كي تقدّم نفسها بوصفها الجهة التي تدافع عن “حقوق المسيحيين” و الحريصة على استعادة التوازن الديموغرافي بين الطوائف اللبنانية.

أشرنا إلى أنّ عدد المراسم التي نشرت في موضوع استعادة الجنسية هو 522 مرسومًا، لكن عدد المستفيدين هو 952 طالما أنّ مراسيم عدة ضمّت إلى المستفيد الأساسي عددًا من أفراد عائلته. وبالتالي، إذا ما قسّم عدد المستفيدين على عشر سنوات، يكون هنالك  ما يعادل 90 شخصًا تقريبًا في السّنة قد استرجعوا الجنسية اللبنانية، وهو رقم ضئيل لا يشي بأنّ القانون قد جاء بالنتائج المرجوّة منه.

من جهة ثانية، يتبيّن من خلال التحليل الطائفي للأسماء، ومن دون القطع في مدى دلالة هكذا معيار، أنّ معظم المستفيدين هم من المسيحييّن لكن من دون أن يكون لذلك تأثير حقيقيّ على بنية المجتمع اللبناني وتوازناتها الطائفيّة، فضلًا عن أنّ هذا الرقم لا يغيّر في الانتخابات كون المستفيدين سيتوزّعون على دوائر انتخابية مختلفة. 

من ناحية التوزيع الجندريّ، يتبيّن أنّ عدد الذّكور المستفيدين من المراسيم هو تقريبًا ضعف عدد الإناث إذ يبلغ عددهم 630 بينما عدد الإناث هو 322. ويمكن تفسير هذا الفارق الشّاسع بتقديم عدد أكبر من الرّجال لطلبات استعادة الجنسيّة بالطابع التمييزي للقانون الذي لا يجيز للنساء نقل الجنسية اللبنانية المزمع استعادتها لأبنائهنّ. فقد بلغ عدد المستفيدات من الإناث اللواتي تقدّمن مباشرة بطلبات، 132 فقط، بينما بلغ مجموع المستفيدين الذكور الذين تقدّموا بطلبات بأنفسهم 390 أي ثلاثة أضعاف في حين أنّ المستفيدين الآخرين كانوا من عوائل مقدّمي الطلبات.

من ناحية التّوزيع الدّيموغرافي وفق بلد الاغتراب، أظهرت دراسة المراسيم أنّ أكثريّة المستفيدين هم من بلدان أميركا الّلاتينيّة. إذ يوجد 211 مستفيدًا من التّابعية المكسيكيّة، 160 من التّابعيّة البرازيليّة، 107 من التّابعيّة الأوروغوانيّة، 62 من التّابعية الأرجنتينيّة، 38 من التّابعية الكولومبيّة،  5 من التّابعية الكوبيّة، 5 من التّابعية الكوستاريكية، 4 من التّابعية الفنزويلية، 2 من التّابعية التشيلانيّة، 1 من التّابعية الإكوادورية.

مجموع المستفيدين في أميركا الّلاتينيّة هو 595، أي حوالي 60% من مجموع الذين استعادوا الجنسية اللبنانية البالغ عددهم 952. وقد يفسّر هذا العدد بوجود جاليات لبنانيّة كبيرة في دول أميركا اللّاتينيّة تعود إلى حقبات الاغتراب الأولى.

وعلى الرغم من أنّ غالبية الذين استعادوا الجنسية اللبنانية هم من أميركا اللاتينية يتبيّن أنّ بقية المستفيدين من تلك المراسيم توزّعوا على بلدان عديدة من العالم.

إذ بلغ عدد المستفيدين من استعادة الجنسية من أميركا الشمالية 172 توزعوا على النحو الآتي: 20 من التّابعية الكنديّة، و152 من التّابعية الأميركيّة. 

وفي أفريقيا، استعاد قرابة 156 شخصًا الجنسيّة اللّبنانية. وهم يتوزعون على النحو الآتي: 79 من التّابعية الجنوب إفريقية، 58 من التّابعية المصريّة، 8 من التّابعيّة السّنغاليّة، 6 من التّابعية السّيراليونيّة، و5 من التّابعيّة المغربية.

في المقابل، بلغ عدد المستفيدين من استعادة الجنسية في أوروبا 17 فقط يتوزعون على الشكل الآتي: 7 من التّابعيّة الفرنسيّة، و6 من التّابعيّة السّويسريّة، و4 من التّابعيّة البريطانيّة. وقد يفسّر هذا الرقم بأنّ الاغتراب اللبنانيّ إلى أوروبا قد أتى متأخّرًا، أي بعد قيام دولة لبنان الكبير سنة 1920 والإنشاء القانوني للجنسية اللبنانية بموجب قرار المفوّض السامي رقم 2825 الصادر في 30 آب 1924 تنفيذًا لمعاهدة لوزان الموقّعة بين تركيا والحلفاء في 24 تموز 1923، بالإضافة إلى قرب القارة الأوروبية من لبنان ما يسهّل الاتصال بالبلد الأم وبالتالي عدم انقطاع التواصل معه.

أما في أستراليا، فقد بلغ عدد المستفيدين من استعادة الجنسية 12.    

اللّافت هو الفارق الزّمني بين تاريخ قرار الّلجنة بالموافقة على استعادة الجنسيّة وتاريخ صدور المرسوم، حيث بلغ المتوسط 274 يومًا أي 9 أشهر تقريبًا، لكن هناك العديد من المراسيم صدرت بعد سنتيْن من تاريخ القرار. وذلك يدلّ على تأخّر السلطات الرسمية في إصدارها لا سيّما وأنّ القانون ينصّ على واجب اللجنة في اتخاذ القرار المناسب خلال مهلة ثلاثة أشهر بعد استلامها الملف مكتملًا من وزارة الداخلية عقب إجراء تحقيقات الأمن العام. هذا يعني أنّ السلطة السياسية حصلت على قرار اللجنة ومن ثمّ تأخرت جدًا في إصدار المراسيم علمًا أنّ هذه الأخيرة تدخل ضمن فئة المراسيم العادية التي يصدرها رئيس الجمهورية بعد توقيعها من رئيس الحكومة والوزير المختصّ من دون وجود مهل ملزمة. وهذا ما يتأكّد في تقرير لجنة استعادة الجنسية المؤرّخ في 23/1/2025 والذي أكّد أنّ 83 ملفًا ما يزال عالقًا لدى الأمن العام لإجراء التحقيقات اللازمة وأنّ السفارات ما تزال متأخرة عن إنفاذ قرارات إعدادية أصدرتها اللجنة قبل سنوات.

نلاحظ أيضًا أنّ الفارق الزمني بين قرار اللجنة وتاريخ صدور المراسيم ارتفع مع مرور السّنوات. فبالنسبة للمراسيم الأولى في 2017 كان المعدّل 61 يومًا، مع 6 مراسيم صدرت في غضون 30 يومًا بعد تاريخ قرار اللّجنة. في سنة 2020، ارتفع المعدّل إلى 442 يومًا أي أكثر من سنة، ووصل في عام 2022 إلى 674 يومًا. والسّبب الذي يبرّر التأخّر التدريجي في نشر المراسيم قد يعود إلى حماسة المعنيين في المرحلة الأولى من تطبيق القانون في إظهار فعاليّته. ومن المثير للاهتمام أنّ مرسومًا واحدًا صدر بعد يوميْن من تاريخ قرار اللّجنة.

في المقابل، لا تتوفّر لدينا معطيات بشأن تواريخ تقديم الطلبات وتاليًا الفارق الزمني بينها وبين صدور المراسيم.

في الختام، بعد استعراض هذه الأرقام الهزيلة بعد عشر سنوات على دخول هذا القانون حيّز التنفيذ، نسأل: هل يغدو مفيدًا تمديد العمل بالقانون من جديد بعد سنة 2025 علمًا أنّ هذا القانون يحتوي على مشاكل متعدّدة، ومنها التّمييز ضدّ النساء. فالقانون يشترط أن يكون المستفيد متحدّرًا فقط من جهّة الأب أو أقاربه الذّكور حتى الدّرجة الثّانية، من دون ذكر الأصول من جهة الأم. هذا الشرط يعكس تمييزًا غير مبرّر ضدّ االنساء. وكانت المفكّرة القانونيّة قد تقدّمت من المجلس الدستوري بمذكرة تطالبه فيها بإبطال القانون لأنّه يخالف مبدأ عدم التمييز على أساس الجنس، وهذا المبدأ مكرّسٌ في المادّة 7 من الدستور الّتي تنصّ على أنّ: “كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون”. إلّا أنّ المجلس الدّستوري أصدر قرارًا يثبت فيه دستورية القانون، مع مخالفة لعضو المجلس طارق زيادة الّذي اعتبر أنّ كلمة “اللبنانيين” في المادّة 7 تشير إلى الإناث والذّكور من دون تمييز بينهم.

وهكذا يصبح جليًّا أنّ الدعاية السياسية الكبيرة التي رافقت إقرار هذا القانون لم تكن في محلّها إذ فشل هذا الأخير في تحقيق أهدافه العلنية أو المضمرة: فلا أعداد المسيحيين زادت فعليًا ولم تتوفّر أي معطيات تبيّن أنّ الذين استعادوا الجنسية قد زاروا لبنان من أجل الانخراط في حياته السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية. وأيضًا لا بدّ من التساؤل أنّه إذا كان هدف القانون جذب استثمارات المغتربين اللّبنانييّن، كيف لهؤلاء أن يعودوا من أجل الاستثمار في ظلّ استمرار الانهيار المصرفي وضعف الثقة العامّة في مؤسسات الدولة.

فبدلًا من العمل على إقرار هذا القانون والحملة السياسية الكبيرة التي رافقته، ربما من الأجدر تركيز الجهود من أجل تحسين البنية التّحتيّة، وإعادة تنشيط الاقتصاد عبر إعادة هيكلة المصارف وتوزيع خسائر هذه الأخيرة بشكل عادل، هذا فضلًا عن دعم مؤسسات الدولة وتأمين الموارد الضرورية كي تتمكن من القيام بوظيفتها بشكل شفاف لا تؤدّي إلى تكرار التجارب السابقة التي هيمنت عليها المحاصصة السياسية والزبائنية والفساد.

كما لا بدّ هنا من التساؤل عن جدوى استعادة الجنسية لأقلّ من 1000 شخص خلال عشر سنوات بينما شهدت أرقام الهجرة إلى الخارج ارتفاعًا كبيرًا بين عامي 2018 و2024 لا سيّما في في السّنوات الأخيرة، إذ بين عامي 2018 و2021، هاجر 195433 لبنانيًا. وفي عام 2021 وحده، غادر 77777 لبنانيًا، أي حوالي 40% من إجمالي المهاجرين بين 2018 و2021 [2]. واعتبارًا من عام 2024، عبّر 38% من اللّبنانييّن عن رغبتهم في مغادرة البلد[3]. ولا شكّ أنّ عدد المهاجرين من المسيحييّن هو مرتفع أيضًا ويفوق بأضعاف عدد الذين استعادوا جنسيّتهم ما يعني أنّ تعزيز الحضور المسيحي في لبنان يكون عبر تعزيز قيم المواطنة وتمكين الدولة من القيام بوظيفتها الطبيعية للدفاع عن المجتمع عبر حماية كرامة اللبنانيين وتأمين حقوقهم التي تضمن بقائهم في لبنان عوضًا عن المزايدة السياسة التي تستثمر في الهويات الطائفية من أجل خدمة مصالح أحزاب معينة.


[1] http://77.42.251.205/Law.aspx?lawId=241396

[2] https://soas.lau.edu.lb/news/2022/01/the-lebanese-trend-of-emigration-a-new-peak-since-2019.php

[3] https://www.arabbarometer.org/2024/08/lebanon-migration-insights-2024-public-opinion-factsheet/


انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني