
رسم: رائد شرف
لا تزال الخطة الطارئة لقطاع الكهرباء تتفاعل. بعد أن أبلغ وزير الطاقة وليد فياض عناوينها لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر “الواتساب” يوم الجمعة الماضي، التقاه أول من أمس الأربعاء، بحضور وزير المالية يوسف خليل وتداول معه في تفاصيلها، قبل أن يعود ويزور الأخير بعد ظهر اليوم نفسه لاستكمال البحث في تفاصيلها. فالخطة التي تقضي بزيادة التعرفة وتحويل أموال الجباية على سعر صيرفة لشراء الفيول، تفترض أن يتم تأمين كلفة الفيول في الأشهر الثلاثة الأولى (في الفترة الفاصلة بين بدء تنفيذ الخطة وبدء الجباية على أساس التعرفة الجديدة) من الخزينة العامة. وفي حال لم يتوفّر القرار السياسي لدعم الخطة، فإن مصيرها سيكون شبيهاً بالخطة الشاملة، التي وضعت على الرف حالياً. علماً أن وزير الطاقة كان تداول بالأمر مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتبلّغ منه موافقته على تأمين الدولارات الخاصة بالكهرباء على سعر صيرفة، بخاصّة أن الأخير كان بدأ البحث جدياً مع المعنيين بالتخلي عن تأمين الدولارات الخاصة باستيراد البنزين على سعر منصة صيرفة، والتي تُقدّر بما بين 150 و200 مليون دولار. بحسب المعلومات، فإن تحويل هذه الدولارات إلى كهرباء لبنان، يعني توفير مبالغ أكبر من الدولارات، وفي الوقت نفسه ضمان التعامل مع جهة واحدة، بدلاً من عدّة جهات. وأكثر من ذلك، أبلغ سلامة وزير الطاقة أنه بحث بالأمر مع رئيس الحكومة، وأبدى موافقته على الاقتراح. وهو ما أكد عليه الأخير في الاجتماع مع وزير الطاقة.
فالمشكلة التقنية الأبرز التي تعترض الخطة الطارئة هي كيفية تأمين شراء الفيول في الأشهر الأولى، والتي تُقدّرها الوزارة بثلاثة أشهر. إذ أن رفع التعرفة وبدء الجباية على التعرفة الجديدة لن يكون مباشراً، وبالتالي تحتاج الآلية لثلاثة أشهر على الأقل لتتمكن كهرباء لبنان من بدء تحويل أموال الجباية إلى مصرف لبنان والحصول على حاجتها من الدولارات لاستيراد الفيول. وهذا يعني أن المطلوب، قبل أن تنتظم العملية، 390 مليون دولار، أي ما يعادل 10 آلاف مليار ليرة، يقترح وزير الطاقة أن تُؤمّن من الخزينة العامة. الرقم يُعتبر كبيراً جداً بحسب وزارة المالية، التي لم تمانع، في الوقت نفسه، السعي إلى إيجاد حل لهذه المعضلة، وهو ما لا يزال قيد البحث حالياً. وبحسب فياض، فإن “المالية” بدأت بدراسة الاقتراح، على أن تبلغه بالحدّ الأقصى الذي يُمكن أن تؤمّنه، ربطاً بحجم السيولة. وحتى مع اقتراح تخفيض المدة المطلوبة، بما يؤدي إلى تخفيض قيمة المبلغ المطلوب، كأن يتم الاكتفاء، على سبيل المثال، بتأمين الأموال لاستيراد الفيول الكافي لشهر واحد، إلا أن ذلك لن يكون سهلاً، خاصة أن الجباية في مناطق البقاع وبيروت وجبل لبنان الجنوبي (حيث تتولى شركتا دباس و KVA خدمات التوزيع والجباية) متأخّرة سنتين وأكثر، بخلاف مناطق الجنوب وجبل لبنان الشمالي، حيث تتم الجباية من دون أي تأخير (تتولى شركتا مراد وbus خدمات التوزيع فيهما). في المناطق تلك، بمجرد إقرار رفع التعرفة سيكون بالإمكان الجباية على أساسها، لكن ذلك لن يكون كافياً لتأمين حاجة المعامل من الفيول، بما يؤدي إلى تأمين تغذية ما بين 8 و10 ساعات يومياً. فالدراسة وُضعت على أساس إجمالي الجباية. ولذلك، من الحلول المطروحة أن يصار فوراً إلى بدء الجباية على أساس التعرفة الجديدة في كل المناطق، بمعزل عن المتأخرات. وبما أن تعرفة السنوات الماضية منخفضة، يمكن أن تكون الجباية على أساس شهر جديد وشهر قديم إلى حين الانتهاء من جباية الفواتير القديمة.
مع ذلك، فإن الاقتراح لا يخلو من السلبيات التي يفترض أن تعالج، لا سيما مسألة الهدر الفني وغير الفني التي تصل إلى 45 %. فالتعرفة المقترحة تؤدي عملياً إلى تحميل المشتركين كلفة هذا الهدر كما لو أنه جزء من كلفة إنتاج الكهرباء، كما أن رهان الخطة على ضبط السرقات والتعديات يعني أن ثمة احتمالاً لفشل كهرباء لبنان في تفعيل الجباية، خاصة أن ارتفاع الأسعار قد يكون سبباً إضافياً لزيادة التعديات أو للتخلف عن الدفع، في حال لم تتعاون كل الأطراف لوضع حد لهذا الهدر المتفاقم.
بالرغم من حماسة وزارة الطاقة لهذا الاقتراح، إلا أنها لا تزال تأمل بوصول الحلول الأخرى إلى برّ الأمان، وأبرزها استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية. إن تحقق ذلك، فيكون بالإمكان غض النظر عن الخطة الطارئة، خاصة أن البنك الدولي سيتكفّل بتمويل هذا الاستيراد عبر قروض بفوائد متدنية، علماً أن الخطة طويلة الأمد التي أقرتها وزارة الطاقة، ووافق عليها مجلس الوزراء، تشير إلى تسعير الكيلوواط بنحو 20 سنتاً على أن تصل المؤسسة إلى التوازن المالي خلال سنتين، أي بكلفة أقل من كلفة الكيلو واط في الحل الطارئ، بسبب انخفاض كلفة الانتاج على الغاز بالمقارنة مع الفيول، وبسبب إبداء مصر استعدادها لبيع الغاز للبنان بسعر مخفّض بالمقارنة مع السعر المقدّم للدول الأوروبية.
في هذا السياق، فإن أملاً جديداً قد أُعطي بالإعلان عن قرب توقيع العقد مع مصر، أسوة بما حصل مع الأردن (يُفترض أن يتم التوقيع في لبنان يوم الثلاثاء المقبل)، إلا أن ذلك التوقيع سيبقى مع وقف التنفيذ بانتظار موافقة البنك الدولي على التمويل وبانتظار الإعفاء الصريح للعقد من تبعات قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على المتعاملين مع سوريا. وهما شرطان وردا بوضوح في العقد الموقّع مع الأردن وكذلك في العقد الذي سيُوقّع مع مصر.
هذا الأمر كان أساس اللقاء الذي جمع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين مع فياض. وبحسب المعلومات، فقد كان الموفد الأميركي إيجابياً في الإشارة إلى تفعيل عملية الاستجرار. وهو رحّب بتوقيع العقد مع مصر، طالباً بعد ذلك تسليمه للجانب الأميركي ليُصار إلى تحريك الإعفاء الذي تطلبه مصر، وكذلك “الضغط” على البنك الدولي لتسريع عملية الموافقة على القرض، بعدما ربط البنك هذه الموافقة بدراسة “الجدوى السياسية”. لكن متابعين للملف، يعتبرون أن كلام الموفد الأميركي لا يُعول عليه، لأنها ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها الموفد الأميركي الاستعداد للسير بإعفاء العقد من تبعات قانون قيصر ولأنه صار واضحاً لدى السلطات اللبنانية أن الملف سياسي بحت، وهو حكماً مرتبط بملف الترسيم البحري، حتى لو أُعلن عكس ذلك. فيكفي أن يكون هوكشتاين مسؤولاً عن الملفين حتى يحضر الترابط، فكيف إذا تحدّث بهما معاً في لقاءاته اللبنانية، وكيف إذا كان ملف الترسيم يشهد مرحلة مفصلية؟
هنا تتناقض القراءة اللبنانية بين من يؤكد أن ثمة فرصة نادرة للسير بالاتفاق الحدودي، وبين من يعتبر أن الأمور لا تزال عالقة بانتظار تفاهمات أكبر تشمل رئاسة الجمهورية وما بعدها.
لكن الطرفين لا ينفيان أن ثمة عوامل طرأت قد تؤدي إلى تفعيل ملف الترسيم، أولها ربط المقاومة التنقيب في كاريش بالتنقيب في البلوكات اللبنانية، وثانيها الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت أوروبا إلى الإسراع في البحث عن بدائل عن الغاز الروسي، والتي تعني أن لإسرائيل فرصة كبيرة في تصريف إنتاجها من الغاز، وبالتالي لا مصلحة لها بتأخير الاستخراج.
هذه الأجواء، جعلت من التقوا الموفد الأميركي يدركون أن ثمة تغيراً في اللجهة. في الزيارة الأخيرة كان هوكشتاين يطالب لبنان بالاستفادة من العرض المقدم والذي يقتطع مساحة كبيرة من المنطقة شمال الخط 23، على اعتبار أن لبنان لا يملك ما يخسره، وأن أي اتفاق سيؤدي إلى تحريك ملف الاستخراج، بوصفه أهم الحلول للأزمة الاقتصادية. لكنه في الزيارة الأخيرة، تعامل مع الخط 23 بصفته أمراً واقعاً، واستمع إلى موقف لبناني موحد، حيّد الحديث عن الخط 29، لكنه طالب بما يضاف إلى هذا الخط 23 (حقل قانا كاملاً). فهل تتحرر كل الملفات دفعة واحدة، أم أن التعقيدات ستشملها جميعها، وأول انعاكسات ذلك العتمة الكاملة، في حال لم تنفذ الخطة الطارئة ولم يحصل لبنان على الغاز المصري ولم يُجدّد العراق عقد إمداد لبنان بنحو 40 ألف طن من الفيول شهرياً؟
متوفر من خلال: