هل انتهت تجربة تعديل الإعلام في تونس؟


2025-05-16    |   

هل انتهت تجربة تعديل الإعلام في تونس؟

تقتضي جلّ التجارب الديمقراطية، الراسخة منها والناشئة، وجود هيئات تعديليّة تُعنَى بتعديل الإعلام السمعي البصري، وتتمثل أدوارها الأساسية في ضمان الحقّ في حرية التعبير وفي حريّة الاتصال السمعي البصري في كنف الاحترام التام للقوانين والمبادئ والضوابط التي تُنظم ممارسة هذه الحقوق، حتى لا تحيد ممارسة هذه الحقوق عن الغرض منها وهو ضمان العيش المشترك في إطار ديمقراطي قائم على تكريس ثقافة حقوق الإنسان والارتقاء بالوعي الجمعي في أفق بناء مجتمع تُحترم فيه كرامة الإنسان، ينبذ الكراهية والعنف بمختلف أشكالهم، يحمي حقوق المرأة والطفل ويُعززها ويوفر الفرصة للمواطن لإبداء رأيه فيما يتعلق بالشأن العام ويفسح المجال للفاعلين السياسيين للمساهمة في النقاش العام وطرح برامجهم وأفكارهم ويتيح للمواطنين والمواطنات ممارسة الرقابة اللازمة على المؤسسات المنتخبة وما يترتب على هذا من تكريس لثقافة المساءلة الديمقراطية.

إذ أنّ الإعلام بهذا المعنى يلعب دورا جوهريا، أولًا من ناحية أنه فضاء يمكّن من تسليط الرقابة على طرق إدارة الشأن العامّ من قبل كل السلطات المنتخبة وغير المنتخبة وثانيا من ناحية أنه يوفر الفرصة للسلطة السياسية وسائر مؤسسات الدولة لطرح وتوضيح وتفسير كل القرارات المتعلقة بالسياسات العمومية في مختلف المجالات.

هذه الأدوار المتعددة والجوهرية تجعل من ملف الإعلام، بخاصة منه السمعي البصري، على سلم الأولويات من ناحية أنه الأساس الذي تنبني عليه الديمقراطية: فلا ديمقراطية دون إعلام حرّ ولا إعلام حرّ من دون توفر الحدّ الأدنى الديمقراطي والتعددي الذي يؤثر في الإعلام ويتأثر به.

وقد نحت تونس بعد 14 جانفي 2011 نحو تأسيس نموذج تعددي للإعلام يفسَح المجال لمن أراد الاستثمار في هذا الفضاء، في قطيعة مع سياسة سابقة انتهجها نظام الاستبداد من خلال التضييق على بعث القنوات التلفزية والإذاعية واحتكار الرسائل الإعلامية التي يتمّ بثّها اتّساقا مع طبيعة النظام المُنغلق والمستبدّ.

وقد قادت إرادة الانفتاح والرغبة في إرساء مشهد إعلامي تعددي على غرار التعددية التي تميّز بها المشهد الحزبي والسياسي، إلى إصدار المرسوم عدد 116 لسنة 2011، والذي أسّس لبداية تجربة رائدة في الوطن العربي في تعديل الإعلام السمعي البصري من خلال إرساء هيئة عليا مستقلّة للاتصال السمعي والبصري أوكلَ لها هذا المرسوم صلاحيات مهمة في تنظيم وتعديل الإعلام السمعي البصري ومنح الإجازات والإشراف على رصد المضامين الإعلامية واتخاذ القرارات ضد من يخالف أخلاقيات المهنة الصحفية أو القوانين المنظمة للقطاع.

وقد شرعت هذه الهيئة في العمل رسميّا يوم 03 ماي 2013 بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، بعد ضغطٍ تواصل لمدّة سنة ونصف بلغ أوجه في الإضراب العام التاريخي الذي دعت إليه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم 17 أكتوبر 2012 في محاولة إجبار السلطة السياسية على تفعيل المرسومين 115 و116 وإرساء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.

وبعد أشهر قليلة من انطلاق عمل الهيئة، وتحديدا خلال شهر أكتوبر من سنة 2014، قام أحد مقدمي البرامج على إحدى القنوات التلفزية التي كانت تبث دون حصولها على إجازة بتمزيق قرار صادر عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على المباشر وصرّح قائلا “نحن لا نعترف بكم والقافلة تسير. كما صرّح مالك قناة تلفزية غير مرخّصة أيضا في جوان من نفس السنة للنشريّة الإلكترونية لمجلة “Foreign Policy” الأمريكية أن الهيئة هي مجرّد نكتة“.

هذه المواقف الحِديّة تجاه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بعد حوالي سنة من بداية نشاطها في 03 ماي 2013، رافقتها في مختلف المراحل التي مرّت بها وأعاقت إلى حد كبير قدرتها على بسط سلطة القانون على المشهد الإعلامي، بخاصة وأن مراكز النفوذ والضغط المالي كانت تتحكم في بعض وسائل الإعلام التي شنت حملات على الهيئة منذ تركيزها رافضة تشكّل تجربة لتعديل الإعلام على غرار بقية التجارب الديمقراطية.

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على بداية نشاط الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، يُطرح اليوم أكثر من تساؤل حول تجربة تعديل الإعلام في تونس والتي كانت هذه الهيئة إحدى المحركات الرئيسية لها، فهل فعلا انتهت هذه التجربة أم أن الأوان لم يفت بعد لإعادة تشكيلها وفق قواعد جديدة ربما تتماشى مع التغيير الحاصل على مستوى النظام السياسي، رغم أن المؤشرات المتواترة منذ جويلية 2021 وخاصة بعد صدور دستور 25 جويلية 2022 تدلّ جميعها على تردّد فيما يتعلق بتثمين دور الهيئة كهيكل تعديلي لازم وضروري لتطوير المشهد الإعلامي في تونس.

مؤشرات التراجع عن خيار هيئة تعديلية للإعلام السمعي البصري

مَثّل تراجع دستور 25 جويلية 2022 عن دسترة هيئة تعديلية للإعلام السمعي البصري أول مؤشر للتعاطي المتردّد فيما يتعلق بالهيئة، هذا دون اعتبار الجدل القانونيّ الذي رافق استمرار العمل بالمرسوم عدد 116 لسنة 2011 في ظلّ دستور 27 جانفي 2014 دون أن تتمّ المصادقة على مشروع القانون المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وتركيز هيئة الاتصال السمعي البصري التي نص عليها الفصل 127. هذا التراجع لم يشمل هيئة تعديل الإعلام فقط، بل كان تراجعا عن خيار سياسي جوهري هو خيار إرساء هيئات دستورية مستقلة تضطلع بمهام تعديلية وتقريرية واستشارية في مجالات حساسة وذات أهمية في البناء الديمقراطي على غرار تنظيم الانتخابات ومكافحة الفساد وضمان حقوق الإنسان وضمان تنمية مستدامة وحقوق الأجيال القادمة ولم يتم الإبقاء ضمن دستور 25 جويلية 2022 إلا على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

ولا يمكن استيعاب هذا الخيار الذي تم انتهاجه ضمن دستور 25 جويلية 2022 خارج السياق السابق له، فعلى مدى السنوات السابقة لم تكن مواقف أغلبية الفاعلين السياسيين إيجابية تجاه الهيئات الدستورية المستقلة بل تمّ تسجيل محاولات حثيثة للضغط على الهيئات المتشكلة في اتجاه تحجيم دورها، أو التلكؤ في تركيز الهيئات التي نص عليها الباب السادس من دستور 27 جانفي 2014 وهو ما تم تتويجه بإنهاء هذه التجربة عبر حذفها من الدستور الجديد.

كما أُتبع حذف الهيئة التعديلية من الدستور الجديد، بتنقيح القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء[1] وإلغاء جُل صلاحيات الهيئة التي مارستها منذ 2014 بالاشتراك مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأهمها القرار المشترك بين الهيئتين المتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملات الانتخابية وحملات الاستفتاء بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاته، وهو ما مثّل تراجعا جديدا عن مكانة الهيئة التعديلية ونكوصًا جوهريًا عن دورها المهمّ في تعديل وسائل الإعلام السمعية البصرية خلال الفترات الانتخابية.

تجربة الهيئة… ثراء رغم غياب الإرادة السياسية

تأسست الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في سياق لم ترغب فيه السلطة السياسية القائمة آنذاك في الذهاب بعيدا في إرساء تجربة تعديل الإعلام، بل كانت الإرادة متّجهة إلى السيطرة قدر الإمكان على المشهد الإعلامي من قبل أطراف متعددة مثلت بقايا النظام القديم ومن كانوا يسيرون في ركبه من جهة، والترويكا الحاكمة من جهة أخرى.

فإذا أردنا تلخيص السياق الذي عملت الهيئة في إطاره طيلة عشر سنوات، يمكن أن نقول أن “غياب الإرادة السياسية” هي الخاصية الأساسية التي صبغت هذا المسار، فالسلطة السياسية التي حكمت تونس بعد جانفي 2011 لم تتقبل وجود أجسام جديدة “غريبة” عن الجهاز التقليدي للدولة تُنظّم مجالات كانت قبل أشهر قليلة من مشمولات جهاز الدولة المركزي ومن ذلك الإعلام، من خلال وزارة الاتصال التي تم حلها في 15 جانفي 2011 والوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي تم حلها في 18 ديسمبر 2012[2].

ورغم النقلة النوعية التي حدثت على مستوى آليات الحكم بعد التحرر من الاستبداد إلا أن الثقافة السياسية التي سادت طيلة عشر سنوات تعاملت مع الهيئات المستقلة بمنطق المنافس، بل وأعاقت أداءها لمهامّها وانتصبت في بعض الأحيان معرقلا لمسار إرساء الهيئات الدائمة التي ستخلفها والقوانين التي ستعوّض نصوصها التأسيسية، ورغم تبني دستور 27 جانفي 2014 الذي كرّس دستورية هذه الهيئات وفوّض لها صلاحيات تنظيمية وتقريرية واستشارية في مجالات متعددة إلا أن الفضاء السياسي عموما لم يتمكن من التفاعل إيجابيا مع هذه الأجسام التي اعتبرها البعض هجينة عن الجهاز التقليدي للدولة.

ورغم توتر السياق الذي تأسست فيه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلا أنها شَرعَت مباشرة في تنفيذ الصلاحيات الموكولة لها بموجب المرسوم عدد 116 لسنة 2011 عبر إصدار كراسات الشروط المتعلقة بالحصول على إجازة إحداث واستغلال قنوات تلفزية وإذاعية خاصة وجمعياتية في مارس 2014 والإشراف على رصد ومراقبة وسائل الإعلام أثناء الفترات الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 والانتخابات البلدية لسنة 2018 والانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 والاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد لسنة 2022 والانتخابات التشريعية لسنة 2022، وأصدرت بمناسبة ذلك تقارير التعددية السياسية المتعلقة بهذه المحطات الانتخابية.

وتعتبر تجربة الهيئة منذ تأسيسها في ماي 2013 إلى حدود موفى سنة 2022 ثرية بالمقارنة مع الهيئات الشبيهة سواء في المجال المغاربي والافريقي أو في المجال الأوروبي وقد طوّرت على امتداد سنوات خبرة ودراية في مجال تعديل الإعلام السمعي البصري جعلتها تترأس الشبكة الفرنكوفونية لهيئات التعديل السمعي والبصري سنة [3]2019، وقد أصدرت عدّة دراسات وتقارير حول التعاطي الإعلامي مع قضايا المرأة والطفل وغير ذلك من المواضيع، كما قامت بتنظيم الإشهار في القنوات التلفزية والإذاعية عبر إصدار القرار عدد لسنة 2018 المؤرخ في 15 فيفري 2018 المتعلق بالقواعد السلوكية للإشهار في وسائل الاتصال السمعي والبصري والذي ساهم في عقلنة بث المادة الإشهارية في القنوات التلفزية والإذاعية، هذا علاوة على متابعة المضامين الإعلامية وتسليط العقوبات المستوجبة على المخالفين بناءً على الإطار القانوني النافذ إلى جانب الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية، وقد أسست الهيئة من خلال القرارات التي اتخذتها منذ سنة 2013 “فقها تعديليا” إن صحّت العبارة ساهم في إثراء آليات التعاطي مع المضامين الإعلامية وأثر على أداء وسائل الإعلام السمعية البصرية.

تجربة تعديل الإعلام السمعي البصري في تونس، رغم حداثة عهدها وغياب الإرادة السياسية لمختلف الذين تداولوا على الحكم في تيسير عملها وتمكينها من الآليات والنصوص القانونية التي تساعدها على مزيد إحكام تنظيم المشهد الإعلامي بصفة عامة، كانت على غاية من الثراء حيث مثلت نموذجا يحتذى به بالنسبة لجل الدول الإفريقية وكذلك الأوروبية وهو ما أهَّلَها لعقد شراكات عديدة مع هيئات تعديلية إفريقية وتوّج ذلك ببرنامج توأمة مع المجلس الأعلى السمعي البصري البلجيكي أواخر سنة 2018.

ورغم هذا الإرث الثري الذي أنتجته الهيئة، إلا أن الواقع طيلة عشر سنوات أفرز تعاطيا سلبيا مع مختلف الهيئات الدستورية أو العمومية المستقلة، وقد بلغ الأمر إحدّ شيطنتها وعرقلة نشاطها والاصطفاف مع المخالفين للقانون والانتصار لهم ودعمهم ضد الهيئات المستقلة. وليس أدلّ على ذلك من الدعم السياسي الذي تلقته بعض القنوات التي كانت تبثّ من دون إجازة من أحزاب سياسية بعينها ضد الإجراءات التي اتخذتها الهيئة تجاهها على اعتبار أنها في وضعية مخالفة للقانون.

المهمة التعديلية للهيئة … هل انتهت أم عُلّقت إلى حين؟

هذه التجربة التي أسَّسَت للنموذج التونسي في تعديل وسائل الإعلام السمعية البصرية وأشعّت على محيطها الإقليمي والدولي، شهدت منذ بداية سنة 2023 أزمة عبر الشغور الذي حصل أول الأمر على مستوى رئاستها ثم على مستوى تركيبة مجلسها الأمر الذي قاد إلى غياب الهيكل الذي يشرف على الجانب التعديلي في عمل الهيئة والذي يتيح له المرسوم عدد 116 لسنة 2011 ممارسة صلاحيات مهمة واتخاذ القرارات المتعلقة بالإجازات والمخالفات وغيرها، وهو ما عطّل بصفة كليّة المهام التعديلية والتقريرية للهيئة وجعلها في منزلة “الهيئة المعلّقة” أو “الهيئة الصامتة”، والحال أنه لم يتم إلغاء العمل بالمرسوم عدد 116 لسنة 2011 أو تعويضه بقانون بديل عنه.

هذا الوضع المعقّد قاد إلى رِدَّة على مستوى المشهد الإعلامي عموما على اعتبار غياب جهة الرصد والرقابة التي تُتابع المضامين وتُسلط العقوبات على المنشآت المخالفة كما أدى إلى دخول العديد من وسائل الإعلام السمعية البصرية في أزمات متعددة الأوجه وأغلبها مالي مرتبط بعوامل أخرى هيكلية وتنظيمية واقتصادية ولكنها أيضا مرتبطة بتعطل مباشرة الوظيفة التعديلية من قبل الهيئة الأمر الذي أثّر سلبا على وضع المشهد الإعلامي عموما وأدى إلى انحدار جودة المضامين الإعلامية.

فالتردّي الذي يشهده المشهد الإعلامي عموما وتراجع ثقة التونسيين في وسائل الإعلام ينضاف إليه غياب هيكل تعديلي وتنظيمي يُشرف ويراقب ويعاقب عند الضرورة، يمكن أن يترتب عليه إحلال الفوضى من جديد، من خلال إطلاق قنوات تلفزية وإذاعية غير مرخصة وبث مواد اشهارية دون التزام بالقواعد السلوكية ودون التزام بالمدد الزمنية المحددة، ومن خلال تصاعد وتيرة ارتكاب المخالفات على مستوى المضامين الإعلامية دون وجود هيكل يتخذ ما هو مناسب من قرارات في حق المخالفين، حتى لا نفسح المجال لمساءلة وسائل الإعلام والصحفيين طبقا للنصوص أخرى غير المرسومين عدد 115 و116.

تواصل الفراغ الهيكلي من شأنه أن يقود إلى تفاقم الأزمة على مستوى وسائل الإعلام السمعية البصرية، سواء على المستوى المالي والاقتصادي أو على مستوى جودة المضامين التي يتم بثها أو على مستوى الالتزام بالشروط والقواعد المنصوص عليها بكراسات الشروط، وغياب الهيكل التعديلي من شأنه أن يُعيد المشهد الإعلامي إلى الفوضى التي شهدها خلال سنوات 2011 و2012 و2013 والتي حاولت الهيئة وضع حد لها أو التقليص منها تدريجيا.

كما أن وجود هيكل تعديلي يُشرف على وسائل الإعلام ويُخضِعها للرقابة والمساءلة المستمرة من شأنه التصدي لمظاهر الفساد في هذا القطاع عبر فرض الهيئة للشفافية على العمليات المالية التي تجريها وسائل الإعلام وعبر تسليط الرقابة على القوائم المالية للشركات المشرفة على المؤسسات الإعلامية وعبر مرور عملية تغيير تركيبة رأس المال للشركات المشرفة على وسائل الإعلام إلى الموافقة المسبقة للهيئة وهو ما يساهم في تتبع مواطن الإخلال أو التلاعب أو تبييض الأموال واتخاذ ماهو مناسب من إجراءات وتسليط ماهو مناسب من عقوبات، وبالتالي فإن وجود هذا الهيكل من شأنه إضفاء شفافية معززة على المشهد الإعلامي.

في ضرورة تثمين الهيئة التعديلية للإعلام وتطويرها

اتجهت أغلب الدول إلى إحداث هيئات بتسميّات مختلفة تشرف على تعديل وسائل الإعلام وخاصة منها السمعي البصري، ومردّ هذا التوجه وعي هذه الدول بضرورة إخراج تنظيم ومراقبة هذا الفضاء عن الجهاز المؤسساتي التقليدي للدولة وإحالته إلى هيكل تابع لجهاز الدولة ولكنه يتمتع بمرونة وهامش من الاستقلالية الهيكلية والمالية تجعله قادرا على اتخاذ القرارات المناسبة استجابة للمتطلبات التي تفرضها التحولات السريعة في هذا المجال بعيدا عن بيروقراطية الدولة، ولعل وجود هذا الهيكل التعديلي يمثل ضمانة لأي سلطة سياسية من إمكانية اتهامها بتوظيف الإعلام واخضاعه لأداء أدوار الدعاية، على اعتبار تمتعه بالاستقلالية الكافية.

لقد أصبح من الضروري اليوم في ظل المتغيرات السريعة وما تمليه الحاجة إلى مواكبة التطور الرقمي والتكنولوجي والأخذ بأسباب التطور، إلى تثمين الدور التعديلي للهيئة والبحث في سبل تطوير هذا الهيكل من ناحية المهام ومجالات التدخل اتساقا مع عديد التجارب المقارنة التي أدرجت الفضاء الرقمي مثلا ضمن دائرة صلاحيات الهيئات التعديلية وقامت بتحويرات جوهرية متماشية مع التطور التكنولوجي المتسارع الذي سيؤدي في النهاية إلى تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية، وهو ما يستدعي استباق ذلك على مستوى التشريعات خاصة.

من المهم تجاوز حالة الأزمة التي شابت هذا الهيكل التعديلي وإعادة تثمين دوره حتى يشكل إطارا للبحث والتطوير والاقتراح في سبيل صياغة النصوص القانونية والتنظيمية التي تَسمح بوضع تصوّر جديد لتعديل الفضاء الإعلامي التقليدي والرقمي وفق تصوّر مواكب للتطورات الحاصلة في العالم والتفكير في نموذج اقتصادي جديد لوسائل الإعلام من شأنه الحفاظ على ديمومتها وجودة الرسائل الإعلامية التي تبثّها.j


[1]  تم هذا التنقيح بموجب المرسوم عدد 8 لسنة 2023 مؤرّخ في 8 مارس 2023 يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 24 لسنة 2023 الصادر بتاريخ 09 مارس 2023

[2] تم حل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي بموجب أمر عدد 3292 لسنة 2012 مؤرخ في 18 ديسمبر 2012 تم نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 101 لسنة 2012 الصادر بتاريخ 21 ديسمبر 2012

[3] https://bit.ly/418BjGa الهيئة تترأس الشبكة الفرنكوفونية لهيئات التعديل السمعي والبصري

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات إعلامية ، مقالات ، تونس ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني