55 سجيناً ضمن 66 متراً مربّعاً
يرفض أحد السجناء في سجن القبة في طرابلس القول إنّ المساجين يشعرون بـ"الهلع" من انتشار فيروس كورونا في لبنان عامة وفي السجون خاصة. يقول "نعاني من الهرع"، وعندما تسأله عمّا يعنيه بـ"الهرع"، يجيب "يعني أكتر من الهلع". سبب الخوف الكبير والتوتّر الذي يعمّ السجن يعود إلى معلومات وردتهم عن وجود أربعة مصابين بالكورونا في أحد السجون، كما يقول "ما منعرف بأي سجن، وما بدنا نموت هون، لأنه أكيد بقية المساجين رح تنتقلهم العدوى".
السجين الذي تحدثت معه "المفكرة القانونية"، موقوف في زنزانة بطول 6 أمتار وعرض 11 متراً مع 54 سجيناً "وأنا الرقم 55"، يرتادون مرحاضاً يتيماً "ونحن منّضفه ومنشتري أدوات التنظيف من جيوبنا". يؤكد أنّ سجن القبة مخصّص لـ450 سجين ويضعون فيه ألف سجين، وهذا "مخالف للقانون ولأبسط معايير سلامة السجناء".
سجين ثان من سجن روميه يؤكد لـ"المفكرة" أنّ مساعي القيّمين على السجن اقتصرت على توزيع أوراق "تدعونا لغسل أيادينا وإجرينا"، ثم يضحك بمرارة ساخراً "وبعدها قطعوا عنّا المي منذ يومين، وهيّانا ما عنّا مي حتى نكبّ بالحمام لمن منقضي حاجتنا، فعن أي تعقيم ونظافة ووقاية عم يحكوا؟" ينفي السجين أن تكون الجهات الرسمية قد عقّمت سجن روميه "أنا بمبنى المحكومين وما شفنا أي تعقيم، عنّا على الأقل خمسين سجين يعانون من حرارة وسعال وتعب وضيق تنفس وعايشين بيناتنا ونحن خايفين يكون معهم كورونا". يشير الرجل إلى أنّه تمّ نقل "ثلاثة سجناء يعانون من عوارض إنفلونزا من السجن وما عدنا شفناهم، يمكن حجروا عليهم أو حطوهم بالمستشفى ما منعرف، بس نحن خايفين، وبدنا الحقيقة لازم يخبرونا إذا في حالات أم لا". ويؤكد أنّه لم يتم توزيع أدوات تنظيف أو تعقيم على السجناء "منغسل بمياه الشفة لمنشتريها من دكانة السجن، حتى المي مقطوعة".
سجين ثالث من سجن زحلة، أوضح لـ"المفكرة" أنّ السجناء يتكدّسون هناك في زنزانة بعرض 4 أمتار وطول 10 أمتار، ينام فيها 30 سجيناً "راس وكعب" وسط سعال البعض "وفي زنازين فيها 60 شخص". يوجد في الزنزانة مرحاضان أحدهما معطّل، فيما يواظب السجناء الـ30 على استعمال مرحاض واحد ويغسلون خضارهم ومأكولاتهم وأوانيهم تحت حنفية ماء بالقرب من جورة المرحاض نظراً إلى عدم وجود مغسلة فيه "أي تعقيم بده ينفع؟" يسأل السجين الذي يرى أنّ الخوف والتوتر يسري بين السجناء "حاسين حالنا متروكين لمصيرنا".
وعبّر المساجين في القبّة وزحلة وروميه عن احتجاجاتهم بالإضراب عن الطعام "يوم الأحد 15 آذار سيبدأ مبنى الأحداث في روميه إضراباً عن الطعام وسوف يلحق بهم بقية السجناء في المباني الأخرى صباح يوم الإثنين 16 آذار الجاري". سجناء القبة وزحلة سبقوا سجناء روميه بالإضراب عن الطعام حيث يضرب في القبة نحو 150 سجيناً عن الطعام فيما يصل الرقم في زحلة إلى "450 مضرباً عن الطعام". ويكشف أحد السجناء لـ"المفكرة" عن مشاورات بين المساجين في السجون اللبنانية كافة لإطلاق انتفاضة شاملة تستمر إلى حين إقرار العفو العام "يطلعونا نموت برّا ما بدنا نموت بالسجون". انتفاضة ستواكب، وفق السجناء، باعتصامات ينفذها أهالي الموقوفين والمحكومين للغاية نفسها.
"اليوم، يروي سجين آخر من زحلة، ذهب سجين يعاني من عوارض أنفلونزا إلى صيدلية السجن، وعندما رآه الطبيب المناوب هرب منه وطلب نقله إلى المستشفى، لأنه شكّ بإصابته بالكورونا. فكيف لنا أنّ نعرف الحقيقة؟".
البلديات تتولّى تعقيم السجون؟
اتّصلت "المفكرة" بأكثر من جهة معنيّة بالسجون، وتلقّت تطمينات شفهية تفيد بعدم وجود أيّة حالة كورونا فيها، وبأنّ وضع السجناء والسجون جيد: "لقد عقّمنا السجون"، قالت مصادر أمنية، فيما أكد مصدر عسكري على إجراءات عمّمتها وزارة الدفاع والجيش على العناصر والمراكز العسكرية ومن ضمنها نظارات التوقيف سواء في الريحانية أو في الشرطة العسكرية أينما وجدت "تطبّق إجراءات الحماية نفسها على العسكريين والسجناء" وفق المصدر العسكري. ويتم أخذ حرارة أي زائر يريد مقابلة السجناء. وتجري المقابلات من وراء حاجز زجاجي وشبك، وهناك نية لوقف الزيارات قريباً، وفق المصدر الأمني الذي أكد أن عناصر الأمن في السجون يرتدون قفازات وكمامات ويعتمدون معايير منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الموضوعة لحالات مماثلة. وأكد أنّ اتحاد بلديات الشمال قام بتعقيم سجن القبة، مشيراً إلى وقف نقل موقوفين جدد إلى السجون تجنّباً لأي احتمالات لانتقال العدوى. ويشدّد على أنّ النظافة الشخصية أساسية في هذا المجال، ومعها الحجر المطبّق أصلاً في السجون. في المقابل، أكّد سجين من زحلة أنّ عناصر الأمن يتجوّلون من دون أية إجراءات وقائية "مبارح التقيت بدركي يعاني من عوارض أنفلونزا، فهربت منه ولم أسلّم عليه".
مساعٍ لتخفيض عدد الموقوفين
أكد مصدر رفيع في النيابة العامة التمييزية لـ"المفكرة" أنّ ثمّة توجّهاً جدّياً نحو "التخفيف من التوقيفات قدر الإمكان لمنع الإكتظاظ في النظارات والسجون وتجنباً لاحتمالات انتشار فيروس كورونا". ويشير المصدر إلى حصر التوقيف "بالحالات القصوى ومنها القتل وتجارة المخدرات والجنايات على سبيل المثال لا الحصر". ولفت المصدر نفسه إلى "مبادرة بعض البلديات لتعقيم السجون في نطاقها، كما طلبت النيابة العامة التمييزية من وزارة الصحة تعقيم السجون". ولا يخفي المصدر حصول بعض التلكؤ في الموضوع. كما ستعمّم النيابة العامة التمييزية، وفق المصدر رسمياً، وبدءاً من الإثنين 16 آذار 2020 على النيابات العامة "وجوب وقف الإستئناف بقرارات إخلاء السبيل، إضافة إلى تأجيل جلسات المحاكمة ووقف سوق الموقوفين لغاية 30 آذار الجاري". وكانت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان أصدرت بياناً في 22 شباط 2020 دعت فيه "السلطات القضائية إلى تجنّب إصدار قرارات توقيف، إلّا في حالات الضرورة القصوى، احتراماً للقانون ومنعاً لانتقال الفيروس داخل المخافر والسجون".
على خطّ موازٍ، وفي ظل "رفض الأمن العام تسلّم الأجانب الذين انتهت محكوميتهم، يتم الإفراج عن هؤلاء لكي لا يبقوا موقوفين"، كما أكّد المصدر نفسه. ويجدر هنا التذكير بأنّ الأجانب يسلّمون عند انتهاء محكوميّتهم أو صدور قرار إخلاء سبيل عنهم إلى الأمن العام بموجب تعميم قديم صادر عن النيابة العامة التمييزية. وفيما تسببت هذه الممارسة بحالات كثيرة من التوقيف التعسّفي طويل الأمد، أكّد المصدر كما سبق بيانه أنّ الكورونا هو في طور وقف العمل بهذا التعميم فعلياً.
ختاماً، يُلحظ أنّه لم تقم أيّ من الجهات الرسمية من نيابات عامة ووزارات بنشر الإجراءات والتدابير المتّبعة لضمان حماية المساجين والعاملين في أماكن الاحتجاز ومنع الإنتشار السريع للفيروس." كما أنّ اللافت أنّ عدداً من المسؤولين الذين تحدثوا إلينا بهذا الشأن، طلبوا عدم ذكر أسمائهم.
النيابة العامة العسكرية تأمر بتوقيف 4 متظاهرين
ووفقاً للمحامية غيدة فرنجية، رئيسة "المفكرة القانونية" وعضو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان، "قامت النيابة العامة العسكرية برئاسة القاضي بيتر جرمانوس بتوقيف أربعة اشخاص على الأقل خلال الأيام الأخيرة على خلفية المظاهرات"، معتبرة أنه "كان يمكن تجنب التوقيف في قضايا مماثلة لا سيما أنها من الجنح البسيطة، وأنه تم نقل هؤلاء الموقوفين إلى سجن الشرطة العسكرية في الريحانية". وأضافت: "نتوّقع من القضاة أن يتخذوا من هذه الأزمة الصحية حافزاً للعودة إلى الأصول القانونية التي يخالفها العديد منهم منذ سنوات عديدة رغم اكتظاظ السجون. ننتظر منهم أن ينظروا الى مسائل التوقيف الاحتياطي بمقاربة جديدة وأن يتوقفوا عن استخدام التوقيف قبل المحاكمة إلا في حالات الضرورة القصوى. في الحالات التي لا ضرورة للتوقيف، قد يشكل أي قرار بالتوقيف أو برفض إخلاء السبيل جرماً بحق الموقوف والسجناء الذين يشاركونه الزنزانة والعناصر الأمنية المولجة بحراستهم".
وحاولت "المفكرة" الوقوف على رأي المدعي العام العسكري بيتر جرمانوس في هذا الخصوص، ولكنه رفض الرد مكتفياً بالقول "أنا ما بحكي مع الإعلام". وكان جرمانوس غرّد على حسابه على تويتر محذّراً "من مخاطر الإنسياق والإنزلاق في حملات الذعر جراء انتشار مرض الكورونا، وفي إقفال المدارس والمؤسسات السياحية ما من شأنه التأسيس لانهيار إقتصادي أكبر من الحالي". وبعدما اعتبر أنّ كورونا "مجرد رشح قوي" عبّر جرمانوس عن خشيته من "الأضرار الجانبية أكثر من المرض نفسه".