هكذا وضعت الحكومة حدّا لعشوائيّة المقالع: سيادة الدولة كمدخل ضروريّ لإعادة الإعمار

،
2025-05-07    |   

هكذا وضعت الحكومة حدّا لعشوائيّة المقالع: سيادة الدولة كمدخل ضروريّ لإعادة الإعمار

قرّر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 2/5/2025 الموافقة على إلغاء القرار رقم 56 الصادر في 4/12/2024 عن حكومة نجيب ميقاتي، بناءً على طلب وزارة البيئة. وكان القرار قد سمح لشركات الترابة باستخراج موادّ البناء الأولية اللازمة لصناعة الترابة لمدة سنتين من تاريخ صدوره، بذريعة توفير المواد اللازمة لإعادة إعمار ما  دمرته الحرب الأخيرة. وقد اعتبرت وزارة البيئة في كتابها المؤرخ في 27/3/2025 أنّ قرار مجلس الوزراء غير قانوني وغير ملائم من الناحية القانونية والإدارية والتقنية وأن إلغاءه لا يعيق استخراج المواد التي يجدر أن لا يحصل إلا بعد الحصول على التراخيص القانونية على أساس قانون حماية البيئة ومرسوم تنظيم المقالع والكسّارات 8803/2002.

وكانت “المفكّرة” قد وجّهت في تاريخ 18/2/2025 إلى رئيس مجلس الوزراء كتابًا عرضتْ فيه أنّ الحكومة السابقة استغلّت الحرب والدمار الناتج عنها وحاجات إعادة الإعمار، لتُصدر القرار رقم 56 المذكور، بصورة تنمّ عن مخالفة صريحة وفاقعة للقوانين المعمول بها ولمجموعة من القرارات القضائيّة الصادرة تباعًا عن مجلس شورى الدولة. كما أعلمت المفكرة الحكومة أن اتحاد بلديات الكورة وجمعية “وصية الأرض” طعنا بالتعاون معها في القرار المذكور أمام مجلس شورى الدولة، طالبة منها اتخاذ القرار بإلغاء القرار المذكور لإعادة الانتظام العام. 

وفي تاريخ 23/4/2015، تبلّغت “المفكرة” ردًّا من أمانة سرّ مجلس الوزراء، جاء فيه أن وزارة البيئة تعدّ القرار غير قانونيّ وأن رئاسة الحكومة يؤيّدها في رأيها وأنه سبتمّ عرض الموضوع على مجلس الوزراء فور ورود رأي وزارة الصناعة التي تم إبلاغها رأي وزارة البيئة منذ 4 نيسان. في اليوم التالي، أبلغت وزارة الصناعة رأيها بالموافقة على إلغاء القرار رقم 56، متراجعةً عن سنواتٍ أدّى فيها وزير الصناعة السابق جورج بوشيكيان دور المناصر الأكبر لشركات الترابة ولاستمرار استثمارها المقالع خلافا للقانون.

هذا القرار يستدعي الملاحظات الآتية: 

أولا، التنويه بقرارات شورى الدولة ودوره في صون الانتظام العامّ

إنه خلا من أيّ ذكر للقرارات القضائيّة التي كانت أبطلت أو أوقفت تنفيذ قرارات حكومية مماثلة خلال السنوات، مؤكّدة على عدم قانونيتها. وعلى الرغم من بداهة المخالفة القانونية، فإنه كان من الهامّ جدّا على الصعيد المؤسساتيّ أن يتم التنويه بما أنجزه القضاء الإداريّ في المحافظة على الانتظام العامّ، في زمنٍ اختارت فيه الحكومات السّابقة أن تقفز فوق القوانين وأن تستبيح البيئة وحقوق النّاس بالصحّة من أجل مصالح عدد من شركات الترابة.

ثانيا، استثمار المقالع يتمّ بترخيص قانونيّ حصرا 

إنّ الحكومة ثبّتت بشكلٍ حاسم ليس فقط أنّ القرار المُلغى مخالف للمرسوم 8803، ولكن أيضا أن المرسوم بصيغته الحاليّة قابل للتطبيق وأنّ بإمكان شركات الترابة لو رغبت بذلك أن تطلب التراخيص القانونيّة اللازمة، بعد إثبات التزامها بشروطه، ومن ضمنها أن يكون المقلع المطلوب استثمارُه واقعًا ضمن المنطقة الجغرافية المحدّدة على خرائط المرسوم وعمليا في السلسلة الشرقية. ومن هذه الزاوية، أتى القرار ليضع حدّا لسلسلةٍ من المواقف الوزارية (ابتداء من الوزير فادي جريصاتي وصولاً الى الوزير ناصر ياسين) والحكومية التي برّرت منح المهل الإداريّة في تجاوز القوانين بذريعة أنّ المرسوم 8803 غير قابل للتطبيق. 

ثالثا، سيادة الدولة على المجال الوطني شرط لتوفير حاجات إعادة الإعمار  

إن السؤال الأكبر الذي يطرحه القرار الحكومي هو: ماذا الآن بعدما ثبت أنّنا أمام إحدى المخالفات الأكثر انتهاكا للبيئة في مختلف عناصرها؟ هل تلتزم الحكومة فقط بتطبيق القانون مستقبلا مانعة أيّ انتهاك آخر أم أنها ستعمل على محاسبة الجهات المسؤولة عن المخالفات في الماضي والأهم استيفاء حقوق الدولة عن الرسوم والغرامات غير المدفوعة، ولكن أيضا عن الأضرار البيئية الجسيمة التي لحقتها؟ ومن المهم هنا التذكير أن وزارة البيئة كانت أجرت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2022 دراسة احتسبت فيها مستحقّات قطاع المقالع للخزينة من رسوم وضرائب وكلفة تدهور البيئة وإعادة التأهيل. وقد توصّلت الدّراسة إلى أن المستحقّات بلغت 2.394 مليار دولار أميركي بالحدّ الأدنى، وهي تمثل قيمة التعويضات المستحقة للدولة من رسوم وضرائب وكلفة تدهور البيئة والتأهيل البيئي، بحسب الكميات المستخرجة من المقالع والكسارات ومحافر الرمل بين عامي 2007 و2018.

وما يزيد هذا السؤال إلحاحا هو أن هذه المبالغ المتوجبة في ذمة مستثمري المقالع بصورة غير قانونية، ومن بينهم شركات الترابة، تقارب 20% من الكلفة المقدّرة البنك الدولي لإعادة الإعمار والبالغة قرابة 11 مليار دولار أميركي، وهي مبالغ يمكن استيفاؤها عينا من المواد الأولية للبناء على نحو يخوّل الدولة من تأمين جزء هام من كلفة الإعمار بطاقاتها الذاتية. 

وعليه، وعلى نقيض ما ذهبت إليه حكومة ميقاتي لجهة تبرير قرارها المُلغى بضرورة إمداد إعادة الإعمار بمواد البناء اللازمة، فإن استعادة الدّولة سيادتها على المجال الوطنيّ من خلال تطبيق قوانينها كما فعلت في قرارها الأخير والعمل على استيفاء الحقوق العائدة لها (وهو ما نأمل أن تبادر إليه)، إنما هو المدخل الأنسب وربما الأوحد لتوفير نسبة هامّة من كلفة إعادة الإعمار ومواده. فلنراقب. 

انشر المقال



متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني