تشكل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 تطورا هاما في حماية حقوق العاملات والعاملين وضمان بيئة عمل آمنة، وهي تلزم الدّول الأطراف باتّخاذ تدابير تشريعية وإجرائية للوقاية من العنف والتحرّش في مكان العمل، وتشجيع التوعية والتثقيف بشأن هذه القضية، وتقديم حماية للعاملات والعاملين الذين يتعرضون للعنف والتحرش، بما في ذلك إجراءات للإبلاغ والتحقيق والتعويض. حتى تاريخ كتابة هذه المقالة، لم تنضمّ أيّ من الدول العربية إلى هذه الاتفاقية، بالرغم من الدراسات والتقارير المختلفة التي تؤكد أن التحرّش الجنسيّ في مكان العمل من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى انخفاض المشاركة الاقتصادية في العالم العربي؛ حيث بلغت المشاركة الاقتصادية للمرأة ما يقرب من 18.5% في العالم العربي، في حين وصلت النسبة العالمية إلى ما يقرب من 48%. والجدير بالذكر أن الأردن حصل على أدنى نسبة وهي تعادل حوالي 14%.
حاولت مجموعة من المنظمات الحقوقية إدخال موضوع التحرّش الجنسي في مكان العمل عند تعديل قانون العمل في العام 2019، إلا أن هذه المطالب ووجِهتْ بمعارضة شديدة من أصوات محافظة تنكر وجود التحرّش في الأردن، وانتهي الأمر بفشل هذه المحاولات.
في الفصل الأول من سنة 2023، تمّ تعديل قانون العمل مرّة أخرى. لكن في هذه المرة، احتوى التعديل المقدّم من الحكومة على إضافة متعلقة بالتحرّش وذلك من خلال المادة 29 التي تحدّد الأسباب التي يجوز فيها للعامل ترك العمل من دون إشعار، حيث جاء فيها “يحق للعامل أن يترك العمل دون إشعار صاحب العمل على أن يقوم بتبليغ وزارة العمل خلال أسبوعين من تاريخ ترك العمل وبالطرق التي تحددها الوزارة مع احتفاظه بحقوقه القانونية عن انتهاء الخدمة وما يترتب له من تعويضات عطل وضرر وذلك في أي من الحالات التالية … إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثّله عليه في أثناء العمل أو بسببه وذلك بالضرب أو التحقير أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي المعاقب عليه بموجب أحكام التشريعات النافذة المفعول. وقامت الفقرة ج بتعريف التحرش الجنسي على أنه “أيّ ممارسة أو سلوك جسدي أو شفهي ذي طبيعة جنسية أو التهديدات المرتبطة به ويمسّ كرامة العامل ويكون مهينا له ويؤدي إلى إلحاق الضرر الجسدي أو النفسي أو الجنسي به”
هذا التعديل الذي اعتبره البعض نصرا للمرأة العاملة، يوفر حماية قاصرة للأسباب التالية:
– الحماية فقط عندما يتم التحرش من قبل صاحب العمل أو من يمثله؛
– التعويض قاصر على ترك العمل من دون إشعار مع احتفاظ العاملة أو العامل بحقوقه القانونية؛
– لا توجد تدابير وقاية من التحرش في مكان العمل؛
– لا يوجد ما يلزم أرباب العمل باتخاذ تدابير لمنع التحرّش والإبلاغ عنه، بالرغم من أن هناك جهودًا من قبل وزارة العمل بهذا الخصوص إلا أنها لا تستند للقانون؛
– لا توجد تدابير لحماية المبلغين عن التحرّش أو منع التمييز ضدّهم؛
– التعديل غير مجدٍ. إذ أن النص قبل التعديل كان: “إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله عليه في أثناء العمل أو بسببه وذلك بالضرب أو التحقير أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي المعاقب عليه بموجب أحكام التشريعات النافذة المفعول”. ويتحصّل من ذلك أن النصّ كان يشمل أصلا التحرّش الجنسي طالما أنه أحد أشكال الاعتداء الجنسي المعاقب عليها بموجب المادة 306 من قانون العقوبات [1]؛
– من الصعب على العمالة غير المنظمة أو عمال المياومة الاستفادة من هذا النص.
من المهم الإشارة فضلا عن ذلك إلى أن التعديل منح وزير العمل صلاحية التبيّن من وقوع الاعتداء الجنسي أو التحرش وتغريم صاحب العمل أو مدير المؤسسة مبلغا لا يقلّ عن 2000 دينار ولا يزيد على 5000 دينار (2800 – 7000 دولار امريكي). وتضاعف الغرامة في حال التكرار وذلك مع مراعاة أي تشريعات أخرى نافذة المفعول. وهذا الأمر إنما يمنح الوزير صلاحية التحقق من مخالفة جزائية خطيرة يجدر أن تدخل في صلاحية القضاء الجزائي وحده.
وعليه، من الظاهر أنه تمّ زجّ مصطلح “التحرش الجنسي” في قانون العمل الأردني من دون أن يكون هناك فائدة عملية للنساء العاملات. وقد يكون السبب تحقيق متطلب شكلي لرفع ترتيب الأردن بمؤشرات دولية متعلقة بالمرأة ومن دون أن يكون هنالك أي مسعى جدي لتوفير حماية حقيقية.[1]
[1] جاء في المادة 306 من قانون العقوبات الأردني “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من عرض فعلا منافيا للحياء أو وجه اي عبارات او قام بحركات غير اخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول او الفعل او الحركة او الاشارة تصريحا أو تلميحا باي وسيلة كانت”