هالات الثورة التونسية تحاكم بن سلمان


2018-11-28    |   

هالات الثورة التونسية تحاكم بن سلمان

وصل مساء يوم 27-11-2018 ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتونس في زيارة دامت أربع ساعات. لم تستقبله شوارعها بتعليق صوره أو بصفوف تلاميذ المدارس كما هي عادة الاستقبالات الرسمية. على خلاف ذلك، كان في استقباله مظاهرات حاشدة في شوارعها الرئيسية حرقت فيها صوره ونادى فيها المحتجون بطرده. وقبل ساعات قليلة من وصول طائرته، تسرّب للإعلام خبر مفاده أن وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس أذن بإجراء أبحاث أولية في شكاية تخصه “كمشتبه به”، تقدمت بها نقابة الصحفيين التونسيين وتضمنت اتهامات له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

فرض الحراك الشعبي والحقوقي التونسي أن يختزل المشهد البروتوكولي المتعلق بزيارة الأمير لتونس في المطار والطريق منه إلى القصر الرئاسي. وألزم هذا الحراك من وصفه الناطقون باسم رئيس الجمهورية “بضيف تونس المبجل” والمتابعين لزيارته بأن يستمعوا لأصوات الشارع العربي الرافض لمخططات نسبوها إليه. ومن أبرز المخططات التي نسبها المتظاهرون له، مخطط للإجهاز على القضية الفلسطينية، سياسة الإبادة والتجويع التي ينتهجها في اليمن. وقد برزت إشارات عدة إلى جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي التي أثبتت التحقيقات حصولها في القنصلية السعودية، من قبل أشخاص مقربين من ولي العهد.

وقد برز في هذا الحراك دور أساسي لنقابة الصحفيين التونسيين وجمعية مناهضة التطبيع. بالمقابل، انكفأت كوادر الأحزاب السياسية الكبرى عن المشاركة، ومن بينها حركة “النهضة” التي كانت تلقت عند ترحّم رئيسها راشد الغنوشي على الصحافي خاشقجي، اتهامات بتعكير صفو العلاقة مع السعودية. فصمتت بعد ذلك.

عكس حضور رئيس الجمهورية للمطار لاستقبال ولي العهد وامتناعه المعلن عن طرح أي سؤال محرج له بأمانة “صورة تونس الرسمية”، حيث تفرض عليها أزمتها الاقتصادية وعجزها عن تدبير موازنتها الالتفات عن شعارات ثورتها والتقرب من ضيفها. ولهذه الغاية، وفيما تم إبقاء موعد الزيارة سريا وسط شائعات بإلغائها، حُصرت الدعوة لتغطية الزيارة بصحافيين منضبطين مع استبعاد المراسلين الذين قد يتسبب وجودهم بحرج، وفي مقدمتهم مراسلي الجزيرة وفرانس 24.

لم يثر استبعاد الصحافة عن تغطية الزيارة إشكالا كبيرا، بحيث وجدت هذه الوسائل في الشارع مادتها الإعلامية. وعليه، برزت صورتان متناقضتان:

  • الصورة الرسمية والتي جاءت وسط شائعات تم نفيها لاحقا حول وديعة سعودية بملياري دولار لدى البنك المركزي التونسي. وقد هدفت هذه الصورة لضبط الحراك من خلال تغليب لغة المصالح على لغة القيم والمبادئ،
  • صورة الحراك الشعبي ضد الزيارة والتي هي ذهبت على نقيض ذلك، في اتجاه إبراز القيم الانسانية وتغليبها على لغة المصالح. وقد استمدت هذه الصورة إشعاعا مميزا بعد تسريب خبر التتبعات الجزائية ضد بن سلمان، على نحو أبرز المكانة الجديدة للقضاء التونسي. فالتحرك القضائي أظهر تونس في مصاف الدول الديمقراطية الأوروبية التي يتحرك قضاؤها بطلب من قوى اجتماعية، احتجاجا على زيارة أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حقوق إنسان. عدا أن هذه الصورة أعادت إلى الأذهان لحظات من حراك الثورة التونسية، فإنها أبرزت أهم إنجازين لها أولهما حرية التعبير، وثانيهما استقلال القضاء وتطور تصوره لدوره الاجتماعي. وتختزل هذه الصورة بشعار تردد صداه بقوة أمس، بعدما كان الحاضر الأكبر خلال أيام ثورة جانفي 2011 “لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب”.

وعليه، بدا حراك الشارع التونسي متمسكا بإبراز ثمار ثورتها في وجه الضيف “المبجل”، في وجه أي دولة ديمقراطية قد تهيمن مصالحها وصفقات أسلحتها على قيم الحرية والعدالة، ولكن قبل كل شيء في وجه السلطات التونسية والسلطات في الدول العربية التي غالبا ما بررت استبدادها وتبجيل الاستبداد بضرورات لقمة العيش.

من هذه الزاوية، نطقت حناجر تونس بما يأمله ملايين المواطنين في الدول العربية المحيطة، في سورية، في مصر، في السعودية، في البحرين، في العراق، في الجزائر، في لبنان، في الأردن، في ليبيا، في المغرب، في السودان… حناجر تتصور عالما مواطنوه يعيشون أحرارا من الخوف والاستبداد. فلنسمع.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني