نيابة المحامين للمؤسسات العمومية قبل الثورة وبعدها: من التوظيف إلى السؤال عن الشفافية


2025-03-19    |   

نيابة المحامين للمؤسسات العمومية قبل الثورة وبعدها: من التوظيف إلى السؤال عن الشفافية

يعتبر ملفّ نيابة المحامين للمؤسسات العمومية في تونس من المواضيع الإشكالية في تاريخه كما في حاضره. إذ كان  قبل الثورة، آلية وظّفها النظام لإعمال ثنائيّة الولاء والعقاب داخل جسم المحامين بين المؤيدين من جهة والمناوئين من جهة أخرى، كما كانت تفضّل كرّاسات النظام توصيفهم. أما بعد الثورة وبفعل ما فرضت من إصلاحات،  بات الرهان كلما طرح السؤال حول الموضوع ضمان إدارة موضوعية عنوانها الأساسي الشفافية في توزيع الملفات والموضوعية في تقدير الأتعاب. ويبدو كلا التحديين مما يستحق التفصيل فيه خصوصا وأن ما مضى قد يستحيل بفعل التغييرات السياسية مستقبلا.

السلطة والمحاماة والمؤسسات العمومية: لمحة عن ماضي التوظيف

عثرت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد بالقصر الرئاسي عام 2011 على وثائق تبيّن تكوين الرئيس السابق للجنة “مكلّفة بدراسة ملف المحامين المتعاملين مع المؤسسات العمومية والإدارة”، صنف  المحامون  فيها حسب ولائهم أو معارضتهم، لتوزّع ملفات نيابة المؤسسات العمومية بسخاء على الموالين، مقابل منعها أو سحبها من “المناوئين”.

وتبيّن على سبيل المثال مذكّرة تفصيلية مرفوعة للرئيس السابق عام 1998 جردًا للمحامين المتعاملين مع المؤسسات العمومية وقد تضمنت مقترحات للتخلي عن المحامين المغضوب عليهم بعدما تمّ تصنيف المحامين الموالين حسب شدّة نشاطهم لفائدة الحزب الحاكم حينها[1]. أعلنت لجنة تقصي الحقائق تباعًا إحالة هذا الملف على النيابة العمومية التي أذنت بفتح بحثٍ تحقيقيّ دون أي أثر لمآل ناجع لليوم.

بدورها، كشفت هيئة الحقيقة والكرامة[2] أن تحيين قائمة المحامين المتعاملين مع المنشآت العمومية كل سنة كان يرتكز بالأساس على نتائج عملية المراقبة الأمنية والإدارية والمهنية التي تخصّص لكلّ محامٍ، عبر تولي الحزب الحاكم مراقبة سلوكه ومصداقيّته تجاه الحزب، فيما تعمل الأجهزة الأمنية على مراقبة شبكة علاقاته ومدى ارتباطه بالعناصر المعارضة أو المناهضة للنظام، مقابل ممارسة المراقبة المهنية عبر تقارير المديرين العامين للمؤسسات المعنية. وقد نشرت الهيئة في تقريرها المنشور للعموم عددًا من وثائق الأرشيف التي تضمّنت قائمة المحامين الموالين للسلطة والتي كافأتهم على حساب زملائهم، على قاعدة الولاء السياسي لا الكفاءة المهنية.

إثر الثورة وتحديدًا في ديسمبر 2012، وفي إطار مشروعها لإصلاح المنظومة القضائية، قدمت وزارة العدل لرئاسة الحكومة مشروعًا تضمن إعفاء المحامين المستفيدين من النظام السابق من نيابة المؤسسات العمومية وشبه العمومية. وهو ما دعمه عميد المحامين حينها شوقي الطبيب باعتبار أن ذلك “لا يتنزل في إطار الإقصاء والعقاب بل ضمن تصحيح مسار المهنة”[3]. مسار “تطهيري” لم يتمّ تبنّيه، في نهاية المطاف، عبر تفضيل مقاربة شاملة لضمان الشفافية في توزيع النيابات للقطع مع ماضي الفساد في إدارة هذا الملف.

تأطير تشريعي جديد: ضمانات لافتة

وجب الانتظار تباعًا لما يزيد عن ثلاث سنوات بعد الثورة ليصدر أمر حكومي بداية عام 2014[4] يضبط شروط وإجراءات تكليف المحامين بنيابة الهياكل العمومية ويرسي مبدأ المنافسة في التكليف على أساس طلب عروض ووفق بنود منصوص عليها بكرّاس شروط نموذجي، لكن مع الإبقاء على إمكانية التكليف بالتفاوض المباشر في حالتين اثنتين: طلب العروض غير المثمر والقضايا الاستعجالية. وضبط الأمر أن الهيكل العمومي المعنيّ يحيل عروض المشاركين وتقارير الفرز لاحقًا إلى لجنة مختصة تابعة للهيئة العليا للطلب العمومي برئاسة الحكومة للنظر في مدى تطابقها مع كراس الشروط ولاتخاذ قرار في اختيار المحامي، بما يعكس الخيار في متابعة موحّدة وشاملة لملفّ الإنابة مع تقليص هامش تحرّك كل مؤسسة على حدة. وتتولّى هذه اللجنة المُحدثة إجمالًا مراقبة شرعيّة إجراءات اللجوء إلى المنافسة وإسناد الصفقات ومصداقيّتها وشفافيتها[5].

وضمن غاية التوزيع العادل للملفات، حُدّدت فترة قصوى لنيابة الهيكل العمومي وهي 3 سنوات قابلة للتمديد لمدة سنة واحدة فقط، مع عدم إمكانية تعاقد المحامين لفترتين متتاليتين من قبل نفس الهياكل. ويأتي اعتماد التسقيف الزمني بغاية ضمان تكافؤ الفرص والتداول بين المحامين في الإنابة على نحو يؤمّن تعميم الاستفادة من المردودية المالية. كما تقرّر تسقيف عدد الشركات أو الملفات المسندة لكلّ محام بقرار وزاري باقتراح من عميد المحامين من جهة، مع ضبط الأتعاب وفق قرار مشترك بين وزيري العدل والتجارة من جهة أخرى.

ولم يكن تنزيل الأمر الحكومي ليصبح نافذًا ميسًرًا. إذ استوجب الانتظار لما يزيد عن سنتين وتحديدًا لغاية عام 2016 لإصدار القرارين التطبيقيين: الأول المتعلق بسقف إنابة المحامين[6] والثاني المتعلق بتحديد الأتعاب[7]. أرسى بالخصوص القرار الأول تسقيف عدديّ للنيابات عبر إرساء مبدأ نيابة المحامي لهيكل عمومي واحد فقط طيلة مدة التكليف وإن يمكن إضافة أحد الهياكل الأخرى على سبيل الحصر[8]، إضافة لتسقيف مالي بعدم تجاوز مجمل الأتعاب مائة ألف دينار دون احتساب الأداء على القيمة المضافة، مع زيادة تصاعدية بنسبة 10 في المائة كل سنتين من تاريخ صدور القرار المذكور. ويعكس مبدأ الإنابة الوحيدة لهيكل عمومي لكل محامٍ سعيًا لضمان توسيع دائرة الإنابة على أكثر عدد ممكن من المحامين. وكان مشروع وزارة العدل عام 2012 اقترح سقف ثلاثة هياكل عمومية مع سقف عدديّ بالملفات بألا تتجاوز 50 ملفًا سنويًا، وذلك بدل التسقيف المالي المعتمد في أمر 2016 في نهاية المطاف. وقد حيّت الهيئة وقتها القرارات الصادرة باعتبارها مكسبًا مهنيًا يضمن شفافية المعاملات مع قضايا الدولة مؤكدة أن سقف الأتعاب المعتمدة تعدّ محترمة وتردّ الاعتبار لمجهودات المحامين[9]. هذا وأدى الضبط القانوني للأتعاب لإقصاء عنصر العرض المالي نظريًا في تقييم العروض التي تظلّ موقوفة على تقييم للعرض الفني، ما يعني أولوية الكفاءة في ظلّ الوحدة المبدئية للأتعاب. في المقابل، احتجّ المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين على إرساء تمايز بين ضبط الأتعاب المفوترة لهياكل الدولة واعتماد حرية الأتعاب لغيرها باعتبار ذلك مخلًا بقواعد المنافسة، ولكن مردّ احتجاجه بالخصوص هو إسناد نيابة الهياكل للمحامين فقط دون المستشارين الجبائيين[10]. وهو تنازع تقليدي حول الاختصاص الحصري في النيابة مع تمسّك المحامين بالحفاظ على حصرية نيابتهم ودون سواهم للأطراف بغض النظر عن طبيعتهم القانونية أمام الجهات القضائية كما ينصّ مرسوم المهنة.

كرّاس الشروط النموذجي في الميزان

أرسى، في الأثناء، كراس شروط نموذجي، أصدرته اللجنة المختصة صلب الهيئة العليا للطلب العمومي، آخره في نسخة محينة بتاريخ 22 مارس 2022، قواعد تنظيم العلاقة بين المؤسسة والمحامي خاصة عبر عقد الإنابة النموذجي. وقد تضمّن، بالخصوص، لزوم تأمين المحامي عن مسؤوليته المدنية والمهنية، وهو شرط مندوب تفرضه الممارسة العصرية للمحاماة، بل تشجّع عليه هيئة المحامين على نحو ما عكسه مشروعها لقانون المهنة عام 2018 الذي اقترح التأمين الوجوبي لطالبي الترسيم لدى الاستئناف أو التعقيب.

وكان من البيّن أيضًا السعي أن يكون المحامي الذي ينوب مؤسّسات الدولة مثاليًا من زاوية براءة ذمّته في التزاماته المالية تجاهها، وذلك باشتراط أن تكون وضعيّته مسوّاة في المساهمات الاجتماعية سواء بالنسبة له عبر صندوق التقاعد والحيطة للمحامين أو لمعاونيه عبر صندوق الضمان الاجتماعي، وذلك فضلا عن سلامة وضعيته الجبائية.

في الأثناء، حصر كراس الشروط المحامين الذي يمكن لهم النيابة في المرسّمين بالتعقيب أو الاستئناف دون المحامين المتمرّنين، والحال سبق دعمت هيئة المحامين إمكانية تكليفهم في القضايا “البسيطة” ومنها بالخصوص التقاضي أمام محاكم النواحي والأعمال الولائية، وذلك في إطار ضمان حقّ المحامين المباشرين دون استثناء في تمثيل مؤسسات الدولة والاستفادة من المردودية المالية لإنابتها. ولكن يبدو هذا الإقصاء مردّه ضمان الحد الأدنى من الكفاءة المهنية، ولكن أيضًا وبالخصوص محدودية اختصاص المحامي المتمرّن في قانون المهنة، وبالخصوص عدم إمكانية نيابته في القضايا المدنية أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية والتي تستلزم إنابة محامٍ غير متمرّن، وهي التي تستحوذ عمليًا على جلّ قضايا المؤسسات العمومية. وتباعًا كان من الواضح، في المقابل، الحرص على القطع مع واقع احتكار المحامين المتقدّمين في السنّ لنيابة المؤسسات وذلك باشتراط تكليف محام بأقدمية لا تتجاوز 5 سنوات في قسم الاستئناف في صورة إن تضمن طلب العروض قسطين أو أكثر. 

وفي هذا الإطار، بدا لافتًا أن النسخة الأخيرة المحينة للكراس ألغت منع القضاة المتقاعدين والأساتذة الجامعيين المباشرين والمتقاعدين ولو كانوا مرسمين بجدول المحامين من المشاركة في طلبات العروض والسابق تضمينها في نسخة سابقة من الكراس. وهو إلغاء وإن يظهر أنه يعيد تكريس مبدأ المساواة بين جميع المحامين المرسّمين، بغض النظر عن آلية الترسيم، خاصة وأن النص القانوني المنظم للإنابة لم ينص على هذا المنع، فهو يكشف عن التخلّي عن خيار مدعوم من هيئة المحامين عنوانه مطلبية تقليدية هي توحيد المدخل في قانون المهنة، على نحو مثّل منع القضاة المتقاعدين بالخصوص من نيابة المؤسسات العمومية فيما سبق مكسبًا لكن سرعان ما تم التراجع عنه، ما يعكس، واقعًا، تراجع تأثير هيئة المحامين.

ويُشار، في هذا الجانب، أن أمر 2014 نص على لزوم عقد لقاءات دورية كل 6 أشهر على الأقل بين اللجنة المختصة بهيئة الطلب العمومي وهيئة المحامين التي لا تظهر مهتمّة بإعلام منظوريها لا بتواريخ هذه اللقاءات ولا مضامينها ولا نتائجها، على النحو الذي يبيّنه انعدام التعرض مطلقًا لكلّ ذلك في تقريرها الأدبي للعام 2023-2024 على سبيل المثال.

معضلة تحديد الأتعاب

ظلّت، في الأثناء، المعضلة تتعلّق بمسألة الأتعاب. إذ بعد تأكيد العقد النموذجي في فصله الثالث على مرجعية الأمر الحكومي المتعلق بضبطها، وأنها تشمل كافة المصاريف القضائية عدا استخراج الأحكام، أضاف أنه يتم تجميع قضيتين كحد أدنى وأربع قضايا كحد أقصى وتعتبر أتعاب قضية واحدة بالنسبة للقضايا في نفس الطور التي تعدّ مرتبطة ببعضها وذلك بالنظر إلى وحدة الموضوع أو السبب أو المادة، أو في صورة القضايا أو الأذون على العرائض وذلك بالنظر إلى طبيعتها من حيث تشابهها أو تداولها أو سهولة معالجتها نظرا لاستقرار فقه القضاء بشأنها. ليظهر هذا الفصل إشكاليا من زاوية أن تقنية التجميع هذه لم ترد في القرار الوزاري المتعلق بتحديد الأتعاب، على نحو جعل العقد النموذجي الذي أصدرته هيئة الطلب العمومي برئاسة الحكومة مخالفًا له. خاصة وأنه يطرح خللًا في تحديد قاعدة احتساب مرجع الأداءات مع إدارة الجباية. وقد بادر، على هذا الأساس، أحد المحامين لرفع دعوى قضاء كامل لدى المحكمة الإدارية بالإبطال والتعويض ليستصدر لفائدته في ماي 2024 حكمًا ابتدائيًا لصالحه من المنتظر أن يعزّز الموقف القانوني للمحامين المطالبين بتنقيح العقد النموذجي للتخلي عن آلية التجميع في احتساب الأتعاب.

وفي جانب متصل، تزايد البون بين الجدول المرجعي للأتعاب المحددة في أمر 2016 القائم على معيار نوع القضية والمحكمة، وذلك أمام الترفيع الدوري لهيئة المحامين أو فرع المحامين بتونس للجدول المرجعي الخاص بهما. فمثلًا يضبط أمر 2016 أن أتعاب قضية مدنية ابتدائية تبلغ 800 دينار، ولكن تحددها هيئة المحامين وفرعها بتونس في قرارين منفصلين لكل منهما (2024 و2023 على التوالي)،  بـ1500 دينار أي نحو الضعف، كما يبلغ الفارق ألف دينار في أتعاب القضية التعقيبية. وهو ما زاد المطلبية داخل هياكل المحاماة تجاه الحكومة لتعديل أمر 2016.

هذا والملاحظ أن قرار ضبط الأتعاب اقتصر على تحديدها في صورة النيابة القضائية دون صورة تقديم الاستشارات القانونية أو تحرير العقود التي ظلّت خاضعة لمبدأ حرية التقدير بما يجعل العرض المالي هو المعيار الحاسم واقعًا باعتبار أنه يتم إسناد الاستشارة للعرض الأقل ثمنًا.

تصاعدت، إجمالًا، شكاوى المحامين، أو على الأقل لفيف واسع منهم، بعدما تبيّن أن إنابة مؤسسة عمومية ليس بالطائر الذي يبيض ذهبًا كما ذهب لظنّهم خاصة لما سمعوه في محيطهم المهني من مداخيل وافية ومتراكمة تحصّل عليها البعض من زملائهم ذوي الحظوة لكن في زمن سابق. بل على العكس، تبدو راهنًا، على الأقل في عديد الأمثلة، إنابة مؤسسة عمومية إنابة مرهقة مهنيًا في ظلّ الشروط التي تفرضها الهياكل العمومية، وأيضًا غير مجزية أحيانًا ماديًا خاصة مع تقنية تجميع القضايا، إضافة أنه لا يتمّ تلقي إلا 10 في المائة من الأتعاب عند التكليف فيما يستخلص المتبقي بعد التصريح بالحكم، الذي قد يطول لسنوات تحديدًا في القضايا المدنية، وكلّ ذلك فضلا عن الإمكانية الواقعية أحيانًا لتحديد أتعاب دون سقف أمر 2016 تحديدًا في صورة التفاوض المباشر.

تحوّلت، تباعًا، المطلبية الاحتجاجية حول ملف إنابة المؤسسات العمومية إلى عنصر قار في الحملات الانتخابية بين المترشّحين لهياكل المحاماة في سوق الوعود المتناثرة، على نحو الوعد الانتخابي الذي قطعه العميد حاتم مزيو في برنامجه عام 2022 بتنقيح الأمر المنظم لها. ومن ذلك تخويل إمكانية تجديد النيابة مع تحديد سقف لعدد الملفات والأتعاب المستخلصة. وهو مقترح، للمفارقة، يتعارض ظاهرًا مع مبدأ تكافؤ الفرص إذ لا يخدم المطالبة بتوسيع دائرة المحامين المعنيين بالإنابة، فضلا عن أنه يفتح الباب لاستدامة إنابة محامين معينين لمؤسسات محددة، على غرار ما كان قبل الثورة.

سؤال الشفافية دائمًا

وأيضًا، رغم تعدد شكليات تقديم العروض والتفصيل في ضبط معايير الفرز، ظلّ سؤال الشفافية مطروحًا بقوة في صفوف المحامين خاصة الشبان منهم، باعتبار أنه يبقى للمؤسسة العمومية في النهاية التفاوض مباشرة مع المحامي الذي تختاره في صورة إن كان طلب العروض غير مثمر، وهو ما يفتح الباب عمليًا للتعاقد مع محامين دون غيرهم. ويكفي، راهنًا، الاطلاع على قائمة طلبات العروض المنشورة على موقع هيئة المحامين حيث يظهر أن العديد منها، ومنها بالخصوص التي تتعلق بالبلديات الداخلية أو المؤسسات المنتصبة في الجهات، تنشر لمرّة ثانية وحتى لمرة ثالثة ما يعكس عدم الوصول لنتيجة مثمرة في الطلب السابق، وهو ما قد يعود لسقف الشروط الفنية، ولكن أيضًا وبالخصوص يعكس حالة عزوف خاصة بعد تراجع بريق نيابة المؤسسات العمومية. هذا ويلعب التمايز بين مؤسسة عمومية وأخرى، كتمايز نوعية ملفاتها، أثره في تحفيز أو عزوف محامين للمشاركة في طلب العروض دائمًا.

لا توجد اليوم، في النهاية، أرقام رسمية حول عدد المحامين النائبين للمؤسسات العمومية، ولا القيمة الجملية للأتعاب، ولكن تكشف مذكرة مرفوعة للرئيس السابق عام 2000 أنّ عدد المحامين النائبين بلغ 1036 محاميًا من مجموع 187 منشأة عمومية ودون احتساب الولايات والبلديات[11]، وهو رقم مهمّ وقتها يعكس، بدرجة أولى، حجم النزاعات القضائية للمؤسسات العمومية ومردوديّتها المالية، ليظلّ، في الأثناء، ملف نيابة المؤسسات العمومية يطرح أسئلة عديدة، إذ رغم أن النظام التشريعي بعد الثورة يؤسس لضمانات معالجة شفافية وموضوعية، فلازال تنزيلها واقعًا محلّ أخذ وردّ.


[1] تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، ص. 260.

[2] التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، تفكيك منظومة الاستبداد، الجزء الأول، ص. 43.

[3] تصريح لجريدة “التونسية” في عددها الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2012.

[4] الأمر عدد 764 لسنة 2014 مؤرّخ في 28 جانفي 2014 يتعلق بضبط شروط وإجراءات تكليف المحامين بنيابة الهياكل العمومية لدى المحاكم والهيئات القضائية والإدارية والعسكرية والتعديلية والتحكيمية

[5]  الفصل 8 من الأمر المذكور.

[6]  قرار من وزير العدل مؤرخ في 22 أفريل 2016 يتعلق بتحديد سقف إنابة المحامين من قبل الهياكل العمومية.

[7] قرار من وزير العدل ووزير التجارة مؤرخ في 22 أفريل 2016 يتعلق بضبط أتعاب المحامين المكلفين بنيابة الهياكل العمومية.

[8] هي المؤسسات عمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية، والمراكز الفنية في القطاعات الصناعية، والمجامع المهنية المشتركة في قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية، والجماعات المحلية.

[9]  بلاغ بتاريخ 4 ماي 2016.

[10] قدّم رئيس المعهد في 27 جوان 2016 عريضة في تجاوز السلطة ضد وزير العدل ووزير التجارة بخصوص القرار المؤرخ في 22 أفريل 2016 يتعلق بضبط أتعاب المحامين المكلفين بنيابة الهياكل العمومية.

[11] وردت في التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، مصدر سابق.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني