نقيب المحامين في بيروت يشكك في شرعية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية


2015-05-13    |   

نقيب المحامين في بيروت يشكك في شرعية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية

في العام 2006أنشئ مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، ومن المفروض ان مهمة هذا المكتب هي  ملاحقة المجرمين الذين يستخدمون الوسائل المعلوماتية العالية في إرتكاب الجرائم كالقرصنة والتزوير وخرق الحسابات، الخ.. الا ان النيابات العامة تعمد على احالة جميع الشكاوى المتعلقة بالكتابات والمنشورات على الانترنت ليتم التحقيق بها في هذا المكتب مما جعله بحكم الواقع مكتب متخصص بملاحقة من يقوم بالتعبير عن رأيه على الانترنت حتى بات في الآونة الأخيرة عمل هذا الاخير ملاحقة المدونين والناشطين بناء لإشارات صادرة عن النيابات العامة واستدراجهم بطرق ملتوية وفبركة أكاذيب واستخدام وسائل الترهيب خلال التحقيق معهم وتعرضهم لخطر التوقيف لمجرد فكرة تناولوها على صفحاتهم او حتى خبر قاموا بنشره على ذمة المؤلف.
 
قالولي تفضل لعننا

"اتصلوا بي وقالوا لي"تلفونك مسروق تفضل لعننا"، فلبيت الاتصال لأجد نفسي في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، وان قصة "التلفون المسروق" ما هي الا محاولة لاستدراجي وانني أواجه تهمة القدح والذم بحق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وكل ذلك لأنني قمت بمشاركة share    مقال على مدونتي".

هذا ما جرى مع المدون الشاب "كريم حوا" الذي تم توقيفه يوم الخميس 13تشرين الثاني/نوفمبر 2014،  نحو ثلاثة أيام، دون ان يكون لديه الحق في اعلام أهله عن مكان وجوده،ودون ان يسمح له على الأقل بإحضار محامي يقف الى جانبه. الشاب الذي ظن انه يعيش في بلد الحريات والديمقراطية لم يخطر بباله مطلقاً ان مشاركته لمقال بعنوان "فضيحة الأمن اللبناني، من هم الخونة؟" أراد من خلاله لفت نظر الناس الى أمر معين بأن ذلك سيورطه بمشاكل قد تودي به الى السجن كأي مجرم خطير وقال:"المقال يتحدث عن شركة عربية يهودية تعاملت مع لبنان وانا كل ما قمت به ان نشرت الخبر الذي يتضمن فيما يتضمنه ذكر لوزارة الداخلية، فتم توقيفي. لم اتعرض للضرب وانما وجهت اليّ العديد من الاسئلة  الغريبة والقاسية مثل هل انت عميل، وهناك شبكة خلفك، كما أخذوا يذكرون لي اسماء ويسالون عن كيفية معرفتي بها. وخرجت من خلال الوساطة لان اهلي في الانتخابات يصوتون للمشنوق وعندما علم بهذا الامر تم اخراجي من السجن ولولا الوساطة لكنت  دخلت الى السجن.

ليس "كريم حوا" الأنموذج الوحيد لعمليات الملاحقة والتوقيف والإذلال التي تطال ناشطي حرية الرأي والتعبير في لبنان فاللائحة تطول والتي غالباً ما يكون أسبابها شكاوى ترد عادة من اشخاص وسياسيين لديهم نفوذ واسع وهو لا يترددون في استخدامها مستعينين بخدمات هذا المكتب لاسكات المدونين ومن الامثلة نذكر الصحافي مهند الحاج علي الذي سبق وان تناولت المفكرة القانونية قضيته والطريقة التي تم التعامل بها معه من قبل عناصر هذا المكتب. ناهيك عن الناشط والمدون عماد بزي الذي كتب مقالة بعنوان "شوارب الوزير" طالت وزير الدولة السابق بانوس مانجيان حيث انتقد فيها مهاجمة مرافقيه للمحامي جيمي حدشيتي وبناء عليه تم اخضاع "بزي" لتحقيق امتد نحو ثلاثة ساعات ولم يخرج الا بعد توقيعه على تعهد بعدم التعرض جسديا للوزير او احد افراد عائلته وممتلكاته مع تحفظ "بزي" واصراره على انه في حال تكررت الحادثة سوف يعاود الكتابة عنها.

وفي ظل واقع تشوبه حالة من الفوضى، لا يعرف فيه المواطن متى تصادر حريته الجسدية ثمناً لحريته الفكرية، بات لزاماً فتح باب النقاش في هذا الموضوع على مصراعيه بين المعنيين من ناشطين وحقوقيين ومدونين والأجهزة الأمنية نفسها. هذه الخطوة الهامة قامت بها جمعية Marchبالتعاون مع مكتب الأونيسكو الإقليمي في بيروت ولجنة المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة في نقابة المحامين في بيروت من خلال ندوة بعنوان "ما تخاف من الحرية، خاف عليها" جرت نهار الثلاثاء في 29/4/2015في بيت المحامي في بيروت.

اعتبرت جمعية "مارش" بأن ثمة "حاجة ملحة لانشاء قانون جديد للاعلام يتضمن اطلاق حرية تأسيس المطبوعات الصحافية الدورية من دون قيود واستبدال نظام الترخيص القائم بالعلم والخبر والغاء الرقابة المسبقة على المطبوعات الاجنبية كما والغاء عقوبة الحبس والتوقيف الاحتياطي لجميع جرائم النشر والرأي والتعبير.

وفيما خص الانترنيت فإن غياب قانون خاص يرعى أوضاعه يولد التباساً شديداً حول القانون الواجب تطبيقه. فالنيابة العامة اصدرت تعميماً تفيد فيه ان المواقع الالكترونية لا تخضع لقانون المطبوعات وانما لقانون العقوبات (وهذا الأمر يمنع عمليا الاستفادة من حظر الاحتجاز الاحتياطي) ومن جهة ثانية، اعتبرت محكمة المطبوعات نفسها الجهة الصالحة للنظر في جرائم النشر على المواقع الالكترونية وبالتالي تطبيق قانون المطبوعات على هذه الافعال.
 
خط  ساخن …على مدار الساعة

وفي حديث مع "المفكرة القانونية " اعتبرت رئيسة جمعية "مارش" ليا بارودي ان هذا المؤتمر يعد الممهد لفتح أبواب الحديث حول اصدار قانون يحمي حرية التعبير على الانترنيت وانه الى حين حصول هذا الأمر يجب وضع حد للانتهاكات التي تحصل بحق المدونين وقالت:" أثناء انتظار القوانين لتصدر هناك شباب يتم توقيفهم والتحقيق معهم دون ان وتتوفر لهم ابسط حقوق الانسان. ما نطلبه اليوم ضرورة العمل على قانون في هذا السياق كذلك يجب ان تتغير الممارسات بحق المدونين فلا يجب وبحجة تجاوز الحق بحرية التعبير ان نتعامل معهم كمجريمين يقومون بأعمال قرصنة وابتزاز وسرقة وارهاب وان يتم توقيفهم ووضعهم في زنزانة مع مجرمين فعليين هذا انتهاك لحقوق الانسان والحق في التعبير. يجب ان يكون هناك تغيير في الممارسات، ان يتم السماح بوجود محامي، لا يجب الضغط عليهم لتوقيع تعهد وهو أمر غير قانوني، لا يجب توقيفهم بالنظارة، والاهم يجب ان يعرفوا التهمة الموجهة لهم أصلاً، هناك العديد من المطالب الملحة التي بالامكان تطبيقها دون الحاجة لوجود قانون".

أما عن الخطوات اللاحقة لهذه الندوة فقالت:"نحن نعمل مع لجنة المعلوماتية والتكنولوجيا في نقابة المحامين من اجل تغيير وتعديل القوانين وصياغة قوانين جديدة في هذا الموضوع، كما اننا نعمل على اعداد كتب سوف يتم توزيعها على الجامعات والمحاميين تتضمن تفسيرات للمدونين عن حقوقهم وما الذي يجب القيام به عند تلقيهم اتصالا من هكذا أجهزة، كذلك لدينا الخط الساخن ورقمه 235463/70لمساعدة المدونين والايجابة عن اي سؤال يطرحونه او استفسار يطلبونه طيلة أيام الأبوع وعلى مدار الساعة، ولتأمين تواصلهم مع محامي في حال تم استدعائهم من قبل المكتب".

وقد سجل العام 2014تراجعاً قوياً غلى مستوى الحريات الإلكترونية في لبنان. فالموقوف بتهمة "حرية التعبير" يُساق الى أحد مكاتب الأجهزة الأمنية التي تتسابق على "اللهو"  بكرامات الناس، دون ان يعرف السبب او ان يعرف مدة توقيفه أو ان يسمح له بإعلام عائلته والأهم ان يكون لديه محامٍ يقف الى جانبه، الى حين يخرج اما عبر الواسطة او من خلال توقيع تعهد يتضمن سلسلة من الشروط التي تكرس قمعه واخضاعه.

وقد اعطى نقيب المحامين في بيروت جورج جريج لمحة عن واقع الحريات في البلدان معتبراً ان ما يحدث هو امر غير مريح حيث تتنازع العالم ثلاث قوى: الحرية من جهة والخوف منها من جهة ثانية والخوف من ارتداداتها السلبية من جهة ثالثة، مقدّماً سلسلة من الاقتراحات التي من الواجب انطلاقاً من الحس بالمسؤولية العمل على تطبيقها وأبرز هذه الاقتراحات، الآتية:

–       وضع قانونين للاعلام الالكتروني والجرائم الالكترونية وهما قيد الدرس في لجنة الادارة والعدل النيابية التي تشارك فيها نقابة المحاميين بممثل عنها. معتبرا ان "النقص بالتشريع اسهم في وجود حالة من التمييز بين الصحافي والناشط الالكتروني اذا ان الاول لا يخضع للتحقيق في المخافر، وهذا هو الصح"  بخلاف الثاني، وهذا خطأ، بل ماذا لو كان الصحافي ناشطاً الكترونياً فأي نظام سيطبق عليه؟".

–       تأمين حماية المدونين لانهم مجردون من حماية حزبية او طائفية نظراً لاستقلاليتهم وبالتالي يجب ضمان حماية قانونية اكيدة لهم.وتساءل جريج في مداخلته عن مدى شرعية وصلاحية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مطالباً بإعفائه من عمله فقالً ب"وجوب حضور محام في التحقيقات الأولية من لحظة استدعاء الشخص للمثول أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية ويجب إعفاء هذا المكتب من هذه المهمة لان الجرم في حال حصوله هو جرم قانوني يستدعي مقاربة قانونية لا أمنية. هذا فضلاً عن أسئلة كثيرة تطرح عن عمل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، وقانونيته كضابطة عدلية".

–       إخراج قضايا الانترنيت من سلطة القضاء الجنائي الى سلطة قضائية شبيهة بمحكمة المطبوعات.

–       الانضمام الى المعاهدات الدولية التي تختص بجرائم الشبكة العنكبوتية وتكثيف وتفعيل التعاون في ما بين الدول من جهة وبينها وبين جهاز الانتربول لحماية المواطنين من الوجه السيء للحرية الفضائية والابتزاز على أنواعه من جهة أخرى.

–       الدخول الى الاقتصاد الرقمي والتجارة الالكترونية كي يطمئن المستثمر الى قانون يحميه من الاختراق.
وأكد في ختام مداخلته بما يشبه  الاصرار ان"الامن شيء والقانون شيء آخر، فللمخفر وظيفته وللقضاء دوره وطالما بقيت نقابة المحامين وهي باقية لن يتحول المخفر الى قوس عدالة ولن يصير العسكري قاضياً ولن يمثل الانسان دون محام".
 
رأي الأجهزة الأمنية

وفيما كان نقيب المحامين جورج جريج يؤكد على أحقية حضور محامي مع الشخص في حال توقيفه كان ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي ورئيس قسم المباحث الجنائية الخاصة العميد زياد الجزار يعلل السبب بمنع السماح بحضور المحامي للاستجواب بان ذلك ياتي تطبيقاً للقوانين التي ترعى عمل الأجهزة الأمنية الى حين ايجاد اشارة بخلاف ذلك.وقال:"الضابطة العدلية في قوى الامن الداخلي لا تقوم بالتحقيق الا بناء لاشارة القضاء المختص اي النيابة العامة بغض النظر ان كان المدون قد ارتكب الجرم ام لم يرتكبه" سائلاً:" اذا ارتكب احد الاشخاص افعال تعتبر جرمية وفقا لقانون العقوبات في ظل عدم وجود قوانين أخرى فهل نترك هذا الشخص يفعل ما يشاء او يجب على القضاء ان يحيل الامر الى قانون العقوبات؟".

تابع:"القوى الامنية تقوم بحماية الحريات العامة ضمن اطار القانون فالمادة الثانية من اصول قانون تنظيم قوى الامن الداخلي 17/1991تقول ان من واجبات قوى الامن الداخلي حماية الحريات ضمن اطار القانون".

اذا كان المدون يجب ان يتمتع بحماية مثل الصحافي او قانون البث الاذاعي والتلفزيوني بحسب المرسوم الاشتراعي رقم 104الذي أحال جرائم المطبوعات بأن يقوم بها قاضي التحقيق فنحن لا يوجد لدينا مانع بالعكس "نرتاح من هذه المهمة"وهنا يطرح السؤال: ما هي الخطوات التي تقوم بها قوى الامن الداخلية وتحديدا قسم المباحث الجنائية الخاصة لمطالبة النيابات العامة بوقف إحالة جميع الشكاوى المتعلقة بحرية التعبير على الانترنت الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.

واكد الجزار ان الأجهزة الأمنية  مع حرية الرأي والتعبير ضمن اطار القانون وربما غفل للحظة عن التعهدات التي يفرض على الموقوفين توقيعها وحلقات التعذيب والترهيب حتى لا يجرؤ أحدن على الافصاح عما جرى معه  فقال:" قد تكون هناك بعض التجاوزات التي لا نرضى بها كقوى أمن داخلي ونحن لدينا مفتشية عامة وانشأنا حساب  على تويتر لتلقي الشكاوى ونحن على استعداد للتحقيق في اي شكاوى ترتكب من قبل الضابطة العدلية".

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني