بتاريخ 27/12/2022، أصدرت نقابة المحامين في بيروتتعميماً طلبت فيه من المحامين والمحاميات “الامتناع عن التوكّل في آن معاً عن المشتبه فيه أو المدعى عليه بجرم الإتجار بالبشر وعن الضحية المحتملة، أثناء مختلف الإجراءات القضائية ولا سيما في إطار المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وفي خلال المحاكمة على مختلف درجاتها وأمام مختلف المراجع القضائية المعنية، حماية لحقوق الضحية وصوناً لها.” وقد أتى هذا التعميم بناء على توصية من معهد حقوق الإنسان في النقابة وشكّل خطوة هامة في إتجاه تعزيز حماية ضحايا الاتجار بالبشر للأسباب التالية:
– أولاً، إنه يمنع التضارب في المصالح الناجم عن ازدواجية التمثيل القانوني للمشتبه فيه بالإتجار في البشر والضحية المحتملة. وهو يساهم تالياً في ردع أعمال الضغط التي قد تمارس على الضحية من أجل التأثير على مضمون إفادتها ضدّ من استغلّها. وقد أظهرتالدراسة التي أعدّتها “المفكرة” حول قضايا الإتجار بالبشر (2018) أن إفادة الضحية كانت من أبرز الأدلة التي استندت اليها محاكم بيروت وبعبدا لإدانة المتهمين بالإتجار بالبشر، كما شكّلت الدليل الوحيد لاتهام العديد من الأشخاص باستغلال نساء في الدعارة.
– ثانياً، أن قانون الإتجار بالبشر يعفي الضحية من العقابمندونأنينفيالمسؤوليةالجزائية عنها (المادة 586-8 من قانون العقوبات)، ما يعرّضهاللملاحقة بجرائم مرتبطة باستغلالها (كممارسة الدعارة والتسوّل واستخدام المخدارت ومخالفة انظمة الإقامة والعمل) ويخضعهالمحاكمةمشتركة مع من استغلّها. وعليه، غالباً ما تُعامل الضحية كمشتبه فيها ومدعى عليها خلال مختلف مراحل التحقيق والمحاكمة، ما يفرض عليها الاستعانة بمحام بالرغم من التعرّف إليها كضحية محتملة.
– ثالثاً، أنالدراسة التي أعدّها فريق “المفكرة” بالتعاون مع منظمة “كفى” (2013) حول قضايا الدعارة قبل صدور قانون الإتجار بالبشر في العام 2011 رصدت حالات عديدة من ازدواجية التمثيل القانوني حيث تمثّلت المرأة المدعى عليها بممارسة الدعارة السريّة والمدعى عليه بتسّهيل الدعارة او الانتفاع من الدعارة من قبل محام واحد. كما أظهرتالدراسة التي أعدّتها “المفكرة” حول قضايا الإتجار بالبشر (2018) ضعف التمثيل القانوني لضحايا الإتجار بالبشر حيث لم يتبيّن وجود محامين للدفاع عن معظم الضحايا خلال محاكمتهم المشتركة مع من استغلهن. وقد رصدنا تمثيل ثلاث من الضحايا فقط بمحامين خلال مرحلة التحقيق الاستنطاقي أو المحاكمة. فضلاً عن ذلك، تمثلت الضحايا اللواتي ادعين في قضية شبكة “شي موريس” وضحية أخرى تقدمت بشكوى اغتصاب واستغلال ضد شريكها بمحامية من قبل منظمة “كفى.”
– رابعاً، تظهر أهمية إصدار هذا التعميم اليوم بشكل خاص بعد التعديل الذي طرأ على المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية في العام 2020 والذي نتج عنه تكريس حق المشتبه فيهم بالاستعانة بمحام خلال التحقيقات الأولية. وغالباً ما قد يتكفّل الطرف الأقوى اقتصادياً (أي المشتبه فيه بالاستغلال) بتغطية كلفة أتعاب المحامي نيابة عن الضحية، بخاصّة خلال فترة احتجازها، ما قد يؤدّي إلى تمثيل الضحية المحتملة من قبل محام يختاره المشتبه فيه باستغلالها مع ما ينتج عن هذا الأمر من تضارب في المصالح. وما يفاقهم من خطورة هذا الأمر، هو تأخّر نقابتيْ المحامين (وبخاصّة نقابة بيروت) عن تفعيل آلية استعانة المشتبه فيهم المحتجزين مجاناً بمحام مكّلف من قبل النقابة، وفقاً لما أظهرتهالورقةالبحثية التي أعدّتها “المفكّرة” (2022) حول العقبات التي تعيق تنفيذ هذا الحق. وتبعاً لهذا الواقع، تجد الضحية نفسها أمام خيارين ظالمين: إما انعدام التمثيل القانوني خلال التحقيق الأوّلي، وإما القبول بازدواجية التمثيل القانوني الذي لا ينصفها. وفيما يلغي التعميم الصادر عن نقيب المحامين الخيار الثاني، يبقى على عاتق النقابة تكثيف الجهود لاتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تفعيل حق الضحية بالحصول على المساعدة القانونية المجانية، لا سيما خلال مرحلة التحقيقات الأوّلية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.