كما جرت العادة منذ نحو ست سنوات، احتفلت العاملات في الخدمة المنزلية بعيد العمل من خلال مسيرة مطلبية حقوقية انطلقت في 3/5/2015 من أمام مركز الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان في منطقة وطى المصيطبة وصولاً الى شارع الحمراء وشعارها الأساس "الحق بانشاء نقابة للعاملات والغاء نظام الكفالة والظلم الناتج عنه" وذلك بمشاركة عدد من الجمعيات والناشطين في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني.
عند الساعة الحادية عشر صباحاً، تحركت مسيرة حاشدة ضمّت المئات من العاملات من جنسيات مختلفة، من أثيوبيا، بنغلادش، الفليبين، النيبال، كوت ديفوار، سريلانكا، لبنان وغيرهن. ارتدت بعضهن الزيّ التقليدي لبلادهن وآثرت أخريات أن يضعن علم "النقابة" وشاحا لهن. اما من احضرت طفلها معها فأصرت ان يحمل بيده علم بلده بالولادة لبنان.
الحماسة كانت بادية على وجوه المشاركات. فهذه السنة ليست كسابقاتها، فالآن بات لهن نقابة تدافع عنهن بعد سنوات من النضال والكفاح في وجه تغطرس أصحاب عمل بهجين بامتيازاتهم. وعلى الرغم من أن البعض يحاول انكار هذا الحق الذي لا منّة لأحد به عليهن، الاً ان هذا الأمر لم يمنعهن من السير في الشارع بخطوات ثابتة وهن يرفعن مطالبهن عالياً. فلا حاجة لاعتراف أحد ولا داعٍ لترخيص من أحد. فوجودهن بالمئات بل الآلآف في جميع المناسبات بدءا من اعلان قيام نقابتهن في 25 كانون الثاني 2015 مرورا بالثامن من آذار والإحتفال باليوم العالمي للمرأة وصولاً الى المسيرة الحاشدة التي يشاركن فيها هو خير اعتراف بالنقابة وأهميتها وما تمثله.
"كان لدينا هوية قبل أن نأتي اليكن"، "عاش أول أيار… عيد العمال العالمي"،"لا لنظام الكفالة، نعم لتطبيق قانون العمال اللبناني على العمال المهاجرين"، "نريد حقوقنا"، "أوقفوا العنصرية"، "عمل، مساواة، احترام"، "نريد حريتنا الكاملة"، "نعم للتصديق على الاتفاقيات الدولية 87 و 189"، " نطالب بالاعتراف بنقابة عاملات المنازل في لبنان"،"نريد الاعتراف بنا كعمال"، "ان حق التنظيم النقابي لجميع العمال أساس للعمل اللائق وطريق لتحقيق العدالة الإجتماعية"، "أوقفوا الإجرام بحقنا"، "نحن عمال ولسنا عبيدا"، هذه هي بعض الشعارات التي رُفعت طوال المسيرة التي امتدت من منطقة الكولا مروراً بكورنيش المزرعة وفردان وصولاً الى الحمرا منطقة الاحتفال الكبير. ورافق هذه الشعارات أعلام للدول التي تمثل بلاد العاملات يتقدمها العلم اللبناني. وطوال الطريق كانت صيحات المتظاهرات تعلو أمام المارّة والناس الذين وقفوا من على شرفات منازلهم يراقبون ما يحدث ويسمعون صرخة واحدة موحدة مدوية "liberté" او الحرية التي ترددت اصداؤها بلغات عدة. كما تضمنت المسيرة وصلات راقصة على أغاني شعبية قامت المشاركات بتردادها من مخزون بلادهن التراثي والثقافي.
المركز الرئيسي للاحتفال كان في كاراج للسيارات موجود عند الشارع الرئيس للحمرا، تم اعداده للمناسبة. فتحول من موقف للعموم الى معرضٍ ضم مجموعة من المنتجات الخاصة بكل دولة تمثل العاملات الأجنبيات، من الملبوسات الى الحلي والأقراط، والزينة الى شتى انواع الأطعمة والمشروبات كما جرى لمّ تبرعات مالية دعماً لضحايا الزلزال الأخير الذي ضرب النيبال. وقد وضع في وسط الكارج مسرح كبير شهد وصلات راقصة وعزفا من تراث البلدان المشاركة أشعل الحاضرين وخلق جواً من الفرح استمر الى اختتام اليوم الاحتفالي.
كما شهد المسرح تلاوة لكلمات عبرت عن مطالب كل عاملة موجودة في الساحة أو لم يتسنّ لها ذلك نتيجة عدم تمكنها من الخروج من مركز عملها للمشاركة بالاحتفال.
نحن عمال… لسنا عبيداً
وألقت كوثر عقيل وهي عاملة لبنانية كلمة بالنيابة عن العاملات باللغة العربية أعيد تردادها بلغات أخرى تعود لبلدان العاملات الاجنبيات، اعتبرن فيها "ان نقابة عاملات المنازل هي الخطوة الأولى لحل المشاكل والتحديات التي نواجهها كل يوم في أشغالنا، والنقابة هي الإطار الديمقراطي الوحيد الذي يسمح لنا بمناقشة أوضاعنا وأن نلاقي حلولاً جماعية لأوضاعنا الإجتماعية والإقتصادية".
أما مطالب عاملات المنازل من الحكومة اللبنانية فهي: احترام حق العاملات في تنظيم نقابة مثلما نصت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 ومطالبة الحكومة اللبنانية بالتصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 1989 الخاصة بعاملات المنازل وهذه الاتفاقية محورها مبدأ أساس الا وهو "نحن عاملات ولسنا عبيد". تضمين العمل المنزلي بأحكام قانون العمل اللبناني وبالتالي الاعتراف الرسمي والمباشر بحق التنظيم، الاعتراف لعاملات المنازل المهاجرات بحقوق العمل الأساسية مثل الحق بفسخ عقد العمل والحق بتغيير أصحاب العمل والحق بيوم عطلة خارج المنزل والحق بتحديد ساعات العمل والراحة،.تنظيم عملية استخدام وتوظيف عاملات المنازل المهاجرات وتشديد الرقابة عليها، ايجاد بديل عن رابط المسؤولية الحصرية التي تقيّد وجود عاملات المنازل المهاجرات القانوني وصاحب عمل واحد. التحقيق الجدي والتحقيق بحالات الاعتداء التي تبلغ عنها عاملات المنازل المهاجرات وحالات الانتحار والوفيات لأسباب غير طبيعية.
ومطالب العاملات هذه ليست تعجيزية وانما هي تكريس لأبسط حقوق الانسان بإحترام انسانيته. ولم يفت العاملات توجيه رسالة الى سفاراتهن بالقول:"تركنا بلدنا من جراء الفقر والتهميش وحتى لو دخلنا الى لبنان بصورة غير شرعية يجب ان تتحملوا مسؤوليتكم تجاهنا ومن غير المسموح ان تتركوا العاملات وحدهن والا تسألوا عنهن وهذا امر ما عاد مسموحاً".
أوقفوا الاتجار بالبشر
وفي حديث الى "المفكرة القانونية" اعتبر رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله ان"ميزة النهار الاحتفالي تكمن في الاختلاط الحاصل بين العمال والعاملات من مختلف الجنسيات بما فيها اللبنانية الذي يشير الى الوحدة بين العمال وتوحيد مطالبهم".
وأكد على "استمرار العمل مع جمعيات المجتمع المدني في موضوع حق النقابة وحمايتها ومن أجل التصديق على الاتفاقية 189 والاتفاقية 87 من اجل اعطائهم الحق بالتنظيم النقابي اضافة الى اعطائهم حقوقهم القانونية من الفرصة الى تطبيق قانون العمل او تامين مكان لائق للسكن واحترام حقوقهم الاقتصادية وغيرها".
ولفت الى ان"ما نبحث عنه هو قوننة هذا الموضوع والسماح للقانون بلعب دوره خاصة المؤسسة الوطنية للاستخدام، وذلك للحد من بعض مكاتب السمسرة والاتجار بالبشر التي يقع اللبنانيون والعاملات ضحية لها". ولفت الى ان الكثير من مكاتب استقدام العاملات الاجنبيات جرى اغلاقها في هذه الفترة بعد الشكاوى والتحركات التي تحصل وقال:"أن وزارة العمل في بياناتها تؤكد الظلم الواقع على العاملات وحقوقهن في حين ان وجود هؤلاء العاملات لدينا هي ضرورة اقتصادية. فلولا وجودهن، لما استطاعت نساء كثيرات الخروج الى سوق العمل وبالتالي فان وجود 254 الف عاملة منزل في لبنان للعمل يقابله عدد مماثل من السيدات العاملات".
تابع:"نحن اليوم نعتبر ان ما نقوم به هو انجاز، العاملات موجودين بالشارع يحتفلون في الاول من ايار وكل عام يرتفع العدد وانشاء الله العام القادم يكون العدد اكبر ونكون قد حصلنا على الترخيص من قبل وزارة العمل".
مؤكدا ان "الترخيص لنقابة العمال والعاملات في المنازل هو حق مشروع فيما الترخيص الحقيقي هو امر واقع على الارض بوجود العاملات يحتفلن ولكن نفضل ان تكون الامور اكثر ايجابية ونمد ايدينا لاي تفاوض".
وردا على سؤال عن عدم القيام بتحركات من اجل تغيير قانون العمل طالما ان وزارة العمل تبني اساس رفضها عليه اجاب:"هم يقولون ان قانون العمل لا يطبق على العاملات اذا لم يشغلون بالهم بنا؟ ولكن لان قانون العمل يطبق علينا فليتفضلوا ويقوموا بواجباتهم ويقوموا بتنظيم هذه المهنة ويدعوها تمارس عن طريق المؤسسة الوطنية للاستخدام وليس عن طريق وكالات الاتجار بالبشر وعندها سنرى نحن واياهم كيف نتساعد لحل هذه المشاكل".
نريد الحرية
بدورها النقابية "جيما" من فليبين رأت ان الاحتفال بعيد العمال يعني الكثير لها ولجميع عاملات المنازل اللواتي انتسبن الى النقابة وقالت:"في كانون الثاني 2015 السابق نشأت نقابة عمال وعاملات المنازل ونحن مستمرون بالعمل والسعي على جعل الحكومة اللبنانية تعترف بنا، فهذا واجبها طالما ان لبنان هو بلد ديقراطي وينادي بحرية التعبير وقد وقع على المواثيق والاتفاقيات الدولية".
مرّة جديدة أثبتت عاملات المنازل جدية مطلبهن واصرارهن على النقابة اللواتي قمن بتأسيسها، وهي تستمد شرعيتها من صرخات ملأت شوارع العاصمة مطالبة بالحرية ومن ضحايا التعذيب حتى الموت والانتحار اللواتي يسقطن يوميا، ما يناضلن من اجله هو حق لا ينتظر منّة من أحد