تنشر هنا المفكرة القانونية ورقة بحثيّة وإصلاحيّة أعدّها أساتذة في الجامعة اللبنانية وضمّنوا فيها ما يعتبرونه نظرة بديلة عن النظرة السائدة القائمة على التعامل مع الجامعة على أنها فضاء للتوظيف السياسي. وقد ضمنوا فيها ما اعتبروه قضايا وإشكالات بنيوية يدفع ثمنها المجتمع اللبناني بعامة، وطلاب الجامعة وأساتذتها بخاصّة، ليبادروا إلى تقديم الحلول الممكنة بالنسبة إلى كلّ منها وذلك ضمن أحد عشر محورا. وإذ تنشر المفكرة القانونية هذه الورقة على موقعها بالنظر إلى أهميتها، فهي تفتح صفحاتها لأي تعليق أو ملاحظة عليها، على أمل أن تكون هذه الورقة بداية ورشة إصلاحية طويلة الأمد للجامعة الوطنية.
(المحرر)
ولتلسيط البحث والنقاش في هذا المجال، بإمكان القارئ أن يراجع الملاحظات الواردة في كل من المحاور التي تضمّنتها الورقة وفق الآتي:
لم توضَعْ هذه الورقةُ بسببِ الوَضعِ الحالِيِّ للجامعةِ اللُّبنانيَّة بنتيجةِ الأزمةِ الاقتصاديَّة. لقد فاقمَتْ هذه الأزمةُ ما تُعانيهِ مالِيَّتُها وبِخاصَّةٍ ما يُعانيهِ أساتِذتُها ومُوظَّفوها مِنْ تدهورٍ مُريعٍ في مداخيلِهِم. لكنَّ هذا ليس ببَيتِ القصيد، فزيادةُ رواتبِ الهيئةِ التعليميَّةِ في العام 2017 مثلاً لم تُغيِّرْ في طبيعةِ المشكلة التي تطرحُها هذه الورقة. وبالتالي فإنَّ أيَّ حلٍّ سِحريٍّ للمشكلةِ الماليَّةِ الحاليَّة، سيُؤثِّر فقط في المواردِ ولن يُعالِجَ الأمورَ البُنيويَّةَ التي تراكمَتْ سابِقاً عبر عقودٍ مِنَ الزمن.
تتعاملُ الأحزابُ السياسيَّةُ الحاكِمةُ مع الجامعةِ اللُّبنانيَّةِ باعتِبارِها فضاءً للتوظيفِ السياسيّ، إنْ في نشرِ القِيَمِ والمَعارفِ الخاصَّةِ بها أو في تعيينِ الأتباعِ واستخدامِهِم في الاِنتِخابات والتَّعييناتِ وتوزيعِ المكاسِب، إلخ. هذه النظرة هي ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ بالنظرةِ “الأولى”. وتُعتَبَر مواقفُ رابطةِ الأساتذةِ المتفرِّغينَ وتحرُّكاتُها (بياناتٌ وإضراباتٌ)، منذ العام 1998، الوجهَ الثّاني لهذِهِ النظرةِ نفسِها، لِجهةِ الاِقتِصارِ على “المطالب”، وعلى الكلامِ اللًّفظِيّ عن استقلالِيَّةِ الجامعة، ولِجِهَةِ تمثيلِ معظمِ أعضائِها للأحزابِ السياسيَّةِ الحاكِمَة.
هذا هو مغزى عنوانِ هذه الورقة “نظرةٌ ثانيةٌ في الجامعةِ اللُّبنانيَّة”. إنَّها في الواقع نظرةٌ بديلة. فالورقةُ تُحاوِل الكشفَ عمّا يجري سِترُه فيها من قضايا بنيويَّة، تُثمِرُ عند الأحزاب السياسيَّة، ويدفعُ ثمنَها المجتمعُ اللُّبنانيُّ بِعامَّةٍ، وطلّابُ الجامعةِ وأساتِذتُها بخاصَّةٍ. وتُحاول في الوقت نفسِه تقديمَ البدائلِ الممكنةِ في كلِّ واحدٍ مِن المحاورِ الَّتي تُعالِجُها.
لا بدَّ مِن الإشارة إلى أنَّ ما تقولُه الورقةُ عن الجامعة لا ينطبق على جميع الكلِّيّاتِ بالدرجةِ نفسِها، وعلى جميع أفرادِ الهيئةِ التعليميَّة، لكنَّ المناخَ العام للجامعةِ يُؤثِّر في جميعِ الكلِّيّاتِ وعلى جميعِ الأساتذةِ بصورةٍ أو بِأخرى.
طبعاً يُمثِّلُ هذا النصُّ أعضاءَ المجوعةِ الَّذين كتبوه، لكنَّه يُمثِّلُ أيضاً شريحةً واسعةً من أفراد الهيئةِ التعليميَّةِ ومِن طلّابِ الجامعة. وهو ليس موجَّهاً للحكومة (وما تضمُّه من أحزابٍ سياسيَّة) التي لا ثِقةَ لنا بها، بلْ هُوَ مُوجَّهٌ للزملاءِ وللطلّاب، وللرأي العام، مساهمةً من المجموعةِ في تداولِ شؤونِ الجامعة، باعتبار أنها جامعتُنا العامَّة التي أُنشِئت مِنْ أجلِ المصلحةِ العامَّةِ.
يتناول هذا النص 11 محورا: 1) الحوكمة، 2) تطبيق القانون وثقافة القانون، 3) الحريات الأكاديمية، 4) المجمعات الجامعية، 5) الإدارة العامة، 6) الإدارة المالية، 7) الهيئة التعليمية، 8) البنى البحثية، 9) المناهج وطرق التعليم، 10) الأخلاق المهنية، 11) الرؤية والرسالة.
مجموعة العمل: عدنان الأمين، آمال خروبي، عزة سليمان، فداء بوحيدر، وفاء نون (أساتذة في الجامعة اللبنانية).
19 أيار، 2023
أوَّلا: يسود في الجامعة نموذجُ الحوكمة السياسيَّة
تحكم تعيينَ الرئيسِ والعُمداء والمُديرين اعتباراتٌ سياسيَّة. صحيحٌ أنَّه يتِمُّ ترشيحُهُم مِن قِبَل الأساتذةِ والمجالسِ (مجلسُ الكليَّةِ ومجلس الجامعة)، لكنَّ هذه الترشيحاتِ تضبطُها ضغوطُ المكاتب التربويَّةِ للأحزابِ السياسيَّة الحاكمة، وهذه المكاتبُ تتَّفِق على توزيع المناصبِ في ما بينها. وقد شاءتْ التوازناتُ السياسيّةُ أنْ يكونَ رؤساءُ الجامعة تابعينَ لِجهةٍ سياسيَّةٍ واحدةٍ منذ ثلاثين سنة. مِن جهةٍ أخرى تفرض الأنظمةُ المعمولُ بها أنْ يقومَ الرئيسُ بتوقيعِ جميع المعاملاتِ الَّتي تحتاج إلى مصادقةٍ رسميَّة. وقد أدّى ذلك إلى ضعف التدقيق في المعاملات وإلى فتح البابِ واسعاً أمامَ العَبَثِ فيها تقديماً، أو تأخيراً، أو تعديلاً، أو تجميداً، تِبعاً للضغوطِ السياسيَّةِ والاعتباراتِ البيروقراطيَّةِ وظروفِ الرئيس الشخصيَّة.
2. مجلس الجامعة يُشبِه الحكومة. يتكوَّنُ مجلسُ الجامعة من عمداءِ الكلِّيّاتِ والمعاهد ومفوضي الحكومة المُعيَّنين جميعهم على قاعدةٍ سياسيَّةٍ ومِن ممثِّلين عن الهيئة التعليميَّة في هذه الكلِّيّات والمعاهد، يعكسون في معظمِهِم الخريطةَ السياسيَّةَ نفسَها. لذلك تتحوَّلُ اجتماعاتُ مجلس الجامعة إلى ما يُشبه اجتماعات الحكومة، بما فيها من تحالفاتٍ سياسيَّةٍ ووضعِ فيتو وثلثٍ معطِّلٍ وتعطيل المجلس لمُددٍ زمنيَّة. ثمَّ أنَّ المجلس يبحث أموراً متعدِّدة جدّاً تغلبُ عليها القضايا الإجرائيَّةُ والفرديَّةُ على حساب القضايا التنظيميَّة والعامَّة. والقضايا الإجرائيَّةُ هي مادَّةٌ دسمَةٌ لتبادلِ المنافعِ بين أعضاءِ المجلس فوقَ الطاولةِ وتحتها. وإذا لم تنجح المحاصصةُ يحصلُ التعطيلُ أو توضَعُ الملفّاتُ الخِلافيَّةُ سياسيّاً جانِباً.
3. مجالس الكلِّيّات ساحات نفوذ. يتكوَّن مجلس الكلِّيَّة من مُديري الفروعِ وممثِّلي الأساتذة المنتَخبين في معظمِهِم على قاعدةٍ سياسيَّة، يضاف إليهم مدير مركز الأبحاث إن وُجد ويعينه العميد. مِمّا يجعل هذه المجالس شبيهة في عملها بعمل مجلس الجامعة.
4. مديرو فروعٍ في خدمة المكاتب التربويَّة. يُشكِّلُ استحداثُ مناصبِ مديري الفروع بفعلِ الحرب ونظام المحاصصةِ السياسيّة صِلةَ الوصلِ المباشرة مع المكاتبِ التربويَّةِ للأحزابِ التي أصبحت تتحكَّم بالقراراتِ الأكاديميَّةِ والإداريَّة. وتُتَّخذُ قراراتُ التشعيبِ وتوزيع الأنصبةِ وترشيح أساتذةٍ جُدُد واختيارهم بالتنسيقِ المباشر بين المدير والمكتبِ التربويّ الذي يخضع له الفرع.
5. تهميش رؤساء الأقسام. يتمّ انتخابُهم من قِبَل زملائِهِم، لكنَّهم لا يُشاركِون في مجلس الكلِّيَّة، وتنحصر صلاحيّاتُهم بتقديم الاقتراحات، الَّتي يتحكَّم بمصيرها مديرُ الفرع، ومِن ورائِهِ المكاتبُ التربويَّة للأحزاب السياسيَّة.
6.اِنتخاب ممثِّلي الأساتذة في المجالس وترشيحُهم للعمداء تحكمه الضغوطُ السياسيَّة. وتتجسَّد هذه الضغوطُ في تحكُّم المكاتبِ التربويَّةِ للأحزاب السياسيَّة في القرارات التي تُتَّخَذُ على مستوى الكلِّيَّةِ أو الجامعة في شؤون الأساتذة ومصالحِهِم كالتعاقدِ بالسّاعةِ والتعاقدِ بالتفرُّغِ والدخولِ في الملاك، وفي تسريع المعاملاتِ التي تُرفَع إلى العمادةِ ورئاسةِ الجامعة وتأخيرها. أمّا على مستوى الفرع، فتتجسَّدُ في طريقة التعامل مع المعاملات من جهةٍ وفي توزيع المنافع من جهةٍ ثانية (حصصُ مراقبة، تصحيحٌ ثانٍ، لجانٌ مدفوعة، تغطية الغياب عن العمل، توزيعُ ساعات العمل، إلخ…). تكسب المكاتبُ من هذه الضغوط وَلاء في الانتخابات والترشيحات، ويكسبُ الأساتذة الموالون تجنُّبا للعراقيل وفرصاً للحصول على المزيد من المنافع بما في ذلك التغطية على المخالفات.
7. انتخاباتُ رابطةِ الأساتذةِ المتفرِّغين تخضعُ أيضاً للمحاصصة السياسيَّة. بدأ ذلك منذ انتخاب أعضاءِ الهيئةِ التنفيذيَّة للرابطة لدورة 1998-2000 حيث فاز ممثِّلو الأحزاب السياسيَّة الحاكمة وجرى تهميشُ اليساريين والمستقِلّين. وما زال الوضعُ على هذه الحال حتى يومنا هذا، ويجري تداول رئاسة الرابطة على قاعدة الهويَّة الطائفيَّة.
8. ممثِّلو الطلّاب في الفروع يُكمِلون خريطة الحوكمة السياسيَّة للجامعة. فقد اختفى اتِّحادُ طلّاب الجامعة اللُّبنانيّة مع إنشاء الفروع. واعتُمِدَت قاعدةُ انتخاب مجلس طلابي لكلِّ فرع. وبطبيعة الحال أخذ كلُّ مجلسِ فرعٍ المَلمحَ السياسيَّ للفرع. ومع إيقاف العمل رسميّاً بهذه الانتخابات اعتُمِدَت قاعدة الوراثة السياسيّة، أي أنّ الذين يتخرَّجون يحلُّ محلَّهم طلّابٌ مِن الحزب نفسه. كما جرى تكريسُ دور هذه المجالس في تقديم خدمات ماديَّة (مثلُ الطباعةِ والتصوير، دورات تقويَة إلخ…) بأسعارٍ مدعومة من الأحزاب التي يُمثِّلونها، وبحيث يُصبح الطلّابُ مدينينَ لزملائِهِم في الانتخابات. ويقوم ممثِّلو الطلّابِ أيضاً بالتواصل مباشرةً مع الأساتذة والإداريين في علاقةٍ نديَّةٍ تُخرِّب العلاقة المهنيَّة والأكاديميَّة بين الاثنين وتُؤدّي إلى المحسوبيَّةِ في الكثير من الأحيان.
9. اللُّجوءُ المكثَّف إلى الأحزاب السياسيَّة، في “مساعدة” الجامعة. وهذا يحصل في كلِّ فرعٍ على حِدَة أو في الجامعةِ ككلٍّ، بنتيجة الأزمة الاقتصاديَّة التي تعصِف بلبنان. ويتداول الأساتذةُ أفكاراً مِثلَ إنشاءِ صندوق دعمٍ للجامعةِ تُموِّلُهُ الأحزابُ السياسيّة، وتجري لقاءاتٌ في الفروع يحضرها مندوبو الأحزابِ السياسيَّة من أجل توفير الموارد والدَّعم، إلخ.
الاقتراح: حوكمة أكاديميَّة- تسييرِيَّة
10. في تعيين رئيس الجامعة: يُشكِّل وزيرُ الوصاية لجنةَ ترشيحٍ تتكوَّن مِن ثلاثةِ أساتذةٍ في الجامعة وشخصيَّتين من خارجِها، برتبة أستاذ، قبلَ سنةٍ من انتهاء ولاية الرئيس. تُعلِن اللَّجنةُ مواعيدَ الترشيح وشروطَهُ، ومنها مثلاً أنْ لا يكونَ حِكراً على طائفةٍ معيَّنةٍ، على أنْ يُقدِّمَ المرشَّحُ برنامجاً يتضمَّن تشخيصاً لقضايا الجامعةِ وعناوينَ لتطويرِها، وأنه سوف يعملُ على تطبيقها. وتقومُ اللَّجنةُ بدراسةِ الملفّات، وتصطفي منها الملفّاتِ الأكثرَ تماسكاً وصدقيَّةً وأقواها حُجَّةً. وتُعلِن أسماءَ هؤلاء كمرشَّحين. وتقوم إدارةُ الجامعة بتنظيمِ عمليَّةِ الاقتراع طبقا للنظام المقرر، وتُعلِنُ نتائجَها على الملأ. وترفعُ النتائجَ إلى مجلسِ الوزراء، مع الأصواتِ التي نالها كلُّ مرشَّحٍ بالترتيبِ مِنَ الأعلى إلى الأدنى.
11. في تعيين العمداء: يُشكِّل الرئيسُ لجنةً من ثلاثة أشخاص من غير المرشَّحين في الجامعة إضافةً إلى شخصيَّةٍ من خارج الجامعة ذاتِ علاقةٍ بتخصُّص الكلِّيَّة. وتتَّبع اللَّجنة الترتيباتِ نفسَها المقترحَة في انتخاب الرئيس. ويجري تعيينُ كلِّ عميدٍ على حِدَة وليس عن طريق السَّلَّة.
12. في عمل مجلس الجامعة: إعطاءُ الأولويَّةِ في عمل مجلس الجامعة للشؤون التنظيميَّةِ والاستراتيجيَّة، أي إنتاجُ نصوصِ السياساتِ والأنظمةِ والخُططِ وتعديلُها. وهذا يشمل الأنظمةَ الداخليَّةَ وأنظمةَ تقييم البُحوثِ وتقييمَ الأساتذةِ والطلّابِ والموظَّفين والأخلاق المهنية في الجامعة، ويِشملُ أصولَ رفع المعاملاتِ ومتابعتِها وأنظمةَ التدقيقِ والتوثيقِ والأرشفةِ والموازنة السنويَّة والتقريرَ السنويَّ للرئيس، ويشملُ برامجَ التعاون الثقافيّ والعلميّ وخططَ التطوير وغيرها الكثير. هذه النصوصُ تُصبِح “الكتابَ” الذي يقرأ فيه الجميعُ، من إداريين وهيئةٍ تعليميَّةٍ ومسؤولين، وهي التي تُعتَمَد في التدقيق والمحاسبة. وبالتالي تُترَك المعاملاتُ الفرديَّة، بعد إقرارها على مستوى الكلِّيَّة إلى الجهات الإداريَّة المختصَّة مِن دونِ حاجة إلى إضاعةِ وقتِ مجلس الجامعة فيها.
13. في عمل مجلس الكلِّيَّة: يبحث مجلسُ الكليَّةِ في جميع قضايا الكليَّة، الإجرائيَّة والتنظيميَّة، وتكون له سلطةُ القرار في عددٍ من الأمور وسلطةُ الاقتراحِ في أمورٍ أخرى، وتُعلَن هذه الحدودُ في نظامٍ يوضَع ويُقَرُّ على مستوى مجلس الجامعة.
14. في عمل القسم: يبحثُ مجلسُ القسم في الأمور التي تخصُّه، ويُعطى أيضاً صلاحيَّةَ القرار في عددٍ منها بحسب النظام الذي يقرُّه مجلسُ الجامعة. وتكون للقسم ميزانيّةٌ وجهازٌ إداريٌّ مساعِد، وخطَّةٌ سنويَّةٌ وتقريرٌ سنويٌّ منشورٌ على غرار مجلسِ الكليَّة ومجلسِ الجامعة. ويفسح إلغاءُ منصبِ مديرِ فرعٍ المجالَ لأنْ ينضمَّ رؤساءُ الأقسام المُنتَخبين إلى مجلس الكليّة والمشاركة في اتخاذ القرارات.
15. تحريرُ أفراد الهيئة التعليميَّة من ضغوط الأحزاب السياسيَّة: هذا لن يحصلَ إلّا عند توافرِ شروطٍ تتطرق الورقةُ لها في أكثر من فقرة. هنا نتوقف عند شرطين متكامِلين: الأوَّلُ إلغاءُ وظيفةِ مدير فرع وإعادةُ الاعتبارِ إلى القسم، لجهةِ دورِه ومكانتِه في مجلس الكليَّة. والثاني، التوقُّفُ عن التعاقدِ بالسّاعةِ والتفرُّغِ والدخولِ في الملاك عن طريقِ السلَّة في مجلس الوزراء، وإعادة الأمور إلى طبيعتِها باعتبارِها شؤوناً روتينيّةً سنويَّةً فرديَّةً تعني كلَّ قسمٍ على حِدَة، ولا صِلَةَ بين التفرُّغ في كليّةِ التربية مثلاً والتَّفرُّغ في كليّة العلوم، لا في العدد ولا في الوقت ولا في التوزيع الطائفيّ. لا أحدَ غير القسم على الإطلاق يحقُّ له أنْ يُرشِّحَ أيَّ شخصٍ أو يُعيِّنَ أيَّ شخصٍ ويفرضه عليه مِن علٍ. تقع على عاتقِ الجهاتِ الأعلى في الجامعة مسؤوليَّةُ التدقيقِ، ومن ثم القبول أو الرفض، مع تسويغ القرار في الحالتين. ومن باب المساءلة أيضا يحق للحكومة أن تسائل الجامعة عما تقوم به لكن لا يحق لها أن تأخذ عنها قراراتها. ويكون على مجلس الجامعة أن يضعَ نظاماً لأصولِ التعاقدِ مع أفرادِ الهيئةِ التعليميَّةِ بكلِّ صُوَرِه وترتيباته، يكون دليلَ الجميع في اتخاذ القرارات وفي المساءلة.
ثانيا: تطويعُ القانون وضعف ثقافة القانون
16. شرّع القانونُ 66 للعام 2009، نظامَ الحوكمةِ السياسيَّة في الجامعة ما بعد اتِّفاق الطائف. كرَّس هذا القانون الفروعَ كقاعدةٍ للترشيحات والانتخابات والتعيينات في جميع مناصب اتخاذ القرارات والهيئات التمثيليَّة وهمَّش الأقسامَ الأكاديميَّة. وكان القرارُ رقم 42 (1997) قبلهُ قد أطلق هذه الشرعنةَ عندما نقل صلاحيَّةَ اختيارِ الأساتذةِ للتعاقد بالتفرُّغ من القسمِ إلى الحكومة، أي إلى الأحزاب السياسيَّة.
17. ترافق ذلك مع قِدَمِ النصوصِ ومع تعديلاتٍ متتابِعَة تفتقِد إلى التناغم في ما بينها. لكنْ في الحالتيْن، في حالةِ وجودِ نصوصٍ أو في غيابِها، فإنَّ إدارةَ شؤونِ الجامعة تقوم على التعسُّف. ويظهرُ ذلك في أمورٍ عديدةٍ نذكر منها: إجراءُ عقودِ المصالحةِ للتعاقد مع الأساتذة والمدرِّبين وعدمُ وجودِ قاعدةٍ واضحةٍ وعادلةٍ لدفع مستحقّاتِهم، ومنعُ الأساتذةِ من التصريح والكتابة في الصحف، ومنعُ تأسيسِ أنديةٍ، ورفضُ الكشفِ عن معلوماتٍ خاصَّةٍ بالجامعة، وتوقيعُ عقودٍ استشاريَّةٍ لا تدخلُ في موازنة الجامعة (صفقةُ مختبر بي سي آر في كليَّةِ العلوم)، وتشكيلُ ما عُرِف بمجلس العمداء، ووقفُ الانتخابات الطلّابيَّة منذ العام 2008. بل وصَل الأمرُ إلى قيام بعضِ الرؤساء والعمداء بإصدار قراراتٍ بصيغةِ تعاميم تصعبُ عمليّةُ إبطالِها أمامَ المراجع الإداريَّة (التعميمُ رقم 3 المتعلِّقُ بالميثاقيَّةِ داخلَ الجامعة)، أو إصدارُ قراراتٍ شفهيَّةٍ وتعميمُها من خلال الواتس-أب بصورة لا تسمح بملاحقةِ الإدارةِ قضائيّاً، وإلزامُ الأساتذة على وقف الإضراب بوسائلَ متعدِّدةٍ واعتبارُ المقرّراتِ ملكاً للجامعة بما يسمح للعمداءِ من إجراء الامتحانات والتصحيح مِنْ قِبَل أساتذة بديلين، كما جرى في بداية العام الحالي، والإعلانُ عن التعليم الحضوريِّ الإلزاميّ في ظروفٍ اقتصاديَّةٍ صعبة، ثمّ تهديدُ بعضِ غيرِ الملتزمين والتغاضي عن آخرين تِبعاً لتوازن القوى السياسيَّة والمصالح، إلخ.
18. أساس هذا التعسُّفِ يكمن في الغيابُ التامُّ لثقافةِ القانونِ في الممارسةِ اليوميَّة في الجامعة، بل تحوَّلت الأحكامُ التعسفيَّةُ إلى قواعدَ معتمَدَة يجري التعاملُ معها في الوعي العامِّ الجمعِيِّ لدى الأساتذة والطلّابِ والإداريين كأنَّها القوانينُ الحاكمة. والقاعدةُ الوحيدةُ في هذه القواعد هي مشيئةُ الرئيس أو العميد أو المدير وبطانة كلٍّ منهم.
19. لا توجد أنظمة رقابة وتدقيق ولجان مراجعة قانونيَّة، بما يُجسِّد حكمَ القانون وثقافته. عمليّاً تسير المعاملاتُ والاقتراحاتُ على قاعدة التسلسلِ الإداريِّ مترافقةً مع اتصالاتٍ شخصيَّةٍ وشفهيَّة، مِن دون المرور في لجانٍ ومجالسَ قانونيَّة تُدقِّق فيها استناداً إلى معاييرَ وأنظمةٍ مقرَّرة. وتُشكَّل اللِّجانُ وتتمّ التكليفاتُ وتؤخذُ القراراتُ في أغلبِ الأحيان على قاعدةِ المصالح وليس على قاعدةِ “تضارب المصالح”. ويشيعُ تطويعُ القانون، وغضُّ النظرِ والملاحقةِ ليس على أساس القانون، بل على أساس المصالح. وتجري حماية المخالفات في تطبيق القانون أو في تطبيق المعايير (الأكاديميَّة والإداريَّة والماليَّة، إلخ) من قِبَل المرجعيّاتِ السياسيَّة داخل الجامعة وخارجها. وتتبخَّر بالتالي مفاعيلُ محاولاتِ الكشف عن المخالفات، بل تجري أحياناً ملاحقةُ الكاشفين لها على قاعدة أنَّهم هم المرتكِبون. أساسا تعمل الحوكمة السياسية كبيئة حاضنة للفساد، ولمنع تنفيذ القانون.
20. انعِدامُ الشفافيَّة الضروريَّة للمحاسبة. فهناك صعوبةٌ كبيرةٌ في الوصول إلى المعلومات. في الشؤون الماليَّة تقتصر المعلومات على حجم الإنفاق وكيفيَّتِه، لكن لا توجد أيُّ مؤشِّراتٍ وتحليلاتٍ ماليَّة تُقارِن بين الوحدات الجامعيَّة. كما لا توجد معلوماتٌ محدثة ومنشورة حول الطلّاب لجهةِ توزيعِهِم وتدفُّقِهِم من سنة إلى سنة وعن الطلّاب الجُدُد والتاركين والمتخرِّجين، وغيرها من الأمور اللازمة لفهم أحوال الجامعة وتطوُّرها. ويصحُّ الأمرُ نفسُه على أفراد الهيئتين التعليميَّة والإداريَّة.
الاقتراح: إرساء حكم القانون وثقافة القانون
21. تعديل قانون الجامعة اللُّبنانيَّة على ضوء موجبات هذه الرؤية
22. وضع معايير وأنظمة للشؤون الأكاديميَّةِ كافّةً وتطبيقها، وهذا يشملُ: تشكيلَ اللِّجان، اختيارَ الرئيس والعمداء، عملَ المجالس، اختيارَ أفرادِ الهيئةِ التعليميَّة والموظَّفين والتِّقنِيّين، إلخ. ويِشملُ أيضاً إتاحةَ النصوصِ على موقعِ الجامعة الإلكترونيّ.
23. تفعيلُ الرقابة والمحاسبة من خلال ما يلي: 1) التدقيقُ الدّاخِليّ والتدقيق الخارجيّ اللَّذان يضمنانِ كشفَ المخالفاتِ إذا حصلتْ توافقِيّاً أو باعتماد طرق الفساد المتعدِّدة. 2) المحاسبةُ القانونيّةُ المرتبطةُ بالقضاء بصلاحيّاتِهِ المختلفة (وفصلُ المصالحِ بين مستشاري الجامعة والقضاةِ في مجلس الشورى، وبين القضاء والعقود النفعية المختلفة داخل الجامعة) 3) المحاسبةُ الأخلاقيَّةُ من خلال ضغطِ المجتمع المدنيّ والإعلام بتسليطِ الضوءِ على المخالفات الأخلاقيَّةِ إنْ لم يمنعْها القانونُ صراحةً وكانت الجامعةُ نظراً لدورها ملزمةً باحترامِها أخلاقيّاً، 4) إنشاءُ آليّاتٍ للشكوى والمراجعة على مستوى الجامعة وعلى مستوى الكليّات والأقسام.
24. ضمانُ حقِّ أيِّ طرفٍ في الوصولِ إلى المعلوماتِ: مِنْ خلال نشرِهامِن دونِ تأخُّرٍ على الصفحة الإلكترونيَّة، على أنْ تتضمَّنَ تلك المتعلِّقة بمواصفاتِ الأشخاصِ وكفاءاتِهِم مِن متولّي المراكزِ الإداريَّة والأكاديميَّة، أو بالإنفاقِ الماليّ، والاستثماراتِ والمناقصات، أو بالدورِ الأكاديميِّ والمعلوماتِ المتعلِّقةِ بأعدادِ الطلابِ والعاملين والأساتذةِ والإداريين، وآليَّةِ اختيارِهِم التي يُفترَض أنْ تحتَرِمَ مبدأَ المساواةِ وتكافُؤِ الفُرَص واحترام القوانين، والتي تسمحُ لكلِّ متضرِّرٍ مِنْ إمكانيَّة المراجعة والطَّعْن.
ثالثا: حريّاتٌ أكاديميَّة “مغشوشة”
25. يتمتَّعُ أساتذةُ الجامعة اللُّبنانيّة بحريَّةِ التأليف والنشر مِن دون قيودٍ وإكراهات، بخلاف ما يحصل في معظم الجامعات الحكوميَّة العربيَّة. وهم يكتبون بحريَّةٍ أيضاً في شؤونِ جامعتِهِم، بخلاف ما يحصل في الجامعاتِ الخاصَّةِ في لبنان. وتُعزى حرية النشر عندهم إلى السِّياق العامِّ (حريَّةُ الإعلام في لبنان، وحريَّة تشكيل المنظَّمات والأحزاب إلخ). أمّا حرية الكتابةِ المتعلِّقةِ بجامعتِهِم، فسببُها انتماءُ الجامعة إلى الحقل العامِّ، الذي يحق لجميع المواطنين طرح قضاياه. أما الجامعاتُ الخاصّةُ فهِي أقربُ إلى “الملكيّات الخاصَّة”، حيث يتجنَّب أساتِذتُها التعرُّضَ لجامعاتِهِم علَناً، خشيةَ العِقابِ (الاستغناءُ عن خدماتِهِم)، كما يتجنّبُ مَن هم خارجَ هذه الجامعاتِ الكلام النقديِّ عنها بذريعةِ أنَّها “ملكيّةٌ خاصّةٌ”. عِلماً بأنَّه لا توجد غالبا روابط تمثيليَّة للأساتذة في الجامعات الخاصَّة، ولا توجد رابطةٌ لجميعِ الأساتذةِ الجامعيّين في لبنان لكي تدافِعَ عنهم.وفي سياق الحريّاتِ الأكاديميَّةِ التي يحميها القانونُ في الجامعة اللُّبنانيّة، نُشِرت أعمالٌ رائدة في الجامعة، وتمكَّنت المجموعةُ الحاليَّةُ من وضع هذه الورقة ومناقشتِها ونشرِها.
26. لكنْ كما أنَّ تعيينَ القيادات الجامعيَّة يقوم على الانتخاب والترشيح، وكما أنَّ الأساتذةَ لهم تنظيمُهُم النقابي، وكما أنه في الحالتين تتمّ الممارسةُ في سياق الحوكمة السياسيَّة (كما ورد أعلاه) فإنَّ الحرِّيّاتِ الأكاديميَّة التي يعيشها أهلُ الجامعة اللُّبنانيّة هي في الأغلب الأعمِّ أقربُ إلى أنْ تكونَ “مغشوشةً” (بالسياسة). يتَّخِذ ذلك أحياناً شكلَ الانحيازِ السياسيِّ أو الأيديولوجيِّ في التعليم والكتابة، أو شكلَ الرقابة الذاتيَّة بالامتناع عن الغوص في الأمور العامَّةِ تجنُّباً لاستنفار أصحاب النفوذ. أي يتمُّ “غشّ” الحريَّة الأكاديميَّة عند الكثيرين بالأيديولوجيا والمصلحة. وهذا يترافق مع ضعف المعايير الأكاديميَّة، بل تكون هذه المعاييرُ ضحيَّةَ الضغوطِ السياسيَّةِ في حقلَيِ البحثِ والتعليمِ وفي حقلِ النشاطِ العامِّ داخلَ الجامعة وخارجها.
27. وتهيمن على بعض المجمَّعات جماعاتٌ وأحزابٌ سياسيَّةٌ طائفيَّةٌ تقوم بمنع الأنشطة والتجمعات وإنشاء النوادي التي لا تتَّفِق معها وتتحجج بعدم وجود نصوص تسمح بإقامة هذه النوادي والأنشطة، فيما تنظم هذه الجماعات والأحزاب في الفروعِ والكلِّيّاتِ احتفالاتٍ سياسيّةً وتمارس طقوساً مذهبيَّةً وتوظيفاً أيديولوجيّاً، دون حاجة الى وجود هذه النصوص.
الاقتراح: ترسيخ الحريّات الأكاديميّة على قاعدة المعايير الأكاديميَّة
28. تقع على عاتق الأساتذة أنفسِهِم مهمَّةُ التغيير: تغيير الواقع الذي تحوَّلتْ إليه رابطةُ الأساتذةِ المتفرِّغينَ منذ أواخر التسعينيّات. ومِن أبرز التحوُّلاتِ المطلوبة أنْ تكونَ الرابطةُ هي صوتُ المعاييرِ الأكاديميَّةِ في مواجهة التسييس، وهي الدِّفاعُ الفعليُّ (وليس اللَّفظِيّ) عن الاستقلاليَّة الأكاديميَّة الجامعيّة وفعاليَّتها.
29. وضع “مدوّنات” للأخلاق المهنيّة (في التعليم) والبحثيَّة والإداريَّة والتمثيليَّة، تُجسِّد التمسُّكَ بالحرِّيّاتِ الأكاديميَّةِ على قاعدة الالتزام بالأصول الأكاديميَّة، ونقد الشعبويَّة.
30. ضمان حرِّيَّة الأساتذة في تشكيل جمعيّاتٍ والانضمام إليها، وفي حرِّيَّةِ النشر وحقِّ تنظيمِ شكاوى بحقِّ مَنْ يُمارِس التهديدَ عليهم.
31. إحياء الاتحاد الوطنيّ لطلّاب الجامعة اللُّبنانيَّة: وهذا يتمّ عن طريق إصدار نظامٍ جديدٍ يقوم على انتخاباتٍ على أساس الكلِّيَّة كما هي الحال في رابطة الأساتذة المتفرِّغين، وليس على أساس الفرع.
رابعاً: جامعة مشتَّتة
32. أُنشِئتْ فروعُ الجامعة اللُّبنانيَّة في العام 1977، من أجل تجنيبِ الطلّابِ والأساتذةِ والموظَّفين مخاطرَ الانتقالِ بين بيروتَ الغربيَّةِ وبيروتَ الشرقيَّة في ظروفِ الحرب الأهليَّة ووجود خطوط تماسٍ بين المنطقتين. كذلك فعلتْ وزاراتٌ وإداراتٌ عامَّةٌ وشركاتٌ وجامعاتٌ خاصَّة. ومع زوال الأسباب بعد نهايةِ الحرب عادت معظمُ هذه المؤسَّسات إلى وضعِها السّابق. أمّا في الجامعة اللُّبنانيّة فقد برز دفاعٌ سياسيٌّ قويٌّ عن وجود الفروع الثانية، عِلماً بأنَّ التقاربَ الجغرافيَّ بين الفروع الأولى والثانية (بضع كيلومترات) لا يستدعي بقاءها. لكنَّ غلبة الاعتبارِ السياسيِّ على المعيارَيْن الأكاديميّ والاجتماعيّ سبَّب بقاءَ الفروع والتوسُّعَ لاحقاً في التفريع، والتمسك بها من قبل جميع الأحزاب الحاكمة. وقد ترك ذلك آثاراً بليغة على الجامعة.
33. أثّر إنشاءُ الفروع سلباً علىالنوعيَّة. فقد شكَّل استحداثُ وظيفةِ “مدير فرع” باباً لممارسةِ النفوذِ للجماعاتِ والأحزابِ السياسيَّةِ في كلِّ منطقة، وباباً للزبائنيَّةِ في التعاقد مع الأساتذة وقبول الطلّاب وتوفير الخدمات. وأضعف هذا المنصبُ دورَ الأقسام الأكاديميَّة التي لم يَعُدْ لها وجودٌ في مجلس الكليَّة. من ناحية ثانية أدّى الاستعجالُ في إنشاء الفروع، وفي تكاثُرِها مع الوقت حتى وصل اليومَ إلى 68 فرعاً وشعبة، مع محدوديَّةِ الموارد، إلى رداءة التقديماتِ التربويَّة (مِنْ مكتباتٍ ومختبراتٍ، وقاعاتٍ وخدماتٍ عامَّة، إلخ)، وخفّض ما يسمى بالرأسمال الثقافي للمؤسسة. وبدلا من أن تكون الجامعة حضنا لأبناء الفقراء لتزيد من رأسمالهم الثقافي فإنّها تقدم لهم تعليما فقيرا يقيّد حراكهم الاجتماعي.
34. إنشاءُ الفروعِ أثَّر أيضا فيالمُناخ الاجتماعي للجامعة. تمثَّل ذلك في انعدام الاختلاطِ بين المكوِّنات السكّانيَّةِ وبخاصَّةٍ في بيروتَ الكبرى، حيث تحوَّلت الفروعُ إلى بُؤرٍ سياسيَّةٍ طائفيَّة، هنا مسلمون وهناك مسيحيّون، أساتذةً وطلّاباً وموظَّفين. ويقوم هذا الإقصاءُ الاجتماعيُّ بدورٍ معاكسٍ لِما يجب أنْ تكونَ عليه الجامعةُ العامَّة، كفضاءٍ يُفترَضُ أنْ يكونَ جامعاً، يتفاعل فيه الطلابُ والأساتذةُ من سائر المناطق والانتماءاتِ والاتِّجاهات. وبدلا من أن يكون التكوين الجامعي فرصة لزيادة الرأسمال الاجتماعي للطلبة، من خلال الاختلاط الاجتماعي، يكون تفريع الجامعة قد ساهم في إعادة المتخرجين إلى أحضان بيئاتهم الأوّلية، وخدمَ حالةَ التفكُّكِ السياسيّ للمجتمع اللُّبنانيّ ككلّ.
35. وأدّى إنشاءُ الفروعِ وتشتُّتُ الجامعةِ على قاعدةِ جيو-سياسيّة إلى إعاقة التفاعل بين الأكاديميّين فيها، حتى ما بين أعضاءِ قسمٍ معيَّنٍ وكليَّةٍ معيَّنة، وإلى غياب اللِّقاءاتِ والنشاطاتِ داخلَ الكليَّةِ نفسِها إلّا استثناءً في مناسباتٍ سنويَّة. وقد أدّى ذلك طبعاً إلى تشويه تطبيق نظام (LMD).
الاقتراح: إقامةُ مجمَّعاتٍ حاضنة للاندماج الاجتماعي والتفاعل المعرفي
36. إلغاءُ الفروع، وإقامةُ مجمَّعاتٍ جامِعيَّة كاملة في المدن الكبرى اللُّبنانيَّة: كلُّ مجمَّعٍ يضمُّ ما يلزم مِن الكلِّيّاتِ والاختصاصات، طبقاً للحاجة واستناداً إلى دراساتٍ جدوى. ويضمُّ كلُّ مجمَّعٍ مراكزَ بحثِيَّة ومختبراتٍ ومساكنَ لطلّابِها وأساتذتِها، ومكتبةً حديثة، ومرافقَ فنِّيَّةً ورياضيّةً أسوةً بما تقوم به الدول الراقية في مجمَّعاتِها الجامعيَّة، مِمّا يُسهِّل لطلّاب الأرياف وللإناث بِخاصَّةٍ ارتيادَ الجامعة في مناخ صحِّيٍّ من الناحية الأكاديميَّة. وتُؤمِّن هذه المجمَّعاتُ التفاعلَ بين مختلفِ الشرائحِ الاجتماعيَّة، ليُؤدِّيَ هذا التفاعلُ مستقبلاً إلى إزالةِ الحواجزِ النفسيَّةِ بينهم، وإلى تحقيقِ الاندماجِ الاجتماعيِّ بين اللُّبنانيّين عموماً وفي صفوفِ النُّخَبِ التي تُكوِّنها الجامعة خصوصاً. يُمكِن إنشاءُ مجمَّعٍ في كلِّ محافظة، أمّا في بيروتَ الكبرى فيُمكِنُ إنشاءُ مجمَّعَيْن متكامِلَيْن، في الحدث وفي الفنار (بحيث تكون كلِّيّاتُ كلِّ مجمَّع غيرَ كليّاتِ المجمَّع الثاني). والمجمَّعاتُ هذه ليست بجامعاتٍ بل هي تابعةٌ لجامعةٍ عامَّةٍ واحدةٍ (اللُّبنانيّة). وتوضَع للجامعةِ هيكليَّةٌ تنظيميَّة تُوفِّر في الوقت نفسِه وحدَةَ الجامعة، ومرونةَ اتخاذ القراراتِ على مستوى الكلِّيّات في المجمَّعات.
خامساً: إدارةٌ عامة عتيقةٌ (شخصيَّة، وَرَقِيَّة، إلخ)
37. تقوم الإدارةُ على أساليبَ تقليديَّة. ثمةنُظُمٌ ومعلوماتٌ منفصلة وغيرُ متجانِسَة ومعاملاتٌ ورقيَّةٌ وتواصل وتبادلُ معلومات غير رسميّ عبر وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ. تصدر جميعُ التبليغاتِ والمذكَّراتِ ورقيّاً (في الفرع والعمادة والرئاسة). وكان يتمُّ إعلانُها سابقاً على الحائطِ أمّا اليوم فصارت تُصوَّر وتُرسَل إلى مجموعاتِ الأساتذةِ والطلاب عبر الواتساب. ولا يُعتَرَف بالمراسلات والملفّات الإلكترونيَّة والإمضاء الإلكترونيّ على المعاملات إلّا في حالاتٍ نادرةٍ ومتقطِّعة. فيضطرّ الأساتذةُ والطلّابُ إلى الحضور شخصيّاً لتسجيل المعاملاتِ ورقيّاً في القلم بالتسلسل الهرميّ.
38. يتكبّد الطلّاب وأهاليهم عناءَ التواصل شخصيّاً مع المُديرين والموظَّفين، مباشرةً أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ (فيسبوك، واتساب…) للحصول على معلوماتٍ قد تكون غيرَ دقيقة لا بل متضاربة. وهم ملزمون في معظم الأحيان بالحضور شخصيّاً والانتظار أمام مكاتب الموظَّفين ومجالس الطلّاب لمعرفة الإجراءات وتتبُّع معاملاتهم الإداريَّة والأكاديميَّة واستحقاقات التسجيل واختيار موادهِم وجداول البرامج والامتحانات والنتائج والحصول على المطبوعات الخاصَّة بالامتحانات والمقرَّرات والنتائج المتعلقة بمستحقي السكن الجامعيّ، الخ.
39. يُعاني الأساتذةُ من صعوبةِ الوصول إلى معلوماتٍ تخصُّ الإجراءاتِ والقوانينَ الواجِبَ اتِّباعُها لتقديم طلباتِ الترفيع والمعايير المتَّبعَة في الترقِيَة والتقييم وكذلك طلبات الترشُّح لمختلفِ المناصبِ واللِّجان والانتخابات. فهي غيرُ متوافرةٍ إلكترونيّاً إلّا في حالاتٍ نادرةٍ وهم مضطرّون كما الطلّاب للاتِّصال التلفونيّ ولِلحضور شخصيّاً إلى الفروع والكلِّيّات والإدارة المركزيَّة لتتبُّع معاملاتِهِم الإداريَّةِ والمهنِيَّةِ والماليَّة.
40. في كلِّ استحقاقِ تفرُّغٍ للأساتذة المتعاقدين بالسّاعة ولطالبي الملاك يتمّ تقاذُفُ التقصير في رفع الملفّات بين الفرع والكلِّيَّة والإدارة المركزيَّة والوزارة، نتيجة عدم اتِّباع نظام تتبُّع الموارد البشريّة منذ ترشُّحِهِم وحتى نهاية خدماتهم.
41. ترتبط المعاملاتُ الإداريَّةُ والأكاديميَّةُ والماليَّة بوجودِ أشخاصٍ معيَّنين، بحيث يكونُ إنتاجُ المعلومةِ ونشرُها مرتبطَيْن بأجهزتهم وبرامجهم الخاصَّة (excel) والتي تختلف من فرع إلى آخر. وفي حال تغيُّبِهم، تتعرقل المعاملاتُ ويقف تدفُّقُ المعلومات داخلَ الفروعِ والكلِّيّات وبين أقسام الجامعةِ والإدارةِ المركزيَّة.
42. تفتقر الجامعة إلى المنصّاتِ العلميَّةِ والموارد الإلكترونيَّة. باستثناء فترة الكورونا حيثُ تمَّ استخدامُ ميكروسوفت تيم، لا توجد منصَّةٌ حيث يستطيع الأساتذةُ تخزينَ الموادِّ التعليميَّة، والطلابُ وضعَ بحوثِهِم وفروضِهم. وباستثناءِ قِلَّةٍ تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يُفضِّل كثيرون اعتمادَ مجموعاتِ الواتساب للتواصل أو مجالس الطلّاب لمشاطرة الموارد التعليميَّة. ولا شك أنَّ استخدامَ الواتساب يُؤثِّر في طبيعةِ العلاقةِ المهنيَّةِ بين الطالب والأستاذ.
43.هناك تفاوتٌ واضحٌ بين الكلِّيّات والفروع في استخدام تكنولوجيا الاتصالات. باستثناء ثلاثِ كلِّيّات طوّرت منصّاتٍ خاصَّة ويُمكِنُ متابعتُها من خلال بوّابَةِ الجامعة، لا يُمكِن الحصولُ على أيِّ بياناتٍ أخرى تتعلَّق بالباحثين في الكلِّيّات الأخرى ومنشوراتِهِم. وهذه المنصّاتُ لا تَعتمِد المعاييرَ الشكليَّةَ نفسَها التي تُسهِّل المقارنةَ في ما بينها. كما لا يُمكِن للطلبة الاطِّلاعُ على السِّيَر الذاتيَّةِ للأساتذة-الباحثين والمُشرفين وعلى محاور بحوثِهِم إلخ.
44. تفتقر الجامعةُ إلى نظامٍ واحدٍ وفعّالٍ ومُرقمَنٍ للتوثيق والأرشفة والمكتبات. كما تفتقر إلى الموارد الماليَّةِ والبشريَّةِ والعلاقاتِ العامَّةِ الَّتي تُسهِّلُ على أهلِ الجامعةِ الوصولَ إلى الوثائقِ والمراجعِ بصورةٍ فعّالة. كذلك لا تُوفِّر المكتبةُ المركزيَّةُ روابطَ كافِيَة لتصفُّح قواعد معلوماتٍ أكاديميَّة لبنانيَّة وعربيَّة ودوليَّة.
الاقتراح: رقمنة كاملة للعمليّات الإداريَّة
45.تحوُّلٌ رقميٌّ من خلال تطوير أنظمة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والاتِّصالات لتتلاءم مع متطلِّبات العصر والأجيال الشابَّة المعتادة على المرونة والاتصال وسرعة الوصول إلى المعلومات.
46.اعتماد الإدارة الرقمية في جميع شؤون الجامعة الماليَّةِ والإداريَّةِ والأكاديميَّةِ والتوثيقية، بما يضمن اتخاذ القرارات على أساس المعرفة (knowledge-based decisions) وسرعة الإنجاز على جميع المستويات (الإدارة المركزية والكليات)، وبما يوفر قاعدة بيانات عن الجامعة وإتاحتها بشفافية، ويسمح بوضع تقارير دورية وصفية وتحليلية عن الجامعة، ويسهل التواصل بين أهل الجامعة جميعا، ويحسن العمليات التعليمية، حضوريا وافتراضيا (أون لاين).
47.تمكينُ الطلّاب من الولوج عبر بوّابة الجامعة الموحَّدة للكلِّيّات والفروع والاختصاصاتِ كافّةً بغية الحصولِ على معلوماتٍ محدَّثةٍ ومؤكَّدةٍ، وبغية اتِّباعِ الإجراءاتِ وتنفيذِها، وهذا يشملُ:
دراسةَ الطلّاب، بما في ذلك علاماتُهُم، اختيارُ الموادِّ مِن خلال التوصيفِ المعلَنِ عنه، اختيارُ موضوعاتِ البُحوثِ، الاتِّصالُ بالمُشرف، تدريبُهم، إلخ.
تحسينَ جاذبيَّةِ الاختصاصاتِ ورصد انخراطِ الطلّابِ المِهنيّ مِن خلالِ الاستقصاءِ عن الخرّيجين القُدامى والجُدُدِ ووضع مؤشِّرٍ للتكاملِ المهنِيّ.
48. تحسينُ عمليّات إدارة الموارد البشريَّة وتطويرُ أدواتِ صنع القرار عَبر:
إثراءِ أدواتِ إدارة المواردِ البشريَّةِ في الإدارةِ المركزيَّةِ لتحسين إدارةِ معلوماتِ الأساتذة والموظَّفين وتطوير نظام المعلومات بما يضمنُ الاتِّساقَ وتبادلَ معلوماتِ الموارد البشريَّة بين الكلِّيّاتِ والإدارة المركزيَّةِ والحكومةِ وأصحابِ المصلحةِ كافّةً (هيئات مهنية، جامعاتٌ أخرى، مراكزُ بُحوثٍ، هيئاتُ تقييم إلخ…). كما عَبر إثراءِ هذا النظام بوظائفَ جديدةٍ كإجراءاتِ تقييمٍ وترقِيَة الأساتذة وتوسيعِها للحصول على معلوماتٍ وإدارةِ الباحثين والاستمرار في بناء أدواتِ المعلومات والمراقبة والتحليل لضمانِ التكامل، والتوظيفِ، والإدارةِ المهنيَّة وتنقُّلِ الباحثين، إلخ. في مجالِ البحثِ والابتكارِ وفي علاقةٍ مع مختلف الأطراف المعنِيَّة.
تجريدُ تبادُل البيانات عن الأشخاص، ورقمنتُها مع توفير الأمن الرقميّ عبر تجهيز منصّاتٍ آمنة لتبادُلِ البيانات المتعلِّقة بالتقييم والملفّات وبتطوير أدواتِ الإدارة الإلكترونيَّة وضمانِ أفضل حمايةٍ للبيانات والتطبيقات التي يستخدمها الأساتذةُ والطلّابُ والموظَّفون لتفادي أيّ تسريباتٍ للمعلوماتِ المصنَّفةِ ولأزماتٍ معلوماتيَّة.
49. تطوير الجامعة الرقميّة من حيث التعليم والبحث والابتكار:
تعميمُ مِساحات العمل الرقميّة (Moodle, etc.) والبُنى التحتيَّة لنشر مواردَ تعليميَّةٍ عالية الجودة وتدريب الأساتذة على استخدامِها بفعاليَّة للتقييم وتلقّي بحوثِ الطلبَة.
تطويرُ برامجَ وتطبيقاتٍ ومنصّاتٍ متجانسة في جميع الكلِّيّات لإدارةِ البحثِ وأنشطةِ المختبراتِ تهدفُ إلى مراقبةِ نشاطِ الوحداتِ البحثيَّةِ ومواردِها داخلَ الجامعة وذلك بتوفير معلوماتٍ عن الباحثين (سِيَرهُم الذاتيَّة) وأنشطتِهِم العلميَّةِ والمواردِ الماليَّة ومشاركاتِهِم في المؤتمرات ونشاطاتِهِم. واتِّباعُ نهجٍ منسَّقٍ على مستوى الجامعةِ لأرشفةِ الإنتاجِ العِلميِّ وإيداعِ المنشوراتِ العلميَّةِ وعناوين المجلّاتِ وتصنيفها. والعمل على تبادلِ الخبراتِ بين مختلف الوحداتِ في مجال استخدامات التكنولوجيا وتدريبِ المعنِيّين لتقبُّلِها.
تطويرُ نظامِ التوثيق والإتاحة والتصفُّح، لجميع الطلّابِ والأساتذةِ في الجامعة. ويجبُ أنْ يضمَّ هذا النظامُ جميعَ رسائلِ الماجستيرِ والدِّكتوراه المُقدَّمَة في الجامعة، والمجلّات الصادرة عنها والكتب والتقارير التي تنشرُها. هذا فضلاً عن إتاحةِ قواعدِ المعلوماتِ اللُّبنانيَّة والعربيَّة والعالميَّة وبخاصَّةٍ تلك التي تخزنُ وثائقَ ودراساتٍ وتقاريرَ ودوريّاتٍ في المجالاتِ كافّة.
سادساً: سوء إدارة الشؤون الماليَّة
50. قِلَّةُ الموارد. كان رقمُ موازناتِ الجامعةِ اللُّبنانيَّة يُساوي تقريباً 250 مليون دولار في السنة في الأعوام الأخيرة ما قبل الأزمة. فاذا كانَ عددُ طلّابِ الجامعة اللبنانيَّة 80 ألف طالبٍ وطالبة (في العام 2019-2020)، تكون تكلِفةُ الطالب الواحد 3,125 دولاراً. في ذلك الوقت كانت موازنةُ الجامعة الأميركيَّة في بيروتَ مثلاً حوالي 425 مليون دولار وهي كانت تضمُّ حوالي 8,600 طالب، أي بتكلفةِ 49 ألف دولار للطالب الواحد. لاحقاً بعد الأزمة الاقتصاديَّة صار الوضعُ مأساويّاً. في شهر تشرين الأوَّلِ/ أكتوبر 2022، كانت اللّيرة اللُّبنانيّة قد انخفضت 26.7 ضعفاً (40 ألف ليرة للدولار الواحد) عمّا كانت عليه في العام 2019. فتكون قيمةُ الموازنةِ قد أصبحت 9 ملايين دولار، وهبطت تكلفةُ الطالِب إلى 112.5 دولارا في السنة. حتى لو ارتفعت الموازنة إلى 1,300 مليار ليرة (موازنة 2022)، أي ثلاثة أضعاف، فإنّ هذه الزيادة بعيدةٌ جدّاً عن الهبوطِ 26.7 ضعفاً. وحين إعداد النسخة الأخيرة من هذه الورقة (شهر أيار 2023) كان الدولارُ قد وصل إلى 95 ألف ليرة (أي بهبوط 63.3 ضعفاً).
51. حصريَّةُ الموارد. ذلك أنَّ حوالي 90 في المئة مِن موارد الجامعة مصدرُها واحدٌ: ما تُخصِّصُه لها الحكومةُ في الموازنة العامَّة للدولة. وهذا يُقيِّد حركتَها ويمنعُها مِن التصرُّف ومِن حلِّ المشكلاتِ المستجدَّة، كما هي الحال مع الأزمة الاقتصاديَّة الأخيرة. وعلى سبيل المقارنة فقد تمكَّنت الجامعاتُ الخاصَّةُ مِن التعامل مع الأزمة الاقتصاديَّة التي يعيشها لبنان من خلال التفتيش عن بدائلَ متعدِّدةٍ لتوفير المداخيلِ بما في ذلك زيادة رسوم تسجيل الطلّاب.
52. سوء إدارة العقود الاستشاريَّة والاستثماريَّة. تسمح الأنظمةُ المعمولُ بها في الجامعة بإجراءِ عقودٍ استشاريَّةٍ خارجيَّة. عمليّاً لا تصلُ حصَّةُ مواردِ الجامعة من هذه العقود إلى 1% من مجموع الموازنة، على الرّغم مِنْ أنّ الجامعةَ اللُّبنانيَّة تضمُّ أكبرَ عددٍ مِنَ الاختصاصاتِ مقارنةً مع جميع مؤسَّسات التعليمِ العالي الأخرى، أي أنّه بإمكانِها تقديمُ خدماتٍ استشاريَّةٍ لا حدودَ لها في لبنانَ والخارج. ثمَّ أنّ العقودَ الخارجيَّة تنفَّذ بطريقةٍ تفقِدُها جدواها لجهةِ تحصيل مواردَ إضافيَّة للجامعة. والسلوكُ السائدُ أنْ يعقِد مسؤولٌ فيها (رئيس، عميد كلِّيَّة) عقداً مع جهةٍ خارجيَّة، ويكون التنفيذُ وتوزيعُ الإنفاقِ على عاتقِهِ الشخصيّ، وفي نهاية المطاف يقبضُ مَن يقبض أمّا الجامعة كمؤسَّسة فلا يصلُها إلّا ما تشاء الصدَفُ أو الترتيباتُ التي تُجرى تحت الطاولة. وقد صدر تقريرُ ديوان المحاسبة يُؤكِّدُ ذلك في عقود الفحوصات المخبريَّة بي سي آر.
53. الإنفاقُ على قاعدة توزيع الغنائم. طريقةُ إنفاقِ عائداتِ العقودِ الخارجيَّة هي مثالٌ على ذلك. لكنَّ الموضوعَ أكبرُ من ذلك بكثير. فهو يشمل التلزيماتِ والمشترياتِ، ويشمل عقودَ “المدرِّبين” وعقودَ “المصالحة”، وعقودَ التدريس بالسّاعة، إلخ. وقد أسهم قرارُ وقفِ التوظيفِ بفتح أبوابٍ واسعةٍ وابتكارات في توزيع العقود على قاعدة الغنيمة، صعوداً من الشُعَبِ إلى الفروع إلى الكلِّيّات فإلى الإدارة المركزيَّة. وشكَّلت مراكزُ النفوذِ السياسيّ في الجامعة بما في ذلك دوائرُ الإدارة المركزيَّة نقاطَ ضبطٍ وحمايةٍ لتوزيع الغنائم. في هذا الوقت ترسَّخت في الجامعة تدابيرُ حوَّلت ما يتقاضاه الأساتذةُ من حقوقٍ إلى مغانم. فبدلاً مِن زيادة الرواتب والأجور على قاعدة حقوق الأساتذة في العيش الكريم والإنتاجيَّةِ الأكاديميَّة، فُتِحَت أبوابٌ لزيادة مداخيلِهِم عبر تعويضاتِ مقابلَ مراقبةِ الامتحاناتِ وتصحيحِ المسابقاتِ والمشاركةِ في لجانِ مناقشةِ الماجستيرِ والدكتوراه وعبر مشروعاتِ تخرُّجِ الإجازة في بعض الكلِّيّات، وغيرها من الأعمال التي تقع أصلاً في صلب عمل الأستاذ مقابلَ راتِبِه. هذا النمطُ مِن التدابير يُوسِّع الإنفاقَ إلى ما لا نهاية وبصورةٍ اعتباطيَّةٍ مِنْ جهةٍ ويُخضِع الأساتذةَ للتدابير الاعتباطيَّةِ ويُفسِدُ الحياةَ الأكاديميَّةَ مِنْ جهةٍ ثانية. وضمن النمطِ نفسِهِ يقع الإنفاقُ على الأبنيةِ المستأجَرة وملحقاتِها هنا وهناك. ويُصبِح فتحُ الشُّعَبِ والفروع مناسبةً لتوزيع المغانمِ في اتِّجاهاتٍ عدَّة. وفي هذا الباب يقع أيضا ما يسمى “المنح التعليمية” التي تُعطى للأساتذة تعويضا عن الأقساط المدرسية التي يدفعونها لتعليم أبنائهم وبناتهم في الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية. ثم أن هذا التدبير القديم الذي يسكت عنه الجميع يرسل رسالة في غاية الضرر للجامعة وأهلها: “نحن لا نعلم أولادنا في جامعتنا، بل نرسلهم الى جامعات نثق بها”.
54. إدارةٌ دفتريَّة للشؤون الماليَّة. ثمَّةَ برمجيّاتٌ للمحاسبة وإدارةِ الشؤون الماليَّةِ مُستخدمَةٌ في الجامعة، إنَّما بصورةٍ غيرِ مترابطةٍ ومنفصلةٍ بعضها عن بعضِها الآخر. وهذا ما يترك المجالَ واسعاً لممارسةٍ ماليَّةٍ هجينةٍ بين ما هو ورقيٌّ وما هو رقميّ، وبصورةٍ لا يُمكِن معها تتبُّعُ الرابط بينها إلّا بالطرق الشخصيَّة، التي تحكمُها الشبكاتُ السياسيَّة. وهذا كلُّه يمنع المحاسبةَ ويقضي على الشفافيَّةِ الماليَّة. وتترسَّخ هذه الممارساتُ مع غيابِ أيِّ تدقيقٍ ماليّ خارجيٍّ أو داخليٍّ في الجامعة.
الاقتراح: إدارةٌ ماليَّةٌ فعّالة
55. استقلاليَّةُ الجامعة في إدارةِ شؤونِها الماليَّةِ عملاَ باستقلاليَّةِ الجامعةِ الأكاديميَّةِ والإداريَّة والماليَّة التي ينصّ عليها. القانون.
56. زيادةُ الموارد، يجبُ أنْ لا تقلَّ تكلفةُ الطالب في الجامعة اللُّبنانيَّة عن 4 آلاف دولارٍ أميركيّ، أو 320 مليون دولار كموازنة سنويَّة، وأنْ يوضَعَ في الأفُق هدفُ 8 آلاف دولار للطالب.
57.تنويعُ الموارد، يُقتَرح أنْ تكونَ للجامعةِ مواردُها الخاصَّة. وتشمل هذه الموارد:
الاستشاراتِ الخارجيَّةَ والخدماتِ، بما يتناسبُ مع الخبرات التي تضمُّها في العديد من المجالات.
الاستثماراتِ، أي استغلال بعض ممتلكاتها بصورة مدرَّة للعوائد، بما في ذلك إنشاء وقفيّات.
المنحَ البحثيّة الكبرى، من الحكومة اللُّبنانيّة ومن المنظَّمات الدوليَّة.
الهباتِ والتبرُّعاتِ غيرُ المشروطة، وبخاصَّةٍ من الخرّيجين.
رسومَ تسجيل الطلّاب في برامجَ تعليميَّةٍ خاصَّة.
58.ترشيدُ إدارة الموارد، يُقتَرحُ:
وضعُ نظامٍ يضبط آليّاتِ جمعِ المواردِ المتأتِّيَةِ مِن خارج مخصَّصاتِ الجامعةِ في الموازنةِ العامَّةِ للدولة.
تحديدُ حصَّةٍ للجامعةِ في موازنةِ كلِّ مشروعٍ خارجيٍّ تُقتَطعُ منه فورَ البدءِ بتنفيذِهِ تُضافُ إليها المخصَّصاتُ التي لم تُنفَقْ بعدَ الانتهاءِ من المشروع.
بناءُ رواتبِ الهيئةِ التعليميَّةِ، ورواتب الموظَّفين على أساس الاستِحقاق، وليس على أساس المطالِب، أي بما يتناسبُ مع مكانةِ الأستاذِ الجامعيِّ ودورِهِ في المجتمع وتفرُّغِهِ للعمل الأكاديميِّ في الجامعة، وبما يُعطي وظيفةَ أستاذٍ في الجامعة اللُّبنانيَّة جاذبيَّةً وقدرةً على التنافس مع الجامعات الخاصَّة.
إلغاءُ جميعِ أنواعِ الإنفاقِ على أعمالِ الأساتذةِ التي تُشكِّلُ جزءاً لا يتجزّأ مِنْ عملِهِم (تعليمٌ، تقييمٌ، بحوثٌ، إشرافٌ، إلخ)
توضيحُ الحالاتِ التي تسمحُ للأستاذ بالحصول على مداخيلَ إضافيَّة، وهي تقع عادةً خارجَ العملِ الروتينيّ، كالمشاركةِ في مشروعاتٍ مدِرَّةٍ للمواردِ في الجامعة.
إعفاءُ الأساتذةِ الّذين يحصلون على مِنَحٍ بحثِيَّةٍ مِنْ عدَدٍ من ساعات العمل مقابلَ حصولِ الجامعةِ مِن هذه المنح ما يكفي لتوفير أساتذةٍ بديلين، ويشملُ ذلك تفرُّغَ الأستاذ للبحثِ بصورةٍ كاملةٍ إذا كانت المنحةُ البحثيَّةُ التي توافرتْ له تُغطّي راتبَهُ فيستمرّ بالمقابل بقبضِ راتبِهِ كالمعتاد.
60. مكننة الشؤون الماليَّة والتدقيقُ فيها، يُقتَرحُ:
التحويلُ الكاملُ لهذه الشؤون إلى عمليّاتٍ رقميَّة.
اعتمادُ برمجيَّةٍ للمحاسبةِ وللتحليلِ الماليّ تسمح للإداراتِ المعنيَّةِ ولمُتَّخِذي القراراتِ بمتابعةِ جميعِ العمليّاتِ في كامل مساراتِها واتِّخاذ القراراتِ بشأنِها بصورةٍ شفّافةٍ ومقروءةٍ من قِبَل سائِرِ المعنيّين.
وضعُ نظامٍ فعّالٍ للتدقيق الماليّ الداخليّ والتعاقد مع شركةٍ خارجيَّةٍ للتدقيق في ماليَّةِ الجامعة.
اشتمالُ التقرير السنويّ للجامعة على ملاحقَ ماليَّةٍ بما في ذلك تقاريرُ التدقيقِ الداخليّ والتدقيقُ الخارجيّ. وإتاحة هذه التقارير أمام الأكاديميّين والسلطاتِ والجهاتِ المعنِيَّة.
إصدارُ تقريرٍ إحصائيٍّ تحليليّ سنويّ عن الشؤون الماليَّة في الجامعة (مداخيل، تكلفة، نفقات، إلخ)
نشرُ موازنةِ الجامعة بالتفصيل على صفحةِ الجامعةِ وتبيانُ توزيعِها على الكلِّيّاتِ والمعاهِدِ والفروع كافّة.
61. التعيينُ والتعاقُد على قاعدةِ المصالح. يشيعُ اختيارُ أساتذةٍ مِن غير الاختصاصاتِ الأساسيَّةِ في الكلِّيَّة، ومِن أساتذةٍ يحملون اختصاصاتٍ معاكسة، كتكليف خرّيجي مؤسَّسات دينيّة بتعليمِ الفلسفة، وآخرين معادين فكريّاً لمضامين المقرَّرات (كأنْ يُعلِّم الفكرَ النسويَّ شخصٌ مناهِضٌ للفكر النسويّ)، أو تعليم مفاهيم سوسيولوجيّة من منظورٍ دينيّ، إلخ، وتعيينُ حملةِ شهاداتِ دكتوراة من أنظمةٍ تربويَّةٍ غيرِ موثوقة، وتكليف أساتذةٍ بموادّ من غير اختصاصِهِم أو استناداً إلى “خبرةٍ” ما مِنْ دونِ خلفيَّةٍ أكاديميَّة (كأنْ يُعلِّم النظريّاتِ الإداريَّة مَن كان مديراً، وهو غيرُ متخصِّصٍ في الإدارة)، إلخ.
تقومُ هذه الممارساتُ على تهميش المعايير الأكاديميَّة المتعارَفِ عليها. وهذا التهميشُ ناجمٌ عن غلبة المعايير السياسيَّة وتوزيع الحصص في التعيين (المصالح والنزعات الأيديولوجيَّة)، وعن الطريقة المعتمدة والجهات التي تتَّخِذ القراراتِ المتعلِّقة بتعيين أفرادِ الهيئة التعليميَّة في الجامعة. وبالنتيجة يتحوَّل التعليمُ الجامعيُّ أحياناً إلى تنشئةٍ أيديولوجيَّة، وفي كلِّ الأحوال يُؤدّي ذلك إلى تردٍّ متراكمٍ لنوعيَّةِ التعليم الَّذي يتلقّاه الطلّاب.
62. نظام رُتب فريدِ في العالم. الرُّتَبُ المعمولُ بها حاليّاً بموجبِ قانونِ الجامعة هي ثلاثٌ: معيدٌ، أستاذٌ مساعدٌ، أستاذٌ. وهو ترتيبٌ يعود إلى سبعينيّات القرن الماضي عندما كان يوجد نوعان من الدكتوراه في فرنسا (حلقة ثالثة ودكتوراه دولة). وقد ألغت فرنسا هذا الترتيب واعتمدت دكتوراه واحدة، وهي تعادل الـ PhD الأميركيّة. لكنَّ قانون الجامعة الذي عُدِّل في العام 2009 لم يُجرِ أيَّ تعديلٍ بهذا الخصوص. لذلك فإنَّ الممارسةَ اليومَ تقومُ على منحِ حاملِ الدكتوراه رتبةَ أستاذٍ مساعدٍ (بعد سنتين زمنيتين) مِن دون بحوثٍ. عمليّاً يدخل حاملُ الدكتوراه في منتصف السلَّم مباشرةً، ويبقى عليه أن يُجرِيَ خمسةَ بحوثٍ فقط خلال خمسِ سنوات كحدٍّ أدنى. هكذا تجري الأمورُ وكأنّ هناك رتبتين علميَّتين في الجامعة. وهذا نظامٌ فريدٌ من نوعه في العالم، أدّى إلى تكاثُرِ حَمَلَة رُتبةِ أستاذٍ بذخيرةٍ علميَّةٍ متواضعة.
63. تقييم البُحوثِ على قاعدة المصالح. تقوم الممارساتُ السائدةُ في الجامعة على قرار يتَّخِذه العميدُ بتكليف مراجعَيْن لبحوثِ الأستاذ صاحبِ الطلب. كما تقوم الممارساتُ ثانياً على اختيار المراجعين مِن بين زملاء الأستاذ في القسم أو الفرع ومن داخل الجامعة. وهي تقوم ثالثاً على بقاء اسمِ المؤلِّف ظاهِراً. وتقوم رابعاً على تسرُّب المعلوماتِ عن المراجعين إلى صاحب العلاقة، وتقوم خامساً على استخدام مصطلح “أصيل” للحُكْم على البحث سلباً أو إيجاباً، والتعبيرُ يُفهَم بطرقٍ مختلفةٍ مِن قِبَل المُراجعين، كذلك تُقيِّم “أبحاثاً” أحياناً كتبٌ “جامعيَّة” (تُستَخدَم في التعليم) ومقالاتٌ منشورةٌ في الصحف، وأوراقٌ غيرُ منشورةٍ أصلاً، ومقالاتٌ منشورةٌ في مجلّاتٍ “يطبخُها” أشخاصٌ على سبيل البيزنَسْ، إلخ. وكلُّ هذه الممارسات تتعارضُ مع المعايير الأكاديميَّة ومع مبدأ تضارُب المصالح وتفضي عمليّاً إلى شخصنة المراجعة وإلى ممارسة الضغوط والضغوط المضادَّة وراءَ الكواليس لمصلحةِ الأستاذ أو لإلحاق الضرر به، على حساب الاعتبارات الأكاديميَّةِ ونوعيَّةِ البحث. خلاصةُ الوضع أنَّ المعمولَ به عمليّاً يقوم على الاِستِنسابِ والشخصنة والمصالح، ضمن مُناخٍ تُسيطرُ فيه وتُعشِّش الحوكمة السياسيَّة في الجامعة، ما يُفضي إلى إعادة إنتاج هذه الحوكمة والتردّي المتفاقم للنوعيَّة.
الاقتراح: إقامة التقاليد الأكاديميَّة العالمية
64. اعتمادُ المعايير الأكاديميَّة، في التعيين والتعاقد:
اختيارُ الأساتذة وتكليفهم بالمهمّات على أساس اختصاصاتهم، ونوعيَّة شهاداتهم من جهةٍ وعلى أساس حاجة القسم إليهِم.
آليّاتٌ شفّافةٌ في الاختيار، والمنافسة واختيار الأفضل، وعلى تقييم الأداء.
القسم الأكاديميّ هو الَّذي يُعلِن عن الحاجات ويتلقّى الترشيحاتِ ويفحص الملفّاتِ ويُجري المقابلاتِ ويُقرِّر، وهو يتحمَّل مسؤوليَّةَ قراراتِهِ أمامَ السلطاتِ الأعلى منه.
تقوم العمادة (ثمّ رئاسة الجامعة) بالموافقة على ما يقترحه القسمُ أو برفضٍ معلَّلٍ له، بالنسبة إلى الإعلان عن الوظائف الشاغرة أو بالنسبة إلى نتيجة الاختيار. وعلى أساس الموافقة تُتَّخَذ التدابير الإداريَّة والماليَّة، وفي حال الرفض يُعيدُ القسمُ العمليَّةَ من جديدٍ لكن لا يحقُّ لأحدٍ أخذَ هذه الصلاحيَّة منه ولا اختيارَ أو تعيينَ أشخاصٍ مِن خارجِ ما يقترحُهُ القسم.
لا يوجد تدرُّجٌ آليٌّ بين التعاقُد بالسّاعة والتعاقد بالتفرُّغ والدخول إلى المَلاك، أي أنَّ الانتقالَ من وضعيَّةٍ (statut) إلى وضعيَّةٍ ثانيةٍ ليس آليّاً أو بناءً على عدد السنوات. كلُّ وضعيَّةٍ لها شروطُها في الترشُّح والقُبول.
65. تعديلُ نظامِ الرُّتَب: إلغاءُ الترتيبِ المعمول به حاليّاً واستبدالُهُ بنظام الرُّتَبِ الثلاثِ المعروفة عالميّاً: أستاذٌ مساعِدٌ، أستاذٌ مُشارِكٌ، أستاذٌ: يُصنَّف كلُّ حاملِ دكتوراه جديد في رُتبَةِ أستاذٍ مساعِد، ويُجري خمسةَ بحوثٍ كحدٍّ أدنى خلال خمسِ سنواتٍ كحدٍّ أدنى أيضاً، وبعد نيل رتبةِ أستاذٍ مشاركٍ يبدأ مرحلة الترشُّحِ للحصول على رتبةِ أستاذٍ بعد خمسِ سنواتٍ إضافيَّة وخمسة بحوثٍ إضافيَّة كحدٍّ أدنى). هكذا يكون الحاصلُ على رتبة أستاذٍ قد أجرى عشرة بحوثٍ (مقيَّمة إيجاباً طبعاً) خلال عشر سنوات، كحدٍّ أدنى.
66. تعديل نظامِ تقييم البحوث: وضعُ قواعدَ تتَّسق مع التقاليدِ العالميَّةِ في تقييم البحوثِ، منها أنْ تشاركَ أكثرُ مِن جهةٍ في ترشيحِ المُراجعين واختيارِهِم، بمن فيهم الأستاذُ صاحبُ العلاقة، وأنْ تكونَ هذه الترشيحاتُ خاضعةً لمعاييرَ واضحة، أهمُّها رتبةُ المُراجِعِ واختصاصُهُ. وأنْ يكونَ المراجعون من خارج الجامعة، وأحدُهُم من خارج البلاد. وأنْ يُغفَلَ اسمُ المؤلِّف، وأن تبقى أسماءُ المراجعين سرِّيَّةً تماماً، إلخ.
ثامنا: ضعف البنى البحثيَّة
67. المعهد العالي للدكتوراه بُنِيَ لتفتيتِ الحياةِ الأكاديميَّةِ وللنفوذ. فكرةُ معاهدِ الدكتوراه هي فكرةٌ فرنسيَّة، والهدفُ منها تجميعُ الموارد البشريَّة والتشبيكُ بين جامعتيْن أو أكثر، في موضوعٍ معيَّنٍ أو حقلٍ معيَّن، وما بين الأساتذة والطلاب والباحثين والجهات الأخرى المعنيَّة بهذا الموضوع في الجامعات المعنيَّة. وهذا التحشيدُ يُفترَض أن يُساعِدَ على تحسين إنتاج الباحثين الجُدُد، بما يُغذّي مكانةَ الجامعاتِ في التصنيفاتِ الدوليَّة. ومن هذه الزاوية أيضاً ظهرت، في فرنسا أيضاً، فكرةُ الأقطاب الجامعيَّة. في الجامعةِ اللُّبنانيَّة حصل العكسُ تماماً، وبرعاية فرنسيَّة (!). فقد سُحِبَ طلّابُ الدكتوراه والمشرفون من كلِّيّاتِهم ووُضِعوا في بنيةٍ (معهد الدكتوراه) تضمُّ حقولاً متعدِّدة. خسرتهم الكلِّيَّة وخسِروا التفاعلَ مع الزملاء في حقلِهِم، ووَجدوا أنفسَهُم في وسطٍ لا تجمعُ أعضاءه لغةٌ مشتركة. أي أنّه بدلاً مِنْ تعزيزِ الجماعة العلميَّةِ وحشدِها في كلِّ حقلٍ على حِدَة جرى تشتيتُها. وكان إنشاءُ هذه المعاهد، منذُ اللَّحظةِ الأولى، منطقةً جديدةً لتوزيع النفوذِ السياسيِّ بين أحزاب السلطة، ولمنحِ عميدِ المعهدِ منصَّةً للبيروقراطيَّةِ والإنفاقِ والظهور الاجتماعيّ.
68. مراكزُ بحوثٍ بيروقراطيَّة مِنْ دون قضايا ومِنْ دون جاذبيَّة. يوجد في الجامعة اللُّبنانيَّة اليومَ ستَّةُ مراكزَ بحوثٍ، إضافةً إلى “مركز الدِّراسات والأبحاث في المعلوماتيَّة القانونيَّة” وهو أقربُ إلى أنْ يكونَ قاعدة بيانات، ولا تنطبقُ عليه التعليقاتُ الواردةُ هنا. كلُّ مركزِ بحوثٍ قائم في كلِّيَّةٍ يحمل اسمَها. هذا التنظيمُ يُعطي المراكزَ بُنىً بيروقراطيَّةً ويجعلُها هامشيَّة. فهي أوَّلاً تقعُ تحت سلطة العميد، ما يُقيِّدُ عملَ رئيسِ المركز، وهي ثانياً، ذاتُ تمويلٍ ضعيفٍ جدّاً أو معدوم، وهي ثالثاً لا موضوعَ لأيٍّ منها، لأنَّ نِطاقَها يشملُ جميعَ حقولِ المعرفةِ في الكلِّيَّة. وقد أدَّت هذه الوضعيَّةُ إلى تحوُّلِ بعضِ المراكزِ إلى اسمٍ مِن دون مسمّى، أو أدَّت إلى العملِ على تعبئةِ الفراغِ بأنشطةٍ تدريبيَّةٍ (تعليمٌ موازٍ) أو اجتماعيَّة. عملِيّاً ثمَّةَ إهمالٌ لهذه المراكزِ البحثِيَّة في جميع الكلِّيّاتِ بما يتعلَّق بإجراء البحوث مِنْ قِبَل أفراد الهيئة التعليميَّة، لأنَّ فُرَصَ تمويل بحوثِهِم متاحةٌ في مكانٍ آخرَ في الجامعة.
69. الإدارةُ المركزيَّةُ للبحوث تعمل بطريقةٍ تعسُّفِيَّة. ثمَّةَ “لجنةٌ مركزيَّةٌ لإدارة البحث العلميّ” تتفرَّع عنها لجانٌ موزَّعةٌ على معاهد الدكتوراه، وكلُّ معهدٍ يضمُّ مجموعةً مِنَ الاختصاصاتِ (الكلِّيّات). لكِنْ شاءتْ الممارساتُ وأدّى ضعفُ المعايير إلى إخضاع قبولِ مشروعاتِ البحوثِ وإقرارِ ميزانيَّتِها، وزيادتها أو تنقيصها، ثمَّ قبولُ المُنتَج البحثيّ، إلى اعتبارات شخصيَّة ومجاملاتٍ ومحسوبيّات، على حساب النوعيَّة والملكيَّة الفكريَّة والحضور العلميّ في الدوريّات، بحيث تحوَّلت مشروعاتُ البحثِ في أغلب الأحيان إلى مشروعاتِ ارتزاقٍ وتوزيعِ مغانِم. ولا توجدُ على كلِّ حالٍ قواعدُ بياناتٍ شفّافة تُبيِّن المنشوراتِ الناجمة عن هذه البحوث.
70. برامجُ دعمِ البحث العلميّ في الجامعة هي إطارٌ ملتبس. أطلَقَت الجامعةُ منذ العام 2003 أربعة برامجَ لدعمِ البحثِ العلميِّ: برنامجُ دعم البحوثِ الأكاديميَّةِ الفرديَّةـ برنامج دعم البحوث المشتركة في محاورَ بحثِيَّةٍ محدَّدة، برنامجُ دعم المشروعاتِ البحثِيَّةِ التطبيقِيَّةِ ذاتِ العلاقةِ بالمجتمع، برنامجُ دعمِ بحوثِ الابتكار والتَّطوير. فهل صفةُ أكاديميَّة تنطبقُ فقط على البحوث الفرديَّة؟ ولماذا تفترق البحوثُ الفرديَّةُ عن البحوثِ المشتركةِ خصوصاً إذا كانت في الحقل المعرفيّ نفسِهِ؟ وماذا نعتبر بحثاً عن التربية البيئيَّةِ في المدارس، هل هو بحثٌ أكاديميّ، أم تطبيقِيّ، أم تطويريّ؟ هذا الغموضُ يُشتِّتُ معاييرَ القبول والمتابعة ويفسح المجال للتعسف.
الاقتراح: إرساء التقاليد البحثيَّة
71.إلغاءُ معاهدِ الدكتوراه الثلاثة، واستبدالُها بمعهدٍ واحدٍ، تقتصر مهمَّتُه على التنسيق بين الكلِّيّاتِ في نظام شهادةِ الدكتوراه في الجامعة بما في ذلك قواعدُ التقدُّم للدكتوراه وإنهائِها، وغيرِها، وحفظُ سجلّاتِها، وتكوينُ قاعدةِ بياناتٍ عنها، إلخ. وإعادةُ برامج الدكتوراه إلى الكلِّيّاتِ المعنِيَّةِ، على أنْ تُتَّخَذَ القراراتُ بفتحِ برامجِ الدكتوراه، في كلِّ اختصاصٍ على حِدَة، مِنْ قِبَل مجلسِ الجامعة، بناءً على مطالعاتٍ تُسوِّغُها وتُبيِّنُ أسبابَها الموجبَةَ وشروطَ عملِها.
72. إنشاء مراكزَ بحوثٍ متمحورةٍ حول موضوعاتٍ أو قضايا. فيدور عملُ كلِّ مركزٍ حولَ قضيَّةٍ أو موضوعٍ ويتعمَّقُ فيها ويستجلبُ مِنَحاً بحثيَّةً لها مِنْ داخل الجامعة وخارجِها، كما يستجلِبُ اتفاقاتِ تعاوُنٍ مع مراكزَ تُعالِجُ القضيَّةَ نفسَها في لبنان والخارج. وهذا ما يسمح بوضعِ كُلِّ مركزٍ على خريطةِ مُنتِجي المعرفةِ في موضوعِهِ، ويُؤمَّنُ له منصَّةٌ واسِعَةٌ للتشبيكِ مع الجماعةِ العِلميَّةِ في هذا الموضوع. ويُقتَرَح أنْ يُنشأَ أيُّ مركزِ بحوثٍ بناءً على مطالعةٍ أو مشروعٍ ويجري إقرارُهُ لمدَّةٍ معيَّنةٍ، وتقوم استمراريَّتُهُ على نجاحِهِ في إنتاجِ المعرفةِ وجذبِ المِنَحِ وزيادةِ حجمِ التَّشبيكِ البَحْثِي. ويُمكِنُ أنْ يُقامَ أكثرُ مِنْ مركزٍ بحثِيٍّ في الكلِّيَّةِ نفسِها، كما يُمكِنُ أن تُقامَ مراكزُ بحثيَّةٌ خارجَ الكلِّيّات.
إخضاعُ جميعِ المشروعاتِ البحثِيَّةِ للتدقيقِ الأكاديميِّ والأخلاقيِّ، واختيارُ مراجعينَ خارجيّين مِن غير زملاءِ صاحبِ أو أصحابِ الطلب.
وضعُ نظامٍ فعّالٍ للتقييمِ والمتابعةِ، بما في ذلك معاييرُ التقييمِ (عدمُ الخلطِ بين أنواعِ الدِّراساتِ والبحوثِ وكأنَّها تنطبقُ عليها المعاييرُ نفسُها).
حصرُ ميزانيّاتِ مشروعاتِ البحوث على التكلفةِ اللوجستِيَّةِ وأتعابِ المحقِّقين.
إثباتُ نشرِ المنتجِ البحثيّ في دوريَّةٍ محترَمَةٍ، أو في كتابٍ خضع لتحكيمٍ مستقلٍّ قبْلَ نشرِهِ.
إنشاءُ قاعدةِ بياناتٍ للبحوثِ المُمَوَّلةِ مِنَ الجامعة، وتكون متاحةً للجميع وتُحال إلى مشروعاتِ البحوثِ المقبولةِ والبحوث المنتهيَةِ مع روابط مباشرة تُشيرُ إلى هذه المشروعاتِ والدِّراساتِ المنشورة.
74. إعادةُ النظر في تصنيفِ برامج الدَّعم وتطويرِها، ويُقترَح:
وضعُ تقريرٍ تقييمِيٍّ لتجربةِ السنواتِ العشرِ الماضيةِ ونشرُهُ، على الأقلِّ داخلَ الجامعة، على أنْ تُشارِكَ في وضعِهِ أو في مراجعتِهِ جهاتٌ خارجيَّةٌ.
وضعُ تنظيمٍ أكثرَ وضوحاً لهذه البرامج، واعتمادُ تقليدِ التقريرِ السنويّ في عمل القائِمينَ عليها.
إنشاءُ قاعدةِ بياناتٍ حول عملِ برامجِ الدَّعم ونواتِجِهِ.
75. إدارة اعتباطية للبرامج. هناك نزعةٌ اعتباطِيَّةٌ في فتحِ البرامجِ (البرنامجُ هو شهادةٌ في اختصاصٍ معيَّنٍ) وفي وضعِ مِنهاجِهِ. ولا توجدُ قواعدُ مقرَّرةٌ معروفةٌ للسَّيرِ بِفتحِ برنامجٍ جديدٍ أوْ إقفالِ برنامجٍ قائمٍ لا مِنْ حيثُ شروطِ إنشائِهِ وجدواه ولا مِنْ حيثُ الجهةِ الَّتي تدرسُ مشروعَ البرنامجِ وترفعُ تقريرًا بِهِ يبني عليه مجلسُ الجامعة قراره. وهذا الاعتباطُ ينسحِبُ على إضافةِ مقرَّراتٍ وإلغاءِ أخرى. ويُشكِّلُ التعسُّفُ مُناخاً مناسِباً للتصرُّفِ في البرامجِ والمناهجِ على أساسِ الاعتباراتِ السياسيَّةِ والمصالحِ الخاصَّة. وأقوى الأمثِلةِ على النزعةِ الاعتباطيَّةِ في إدارة البرامج أنَّه في خلالِ ثلاثَةِ عُقودٍ لمْ تَتَمكَّن الجامعةُ في أيِّ سنةٍ مِنَ السَّنواتِ مِنْ إصدارِ جدولِ العامِ الدِّراسِيّ، لجهةِ بدءِ الدروسِ، والفصولِ الدِّراسِيَّةِ والامتحاناتِ والعُطَل، وإعطاءِ تواريخ تسجيلِ الطلّابِ وتقديمِ طلباتِ التعاقدِ للأساتذةِ وغيرها. مثلُ هذه القراراتِ يُفترَضُ أنْ تُعلَنَ في فصلِ الرَّبيعِ حتّى يتسنّى للطلّابِ والأساتذةِ (الجدُد والقُدامى) التصرُّفَ على ضوئِها.
76. تطبيقُ نظام الـ -أم-ديبطريقةٍ مشوَّهةٍ. من أبرز التشوُّهاتِ احتفاظ المنهاج بروحيَّةِ النظام السابق: تقسيمُ المادة الواحدة إلى نصفيْن (إلى مقرَّرَيْن)، اقتصارُ مقرَّراتِ الإجازةِ على الاختصاص نفسِهِ، مِنْ دونِ “متطلّبات الجامعة”، و”متطلبات الكلِّيَّة”، فهذان المفهومان غير معروفين في الجامعة. وتغيب المقررات الاختيارية من كليات أخرى، بسبب تشتت الكليات والفروع، كما تغيب مقررات الدعم والتعويض. وما زال النظامِ السنويِّ في النجاح معمولا به أحيانا. علما بأن هناك تفاوتا بين الكليات في تطبيق هذا النظام.
77. التشتُّتُ في المقرَّراتِ وفي مضامينِ التعليم. أدَّت الحَوْكَمَةُ السياسيَّةُ القائِمَةُ في الجامعةِ إلى تشتُّتِ المقرَّراتِ ما بين الفروع. هذا التشتُّتُ يأخذُ ثلاثةَ أشكال: اختلافٌ في المسمّيات، اختلافٌ في لغةِ التعليمِ، واختلافٌ في مضمونِ المقرَّرِ بين فرعٍ وآخَرَ، وبخاصَّةٍ مِنَ الزّاوِيَةِ الأيديولوجيَّةِ. وبالتالي يزيد هذا التشتت في الحقول الإنسانية والاجتماعية مقارنة بحقول العلوم البحتة والطبيعية.
78. سيطرة الطرق التلقينِيَّة في التعليم. ما زال الأستاذُ هو المصدر الوحيدُ للمعلومات، يُلقي محاضرتَه والطلّابُ يُدوِّنونَ ويحفظون، ثمَّ “يُسمِّعونَ” في نهايَةِ الفصلِ. وتغيبُ في مثلِ هذه الممارساتِ تقاليدُ المناقشة، وقراءةُ المراجِعِ والمصادر، وتحضيرُ التقارير والاجتهادات. وعندما يُطلَبُ من الطلبةِ إعداد تقارير منْ أجلِ التقييمِ المستمِرِّ تقتصر مهمَّتُهُم على النقل والتلخيص. وفي الحالتين يجري تلقّي ما يقولُهُ الأستاذُ في الصفِّ وما يقولُهُ مؤلِّفو الكُتُبِ باعتبارِهِ يقيناً. وفي الكلِّيّاتِ والاختصاصاتِ الَّتي يتطلَّبُ التعليمُ فيها إجراءَ تجاربَ في المختبراتِ، فغالباً ما يجري التعاملُ مع الاختباراتِ بطريقةٍ تلقينِيَّةٍ أيضاً، إذا توافرَتْ هذه المختبراتُ وأعطى الأستاذُ الوقتَ المطلوبَ، وفي حالاتٍ أخرى يُهمَل استخدامُ المختبراتِ إمّا بسببِ التقليل من أهمِّيَّتِها، أو بسببِ النَّقصِ في التجهيزات والمواد والطاقة، وغيرها من الأمور اللوجستيَّة.
الاقتراح: تحديث البرامج والمناهج
79. في إدارة البرامج والمناهج، يُقتَرَحُ:
إنشاءُ هيئة (لجنة) على مستوى الجامعة للمناهج، وظيفتُها دراسةُ ملفّاتِ البرامج الجديدة المرفوعة من الكلِّيّات ووضعُ اقتراحاتٍ بشأنِها تُرفَع إلى مجلس الجامعة. كما تدرس هذه اللَّجنة الطلبات والشكاوى كافّة المتعلِّقة بالمقرَّرات وتطبيقها في الجامعة.
وضعُ إطارٍ عامٍّ للبرامج والمناهج وطرقِ التعليم، وأنظمةِ الامتحانات والتقييم وغيرها، يُحدِّد المعاييرَ التي يجب أن تُتَّبَع في فتح البرامج، وفي تصميم المناهج ومكوّناتها وتعريف المقرَّرات، وأساليب فحص المخرجات.
إنَّ فتحَ أيِّ مسارٍ جديد أو فرعٍ أو استثمار يجب أن يندرجَ عن خطَّةٍ استراتيجيّةٍ مُعلنٌ عنها مسبقاً وتخضع لدراسة جدوى قبل الموافقة عليه وتنفيذه.
تنظيمُ عمليّاتِ تقييمٍ ذاتيٍّ للبرامج مع الاستعانة بهيئات ضمان جودة خارجيَّة متخصِّصة في البرامج المعنيَّة.
قيامُ القسمِ الأكاديميّ بالمهمّات المتعلِّقةِ بالبرامج التابعةِ له ومناهجها، بما في ذلك اقتراح إضافة أو إلغاء مقرَّرات ومتابعة تطبيقها ووضع ملخَّصات لها وحفظ المخطَّط التفصيلي (syllabus) لها، والتعرُّف إلى الكتبِ الجامعيَّةِ المقرَّرة، والتداول في شتّى الأمور ذات العلاقة واتخاذ القرارات بشأنها.
الاستماعُ إلى الطلاب، في كلِّ قسم على حِدَة، حول شؤونِ تطبيقِ المناهجِ أكاديميّاً وتنظيميّاً، إمّا من خلال لقاءاتٍ يقوم بها رئيسُ القسم معهم أو من خلال الاستطلاعات بما فيها تقييم الطلاب لعمل أساتذتهم ولطرق التعليم المعتمَدة.
80. في تطبيق نظام إل-إم-دي: يُقتَرَح إعادةُ النظرِ في نظام إل-إم-دي وتطبيقاتِهِ في سائر الكلِّيّات على أسسٍ موحَّدةٍ تعكس شخصيَّةَ الجامعةِ وكلّ كلِّيَّةٍ وقسم، من خلال وجود “متطلّبات” لكلٍّ منها، ومن خلال نظام التقييم والترفُّع، وفي الوقت نفسِهِ الحرصُ على المرونة التي يُوفِّرها النظامُ في الاختيار والاستزادة، إلخ.
81. في تأمين الوحدة الأكاديميَّة في الجامعة: إنَّ إلغاءَ الفروع هو شرطُ إزالةِ التشتُّتِ في المقرَّرات وفي النزعات الأيديولوجيَّة الخاصَّة بكلِّ فرع. وتفرض إعادةُ تنظيمِ المناهجِ وضعَ ملخَّصاتٍ تعريفيَّةٍ بالمقرَّرات في الجامعة ككلٍّ، مع ترميزها بحسب الاختصاص والمستوى، ويتمُّ نشرُ هذا “الدليل” على موقع الجامعةِ وإتاحتُهُ للجميع من طلابٍ وأساتذةٍ وإدارة، وللجمهور الواسع المهتمِّ ببرامج الجامعة اللُّبنانيَّة.
82. في تحسين طرق التعليم: يُقتَرح وضعُ مخطَّطٍ وتنفيذُه يهدف إلى إحداث نقلةٍ نوعيَّة في أساليب التعليم، يتضمَّن وُرَشاً وحلقاتٍ دراسيَّة حول الطرق البديلة (عن التلقين) واستخدام التكنولوجيا والأفلام والوثائق والمكتبات، وغيرها، من قبل أفراد الهيئة التعليمية. كما يُمكِن إنشاءُ وحدةٍ أو مركزٍ لتنظيم وُرَشٍ وحلقاتٍ دراسيَّة يجري فيها تبادلُ الخبرات البيداغوجيَّة بين الأساتذة، في الاختصاص نفسِهِ أو في أكثر من اختصاص.
83. في تطوير المختبرات: يجبإجراءُ تقييمٍ شامِل لها لجهة تغطيتِها للحاجات التعليميَّةِ والتدريبيَّةِ والبحثيَّةِ في الكليّات، ولجهةِ الجهوزيَّةِ وتوافرِ المواردِ البشريَّة ولجهة حُسنِ استخدامِها مِنْ قِبَل الأساتذة والطلاب ومدى فائدتها في التعلُّم والبحث العلميّ، وبخاصَّةٍ مِن أجل اكتساب معارف ومهاراتٍ تقنيَّةٍ وتنظيميَّةٍ وتحليليَّةٍ وتواصليَّة، ومن أجل القدرةِ على صوغ التقارير (على مستوى الإجازة)، أو من أجل اكتساب المهارات الاستقصائيَّة-الاستكشافيَّة اللازمة للبحث العلميّ (على مستوى الماستر).
عاشرا:مظاهرُ عديدة في ضعف الأخلاق المهنيَّة
84. تشيع لدى الأساتذة ظاهرةُ قبول مقرَّراتٍ والمشاركة في الإشراف على رسائل وأطاريح دكتوراه من خارج اختصاصهم.
85. يستغلُّ بعض الأساتذة مواقعَهم من أجل التنشئة والترويج لاتِّجاهٍ حزبيّ أو عقائديّ أو مذهبي وتقوم الإدارات باستضافة سياسيين ورجال دين بدلاً من المفكِّرين والباحثين. من جهةٍ أخرى يقوم بعضُ الأساتذة بطبع كتبِهِم على حسابهم (من دون دار نشر) وبَيعها للطلاب كمقرَّرات لهم. وإذا كان المؤلِّفُ مديراً أو عميداً يتطوَّع أساتذةٌ بفرض كتبِهِ تقرُّباً منه. وهناك مَنْ يترجم كتباً ويدّعي أنّه مؤلِّفُها ويبيعُها للطلاب مِن دونِ أيِّ وازعٍ أو محاسبة مهنيَّة.
86. أصبحت مراقبةُ الأساتذة من خلال دفتر حضور يُشرِف عليه موظَّفٌ إداريٌّ في النظارة مِن الأمور البديهيَّةِ والمقبولةِ للتأكُّد مِن التزام الأساتذة بمواعيد المحاضرات، بل يستغلُّ بعضُهُم هذه التواقيع لإثبات الوجود والتغيُّب عن التعليم في الوقت نفسِهِ! كما سعت بعضُ الإداراتِ إلى تركيب كاميراتٍ داخل الصفوف مِن دون أيِّ اعتراضٍ من الأساتذة في بعض الكلِّيّات.
87. يلجأ الكثيرُ من الطلاب إلى نسخ البحوث ولا تتوافر للأساتذة في الكثير من الأحيان آليَّةٌ للتأكُّد من الانتحال. وبالمثل فإنَّ هذا ينطبق على عدد من الأساتذة الذين ينسخون أعمالاً سابقة لهم أو لغيرهم ويُقدِّمونها على أنَّها أعمالٌ جديدة.
88. يجري التمييزُ أحياناً ضدَّ بعضِ الطلاب والأساتذة الَّذين ينتمون إلى أوساطٍ اجتماعيَّةٍ مختلفة عن الوسط المسيطِر في الفرع.
الاقتراح: سيادة الأخلاق المهنيَّة
89. اعتماد مجموعة من المبادئ والعمل على هديها:
اِلتزامُ مبدأ الكفاءة والاستحقاق في قبول الإشراف على الرسائل والبحوث وفي تدريس المقرَّرات.
التزامُ المعاييرِ الأكاديميَّةِ في عمل الإداراتِ وفي نشاطِ الأساتذة والطلاب داخلَ الجامعة، واعتمادُ مبادئ حريَّةِ التفكيرِ والنقدِ والتجربةِ والإبداع.
تمتُّعُ الأستاذ الجامعي بالمسؤوليَّة الأكاديميَّة والأخلاقيَّة وعدم وضعه تحت رقابة الموظَّفين الإداريين وإمرتهم.
التشدُّدُ في تقييم أعمالِ الطلاب وبحوثِ الأساتذةِ لجهة مراعاة الأصول العلميَّةِ والتثبُّت مِن حالات الانتحال ومعاقبة مرتكبيها.
العملُ على التناغم بين النصوصِ القانونيَّةِ ومعايير الأخلاقيّاتِ العلميَّة ودور الجامعة ورؤيتها.
حادي عشر: غياب الرؤية والرسالة
90. لا توجد للجامعة رؤيةٌ ولا رسالة. ثمَّةَ نصوصٌ متفرِّقةٌ تُعتبَرُ غيرَ ملائِمةٍ للجامعةِ في الوقتِ الحالي، نظراً لِما ظهر أعلاه من مشكلاتٍ جدِّيَّة في الجامعة.
91. نصَّتالمادَّةُ الأولى من قانونِ الجامعةِ اللُّبنانيَّةِ (لعام 1967) بأنَّها “مؤسَّسةٌ عامَّةٌ تقوم بمهمّاتِ التعليم العالي الرسميّ في مختلف فروعِهِ ودرجاتِه، ويكونُ فيها مراكزُ للبحوث العلميَّةِ والأدبيَّةِ العالية، متوخِّيَةً في كلِّ ذلك تأصيلَ القِيَم الإنسانيَّة في نفوسِ المواطنين”. لم يجرِ تغييرُ هذه الصيغة أو تحديثُها في التعريف عن الجامعة في القانون 66 لعام 2009 الذي عَدَّل قانون العام 1967. فقد تركَّز قانون 2009 على تشريعِ الفروع كقاعدةٍ لانتخاب المديرين والعمداء ورئيس الجامعة. وهذا يعني أنَّ الجامعة تسير اليوم، نظريّاً، على هَدي المادة الأولى التي كُتِبت في العام 1967، أي في ظروفٍ سابقةٍ مختلفةٍ كلِّيّاً. وهذا يعني أيضاً أنَّ النصوصَ المكتوبةَ حول المهمّات والرؤية والرسالة لا وظيفةَ لها في حياة الجامعة.
من المبكر كتابة “رؤية” و”رسالة” للجامعة اللُّبنانيَّة، فهذان النصّانِ يُكتَبان مِنْ قِبَل المؤسَّسة بصورة تعكس الإجماعَ على خياراتِها المستقبليَّة. ما نُقدِّمُهُ أدناه مجرَّد اقتراح أوليّ، مبنيّ على توجُّهات الورقة الحاليَّة:
93. بالنسبة إلى رسالة الجامعة، يُقترَح ما يلي:
تُسهِمُ الجامعةُ اللُّبنانيَّةُ في تطويرِ المعرفة، عن طريق البحثِ العلميّ، وفي نشرها وفي التطوُّر الاقتصادي وتطويرِ الخدماتِ الاجتماعيَّة، كما تُسهِم في بناء الدولة، وفي نشرِ ثقافة الالتزام المدنيّ. وفيها يرتبط التعليمُ بالإنتاج الاقتصاديّ وبإنتاجِ المعرفةِ والتواصلِ مع المراكزِ المعرفيَّةِ العربيَّةِ والعالميَّة.
94. بالنسبة إلى رؤية الجامعة، يُقترَح ما يلي:
الجامعةُ اللُّبنانيَّةُ جامعةٌ عامَّةٌ موجَّهةٌ لكلِّ اللُّبنانيّين، من المناطق الجغرافيَّةِ والفئاتِ الاجتماعيَّةِ كافّة، تُوفِّر لهم الاختلاطَ الاجتماعيَّ والاندماجَ ونوعيَّةَ تعليمٍ متخصِّصِ راقِيَة، في مُناخٍ يقومُ على احترام القانونِ والحريَّةِ الأكاديميَّةِ وعلى تعزيزِ التفكيرِ النقديِّ والمعاصِر والتذوُّقِ الأدبيّ والفنيّ وإتقانِ اللُّغاتِ والإبداعِ، ويفتحُ آفاقاً علميَّةً ومعرفيَّةً وثقافيَّةً تُساعِد في ابتكار إجاباتٍ لمواجهةِ التحدِّياتِ المجتمعيَّةِ والإنسانيَّة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.